صنعاء -
-
بعد أسبوعين من اندلاع معركة القضاء على الفتنة الحوثية أظن أن كل شيء قد أصبح واضحا لدى شعبنا، فقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام مجموعة من المتمردين المتعصبين مذهبيا وعنصريا، فإن كان الناس قد نسوا الحوار الشهير لوالد قادة التمرد بدر الدين الحوثي في صحيفة "الوسط" قبل أكثر من أربع سنوات، فقد قام ابنه يحيى بتذكيرهم بحجم التعصب العنصري والمذهبي الذي تحمله جماعته عبر قناة "المستقلة" التي تستحق مع صاحبها الصديق العزيز الدكتور الهاشمي الحامدي كل التحيّة على الدور الرائع الذي قامت به عبر عدّة حلقات في كشف هذا المرض الخبيث الذي لا علاج له.
لم يعد أمام الذين يريدون إقناعنا بأن هؤلاء يمثلون المذهب الزيدي أي حجة، فقد أثبتت الأحداث والحوارات السابقة والأخيرة ألاّ علاقة لهم بالإمام زيد بن علي رضي الله عنه ومذهبه لا من قريب ولا من بعيد، ولم يعد أمام الذين يريدون إقناعنا بأن هؤلاء يمثلون الهاشميين في اليمن أي حجة بعد أن كشف رموزهم عن حجم من التعصب السلالي يتصادم مع قيم ومبادئ إخواننا الهاشميين الذين وقفوا ضد استبداد الإمامة في كل الظروف والمراحل، ولم يعد أمام الذين يريدون إقناعنا بأن كل ما يريده هؤلاء هو ترديد شعاراتهم ضد أميركا وإسرائيل أي حجة، بينما هم يتوسعون كل يوم في ضرب سلطة الدولة على أراضيها ويكادون أن يتحولوا إلى دويلة صغيرة، ولم يعد أمام الذين يريدون إقناعنا بأن هؤلاء لا ينفذون أجندة إقليمية أي حجة، ونحن نرى الإعلام الإيراني الرسمي يزداد هستيريا كل يوم في الدفاع عن تمردهم بعد أن أدرك جدية الدولة هذه المرة في حسم الأمر والخروج من حالة اللا حسم واللا حل التي أغرتهم بالمزيد من الأذى، أصبح اليوم كل شيء واضحا وأصبحت البلاد على مفترق طرق، فإما استعادة هيبة الدولة التي أثر فيها التسامح والمرونة مع أناس لا يفهمون هذه اللغة الراقية أو ضياع هيبتها نهائيا، وهو ما يفترض أن يخشى منه المعارض قبل الموالي!
ومع ذلك، فأنا لا أريد أن يفهم أحد من هذا الحديث أن الحسم العسكري هو الحل، فأنا أتمنى اللحظة التي ينصاع فيها المتمردون –وهم في الأخير أبناء عُصاة لهذا الوطن– لدعوات السلم التي طرحها الرئيس علي عبدالله صالح والحكومة، فو الله إن فيها مصلحتهم لو كانوا يعقلون، ولو أن في هؤلاء المتمردين من يقرأ التاريخ القريب لا البعيد لاتعظوا من تجربة الجبهة الوطنية الديمقراطية التي رفعت السلاح في وجه الدولة في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكانت تملك من الدعم الشيء الكثير، فيما كانت الدولة في أشد حالات ضعفها، ومع ذلك فإن مشروع الجبهة سقط بعد أكثر من عشر سنوات من الاستنزاف وسفك دماء الأبرياء ولم يصح إلا الصحيح في النهاية، وانتصر منطق الدولة، فانضوى من انضوى من أعضائها في الإطار السياسي الذي كان قائما في الشمال حينها ومنهم من فضّل الاستقرار في الجنوب حتى استعادة الوحدة، وهم اليوم يعيشون حياتهم الطبيعية بين موالٍ ومعارض، بعد أن أدركوا أن العنف لا يؤدي إلى نتيجة.
في الحالة الراهنة لا شك أن الكرة في ملعب المتمردين، فهم إما أن ينصاعوا سلما لمنطق الدولة حيث تمثل الديمقراطية التعددية أكبر ضمان لنشاطهم السياسي، أو أن يقفوا ضد منطق الدولة وهم الخاسرون عاجلا أم آجلا، طالت المواجهات أم قصرت، فهذه سنن الله في الحياة، وهي سنن غلابة لا تحابي أحدا مهما كان، فهل يدركون قبل فوات الأوان؟!