صنعاء نيوز عبدالله الصعفاني -
تبدو وأنت تناقش قضية اجتماعية وخدمية في ملعب ساخن بالسياسة وكأنك متلبس بتهمة القيام بفعل رومانسي بينما شقتك تحترق جراء انفجار بقايا دبة الغاز.
> لكن ما حدث في بيتنا اليمني الكبير من أضرار - ما تزال - يفرض عدم توقف الحياة عند الركام السياسي الذي قلنا فيه مرات أحيانا بفهم وغالباً وفاء بمتطلب الظهور في شاشة أو جريدة.
وحيث كنا وما نزال نعيش معاناة حكومات وبرلمانات "نرجو ونناشد وسوف" فقد صار لزاماً علينا أن نرد على المسؤولية الحكومية القائمة بالجهود الشعبية الرافعة .. نلتفت إلى أوجاعنا ونسهم في حل بعض مشاكلنا الاجتماعية والخدمية منطلقين من أن المظلوم للمظلوم نسب وصهر .. وإذا اردتم عدم مغادرة المفردة السياسية لا مانع من استحضار قد اختلف معك فكريا وسياسيا ولكن لماذا لا أتوحد معك وطنياً وإنسانيا.
> وهنا فقط أدخل في قضية تنفع لأن نبني عليها في مواجهة بعض مشاكلنا التي تفاقمت بفعل ما شهدته البلاد من أحداث القت بظلال كئيبة على جوانب حياتية مثل تراكم القمامة في الشوارع بصورة فرضت السؤال هل يعني غياب الحكومة والمحليات أن نغرق في المخلفات؟
> في الأسابيع القليلة الماضية عاش الحي الذي أسكن فيه صورة من صور الثورة على النفس وتمثل المواطنون دور الرافعة الاجتماعية القوية البديلة لتردي حال الحي في جانب النظافة مع تراكم المخلفات .. وكانت البداية تخصيص يوم أسبوعي لإشاعة النظافة في الحي.
بعدها استقبل أبناء الحي شباباً وبناتاً جامعيين التقوا على إحدى صفحات الفيسبوك حول فكرة الارتقاء بالأعمال الطوعية في جانب النظافة على طريق التشجير بل والدعوة إلى إنشاء عيادات مجانية في الأحياء يجلب لها اختصاصيون .. قد تبدو الفكرة حالمة لكنها تبقى متاحة ولا تعني المستحيل..
> مكانس ومفارس ومجارف يحملها شباب وصبايا وشيوخ وأطفال جميعهم يرفعون المخلفات التي تضخمت بفعل غياب عمال النظافة أما بسبب "الديزل" أو الإضراب رداً على ضعف المال وكثرة العيال وصعوبة الحال.
> الدكتور علي الزبيري طبيب الأسنان الشاب أحد أعضاء "جمعية اليمن تبدأ من هنا" يقود المتطوعين بحماسة جددت عند جميع المشاركين الانتماء إلى محفوظات الدين والحضارة وقيم المبادرة والتعاون .. بدت من الجميع مشاهد مفرحة تسترجع سيرة الروح اليمنية التعاونية يوم أن كان اليمن بيتا كبيرا له سقف وحيطان يسعى جميع ساكنيه لحمايته من الخراب .
> ولقد ازداد المشهد تأثيرا وأنا استرجع حال شوارع رئيسية تطاولت فيها القمامة وحينها كان زميلنا محمد عبدالله قايد يقول في معرض اتصال هاتفي مؤثر الحالمة تعز تغرق في القمامة التي أفسدت كل إحساس بالرضى بعد مغادرة المظاهر المسلحة شوارع عاصمة المحافظة.
> هنا تساءلت ما الذي يمنع سكان مدينة تعز من تنظيم حملات مستمرة لتنظيف مدينتهم خاصة بعد ما عرفت من جاهزية داعم المدنية شوقي أحمد هائل لتوفير أكياس القمامة التي صارت عائقاً في سعرها بالنسبة للكثيرين .. ولماذا لا يكون لأبناء الأحياء في كل المدن دور في تنظيف أحيائهم على الأقل في شهور رفع المسؤولون أيديهم عن الوفاء باستحقاق تأمين الخدمات وفي مقدمتها رفع أرتال القمامة التي صارت حاضنا ومحميات للمتعفن والزاحف والطائر من الحشرات.
> من أجواء العمل الطوعي تبرز حسنة أن يعلم الأب ابنه كيف يتواضع وكيف لا يشعر بالخجل وهو يهبط برأسه ليلتقط كيسا أو علبة فارغة تمسكاً بالشعبة الإيمانية الأدنى التي تدعو إلى إماطة الأذى عن الطريق .. ومن مظاهر الثورة على النفس وعدم الحياد مع العادات السلبية أن لا يكتفي مواطن مثل شائف الغزي بقطع علاقته الدبلوماسية مع القات نهائيا وانما يخوض ثورة سلمية حقيقية لإقناع جيرانه بمقاطعة هذه الشجرة الخبيثة.
> إن بلدانا كثيرة تعيش ثراء معرفيا وماديا لا تتوقف عن تشجيع المبادرات والتوعية الدائمة بأهمية كل جهد فردي وشعبي خلاق يعزز القيم الوطنية في سلوك المواطن .. تغرس السلوك الإيجابي في مراحل مبكرة من عمر الصغير "تعلمه قيم التعاون والإيجابية وترويض النفس وقيادتها .. تحذر من خطورة العنف والسلاح وتكرس قيم الاعتراف بالأخر.
> ولا غنى عن تمثل كبار القوم للقدوة التي تحول بينهم وبين تشويه صباحات ومساءات اليمن بكل هذه الحماقات التي لم تفض إلا إلى الصراع والجمود والتأكل.
> ذات لحظة طيش من سائقه اضطر حكيم انجليزي لأن يقول له قد السيارة بهدوء فأنا على عجلة من أمري" وفهم السائق ولم يكن هناك من المرافقين من يخرجون بنادقهم من مؤخرة السيارة المفخخة بالجعب وعلب "البردقان".
> المدهش أنه لا يساوي كثرة عدد المحللين السياسيين والمطبلين والمفخخين سوى غياب أي حضور إعلامي لخبراء التنمية البشرية وعلماء الاجتماع وفقهاء ربط الحياة المعاصرة بأصول الدين القويم .. فهل حان وقت إطلاق مبادرات الرؤية إلى اليمن بعيون جميلة؟!