صنعاءنيوز/تحقيق/ وديع العبسي -
فئة صامتة: كفى !!!
وطن جريح.. وأرواح معلقة بين الساحات وقرار الخلاص
حياة معطلة وطلاب يغازلون بوابة التعليم
أكثر من ثمانية أشهر ولا زلنا نشحذ همة النفَس الطويل باستخفاف مريع لمصالح الناس ومستقبل المجتمع.
وكأنها طلاسم سحرة أعمتنا عن استيضاح الأمور..وبقي كل منا في مربع مطالبة الأول، بلا أي اهتمام لأوجاع الناس المنتشرين في كل مكان في الأزقة والشوارع والأسواق، على الباصات وبين جدران منازلهم المظلمة بسبب انقطاع تيار الكهرباء.. يبكون وطن جراحه لا تريد أن تندمل.
أكثر من ثمانية أشهر والناس المستهدفون ببشارات التغيير صار الأمل يتسرب من بين أيديهم وقد صدمتهم ضبابية الأفق.. أكثر من ثمانية أشهر يومياتها لا تجد من يقرأها بحكمة فيزيح عن طريقنا هذه اللعنة التي حلت علينا فشقيت أمتنا في متاهات السوق السوداء، وثبطتها المكابرة عند حدود (اللحظة الراهنة) التي تأبى أن تفارقنا وكأنها لعنة.
كل تفاصيل حياة الناس شوهها ما يجري، وهي منذ ثمانية أشهر كسيحة لا تصل بهم عند شاطئ نهاية اليوم إلا وقد انتزعت منهم آهة التعب من نهار صعب وقلِق.
تنتهك الأحداث سكينتهم وأحالت واقعهم إلى ساحات صدام ودماء هنا، ونقاط تفتيش وتقطعات هناك، وطوابير لسيارات أمام محطات البترول، ولاسطوانات الغاز المنزلي في أكثر من مكان.. كما سيتبين في سياق.
فهل نحتكم إلى الله والى إنسانيتنا فنرحم هذه الأمة من وعثاء هذا السفر الطويل بحثا عن طريق؟
ترميم
تذهب المؤشرات إلى أننا سنكون بحاجة إلى سنوات لالتقاط الأنفاس فقط من عنف الأحداث التي يعيشها الوطن، وسنوات أخرى لتخفيف حجم ما خلفته هذه الأحداث من خراب ودمار، وزمن آخر لترميم نفوسنا من هذه التشققات التي سببتها الولاءات الضيقة للشيخ والقبيلة والحزب.
وتؤكد كل المواثيق الدولية على كافة الحقوق التي تضمن للإنسان العيش بكرامة وحرية في كل زمان ومكان بلا استثناء.. أي أن الأزمات والمشاكل السياسية التي يتبعها بالضرورة مشاكل اقتصادية والتي قد يمر بها أي مجتمع من المجتمعات لا تُسقط هذه الحقوق بل انه يتوجب في مثل هذه الظروف حرص الأطراف المختلفة على ضمان هذه الحقوق.
تؤكد منظمة المؤتمر الإسلامي انطلاقا من ما يدعو إليه ديننا الإسلامي على انه في حالة استخدام القوة أو المنازعات المسلحة، لا يجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال كالشيخ والمرأة والطفل، وللجريح والمريض الحق في أن يداوى وللأسير أن يطعم ويؤوى ويكسى، ويحرم التمثيل بالقتلى، ويجب تبادل الأسري وتلاقي اجتماع الأسر التي فرقتها ظروف القتال، كما لا يجوز قطع الشجر أو إتلاف الزرع والضرع أو تخريب المباني والمنشآت المدنية للعدو بقصف أو نسف أو غير ذلك، وأن الدولة تكفل لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله ويشمل ذلك المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية، وأيضا لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنا على نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله، وتلك بعض من المبادئ التي تؤكد القيم الإنسانية على الحفاظ عليها في حالة الحرب أو السلم إذ أنها تعني العامة الذين غالبا لا يكون لهم يد في النزاعات.
يتألمون بصمت
على امتداد الجغرافيا اليمنية لا يزال هنالك ملايين اليمنيين الذين يعانون بصمت، وهم الذين اصطلح عليهم تسمية "الفئة الصامتة".
هم الذين ربما من يعانون أكثر إذ يحاولون رغم كل شيء مقاومة التغييرات وتخفيف حدة التأثيرات الاقتصادية عليهم بممارسة حياتهم بشكل طبيعي اعتيادي إلا أنهم يفشلون دائما بطبيعة الحال لكن لا يزالون صامتين.
هم من كل فئات وشرائح المجتمع: تجار، موظفين، باعة، عمال، مثقفين، أميين، قبائل، ومدنيين.
بصوت مكتوم
يبرر محمد حسن صمته وعدم انخراطه في ما يجري من حوله لا بالكلام ولا بالفعل بقوله "ياخي نشتي نعيش الجهال".. ويتفق معه زميله حسن عبدالله بالقول "إحنا عمال باليومية ولو خرجنا نظاهر من شدي لنا مشقاية".
آخر لاحظته ينظر إلينا وقد بدا وجهه متجهما.. اقتربت منه وبادرته بالحديث لينتفض مبتعدا عني وهو يتمتم "الله أكبر عليكم.. جوعتونا وتشتو تضيعوا البلاد".
في مكان آخر أحدهم قال "اجو شكحلوها عموها".. رافضا تفسير مغزى قوله.. وقال سيف عبد المولى "نريد إصلاح بالتي هي أحسن.. يكفي.. تعبنا.. طفحنا.. خارجونا نسألكم بالله".
الجمل القصيرة هذه كانت كل ما يمكن أن يعبر به مثل هؤلاء الناس عن شعورهم بالمرارة بسبب ما يمر به واقعهم المعيشي من ضيق، وهو ذاته الذي يعكس مقدار ما تعيشه فئة كبيرة من الناس من كبت.. تتألم وتعاني بصمت.
يناقش الكثير من هذه الفئة الصامتة ممن اكتفوا بالمتابعة إشكاليات واقعهم بكل ما أُوتوا من قدرات على الاستنتاج والتكهن ويقولون ما يحلو لهم في لحظة من إفراغ ما يشعرون به من رفض لما يحدث.. يستنكرون ويرفضون وينتقدون هذا وذاك، لكنهم لا يختلفون أبدا وجميعهم رغبتهم واحدة هي الخروج من هذا المأزق.
صمت الاولويات
يحذر مراقبون من ظهور فريق ثالث في ساحة الصراع السياسي يضم الفئة الصامتة.. مرجحين إن الجوع سيكون هو دافعهم للخروج.
يقول الباحث الاجتماعي عبدالله ذهبان "إن الفئة الصامتة فئة موجودة وبكثرة و لا يمكن الاستهانة بها وصمتها في الغالب ليس ضعفا أو خوفاً ولكنه يخضع لأولويات يضعها الناس لأنفسهم، يرون في توفير لقمة العيش الأهم بالنسبة لهم سواء مع وجود أزمة أو لا، ولذلك فإن هذه الفئة دائما تأخذ جانب الحياد والصمت وإن كان لها رأي خاص بها يجنح غالبا إلى الصالح العام.. وإذا حدث أن خرجت فإنه سيكون الدافع كبير كالجوع وحينها سيكون الواقع على موعد مع ثورة جياع لن يسلم منها من يقف أمامها من المتصارعين".
من حقي أتعلم
من المؤسف أن نتغافل في لحظة من الخلاف مع الآخر عن حق الآخرين في الحصول على أبسط حقوقهم.
شريحة الأطفال والشباب والحق في التعليم جانب من واقع ومستقبل الأمم ويصير إقحام هذا الأمر في الخلافات مسألة إنما تنم عن استعداء غير مقبول للمستقبل، في جولة سريعة إلى بعض المدارس الأهلية الواقعة في أماكن بعيدة عن المناطق المتوترة والتي من الطبيعي أن تشجع الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها أكدت جميع هذه المدارس أن نسبة التسجيل حتى الآن لا تتجاوز الـ25%.
مدير إحدى هذه المدارس قال "سيضل باب التسجيل مفتوحاً إلى وقت متأخر.. فإذا مر الوقت فيما لا يزال عدد الطلاب قليلاً فإننا سنضطر لتسريح بعض المدرسين وتحميل مدرسين آخرين موادا دراسية إلى جانب موادهم الأساسية التي يدرسونها الطلاب، فلا يعقل أن أدفع الرواتب من جيبي كما لا يعقل أن أقرر في لحظة من العام الدراسي بإغلاق المدرسة فهذه مسئولية وهؤلاء الطلاب هم من أكثر الفئات تضررا في المجتمع بسبب ما يجري اليوم في بلادنا".
العودة إلى المدرسة
يرى البعض أن الحملة التي نظمتها أو رعتها اليونيسف مؤخرا وهي حملة العودة إلى المدرسة عملت في اتجاه واحد فقط هو تحفيز وتشجيع الآباء على التوجه بأبنائهم وبناتهم إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي الجديد لكنها لم توجه لنفس الغرض أية رسالة إلى المتسببين بهذا التوتر الأمني الذي يحول دون ثقة الآباء ترك أبنائهم الذهاب إلى المدرسة، بالتالي ظل الجو مشحونا وربما زاد لتبقى الكثير من المدارس مغلقة وأخرى بلا طلاب.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (26): " لكل شخص حق في التعليم. ويجب أن يوفر التعليم مجانا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليم الابتدائي إلزاميا. ويكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم. ويكون التعليم العالي متاحا للجميع تبعا لكفاءتهم" .
وحق الطفل بالتعليم نصت عليه المادتان (28، 29) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، فالتعليم حسب المادة (29) هو الذي يعمل على تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها وتنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة.
ضعف الحماس
وعلى ذلك يصير الأمر إدراك حقوق مكفولة للطفل والعمل بالتالي على الدفاع عنها.. يشير تقرير لمنظمة سياج لحماية الطفولة عن وضع الأطفال في اليمن إلى أن تدني مستوى الوعي المجتمعي بحقوق الطفل بل ووجود وعي خاطئ تجاه الكثير من تلك الحقوق ساهم في تدني مستوى استشعارها ما ترتب عليه ضعف مساهمة المجتمع في حماية حقوق الطفل والدفاع عنها وضعف تحمسه معها.
قرر عبدالوهاب عدم تسجيل ابنه هذا العام للدراسة لعدم قدرته على الوفاء بالتزامات الدراسة خصوصا وانه يفضل تسجيل ابنه في إحدى المدارس الأهلية كما اعتاد.. فيما يتمنى سعيد انتهاء الأزمة حتى يتسنى لابنه الدراسة.. وقال "لم أتعلم ولا أريد أن يكون أطفالي بلا شهادات مثلي".
التفاؤل مطلوب
يقول الأكاديمي ناصر بن سليمان إن المتفائلين وحدهم الذين يصنعون التاريخ، ويسودون الأمم، ويقودون الأجيال.. أما اليائسون والمتشائمون، فلم يستطيعوا أن يبنوا الحياة السوية، والسعادة الحقيقية في داخل ذواتهم، فكيف يصنعونها لغيرهم، أو يبشّرون بها سواهم.. ويضيف: إننا بحاجة إلى أن نربي الأمة على التفاؤل الإيجابي، الذي يساهم في تجاوز المرحلة التي تمرّ بها اليوم، مما يشدّ من عضدها، ويثبّت أقدامها في مواجهة أشرس الأعداء، وأقوى الخصوم؛ ليتحقق لها النصر بإذن الله.. ويرى بن سليمان بأن التفاؤل الإيجابي، هو التفاؤل الفعّال، المقرون بالعمل المتعدي حدود الأماني والأحلام، وأنه أيضا أي التفاؤل الإيجابي هو التفاؤل الواقعي الذي يتّخذ من الحاضر دليلاً على المستقبل دون إفراط أو تفريط، أو غلوّ أو جفاء، وأنه المبنيّ على الثقة بالله.
النفس السقيمة
ترى دراسة بأن التفاؤل يجعل الإنسان يبرمج عقله الباطن على التفكير الإيجابي فينعكس ذلك على إسعاده وزيادة حيويته ونشاطه الذهني والبدني، وأن التفاؤل يشجع الإنسان على الإقدام في الحياة والتفكير بإبداع.. وتخلص الدراسة إلى أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس, فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جليّ, فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل, وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب, فلا يرى منها إلا كل سيء باعث على القنوط والتشاؤم واليأس. |