صنعاء نيوز عبد السلام أديب - النظام الاقتصادي الرأسمالي على حافة الانهيار
وقائع مذهلة طبعت شهري يوليو وغشت من سنة 2011، فقد تتبعنا الجنون العام
الذي أصاب الحكومات والمسؤولين والأبناك المركزية وباقي المؤسسات المالية
الدولية حينما فقد "أسياد" العالم بوصلتهم بالكامل. ففي كل يوم تنعقد
اجتماعات جديدة لرؤساء الدول، ولمجموعة الثمانية، ولمجموعة العشرين،
وللبنك المركزي الأوروبي وللبنك المركزي الفدرالي الأمريكي... الخ. وبنفس
الجنون، وبارتجالية تامة، تم تقديم تصريحات تافهة مقارنة مع المشاكل
الحقيقية القائمة كما تم اتخاذ عدة قرارات في ظل مواصلة الأزمة
الاقتصادية العالمية لانحدارها اللولبي الكارثي.
الإفلاس العام يتطور، والركود يتعمق. وفي بضعة اسابيع، أصبح مخطط إنقاذ
الاقتصاد اليوناني متجاوزا كما طالت أزمة المديونية بشكل هائل دولا مهمة
في الاتحاد الأوروبي كإيطاليا واسبانيا. كما أن القوة الاقتصادية
العالمية الأولى نفسها، الولايات المتحدة الأمريكية، عاشت أزمة سياسية
كبرى من اجل رفع سقف الدين من أكثر من 14.500 مليار دولار إلى 16.600
مليار دولار، وذلك في إطار مخطط مواجهة العجز الفدرالي الذي قاد مباشرة
الى تدهور فاتورة الدين لهذه القوة الامبريالية ذات الأقدام الطينية. لقد
شكل ذلك أول حدث من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن إلى أين يسير الاقتصاد؟ لماذا يبدوا أنه ساقط في هاوية لا قاع لها؟.
هناك العديد من الأسئلة التي من الضروري الإجابة عنها ومنها، إلى أين
يدفع الاقتصاد العالمي البشرية؟
1 – نفاق البرجوازية
في سنة 2007 وبداية سنة 2008، دفع إفلاس البنك الأمريكي ليمان برادرز
الاقتصاد نحو حافة الهاوية. وتحول النظام المالي بأكمله، إلى شبه قصر من
ورق، مهدد بالانهيار في كل لحظة. وتدخلت الدول من أجل تحمل مديونية
الأبناك التي تقدر بمبالغ خيالية، مما جعل هذه الدول تقف على حافة
الإفلاس ووجدت الأبناك المركزية نفسها في وضعية محفوفة بالمخاطر.
وخلال كل هذا الوقت، كانت البرجوازية تسخر بخبث منافقة الجميع. فقد
مارسوا على الجميع خطاب الكذب. فهؤلاء المستغلون المنافقون لا يمكنهم
تقديم توضيح حقيقي حول انهيار النظام الرأسمالي. لذلك، نجدها تلجأ إلى
الكذب والخداع والنفاق وإخفاء الوقائع كضرورة للحفاظ على المستغلين تحت
الهيمنة.
فقد بدأت البرجوازية بالادعاء بأن كل تلك الوقائع ليس خطيرا، وأنها تتحكم
بالكامل في الأوضاع الاقتصادية. في بداية سنة 2008، بعد انهيار مؤشرات
البورصات بحوالي 20 % وتراجع النمو العالمي، كانوا يعدون الجميع بجدية،
بإمكانية الخروج سريعا من الأزمة. وقد تم اعتبار الأزمة عابرة ودورية؛
لكن الوقائع كانت أكثر عنادا من خطابات البرجوازية. وهكذا انتقل هؤلاء
"السادة" إلى استعمال تبريرات وطنية وضيعة خاطئة وغادرة وخسيسة. فقد قيل
في البداية أن الأزمة ترتبت نتيجة خطأ أولائك الفقراء الأمريكيين الذين
أنفقوا كثيرا بواسطة القروض دون تفكير واشتروا منازل دون أن تكون لديهم
إمكانيات لسداد قروضهم، الأمر يتعلق هنا بواقعة السوبرايم المشهورة.
لكن هذا التفسير لم يتبق له أية مصداقية عندما أصابت الأزمة منطقة
الأورو، وعندما أصبح واضحا أن الدولة اليونانية لن تتمكن من تفادى
الافلاس. وفي مواجهة ذلك تزايد كذب ونفاق البرجوازية الذين اعتبروا
العمال المستغلين في هذه البلدان ككسالى ونفعيين وأن الأزمة في اليونان
هي خاصة بهذا البلد، نفس الشيء قيل بخصوص اسلندا ثم بعد بضعة أشهر
بالنسبة لايرلندا.
على شاشات التلفزة وعلى أمواج الإذاعة، يستعمل البرجوازية خطابا مسموما
قاتلا. فهم يعتبرون أن الجماهير تبذر كثيرا، كما لو أن الجماهير المستغلة
تعيش فوق إمكانياتها أو كما يعيش الباشاوات !
لكن أمام الغضب الجماهيري المشروع الذي يتطور في قلب هذه البلدان، تطورت
معها الخطابات الكاذبة مرة أخرى. ففي ايطاليا أشير الى برلسكوني
"المهرج"، كمسؤول وحيد عن السياسة الاقتصادية ... غير المسؤولة. لكن من
الصعب قول نفس الشيء بالنسبة رئيس الحكومة الاسبانية زاباتيرو "الجدي".
حاليا، تشير البرجوازية بأصبع الاتهام الى قسم منها. حيث قالوا بأن خطأ
الأزمة يسقط جزئيا على عالم المال، واسماك القرش المالية الجشعة دائما
للإرباح. وفي هذا الإطار تتبعنا في الولايات المتحدة الأمريكية في دجنبر
2008، كيف أن مادوف B. Madoff المسير السابق لنازداك وأحد المستشارين في
مجال الاستثمارات الأكثر شهرة واحتراما في نيويورك أصبح بين ليلة وضحاها
من أخطر النصابين في العالم.
نفس الشيء حدث بالنسبة لاتهام وكالات التنقيط العالمية. ففي نهاية سنة
2007، تم اعتبارها غير كفأه لكونها أهملت في تقييماتها ثقل الديون
السيادية للولايات المتحدة الأمريكية. أما اليوم، فنجدها متهمة على العكس
من ذلك بالمبالغة في اتهام نفس هذه الديون السيادية في منطقة الأورو
(بالنسبة ل مودييس Moody s ) وفي الولايات المتحدة الأمريكية (بالنسبة
لستاندارد آند بوور Standard & Poor s ).
وعلى اعتبار أن الأزمة أصبحت الآن ظاهرة ومفتوحة عالميا، أصبحت
البرجوازية مجبرة على إيجاد كذبة أكثر مصداقية وأكثر اقترابا من الحقيقة.
وهكذا سمعنا منذ بضعة شهور، إشاعة تزداد قوة، تقول بان الأزمة هي نتيجة
للمديونية العامة، غير القابلة للتحمل، تسببت فيها المنشآت المالية
الكبرى لمصلحة المضاربين الكبار. ومع دخول صيف 2011 والانفجار الجديد
للازمة المالية، لاحظنا أن هذه الخطابات بدأت تغزو شاشاتنا.
نستخلص من الأمثلة السابقة ان البرجوازية بدأت تجد صعوبة في تقديم أكاذيب
مقبولة، لكنها ستظل تستعمل الأكاذيب، بدليل تنامي نوع من الصخب الذي
يطوره عدد من الاقتصاديين و"أحزاب اليسار" و"اليساريون" كفصائل برجوازية
صغرى انتهازية، في كل مكان حول أن "المالية" وليس "الرأسمالية" بحد ذاتها
هي المسؤولة عن التعمق الحالي للازمة !!!
وبطبيعة الحال، الاقتصاد ينهار حاليا تحت ثقل المديونية والتي لا يمكن لا
سدادها ولا تحملها. وبذلك تم إدخال قيمة النقود في مأزق، دافعة إلى
ارتفاع أسعار السلع والخدمات وفاتحة الباب أمام إفلاس الخواص والأبناك
ومؤسسات التأمين والدول. وكل هذا يهدد في المستقبل القريب الأبناك
المركزية بالجمود.
لكن هذه المديونية العامة الضخمة ليست نتيجة مباشرة لجشع البرجوازية
المالية وباقي المضاربين، وأيضا أقل استهلاك المستغلين. بل على العكس من
ذلك، كانت هذه المديونية العامة ضرورية وحيوية لبقاء النظام لأزيد من نصف
قرن لتفادي الإنتاج الزائد الأكثر فأكثر كثافة. التطور التدريجي للمضاربة
المالية ليست إذن هي السبب في الأزمة، لكنها كانت نتيجة الوسائل التي
اتخذتها الدولة من اجل مواجهة الأزمة منذ خمسين سنة. وبدون سياسة
الاستدانة السهلة والمديونية المتزايدة إلى درجة أصبحت غير قابلة للتحكم
فيها، لم تكن الرأسمالية لتستطع بيع سلعها بكميات دائما متزايدة.
وفي الواقع، فان حدة هذه المديونية المتزايدة هي التي أتاحت للرأسمالية
خلال مدة طويلة دعم نموها. ثم إن النمو الوحشي للمالية المضارباتية أصبح
تدريجيا عبارة عن سرطان حقيقي بالنسبة للرأسمالية والذي ليس هو في الواقع
سوى نتيجة للصعوبات المتزايدة أمام الرأسمالية للاستثمار والبيع بالربح.
وأمام النضوب التاريخي لهذه القدرة، في نهاية سنة 2007 وبداية 2008
انفتحت واسعا أبواب الركود والانهيار.
2 – في زمن الركود الاقتصادي والافلاسات
شكلت أحداث شهر غشت من سنة 2011 أوضح تعبير عن تعمق الركود الاقتصادي
وافلاسات الدول والتي صرح بشأنها رئيس البنك المركزي الأوروبي، تريشيه
J.C. Trichet ، بأن: الأزمة الحالية شبيهة الخطورة بأزمة 1930".
ومنذ تعمق الحلقة الحالية للازمة في نهاية سنة 2007 أصبح مصير الاقتصاد
العالمي متوقفا على الخلق المتسرع والهائل للنقود من طرف الأبناك
المركزية وبالدرجة الأولى البنك المركزي الفدرالي الأمريكي، وهو ما تمت
تسميته بالكميات المخففة أرقام 1 و2 les “ Quantitative Easing ” n°1 et
2 والتي ليست سوى القمة البارزة من كرة الثلج للخلق المكثف للنقود.
وفي الواقع فإن البنك المركزي الفدرالي أغرق الاقتصاد والأبناك والدولة
الأمريكية بدولارات جديدة، كما فعل نفس الشيء بالنسبة لمجموع الإقتصاد
العالمي. النتيجة هي ضمان بقاء النظام البنكي والحفاض على نمو عالمي
بواسطة حقنات دائمة.
إذن فالركود الحاصل منذ أربع سنوات تم تخفيفه بواسطة القروض وخلق النقود.
ثم إن عودة هذا الركود الكبير على المسرح الدولي هو ما حدث خلال صيف
2011.
من بين الأشياء التي تخيف البرجوازية، هو التباطؤ العنيف الحالي للانشطة.
فقد انهار نمو نهاية سنة 2009 وسنة 2010. في الولايات المتحدة الأمريكية
بلغت قيمة الناتج الداخلي الإجمالي لثلاثة أشهر الثالثة من سنة 2010 مبلغ
14.730 مليار دولار. فقد تزايد بنسبة 3,5 % مقارنة بالنقطة الأكثر
انحدارا لسنة 2009. ويبقى مع ذلك اقل من 0,8 % مقارنة بمستواه قبل سنة
2007.
وبينما كانت نسبة النمو المتوقعة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2011
هي 1,5 % في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2011، إلا أن النسبة الحقيقية
سقطت، ولم تتجاوز 0,4 %. أما بالنسبة لستة أشهر الثانية فقد تم تقدير
نسبة النمو في نهايتها في 1,3 %، لكنها في الواقع ستكون قريبة من 0 %.
نفس الظاهرة سوف نشاهدها في بريطانيا وفي منطقة اليورو، فالاقتصاد
العالمي يتجه نحو معدلات نمو في تراجع مستمر، وحتى في بعض الدول
الرئيسية، كالولايات المتحدة، الاتجاه يسير نحو ما تسميه البرجوازية
بمعدل النمو السلبي.
ومع ذلك، في ظل هذا السياق التراجعي، لم يتوقف التضخم عن التزايد، فهو
رسميا يصل الى 2,985 % في الولايات المتحدة الأمريكية لكنه يصل الى نسبة
10 % حسب طريقة حساب المدير السابق للبنك المركزي الفدرالي بول فولكر
Paul Volcker. أما بالنسبة للصين، والتي تمثل البلدان الناهضة، فيرتفع
المعدل سنويا الى أكثر من 9 %.
خلال شهر غشت 2011، أكد الهلع العام الذي أصاب الأسواق المالية الوعي
بكون الأموال التي تم ضخها منذ سنة 2007 لم تمكن من تحقيق انطلاقة جديدة
للاقتصاد وبالتالي الخروج من الأزمة. لكنها في المقابل استطاعت خلال اربع
سنوات أن تشعل نار المديونية العالمية الى درجة انهيار النظام المالي
الذي عاد إلى الواجهة، وفي ظل وضعية اقتصادية عالمية أكثر تدهورا من
نهاية سنة 2007. حاليا، أصبحت الوضعية الاقتصادية في حاجة إلى ضخ سيولات
جديدة ولو بأحجام منخفضة ضرورية وحيوية كل يوم.
البنك المركزي الأوروبي مجبر اليوم على شراء يومي للمديونية الايطالية
والاسبانية بملغ يصل الى حوالي 2 مليار أورو تحت طائلة انهيار هذين
البلدين. وإذا كانت هذه الأموال الجديدة تعتبر ضرورية للحفاظ على حياة
النظام يوما بيوم، فإن هذا الأخير لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتحمل
انعكاسات ولو قليلة، من آثار خلق الأوراق المالية التي كانت متبعة منذ
نهاية سنة 2007. وعليه فإن الأمر يتطلب الكثير من أجل مسح الديون والتي
تبلغ بالنسبة لاسبانيا وايطاليا مئات الملايير من الأورو.
احتمال تدهور النقطة الثلاثية AAA لفرنسا ستكون الخطوة الأخطر في منطقة
الأورو. فالدول التي تتوفر على هذا التنقيط الثلاثي هي فقط من يستطع
تمويل صندوق الدعم الأوروبي. وإذ لم تصبح فرنسا قادرة على ذلك، فإن كامل
منطقة الأورو ستنهار. حالة الهلع خلال الخمسة عشرة يوما الأولى من شهر
غشت لم تنتهي بعد ! هناك حاليا وعيا لدى للبرجوازية ومسؤوليها بأن الدعم
الضروري والمتواصل لنمو الانشطة الإقتصادية – حتى بشكل معتدل – أصبح
مستحيلا.
لقد كان ذلك أحد الأسباب العميقة لتمزق البرجوازية الأمريكية حول قضية
رفع سقف المديونية. نفس الشيء حدث بالنسبة للاتفاقات – المعلن عنها– بين
المسؤولين بمنطقة الأورو حول مخطط انقاد اليونان، وهو المخطط الذي تراجعت
عنه بعض الحكومات الأوروبية. الصراع بين الجمهوريين والديموقراطيين حول
رفع سقف الدين ليس مجرد صراع بسيط كما تحاول الصحافة البرجوازية تقديمها
والتي تقابل بين أشخاص مسؤولين مقابل أشخاص غير مسؤولين من اليمين
المتطرف الأمريكي، حتى وإن كان سوء التقدير الذي تمثله المطالب
الدوغمائية التي لا معنى لها– خصوصا تلك المقدمة من طرف حزب الشاي Tea
Party عمقت المشاكل التي تعترض الطبقة المهيمنة الأمريكية.
عدم قدرة المسؤولين بمنطقة الأورو على الاتفاق حول سياسة منسقة ومتوافق
عليها لدعم البلدان الأوروبية التي هي في وضعية عدم القدرة على سداد
مديونيتها، لا يعود فقط الى تناقضات المصالح البئيسة للمسؤولين لكل
رأسمال وطني. بل إن ذلك يترجم في الواقع حقيقة أكثر عمقا وأكثر مأساوية
بالنسبة للرأسمالية. فالبرجوازية التي تتطلع الى دعم جديد مكثف للاقتصاد
كما كان الحال بالنسبة للفترة المتراوحة ما بين 2008 و 2010 تعي أنها
عملية محفوفة بالمخاطر. ذلك لأنها تهدد باحداث الكثير من الانهيارات لقيم
سندات الخزينة لمختلف الدول وكذا قيم عملات نفس هذه الدول، بما في ذلك
الأورو؛ وهو الانهيار الذي أعلن عنه تطور التضخم خلال الشهور الأخيرة،
3 – الآفاق المسدودة أمام الاقتصاد الرأسمالي العالمي
الركود الاقتصادي حاضر إذن، ولا يمكن للبرجوازية أن تمنع تطوره. ذلك ما
فضحه هذا الصيف. فالعاصفة انفجرت والقوة العالمية الأولى التي ينتظم
حولها الاقتصاد العالمي منذ سنة 1945 توجد على طريق العجز عن السداد
يستحيل تصوره منذ زمن قصير، هذه الحقيقة التاريخية تطبع بقوة عملية إفلاس
كامل للاقتصاد العالمي. كما أن الدور الذي صنع الولايات المتحدة
الأمريكية كقوة اقتصادية أولى منذ أكثر من ستين سنة أصبح حاليا منتهيا.
وقد أكدت الولايات المتحدة ذلك علنا، فلا يمكنها أن تستمر كما كان الشأن
في السابق، كيفما كان مبلغ شراء جزء من مديونيتها من طرف الدول الأخرى
كالصين والعربية السعودية، كما أن تمويلها الذاتي أصبح مشكلة رئيسية
ونتيجة لذلك ستصبح عاجزة عن تمويل الطلب العالمي.
من سيحل مكان الولايات المتحدة؟ لا أحد يمكنه ذلك !
منطقة الأورو لا يمكنها إلا أن تنتقل من أزمة إلى أخرى سواء على مستوى
الدين العمومي أو الخاص، وتتوجه نحو تفجير الشكل الحالي لهذه المنطقة.
بالنسبة للبلدان "الصاعدة" والتي يوجد من بينها الصين ترتبط بشكل كامل
بالسوق الأمريكية والأوروبية واليابانية. فرغم كلفة إنتاجها المنخفضة
جدا، أكدت خلال السنوات الأخيرة ان الأمر يتعلق باقتصاديات تتطور من خلال
ما أمكن تسميته من طرف وسائل الإعلام "باقتصاد الفقاعة"، بمعنى انجاز
استثمارات هائل لا يمكنها أبدا تحصيل عائداتها. إنها نفس الظاهرة
المماثلة لازمة العقار في الولايات المتحدة وللاقتصاد الجديد قبل بضعة
سنوات. وفي الحالتين فإن النتيجة كانت هي الركود.
الصين زادت من تكلفة ديونها، ولم يحدث شيئا، لكن انهيارات تتهددها على
نفس الشاكلة في الغرب. الصين، الهند، البرازيل ، بعيدا عن الأقطاب
المستقبلية لنمو الإقتصاد، لا يمكنها سوى أن تأخذ مكانها في صيرورة
الركود العالمية. مجموع هذه التصدعات الرئيسية في الاقتصاد ستشكل عاملا
قويا لزعزعة الاستقرار وتفكيك هذه الأخيرة.
ما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية وفي منطقة الأورو يدفع
العالم نحو الركود والإفلاس والتي تغذي بعضها البعض بطريقة أكثر فأكثر
سرعة وعمقا. التوقف النسبي الذي حدث منذ أواسط سنة 2009 انتهى الآن.
صيرورة إفلاس الرأسمالية والتي دخلها الاقتصاد العالمي الآن لا يطرح فقط
على البروليتارية ومضطهدي العالم اجمع ضرورة رفض السداد اليومي لفاتورة
هذه الأزمة الرئيسية للنظام.
ولا يتعلق الأمر فقط بالتسريحات الجماعية أو بتقليص الأجور الحقيقية. إن
الأمر يتعلق بتعميم البؤس، وعدم قدرة متزايدة للبروليتارية عن تلبية
حاجياتها الأكثر أساسية.
يؤكد هذا الأفق الدرامي على أن ما ينهار حاليا ليس فقط الرأسمال المالي
مثلا أو واجهة خاصة من الرأسمالية، لكن الأمر يتعلق بانهيار كامل للنظام
الرأسمالي، فالمجتمع الرأسمالي بكامله يندفع حاليا نحو الهاوية ومعه
البروليتارية إذا ما تركت نفسها تنساق معه.
ليس هناك من بديل آخر سوى قلب النظام الرأسمالي، عبر تطوير صراع طبقي
جماهيري مكثف ضد هذا النظام المتعفن القاتل والذي لا مستقبل له. وفي
مقابل إفلاس الرأسمالية تطرح ضرورة بناء مجتمع جديد حيث لا ينتج الإنسان
من أجل أرباح يستأثر بها البعض فقط، وإنما ينتج من اجل إشباع الحاجيات
الإنسانية، مجتمع إنساني حقيقي جماعي ومتضامن |