صنعاء نيوز جميل مفرح - بالفعل إن حجم التحديات التي تواجهها حكومة الوفاق الوطني في الوقت الراهن يكاد يربو على حد الاحتمال، ولكن علينا أن نؤمن بأن للإمكان مدى مفتوحاً على الجانبين، كما علينا بالضرورة التمسك - من باب التفاؤل والأمل - بالجانب الإيجابي لهذا المدى وأن نتمنى للحكومة رجحان موقفها باتجاه ذلك الإيجابي، علماً بأن نجاحها في ذلك ليس مستحيلاً، خصوصاً إذا آمنا جميعاً واتفقنا بالإجماع على أن النجاح المطلق والمكتمل في تحقيق أحلام وطموح الشعب وفي مقدمته حكومته، في المرحلة الراهنة هو أمر يكاد يكون تعجيزياً في مدى صعوبته نظراً للواقع المعاش حالياً في الوطن والأعباء الثقيلة والثقيلة جداً التي راكمتها على الخصوص أحداث الأزمة السياسية التي تجشمها كاهل الوطن والمواطن طوال ما يقارب عاما من الزمن.
ولكن وفي ذات الوقت لن يتنازل باعتقادي المواطن اليمني عن القدر الكافي من تلك الطموحات والأحلام، ومن المبالغ فيه طبعاً أن نقول أن هذا المواطن سيكتفي بمجرد الوصول إلى اتفاق بين السياسيين وإيقاف هاجس الخوف الذي سيطر على الحياة اليومية طوال تلك الفترة من تمادي نار الفتنة والاعتراك والاحتراب الذي كشف ويكشف لنا يوماً بعد آخر أنه كان في سياق بعيد كل البعد عن اهتمام ومصلحة هذا المواطن الغلبان الذي لم ينل من معتركات السياسة يوماً مكسباً، بقدر ما كان دائماً وقودا لها وحطباً لنيرانها.
إن مكسب إيقاف شلال الدماء التي كانت تنزف والأرواح التي كانت تزهق بالفعل مكسب كبير ولكنه لم يكن ولن يكون إنجازاً على الإطلاق لأي طرف من الأطراف السياسية أو لأي فرد أو مسئول في الحكومة والنظام الحاليين لأنه من المفترض ألا يكون في الأصل، وإن اعتباره إنجازاً هو في حقيقة الأمر تغافل عن واقع استغفال لشعب بنظري يستحق أن يكرم ويشكر على قوة تحمله وصبره وارتهانه للسياسي الذي سامه سوء الشقاء والعناء، دون فائدة تقصد أو عائد يرجى .. ومن المنطقي أن نكون على علم أن مطلب الأمن والأمان وإن كان ما يزال هماً أساسياً ملحاً، إلا أنه برأيي غير كاف لمكافاة هذا الشعب وتحقيق طموحه وآماله، لأننا بذلك إنما نعبر عن ارتهان لا نريده أن يكون لما مضى من عبث بالإنسان وحقوقه والمقدرات والنظم والقوانين والدساتير التي تنتظم حياته.
ما أريد أن أقوله حقيقة أن الحكومة في الوقت الراهن في هذه المرحلة يرثى لموقفها، ولكنها برأيي في ذات الوقت حكومة قوية بمعنى الكلمة ولو لم يكن من علائم رباطة جاشها سوى قبولها أن تكون في مواجهة الراهن الصعب حالياً، ولكن ومع تقديرنا جميعاً لهذه الشجاعة والبسالة، فإنه من المتعين أن تدرك هذه الحكومة أن قبولها لهذا التحدي يلزمه وفاء بقدر عال من الجدية والأهمية بما عليها أن ترده من دين للمواطن دين يتجاوز مجرد عدم سماع العيارات النارية وتقديرات الضحايا والخسائر التي دفعت من مال وآمان ودماء هذا المواطن المغلوب على أمره.
مجدداً نبدي تعاطفنا الكبير مع الحكومة الجديدة وفي نفس الوقت نؤكد ونشدد على ضرورة التعاون معها في تحقيق ما يمكن أن يتحقق من أجل تطبيب الجراح وتعويض ما أمكن تعويضه، علماً أن التعويض الكامل كما أشرنا لما استنزف أمر مستحيل خصوصاً في ما يتعلق بالضحايا والأرواح ولكن لعمري إن ايقاف ذلك النزيف القاتل، لهو من أبجديات الأخلاق والدين والوفاء لكرامة الإنسان والوطن .. ومن هنا فإن التشديد على أن المسئولية لم تعد منحصرة في ذات أو عين أمر مطلوب التأكيد عليه وإن كانت الحكومة اليوم تتلقف العبء الأثقل والمسئولية الأكبر في استدراك هذا الوطن الذي لا نختلف على أنه يستحق أكثر من أن يطمح في الأمن والأمان.
وأخيراً كلنا آمال أن ينظف لوح الفترة المنصرمة مما دون فيه أو أن نكسر هذا اللوح ونستبدله بلوح ناصع البياض نخط عليه سيرة جديدة عنوانها الوطن وعزته ومجده والإنسان وسبل وطرائق النجاة به إلى شواطئ الأمان والعيش الكريم .. والله من وراء المبتغى والمقصد. |