صنعاء نيوز -
ألقى الدكتور/عبدالعزيز صالح بن حبتور رئيس جامعة عدن في الـ 17 نوفمبر المنصرم، محاضرة قيمة على المشاركين (72 مشاركاً ومشاركة)، في ورشة العمل الخاصة بـ "مشروع تحسين المعيشة للمجتمع"، التي عقدت في قاعة فندق القصر بمدينة الشعب م/عدن، ونظمتها المنظمة الأمريكية للتنمية (USAID). بحضور السيد/أد سكوتس رئيس البعثة لمشروع تحسين المعيشة التابع للمنظمة الأمريكية للتنمية (USAID).
ونظراً لأهمية ماورد فيها من أفكار ورؤى موضوعية رصينة قدمت محاولة صادقة لتشخيص الوضع العام في البلاد، وآفاق الحلول المرجحة لها، والقائمة على خصوصية اليمن، وتعقد مشاكله وتشابكها، فقد رأت الإدارة العامة للإعلام أن تنشرها لتعميم الفائدة، واستخلاص أبرز الأفكار والإتجاهات التي وردت لتكوين صورة مقاربة للواقع الفعلي، وتطورات الأحداث التي تلت طروحات هذه المحاضرة.
وفيما يلي أبرز ماورد في هذه المحاضرة:
أنا مسرور بهذه الدعوة من المنظمين لهذه الورشة للتطرق لموضوع الساعة ومايجري في الوطن إعتمالات، لأنها تأتي في سياق وطني عام, نشعر أن الكل معني بالحديث والمساهمة والإدلاء في مثل هذه الأوضاع.., أنا سعيد بأن ألتقي بهذه المجموعة الشابة من صنعاء ومن مختلف محافظات اليمن، ومن المشاركين الأجانب.
أن ماحدث خلال هذه المدة الحرجة جداً التي عاشها اليمنيون ولأزلوا يعيشونها بمختلف شرائحهم الاجتماعية، منذ أن بداية الأزمة بمستهل هذا العام 2011م، (البعض يؤرخ لها من يناير أو فبراير2011م), وهذه الأزمة مظهرها سياسي وجوهرها اجتماعي واقتصادي...
وبالنسبة لمظهر الأزمة الاقتصادي, نود أن نشير هنا إلى أن دخل الكثير من اليمنيين في المتوسط يبلغ حوالي 500 دولار في العام, ونحن لدينا الشريحة الأكبر في البلاد هي شريحة الفقراء، فيما الطبقة الوسطى صغيرة, الحجم رغم أن المجتمعات تقوم أساساً على هذه الشريحة (الوسطى).
ونحن عندما نأخذ الشريحة الفقيرة في المجتمع، نلاحظ أن الحكومات المتعاقبة كانت تلامس الأمور بعيداً عن المعالجات الحقيقية.., فمن المعروف أن مستوى دخل الفرد مرتبط أساسا بالإنتاج الاجتماعي الإجمالي، إضافة إلى حجم ثروات البلاد كالثروات النفطية والمعدنية...الخ, وما نحصل عليه من ثروات من محافظات مأرب وشبوة وحضرموت حوالي 70%, ونحو 13% من إعادة جدولة الدخل من الضرائب والجمارك, ومامقداره 12% من الموارد مقسم على السياحة والزراعة والثروة السمكية والإنتاج الجديد الذي نقدمه، وهذه الأرقام موجودة في وثائق لدى البنك الدولي, التي توضح أيضاً أن مؤسسات الدولة وكفاءاتها وكوادرها وقدراتها مازال ضعيفا لدينا.
وفيما يتعلق بالتعليم فانه قد حصل في اليمن نوعاً من التوسع الأفقي في مجال التعليم، والمانحون يبنون بما يوازي مدرسة ونصف في العام الواحد، ويذهبون إلى الصفوف في المدارس التي تضم (6 مليون) طالب وطالبة على مستوى الجمهورية اليمنية..، وما يقدم في هذه الجانب من المانحين شيء جيد، ولكن المشكلة في جوهر ومستوى التعليم..!, فجودة التعليم مرتبطة بمقدرة المعلم (المدرس) الذي يرتبط بالطالب وبتحصيله الدراسي, والتأهيل للمدرسين في الجامعات.., والمدرس إذا لم تكن مؤهلاته كافية لن يستطيع نقل محتوى المعرفة إلى الطلاب, كما أنه ثمة مشكلة في محتوى الكتب الدراسية والهدف منها، والتي لا تعتمد على تشجيع وتعزيز قدرة الطالب على "الهمة والحوار".
وسوف نكون مبالغين إذا قلنا إننا نريد أن نكون جزءً من الثقافة الأوروبية (الثقافة المتعلقة بالعلم والمعرفة) التي ترتبط بالكتاب والتربية بالمنزل.., فأبنائنا يتأثرون بالسياسة التعليمية وبالثقافة التي ترسى وتبنى من الموروث المجتمعي..، وجزء منها تحاول أن تتأثر بالعالم المحيط بنا, لكن جوهر المشكلة لا زال قائماً في ثقافة الإملاء والسلطة الروحية في المنزل..!، ففي داخل المنزل وفي سياستنا الأسرية هل سيسمح لكم بالتعبير عن ما يجول في خاطركم بشكل كلي, وإذا تجاوزت المتاح فإنكم ستدخلون في المحظور من القوانين الأسرية والتقاليد..الخ، ولكن في أوروبا الأمر مختلف وسقف الحرية الفردية والتعبير فيها عالي جداً، وهذه الثقافة تؤثر على المجتمع كله.
ولكن دعونا نسأل: هل كل ماهو موروث هو جيد؟, نحن لم نطبق الليبرالية كما يجب، وهل نترك كل ذلك ونتمسك بالتقاليد؟ وهذا كله لم يحدث..!، والحقيقة هي إننا نؤثر ونتأثر بالمجتمع بحسب ماهو متاح.
أن الديمقراطية والحرية المتاحة لنا وفق القانون والدستور اليمني أصبحت متاحة, وهذه مقدمة مهمة لمعرفة ماهي المشكلة التي نعيشها الآن, وهي مرتبطة بحرية الفرد, مثلاً نحن ننتقد الحكومة ونقول بسبب الفساد لم تستطع الحكومة أن تقوم بإجراءات لمحاربة الفساد، ولكن هل عدم حل المشكلة هو بسبب الفساد أو بسبب قدرات القائمين على هذا الموضوع وليس مسؤولية الوزارات المعنية.
أما فيما يتعلق بمسألة الهبات والقروض المقدمة لبلادنا فمثال بسيط يبين أن ماأعطي للجمهورية اليمنية تقدر بنحو (10 مليار دولار) موزعة مابين دعم وقروض وهبات، ولكن الدول المانحة أعطت بالمقابل للبنان (40 مليار دولار) رغم قلة سكانها وصغر جغرافيتها، ناهيك عن الفوارق الأخرى بين البلدين.
ونود أن نؤكد هنا أن الدولة والمجتمع في الجمهورية اليمنية عملوا معاً لبناء البنية التحتية, ومثال على ذلك جامعة عدن التي لم تبنى فيها بنية تحتية لمؤسساتها إلا بعد الوحدة اليمنية المباركة، بنيت مشاريع ضخمة ككلية الهندسة والحقوق والاقتصاد والعلوم الإدارية، والسكن الطلابي...الخ, وكلها بنيت على نفقة الدولة، وفقط كلية الحقوق التي بنيت بدعم من الصندوق العربي, والهندسة بنيت بدعم الصندوق الإسلامي, وارتفع عدد الطلاب في جامعة عدن من أربعة ألف طالب وطالبة عام 1990م إلى (32 ألف) طالب وطالبة حاليا (2011م).
نحن نأخذ هذا القياس العام (تجهيز البنية التحتية لجامعة عدن) على مستوى اليمن كله، ولكن إذا كان هذا موجوداً لماذا نشأت الأزمة.., ولتبيان ذلك فان هناك أسباب ذاتية وموضوعية للازمة الحالية لابد من محاولة تبيانها, السبب الموضوعي هو انتشار الأمية الأبجدية، والأمية الثقافية والتقنية.., إضافة للانتشار الهائل للسكان أكثر من أي دولة من دول الجزيرة العربية، وتزايد في الأعداد السكانية بنسب عالية.., ومثلاً نحن عندنا في اليمن كل (20-30) منزل يشكلون قرية وهؤلاء يحتاجون لخدمات, ومدارس , ومستشفيات، ولا زلنا نحن حتى الآن ندُرس الطلاب بالخيام والعرائش بسبب تناثر القرى وتوزع أعداد الطلاب في كل قرية وتجمع سكاني ضئيل كلٍ على حدة.
أن القضية المهمة في بلادنا هل الفقر الموجود في اليمن، ونحن نعد من ضمن الدول الأقل فقراً على مستوى العالم, ولكن عندنا تطلعات، وهي إننا نريد أن نعيش بمستوى عالي مثل دول أخرى مجاورة لنا, - ولكن قبل ذلك علينا أن نعرف أن مستوى دخل الفرد هو الذي يحدد مستوى المعيشة -، والفقر سبب يجعل الناس تطالب بتحسين مستواها المعيشي، وعندما خرج الشباب للشارع بهدف المطالبة بتحقيق الرخاء والنظام والقانون والعدالة، فان الكثير من الناس التفوا حولهم لان الفكرة جميلة وكبيرة, وأنا قابلت كثير من الطلاب في بداية الأزمة وكانت الأمور في البداية جيدة والمطالب مشروعة, ولكن بعد ذلك تم تكسير المنشآت وقطع الطرق وكانت الكهرباء والأمن والمياه متوفرة حتى شهر فبراير 2011م بشكل جيد, ولكن بعد ذلك حصل ماحصل وظهرت الفوضى وعانت عدة مدن وخاصة عدن والمكلا والحديدة من تداعيات الأزمة ومن انقطاعات الكهرباء لان الناس في هذه المدن لا يستطيعوا أن يعيشوا بشكل طبيعي بدون كهرباء بسبب إرتفاع درجات الحرارة في هذه المناطق.
وفي هذا السياق سنتناول مستوى التضخم في المعيشة والأسعار فقد كانت الأمور معقولة قبل فبراير2011م، ورغم فقرنا ومعيشتنا الصعبة كانت الأمور مقبولة من معظم الناس, ولكن بعد ذلك نحن خسرنا الكثير والأمور أضحت صعبة على الجميع دون استثناء، كما أصبحنا الآن نواجه القاعدة في أبين وتهديده لمحافظة عدن،وهذه المعاناة لم تكن موجودة قبل شهر يناير/فبراير 2011م.
الإشكالية الأخرى لتداعيات الأزمة، تمثلت في تغييب الأمن والأمان للمواطنين، فقد كان الناس يتنقلوا من ردفان ولحج إلى عدن بيسر وسهولة ولكن الأمر الآن أضحى صعب وظهرت عصابات تقطع للطرقات حتى في مديرية المعلا بعدن.
كما تضررنا نحن في جامعة عدن من خلال إيواء النازحين من محافظة أبين في السكن الداخلي لطلاب الجامعة, والآن طلاب الجامعة لا يجدوا السكن لهم – ونحاول حالياً إيجاد بدائل لهم من خلال الاستئجار, كما ضاع على طلاب الجامعة فصل دراسي كامل بسبب هذه الأزمة, فيما لازالت خسائر وزارة التربية والتعليم مستمرة بسبب النازحين الموجودين في المدارس.
والآن الأزمة تولد أميين في مدينة عدن, وتحدث تراجع في مجال التعليم، ونحن لا نريد أن نحمل أحد المسئولية، ولكن المجتمع كله يتحمل هذه النتائج المؤلمة، فهناك أطفال يقومون بقطع الطرق على أبائهم وأمهاتهم بسبب العصيان المدني وانعدام التوازن ألقيمي والنفسي.
أن مشكلة بلادنا ليست مثل الدول الأخرى، فهي معقدة أكثر..، ففي اليمن الولاء للقبيلة أكثر من الولاء للمؤسسة والنظام، - المؤسسة الوطنية أو حتى الخاصة - , وإلى هذه اللحظة مشاكل اليمن لن تحل إلا بالتوافق الوطني, فعندما أنبلجت ثورة 26سبتمبر1962م، وماتلى ذلك من أزمة وصراع، فان الإشكالية لم تحل إلا بعد التوافق بين الجمهوريين والملكيين، وبعد الاستقلال الوطني في عام 1967م في الجنوب واجهنا مشكلة كبرى من خلال الخلافات التي أثرت على الجانب السياسي والإجتماعي والاقتصادي..، لذلك نحن حالياً نريد الخروج من عنق الزجاجة لأننا لا نريد أن نصل إلى نموذج الصومال.
أن الأمور لا زالت تحت السيطرة بشكلٍ عام وهناك عقلاء من كل الإتجاهات ومن القيادات الشابة في الساحات، لذلك لابد من الخروج بحل ليس فيه لا غالب ولا مغلوب, وقد سعدت لقرار مجلس الأمن الذي كان متوازنا ولم يدين طرف على حساب طرف, وكل من خرج وقطع طريق واحتل موقع هو يريد جزء من السلطة وأصحاب السلطة لا يريدوا تركها, إذن الحل الوسط هو (التوافق) وهو حل معقول ومقبول وأقرب إلى التنفيذ، والمنظمات الدولية وازنت وضغطت على كل الأطراف كي لايتم الانزلاق إلى حرب أهلية، نسأل الله أن يحفظ اليمن وأهله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . |