صنعاءنيوز/نبيل حيدر -
بقليل من التأمل وكثير من العصف الذهني تصل إلى قناعة تامة لا تحتمل اللبس بأن واحدة من مشاكلنا الخرافية تقع خلف عدم القدرة على الاعتراف بالآخر وإذا حصل فعبر وسيط وبصعوبة.. سواء كان الاختلاف آنيا أو كان مزمنا.
لا تزال عقولنا تعمل بنظام الدفع الرباعي القائم على الاستئثار والإقصاء واعتقاد امتلاك الحقيقة المطلقة وتصنيف الآخر وفق منطق (معي، ضدي ). فالاختلاف والنقد المبني على موضوعية لم نستطع بعد تقبله وتحمله واحترامه مع أننا نردد المقولة " مستعد أن أدفع حياتي لتقول رأيك " وهو ترديد أجوف لا يتجاوز الحناجر والترقوات والتكتيكات السياسية والمرحلية.
الاختلاف سنة طبيعية بل وربما ضرورية ومن الاختلاف تظهر جوانب عديدة إما إبداعية أو نواقص تتجمع وتحقق الائتلاف، ومنه نعرف الجوانب الصحيحة والشقوق المحفورة وتتكامل الأفكار. غير أن رفضنا التام للآخر رفضاً يصل إلى النفي الكلي والقطيعة يصنع الخنادق في طريق الفهم والاستيعاب فنسقط فيها مرارا وتكرارا وتطول الطريق ويصبح المقصد السليم والصحيح مجرد شيء يلوح في الأفق البعيد.> وليت الأمر يتوقف عند ذلك.. فالملاحظ أننا نذهب أبعد ونتمادى في الحشرجة وتضييق الخناق ليس فقط بعدم محاولة فهم الآخر لاستيعابه أو لمحاججته بل لوأد رأيه وعقله جريا على قاعدة "الأصل في كل شيء الحِل ".. فيتم تحليل عقله وسفك رأيه وتسفيه وجوده وصولا إلى اعتباره زائدا عن الحاجة وعالة على الوجود. ويستوي الحال عند مكونين اساسيين تغلب عليهما الأحادية في الإطلاع والتقييم والحكم، المكون الأول يرفع راية الايديولوجيا ويشمل كل من يرفع شعارها يمينا ويسارا، والثاني يرفع شعار الهوى والعشق اللغوي (بفتح اللام ) الفاحش للنفوذ والتسلط وامتلاك أدوات إرغام الآخر على الانصياع أو التحكم في مصيره.
بوجود هذين التيارين الجارفين لكل ما يخالفهما، واللذين يغلب عليهما التغني بأمجاد جُلّها أوهام يلجأ التفكير المفتوح إلى الاحتماء بالانغلاق ولا يكون أمام العقل من متنفس غير الحفاظ على الشعرة الفاصلة التي تهدد بنقله إلى عالم آخر. إلا أنه ومن حكمة المولى عز وجل والذي خلق العقل خلقاً وافياً وأوجده لإنتاج ما ينفع الناس قد خلط القلب بالعقل، فجعل ماكينة العقل تعمل بوقود القلب ودلل على عدم وجود فصل بين العقل والقلب "لهم قلوب لا يفقهون بها" والفقه هو الفهم والفهم محله الدماغ حيث نقول أنه العقل. ولهذا تحدث علماء النفس عن الذكاء العاطفي. وحسب المفاهيم المسوقة فالعقل منطقة الذكاء والقلب منطقة العاطفة بينما الاشتراك في إنتاج يورانيوم الأفكار المخصبة يقول أن المعمل الذي يتم ذلك بداخله وخلاله واحد.
من هنا يستخدم المعمل سلباً أو إيجاباً.. فإذا استخدم خليط اعتقاد امتلاك الحقيقة الكاملة والرغبة والقرار في الإقصاء مع عدم انفتاح العقل ينتج الدمار، والإلغاء بالتبكيت مثلاً تدمير مرحلي بتدرج، وبالإقصاء تدمير كلي ومباشر. وإذا استخدم خليط الإحساس والشعور بأهمية الآخر والقناعة الحقيقية بأن كل شيء في الدنيا نسبي وأنه لا أحد.. لا طرف.. لا جهة.. لا ايديولوجيا تمتلك الحقيقة المطلقة أو المثالية وأن الاستخلاف في الأرض مرتبط بتنامي وتلاقح الأفكار.. فإن النتيجة التي سنحصل عليها ستكون مثمرة ومواسم حصادها متتالية ولا تتوارى إلا إذا انغمسنا في التخندق الرافض رفضاً قطعياً أو في الجدال البيزنطي المبني على أن الآخر شر مطلق نية وقولاً وعملاً وأنا وحدي أزخر بكل الخير.