صنعاء نيوز /د.عيدروس نصر النقيب -
رغم ما احتوته من مساوئ وما اكتنفها من عيوب ومظالم أهمها منح الحصانة للقتلة ولصوص المال العام، ورغم تنازل القوى السياسية في مسعى منها لحقن دماء اليمنيين عن مطلب التغيير الجذري للنظام، ورغم ما حصده الرئيس المخلوع وأنصاره من مغانم بفضلها، ما يزال الرجل (المخلوع) يتمرد على المبادرة الخليجية ويلف ويدور حولها، ويرفض الانصياع لمتطلباتها، فتارة يهدد باعتقال رئيس الوزراء التوافقي، وتارة توعد بإقالة حكومة التوافق والذهاب نحو تشكيل ما سماها "حكومة أغلبية"، مستهترا بكل التوافقات التي جنى منها أكثر مما يجنيه اللصوص من ضحاياهم.
المبادرة الخليجية قرنت بند الضمانات باعتزال المنصب الحكومي، وكان يفترض أن تنص على هذا علنا وأن يذهب كل من شملتهم الضمانات من جميع المناصب التي يشغلونها بما في ذلك الممارسة الحزبية التي يفترض أنها مصنع السياسات ومعمل إنتاج الحكم والحكام ذلك أن اعتزال المنصب الحكومي مع البقاء في المنصب الحزبي هو أشبه بالخروج من الباب والعودة من النافذة.
ولو أن الأمر توقف عند هذا لهان، لكن الرئيس المخلوع (المحصن) بدأ يستغل الحصانة لممارسة الابتزاز السياسي تجاه المعارضة وشباب الثورة وكافة القوى السياسية، بل وتجاه الرئيس الجديد الذي ظل نائبا له على مدى أكثر من عقد ونصف، وهو (أي الرئيس الجديد) ما يزال أمينا عاما للحزب الذي يدعي الرئيس المخلوع أنه يرأسه.
استغلال الرجل للحصانة يهدف إلى تعطيل عمل الحكومة والرئيس الجديدين ويأتي ذلك نتاج لعديد من الدوافع أولها أن الرجل لم يزل بعد لم يستوعب أنه قد صار من الماضي وأنه الآن قد غدا خارج التاريخ السياسي لليمن، وأن وجوده صار مجرد وجود بيولوجي محض وفي أفضل الأحوال هو وجود المواطنة التي يفترض أن تنتزع منه عقابا له على جرائمه بحق التاريخ اليمني والشعب اليمني والكرامة اليمنية، والثاني هو الغيرة من أي تقدم يمكن أن يحققه الوضع الجديد ومحاولة البرهان على أن اليمن لا تصلح إلا تحت قيادته حتى بعد ما اتضح من جرائم يندى لها جبين كل شخص يحترم نفسه، ارتكبها في حق اليمن واليمنيين، وثالثها الخوف من فتح ملفات ما تزال قيد الكتمان قد تفتح غدا وتكشف حقائق مخجلة لم يكن أي يمني يتوقع حدوثها على يد رجل يفترض أنه الحارس الأمين على أرواح ومصالح وأموال وأعراض اليمنيين، ورابعها معاودة الحلم بالعودة إلى كرسي الحكم عن طريق إفشال مرحلة ما بعد صالح.
ما يقوم به الرئيس المخلوع من أعمال عبث وتعطيل وتكوين العصابات وإقامة علاقات مع الجماعات الإرهابية وتسليمها المدن والمعسكرات ومستودعات الذخائر والعتاد المختلفة، كل ذلك يطرح سؤالا كبيرا: هل ما تزال المبادرة الخليجية قائمة بعد أن تحدى الرجل متطلباتها وشروطها واستغلها فقط للحصانة من جرائمه بحق اليمن واليمنيين؟ ثم ما هو موقف الدول الراعية للمبادرة وهي ترى الرجل يعبث ويلهو ويستهتر بكل شيء في اليمن؟ . . إلى متى ستظل الدول الراعية تدلل هذا الرجل الذي ألحق الأذى ليس فقط بالشعب اليمني بل وحتى بالدول الراعية نفسها من الجوار الإقليمي إلى الأصدقاء الأوروبيين والأمريكيين، والذين تضرروا أيما تضرر من كل أكاذيبه واستعراضاته المسرحية وحيله وألاعيبه طوال ثلث قرن من الزمان؟
إن المطلوب اليوم من الدول الراعية اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الرئيس المخلوع الذي صعب عليه أن يفهم أن منحه الحصانة لم يأت إلا رغبة في تجنب شروره واتقاء مكائده التي يرغب في مواصلة القيام بها حتى بعد حصوله على الحصانة، وليعلم (الرئيس المخلوع) أن من منحوه الحصانة من حقهم أم يعلنوا تخليهم عنها والعودة لعرض ملف الجرائم أمام القضاء المحلي والدولي وحينها سيكون الحساب شديدا ولن ينفع الاحتماء بالأغلبية المزيفة والمتاريس السياسية المتساقطة والبلطجة السياسية المتقنة، لأن القضاء الدولي لا يفهم إلا تقديس حقوق الإنسان وأولها حق الحياة التي طالما انتهكها الرئيس المخلوع، واحترام القوانين والمواثيق الدولية التي وقع عليها الرجل نفسه وراح ليخرقها قبل أن يجف حبر التوقيع عليها.
مصير المبادرة الخليجية وآليتها مرهون بمدى التقيد بكل متطلباتهما وأولها توقف الحاصلين على الحصانة عن مواصلة عبثهم واستهتارهم، وعزلهم من موقعهم والذهاب نحو تطبيق بقية المتطلبات، وعلى الدول الراعية أن تتحمل مسئوليتها إزاء ذلك أما في حالة عدم تقيد المحصنين بمتطلبات الحصانة فإنه سيكون من حق الثوار انتهاج طريق جديد لتحقيق أهداف الثورة حتى وإن خالفوا بنود المبادرة الخليجية.
برقيات:
* ما يزال السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين يتصرف ويلوح بأحاديث تفتقر إلى اللباقة المفترضة في أي دبلوماسي، فحين يحرض على الحوثيين والحراك الجنوبي يكشف عن مدى تطابق تصوره عن اليمن مع تصور الرئيس المخلوع، دونما تعرض لأسباب ما يجرى في الجنوب وصعدة بعد العبث والدمار الذي مارسه صديقه المخلوع، وجعل كل يمني يمقت اليوم الذي صار فيه علي عبد الله رئيسا له.
* وعندما يقول (السفير) أن القاعدة استغلت ضعف السلطة في فترة الثورة للسيطرة على مدن ومحافظات فإنه بذلك يتستر على الكيفية التي تم بها سحب آلاف الجنود والضباط ليسلموا مدنا بحالها لعشرات المنتميين إلى القاعدة، وهذه لا يعبر إلا إما عن ضحالة سياسية وإما عن مشاركة في التستر على جريمة أقر بها العسكريون أنفسهم.
* الزميل البرلماني عبده محمد بشر رئيس كتلة الأحرار البرلمانية استشاط غضبا من حديث رئيس الوزراء الأستاذ با سندوة عن مجزرة جمعة الكرامة ومرتكبيها واعتبر ذلك خطاب حرب، لكن هذا الغضب لم يحضر عندما يتواقح أركان الحكم المخلوع ويقولون عن الشهداء والثوار أنهم بلاطجة، . .ما الذي جرى أيها البرلماني المحترم، أم إن الرئاسة أفسدت عليك سلامة السمع والبصر؟ ؟
* الزميل الكاتب والسياسي محمد المقالح تعرض لأزمة قلبية جعلته يرقد في مستشفى القلب بصنعاء لإجراء قسطرتين (تشخيصية وعلاجية) . . . حفظ الله قلبك أيها الكاتب الرائع وأبقاه موطنا للحب والنقاء فنحن ما نزال بحاجة إلى القلوب التي تشبه قلبك.
* يقول الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي :
وربّ مريدٍ ضُـــــــرّه ضـــرّ نفسهِ
وما قتل الأحرار كالـــــــعفو عنهمُ إذا أنــت أكــرمـــت الـكريم ملـكتهُ ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
وهاد إلـــــيه الجيش أهدى وما هدى
ومن لك بالـحرّ الّذي يحــــــفظ اليدا وإن أنت أكرمت اللئـــــــــــيم تمرّدا مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى