صنعاء نيوز -
رفض نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، بشدة اي حديث عن امكانية ملء الفراغ المحتمل بعد اتمام القوات الاميركية انسحابها من العراق نهاية العام الحالي، من قبل اية دولة سواء كانت جارة او غير جارة، عربية او غير عربية، قائلا:
ان العراقيين فقط هم من يملأ الفراغ المحتمل، فهم قادرون على الامساك بالملف الامني على الرغم من كل التحديات الجسام التي ستواجههم مطلع العام القادم.
واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث الليلة على الهواء مباشرة لاذاعة قطر (الهيئة العامة القطرية للاذاعة والتلفزيون) في برنامج حواري خاص عن العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الكامل:
على الرغم من ان العراق لا زال يواجه تحديات التنظيمات الارهابية، خاصة المتحالفة مع ايتام النظام البائد، والتي تبذل قصارى جهدها من اجل استغلال اي فراغ امني قد يشهده العراق بعد اتمام الانسحاب العسكري الاميركي، الا ان العراقيين قادرون على ملء هذا الفراغ باية طريقة ممكنة، وهم يرفضون الحديث عن احتمالات ملء مثل هذا الفراغ من قبل اية دولة كانت مهما كان عنوانها، وقربها او بعدها عن العراق، فالسيادة بالنسبة الى العراقيين خط احمر لا يجوز لاحد تجاوزه والاعتداء عليه باية حجة من الحجج، فبعد كل هذه التضحيات المضنية التي قدمها العراقيون بسبب سياسات نظام الطاغية الذليل صدام حسين والتي انتجت القضاء على السيادة الوطنية بالكامل في اطار عدد من القرارات الدولية، وبعد كل الجهد السياسي والديبلوماسي الذي بذله العراقيون من اجل التوصل الى الصيغ القانونية التي نص عليها اتفاق الاطار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، والتي انتجت هذا اليوم الذي سيكون فيه العراق خال من القوات الاجنبية، فانهم، العراقيون، سوف لن يفرطوا بالسيادة الوطنية مرة اخرى، كما فعل الطاغية الذليل، وانهم سيحرصون على المضي قدما في العملية السياسية لاكمال بناء دولة القانون ومؤسساتها الدستورية من اجل ان لا يشهد العراق اي تراجع آخر يمنح اي طرف دولي او اقليمي الذريعة للتدخل في الشان العراقي مرة اخرى.
عن العلاقة المحتملة للعراق مع دول الجوار بعد اتمام الانسحاب الاميركي، قال نــــزار حيدر:
لا شك ان العراق كامل السيادة سيكون اقدر على بناء علاقاته المرجوة مع جيرانه والمجتمع الدولي، وفي هذا الصدد علينا ان نتذكر ما يلي:
اولا: لقد فقد العراق ، بسبب السياسات الحمقاء التي ظل ينتهجها النظام البائد، كل علاقاته الدبلوماسية والسياسية مع دول الجوار والمجتمع الدولي، كما انه فقد الكثير من مقاعده في المحافل الدولية بعد ان راكم ديونا ضخمة على عاتق الميزانية العامة ما حال بينه وبين الايفاء بالتزاماته الدولية الاقليمية، ولقد بدا العراقيون في سعيهم لاعادتها بصعوبة بالغة في ظل قرارات دولية شرعنت الغزو والاحتلال وصادرت سايدته الوطني وقضت على قراره السياسي، ومع كل ذلك الا ان العراقيين نجحوا الى حد بعيد في هذا المسعى، فالعراق اليوم يختلف عن عراق قبل ثمان سنوات، ويختلف عن عراق قبل سنتين.
ثانيا: لقد ظلت بعض دول الجوار، واخص بالذكر الجمهورية الاسلامية في ايران، تنظر بعين الريبة والقلق للتواجد العسكري الاجنبي الضخم في العراق طول السنين الثمان المنصرمة التي اعقبت سقوط الصنم، واليوم، اذ يخلو العراق من اية قوة عسكرية اجنبية فان ذلك سيطمئنها وبقية دول الجوار التي كانت تخشى من مثل هذا التواجد والانتشار، ما سيساهم في تحسين العلاقة وتحولها من حالة التربص والشك والريبة الى حالة من الاطمئنان والثقة المتبادلة والاستقرار.
ثالثا: لقد سعى العراق، ومنذ اليوم الاول لسقوط الصنم، الى بناء علاقات متوازنة وايجابية ومتينة مع كل دول الجوار، العربية منها وغير العربية، الا ان بعضها، وللاسف الشديد ظل يتعامل مع العراق الجديد بعدوانية قل نظيرها، واقصد بذلك تحديدا المملكة العربية السعودية التي وظفت كل شئ، الفتوى الطائفية التكفيرية والاعلام المضلل والمدارس الدينية والمساجد التي عشعش فيها الارهاب وباض وفرخ، من اجل قتل النفس البرئية وتدمير البنى التحتية للبلاد، في محاولة منها الى تحطيم العملية السياسية والنظام الديمقراطي الذي ترى فيه خطرا محدقا ومصدر قلق على نظامها القبلي الوراثي والذي يتناقض كليا من مبادئ وقيم الديمقراطية، وهذه بالتاكيد ليست مشكلة العراقيين الذين قرروا بناء نظام ديمقراطي يعتمد مبادئ احترام حقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة والحرية وعلى راسها حرية التعبير والتعددية وسيادة القانون، انما هي مشكلة النظام القبلي الذي يخشى من اية محاولة يبذلها اي شعب في المنطقة باتجاه بناء النظام الديمقراطي، وها هي اليوم تبذل كل ما بوسعها من اجل تدمير حلم الشعوب العربية المتحررة للتو من ربقة الديكتاتورية، والتواقة الى بناء النظام الديمقراطي.
ان العراقيين غير مستعدين لتغيير قناعاتهم بصدد النظام الديمقراطي لصالح اي نظام في المنطقة، وان على من يخشى الديمقراطية ان يعيد النظر بقناعاته وطريقة تعامله مع شعبه ليواكب المتغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم، والعربي تحديدا، كما ان عليه ان يحترم قناعات العراقيين، وعليه ان يوطن نفسه للتعايش مع عراق جديد، ديمقراطي ولامركزي، فيدرالي، تحكمه الاغلبية السياسية مع كامل الاحترام لحقوق الاقلية، السياسية وغير السياسية، لا ان يتوسل بالقتل والتدمير من اجل اجبار العراقيين على تغيير قناعاتهم واستبدال خياراتهم، فالعراقيون غير مستعدين بالمرة للعودة الى المربع الاول، تحكمهم الاقلية التي تتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية في احسن الفروض.
عن مدى احتمال ان تتسبب التجاوزات العسكرية التركية والايرانية على الحدود العراقية بحرب اقليمية جديدة، قال نـــــزار حيدر:
اولا: ان اية تجاوزات عسكرية من هذا القبيل انما هو امر مرفوض جملة وتفصيلا، ولقد اعلنت الحكومة العراقية عن شجبها لكل هذه التجاوزات بغض النظر عن الاسباب، لانها تتعرض للسيادة الوطنية، وهو الامر الذي لا يجوز السكوت عنه باي حال من الاحوال.
ثانيا: لقد شدد العراقيون دستوريا وقانونيا على رفضهم التام لان يكون العراق ممرا للمجموعات الارهابية الناشطة ضد اي من دول الجوار، بل انهم يشددون على رفض الامر ذاته حتى للجماعات المعارضة التي تنشط ضد اي من دول الجوار، كما انهم يرفضون ان يكون العراق ممرا لاية قوات اجنبية او اقليمية لتصفية حسابات الدول مع بعضها البعض الاخر، او مع الجماعات التي تنشط ضدها.
ولكل ذلك فلقد شجب كل المسؤولين سواء في الحكومة الاتحادية او في حكومة اقليم كردستان، كل انواع النشاط العسكري الذي تمارسه الجماعات المسلحة على طول الحدود المشتركة مع ايران ومع تركيا.
في ذات الوقت، فانهم شجبوا كذلك التجاوزات العسكرية الايرانية والتركية على الحدود العراقية.
في هذا الصدد، علينا ان نعترف بصعوبة الظرف الامني والعسكري على طول منطقة الحدود المشتركة بين العراق وهذين البلدين الجارين، ولذلك فان العراق يسعى بكل الطرق الدبلوماسية والسياسية الى التوصل الى صيغ معقولة ومقبولة لدى كل الاطراف من اجل اعادة الهدوء الى المناطق الحدودية بما يضمن امن العراق وسيادته على هذه المناطق اولا، وبما يضمن كذلك امن وسيادة بقية الاطراف من جانب ثان، وعلينا ان نتذكر بهذا الصدد ان العراق كان قد وقع مع طهران وانقرة، ايام النظام الشمولي البائد، على عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الامنية والعسكرية منح فيها الحق لهتين الدولتين الجارتين التوغل الى داخل الاراضي العراقية لملاحقة الجماعات المسلحة التي تنشط ضد كل واحدة منها، ولذلك فان جانب كبير من هذه التجاوزات تعتبرها طهران وانقرة مشروعة طبقا لتلك الاتفاقيات والبروتوكولات، ولهذا السبب تسعى بغداد الى اقناع الطرف الاخر بوجوب اعادة النظر في تلك الاتفاقيات والبروتوكولات من اجل التوصل الى صيغ مقبولة ومطمئنة لكل الاطراف، آخذة بنظر الاعتبار التحولات والتغيرات التي شهدها العراق والمنطقة خلال السنوات الثمان المنصرمة.
ان العراق حريص على امن دول الجوار كما انه حريص اشد الحرص على امنه القومي، ولذلك فهو يسعى للتعاون مع هذه الدول من اجل صيغ اكثر مقبولية من قبل كل الاطراف، لضمان امن الجميع وبالتالي للمساهمة في تحقيق الامن الاقليمي الذي سيكون في صالح الجميع.
اما عن احتمال ان تتطور الامور الى حرب اقليمية جديدة، فانا شخصيا استبعد ذلك جملة وتفصيلا، فلقد تعب العراقيون من الحروب العبثية التي كان يشنها النظام البائد لاتفه الاسباب، ولقد راينا حجم المعاناة الانسانية التي تحملها العراقيون عندما شن النظام البائد حربه اللعينة على الجارة الجمهورية الاسلامية في ايران، ومن ثم غزوه الارعن للجارة الاخرى دولة الكويت الشقيقة، والتي انتهت بالعراق الى الغزو والاحتلال الاجنبي المشرعن بقرارات مجلس الامن الدولي التي صادقت عليها حتى المجموعة العربية آنذاك.
ولا ننسى بهذا الصدد كذلك حروب النظام اللعينة ضد شعبنا الكردي في شمال العراق وضد اهلنا في الجنوب خاصة في منطقة الاهوار، والتي انهكت قواه لصالح نزوات الطاغية الذي اراد ان ينتصر على شعبه بالسلاح الكيمياوي تارة وبسياسة الارض المحروقة تارة اخرى، وبالمقابر الجماعية تارة ثالثة، وهكذا.
ان العراقيين يرغبون صادقين باقامة علاقات طيبة وايجابية ومتوازنة مع كل دول الجوار، بغض النظر عن التناقضات التي تعيشها هذه الدول مع بعضها البعض الاخر، فالعراق بحاجة الى الاستقرار السياسي من اجل ان يتفرغ لاعادة بناء نفسه واصلاح ما دمرته سياسات النظام البائد، فهو لازال يعاني الكثير ان على الصعيد الاقتصادي او الاجتماعي او التعليمي او الصحي او البيئي او الصناعي او التجاري او الزراعي او اي صعيد آخر، ولذلك فالاستقرار بالنسبة له عنصر حيوي والمفتاح السحري للبدء بعملية البناء والتنمية والاستثمار.
ان استقرار العراق للانطلاق بعملية البناء والتنمية سيساهم في استقرار المنطقة برمتها، اذ لا يمكن ان نتصور المنطقة مستقرة والعراق يغلي لاي سبب كان، ولقد راينا كيف جر النظام الشمولي البائد المنطقة برمتها الى اتون حروب عبثية بمجرد ان فكر في ان يكون شرطيا في المنطقة بالنيابة، ولذلك فان على دول الجوار ان تاخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار لتساعد العراق على تحقيق الاستقرار، فلا تشغله بالملفات الامنية الشائكة ولا تسعى لتصفية حساباتها في العراق، فاستمرار حالة القلق وعدم الاستقرار في العراق سوف لن يساعد دول الجوار على تحقيق الاستقرار، اذ لا يعقل ان يتحقق الاستقرار لاية منها والعراق يغلي.
ان استقرا العراق سيساهم في جلب راس المال العالمي ليس له فحسب وانما للمنطقة برمتها، لان اقتصادها اليوم يشبه الاواني المستطرقة اذا شهد نموا في بلد شهد الامر نفسه في البلدان الاخرى، ولقد قيل قديما ان راس المال جبان جدا، لا يحط برحاله في منطقة متوترة او تشهد اضطرابات من اي نوع كان، ولذلك فان على كل دول الجوار ان تساعد العراق على تحقيق الاستقرار بعد رحيل آخر جندي اميركي من العراق، كما تعمل على تحقيق الاستقرار لنفسها، والا فالطوفان سيضر بالجميع ولن يسلم منه احد.
يخطئ من يظن ان العراق سيظل ضعيفا الى ما لا نهاية، او انه قادر على فعل ذلك سواء بالارهاب او باثارة المشاكل الداخلية، من اجل ان يسلم بنفسه ويستفيد اقتصاديا، بعد ان يحرم العراق من تصدير حصته من البترول مثلا، او ابقائه مشلولا لا يقدر على صناعة او استثمار او تنمية، انها نظره انانية لا تخدم احدا، فالعراق قادر على النهوض وباسرع وقت، لانه يمتلك من الامكانيات والادوات ما يساعده على تحقيق النهوض باسرع مما يتصوره كثيرون، ولذلك فان من صالح مثل هذه الانظمة ان تساعد العراق على النهوض لتكون شريكه الاستراتيجي المحتمل على ان تعرقل نهوضه.
25 تشرين الاول |