صنعاء نيوز -
العرب أمام فرصتهم التاريخيّة
محمود صالح عودة
تدخل الثورة العربيّة الإسلاميّة عامها الثاني حاملة تحدّيات جسام، تتضمّن مخاطر قد لا تبدو واقعيّة في المنظور القريب، إلاّ أنّها قد تكون سببًا في مشاكل عدّة في المنظور المتوسّط - البعيد.
فإلى جانب التحدّيات الراهنة في إسقاط النظام وحلّ مشكلته في سوريا واليمن، وإتمام المرحلة الانتخابية بخير في مصر، والقضاء على الفساد وتحريك عجلة الاقتصاد والبداية في نهوض المجتمع والدولة في كافّة المجالات، وضمان نظام يحكم بالعدل ويحفظ الحقوق والحريّات في كلّ بلاد الثورة، تلعب حركات الإسلام السّياسي - وهي المنتصرة الكبيرة في الانتخابات - دورًا بالغ الأهميّة - والخطورة في ذات الوقت - في تصوّرها وتطبيقها للإسلام على أرض الواقع.
كانت وما زالت لدينا نماذج حيّة في العالم العربيّ لأنظمة اشتراكيّة - قوميّة - علمانيّة فاسدة وتابعة للغرب (سوريا، مصر، تونس...)، أدّى فسادها واستبدادها في الحكم إلى الانفجار الشعبيّ الثوريّ. ولكن في الجانب الآخر كانت وما زالت لدينا أنظمة تحكم باسم الإسلام - أو تصوّرها للإسلام على الأقل - لا تقلّ فسادًا وظلمًا عن الأنظمة الأخرى (المملكة العربيّة السعوديّة، السودان، الصومال...).
حاولت الأنظمة العلمانيّة عَلمنة المجتمع بالقوّة، إلاّ أنّها فشلت فشلاً ذريعًا وظلّ الناس متمسّكون بدينهم. في المقابل سعت - وما زالت - الأنظمة التي تحكم باسم الإسلام فرض تصوّرها - المشوّه إلى حدّ بعيد - للإسلام على المجتمع بالقوّة، ممّا أدّى إلى تنفير جزء من النّاس عن الدّين وجعلهم يبحثون عن حقوقهم وعن حلول لمشكلاتهم في أطر أخرى.
ولقد عبر فساد بعض تلك الدول الحدود ليصل إلى دول عربيّة وإسلاميّة أخرى بسبب الأموال الهائلة التي يملكها هؤلاء، أموال اشترت "صمتًا" كثيرًا للتجاوز عن سيئات وفساد تلك الأنظمة، إلى جانب تصدير "الإسلام السلطاني" الذي يرضي نظام الطاغوت وينقل الإرث التاريخي - الدخيل على الإسلام بالأصل - الذي يشرعن وجوده وبقاءه، ويبتدع غيره، تمامًا كما فعل بعض السلاطين القدامى، حيث ابتدعوا نصوصًا أخذت طابعًا دينيًا بواسطة علمائهم المقرّبين (كالعبّاسيّين وأحاديث المهدي والرّايات السود، وأحاديث طاعة "وليّ الأمر" ولو كان فاسقًا ظالمًا، إلخ).
ما وجد الغربيّون مفرًا من الفصل بين الدّين والدولة نظرًا للأداء الكنسي السلبي الذي تحدّث باسم السماء، وكي نتجنّب مصيرهم ونحافظ على هويّتنا الإسلاميّة النقيّة كمرجعيّة عقديّة وأيديولوجيّة لنظام الحكم، لا بدّ من التركيز على التالي:
1) يجب عدم إضفاء هالة قدسيّة على أيّ حكومة قادمة تقودها أيّ حركة إسلاميّة، كتصنيفها "حكومة ربّانيّة" أو ما شابه، بحيث لا يؤخذ أيّ خطأ بشري يقوم به أعضاء تلك الحكومة كنقص للذات الإلهيّة، والعياذ بالله.
2) من الضروري التركيز على التنفيذ أكثر من التنظير، إذ للتنظير أهله ولكن على الحكومة مسؤوليّة عمليّة أكبر بكثير من المسؤوليّة التنظيريّة.
3) التشديد على أنّ أتباع التيّار الإسلاميّ مرجعيّتهم إسلاميّة لا أكثر، وأنّ هؤلاء لا يمثّلون الإسلام بل يمثّلون فهمهم وتصوّرهم للإسلام.
4) إجراء مراجعة شاملة لأولويات الدّولة في ظلّ الحكم الإسلاميّ، تقدّم الأهمّ على المهمّ.
5) الإخلاص في العمل هو الأصل، ولكن الإتقان هو الذي يعطي العمل صورته، فلا تكفي النوايا الحسنة، إنما من الواجب والضروري أن يتبعها العامل الصالح المتقن.
6) عدم احتكار السلطة والتفرّد بها والقضاء على الاستبداد من أساسه.
لقد فشلت الحركة الصهيونيّة وحلفاؤها في "الحرب على الإرهاب"، إذ بالرغم من كلّ محاولاتهم لتشويه صورة الإسلام والمسلمين لصدّ الناس عن الدّين، بقي مكر الله أكبر، والله خير الماكرين. ومع أنّنا فهمنا أنّ سبب حربهم علينا هو كرههم للإسلام وعداوتهم له، إلاّ أنّنا لم نفهم أولئك الذين يشوّهون صورة الإسلام وهم يرفعون رايته، فيخدمون أعداء الإسلام بحربهم على الإسلام، بعلم أو بغير علم.
إنّ أمام العرب اليوم أكبر فرصة لبناء الحضارة الإسلاميّة بأبهى صورها، التي طالما افتقدناها وتُقنا إليها. ولكن ذلك لن يتمّ إلاّ بثورة مستمرّة أخرى على الأباطيل الدخيلة على الإسلام، التي مكّنت الظالمين والمستبدّين من التحكّم بمصير العرب والمسلمين، بصكوك دينيّة مزوّرة قدّمها لهم تجّار الدّين على طبق من ذهب. |