|
|
|
صنعاء نيوز/هداية شمعون -
" نعلن نحن النساء المصريات، باعتبارنا شريكات في الوطن وشريكات في الثورة، أننا سنواصل مسيرة النضال من أجل حقوقنا في ظل مبادئ المساواة والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، وسنعمل على استكمال مطالب الثورة في دولة مدنية ديمقراطية. ونتقدم هنا حاملات صوت الميدان إلى نوابنا في مجلس الشعب وإلى شركائنا في الوطن لنؤكد على تمسكنا بحقوقنا التي انتزعناها عبر عقود طويلة، ونطالب بحماية حقوق النساء وحقوق الطفل وحقوق الإنسان في وطننا، بما يضمن كرامة المواطنات و المواطنين، والمساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص للجميع."
بيان مسيـرة نســاء مــع الثــورة 8 مارس 2012
مما لاشك فيه أن قطعا من الشطرنج في الساحة العربية قد تهاوت وسقطت، بعضها سقط مدويا، وبعضها لازال يترنح، ولم يخلو المشهد العربي منذ أكثر من عام من ترقب ولهفة عميقة لكل إنسان عربي ظن أن حلم التغيير بات مستحيلا..
فقد بدأت الثورات العربية برسم ملامح جديدة للمنطقة العربية وبعيدا عن مقاربتها والصورة المأمولة والتي داعبت خيال العربي منذ زمن أو الارتهان للحظات - بات التغيير من أجل التغيير وشيكا فإننا شهدنا ولازلنا أصناما طالما علت المشهد العربي وتجذرت كراسيها حتى بات اقتلاعها أمرا يحتمل الفانتازيا أكثر من كونه واقعا، إلا أن صرخة بوعزيزي وجسده المحترق – والذي لازال محترقا- وما تلاه من تغييرات في تونس لتعلن انطلاق الثورة التونسية التي تعطش شبابها إلى الكرامة والعودة، فقد بدأت الثورة في تونس عندما أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، وعدم تمكنه من تأمين قوت عائلته، فاندلعت بذلك الثورة التونسية، وانتهت في 14 يناير عندما غادر زين العابدين بن علي البلاد، وبعدها بتسعة أيام، اندلعت ثورة 25 يناير المصرية تلاها بأيام الثورة اليمنية، وفي 11 فبراير التالي أعلن محمد حسني مبارك تنحيه عن السلطة، ثم سُجن وحوكم بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة.
وإثر نجاح الثورتين التونسية والمصرية بإسقاط نظامين بدأت الاحتجاجات السلميَّة المُطالبة بإنهاء الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية بالانتشار سريعاً في أنحاء الوطن العربي، فبلغت الأردن والبحرين والجزائر وجيبوتي والسعودية والسودان والعراق وعُمان وفلسطين (مطالبة بإنهاء الانقسام بالإضافة إلى الانتفاضة الثالثة) والكويت ولبنان والمغرب وموريتانيا.
وفي 17 فبراير اندلعت الثورة الليبية، التي سُرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة، وبعد صراع طويل تمكن الثوار من السيطرة على العاصمة في أواخر شهر أغسطس عام 2011، قبل مقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر خلال معركة سرت، وبعدها تسلّم السلطة في البلاد المجلس الوطني الانتقالي. وقد أدت إلى مقتل أكثر من خمسين ألف شخص، فكانت أكثر الثورات دموية، وبعد بدء الثورة الليبية بشهر تقريباً، اندلعت حركة احتجاجات سلمية واسعة النطاق في سوريا في 15 مارس، وأدت إلى رفع حالة الطوارئ السارية منذ 48 عاماً وإجراء تعديلات على الدستور، كما أنها أوقعت أكثر من ثمانية آلاف قتيل ودفعت المجتمع الدولي إلى مُطالبة الرئيس الحالي بشار الأسد بالتنحي عن السلطة. وفي أواخر شهر فبراير عام 2012 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تنحيه عن السلطة التزاماً ببنود المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، التي كان قد وقع عليها قبل بضعة شهور عقبَ الاحتجاجات العارمة التي عصفت بالبلاد لعام كامل
ورغم أنه من السابق لأوانه حتى الآن التكهن بمدى نجاح الثورات العربية بتحقيق أهدافها إلا أننا لا يمكننا تجاهل الحراك الشعبي، وتميز المرأة العربية بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الحراك وسنحاول في هذه المقالة المختصرة أن نشير إلى دور المرأة العربية في الثورات العربية، وماهية الانجازات التي حققتها، والإخفاقات التي واجهتها، كما سنحاول أن نعرج على مدى تأثيرات هذا الحراك العربي على المرأة الفلسطينية ودورها في هذا الزخم ..
لقد شاركت المرأة العربية بما لا يدع مجالا للشك في الثورات العربية بل كانت من أطلق شرارة البدء في بعض الدول العربية، فعلى مستوى المجال العام شاركت في المظاهرات والاعتصامات الجماهيرية بل ونظمت بعضا منها، وكانت خطيبة وقائدة في هذه المسيرات ولاقت قبولا واهتماما من الجماهير المنتفضة، كما أنشأت المدونات وصفحات الفيس بوك ونشرت رسائل ثورية عبر مواقع اليوتيوب وكتبت الشعارات الثورية وحرضت مثيلاتها من النساء، فكانت تحاول أن ترفع الوعي بمفهوم الحريات والتحرر والمدافعة عن حقوق النساء وحرية الرأي والتعبير، ولم تستثنها قوى الظلام وأجهزة الشرطة فكانت معتقلة وسجينة بل وتم التنكيل بها من قبل أفراد الشرطة في بلدانها وتسربت الكثير من مشاهد تصوير الفيديو وهي تضرب وتعذب وتنتهك كرامتها، وعانت من سياسة التخويف والتهديد واستغلال الصورة النمطية للإناث ومفهوم السمعة والشرف، وجابهت الشتائم ومحاولات النيل منها بكل قوة ولم تجعلها تتراجع، بل لقد تم سحلها وتعريتها كما حدث في إحدى البلدان العربية ولم تكترث لها قوات الجيش وحاول البعض التنكيل بها غير عابئين بأي رصد إعلامي أو حقوقي.
كما نظمت المرأة العربية نفسها وشاركت في مهام الإسعاف لجرحى الثورات، وأقامت في خيم المعتصمين ضاربة بعرض الحائط أي معوقات مجتمعية أو ثقافية حاولت النيل منها، وكانت وجها إعلاميا قويا استطاعت أن تعبر عن القضايا المجتمعية والسياسية بعمق، وأن تفرض وجودها وتعبر عن آرائها، وتتزعم الجموع الغاضبة.
لقد شقت المرأة العربية طريقا محفوفا بالمخاطر وربما دفنت أحلام الصبا وطموحات شخصية لأجل مصلحة الوطن وإيمانا راسخا بأن الحرية –الحلم- هي ما تصبو إليه لأجل أبنائها والأجيال الشابة التي ستأتي فقد قبلت أن تكون وقودا لأجل الآخرين ولأجل الجميع ولأجل النساء مثلها، ورغم ذلك فقد نالت تقديرا عالميا وعربيا ومحليا فنذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر والرصد:
- حازت توكل كرمان الإعلامية اليمنية والقيادية في الثورة الشبابية الشعبية والتي رأست منظمة صحفيات بلا قيود على جائزة نوبل للسلام للعام 2011 بالتقاسم مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي، وبهذه الجائزة أصبحت توكل خامس شخصية عربية وأول امرأة عربية تحصل على جائزة نوبل، كما اختارتها مجلة التايم الأمريكية في المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية في التاريخ، وتم تصنيفها ضمن أقوى 500 شخصية على مستوى العالم، وتم اختيارها كأحد سبع نساء أحدثن تغييرا في العالم من قبل منظمة مراسلون بلا حدود.
- تم تكريم الناشطة أسماء محفوظ لدورها في الثورة المصرية في البرلمان الأوروبي في نهاية ديسمبر 2011 بالإضافة إلى خمسة من النشطاء المطالبين بالديمقراطية في انتفاضات مصر وسوريا وتونس حيث تم منحهم جائزة سارخوف لحرية الفكر، وأكدت محفوظ أن هذه الجائزة لجميع الشباب المصريين الذين ضحوا بأرواحهم باسم الحرية للجميع وأكدت أن الشباب المصري لن يخون الضحايا بل سيعمل على تحقيق الحلم.
- وعلى النقيض هنالك نساء وفتيات عربيات تمردن في ظل الثورات العربية على عباءة المجتمع وعبرن عن دواخلهن المكبوتة نتيجة الثقافة الذكورية وسيطرتها على جسد الأنثى فعبرن من خلال التعري عن رفضهن لكل ما تربين عليه من المحرمات المجتمعية والثالوث المقدس المتمثل بالدين والجنس والسياسية، ورغم فردية مثل ردات الفعل هذه إلا أنها نتائج وإفرازات الكبت والحرمان والثقافة العرجاء فالنظر فقط للمرأة كأنثى وجسد وتجريدها من القدرة على التفكير والإبداع عزلها وجعل تفكير بعض الإناث بالتمرد على فكرة المجتمع بالإتيان بالقيض، غير مدركات أه أيضا أصبح اسيرات صورة الجسد.
ورغم أن هذا ليس بالنموذج الأمثل لسياقه إلا أنه نموذج يحمل وجه آخر للمخفي في المجتمعات العربية التي تفضل أن تدفن رؤوسها في التراب على أن تستشعر بخطورة النظرة الدونية والنمطية للمرأة والفتاة وقمع حريتها وقدراتها وتقزيم المرأة بجسد جميل يصلح لأوقات جميلة وما دون ذلك تبدأ رجعية التفكير والانحدار بالمرأة لدرجة التعامل معها كسلعة تباع وتشتري وتقدر بأثمان، إذن الصورة ليست وردية في مجتمعاتنا العربية والوضع الثوري يرشح للكثير من الخروج عن المألوف الذي بحد ذاته أمر مطلوب - لكن هذا ينذر بانهيار المنظومة الأخلاقية فجأة وانهيارا مدويا كالأنظمة العربية، وهذا مكمن الخطر فثقافة المجتمعات هي خط دفاعها الأول، والمرأة دوما وعلى مدار التاريخ كانت خط الدفاع الأول وأيضا خط الانهيار الأول لأن المجتمع تعامل مع المرأة كموضوع وليس كشريك، بما يعني أن صيرورة الوجود الفكري للنساء إنما هو بفعل تخطيط الفكر الذكوري ولم تكن شريكة فيه، وللأسف فإن مؤشرات ودلالات الثورات العربية في هذا الوقت المتقدم بعض الشىء إنما تؤشر إلى هذا المأزق الثقافي ويمكننا تلخيص بعضا من المواقف ذات الدلالة:
1- قصور الوعي الثقافي والفكري لكل ما يتعلق بالنساء ومشاركتهن السياسية، فنجد الذات العربية ترتد مرة أخرى لمفهوم أنثى وذكر، وليس التعامل مع القضايا من منطلق فكري أو كفاءة، مما يؤدي إلى تحجيم دور النساء السياسي في حصد أي انجازات للثورات العربية، وهذا ما لمسناه في الانتخابات التشريعية المصرية بعد ثورة 25 يناير- كنموذج لا يعكس الحراك الشعبي النسوي الذي ساهمت به بقوة.
2- لاتزال المعوقات المجتمعية والثقافية الذكورية تواجه النساء العربيات لأن الإرث الثقافي لم يسقط بسقوط الأنظمة بل ربما تكشفت الصورة الحقيقية للمجتمعات العربية القابلة للتغيير باستثناء موضوع المرأة، وعلى سبيل المثال لا الحصر تقول اسماء محفوظ الناشطة المصرية في حركة 15 أبريل حول التحديات المجتمعية التي واجهتها أثناء مشاركتها السياسية قائلة: " كأي أسرة مصرية، كانت لأسرتي تحفظات على مشاركتي في العمل السياسي، وكانوا دائما ينصحونني قائلين «انت بنت ومش وش بهدلة». وقد دفعتني ضغوطهم، في وقت ما، إلى التقليل من نشاطي حتى أستطيع البقاء معهم بالمنزل لفترة أطول، حتى إنني تركت موقع المتحدثة الإعلامية باسم الحركة واكتفيت بدوري كعضو.. وبعد تفجر الاحتجاجات كانوا سعداء جدا، وقالوا لي «نحن فخورون بك».
3- سيطرت ذهنية الصورة المقولبة للمرأة في كيفية تقديم المرأة المرشحة في الانتخابات، فكما حدث في حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين فقد تم اقصاء صور النساء المرشحات- على قلتهن- وتم وضع صورة الوردة بدلا من صورهن، ويمكننا أن نستقرىء دلالات اختيار الوردة تحديدا كرؤية لرقة المرأة والصفات الأنثوية التي تجزء دورها في الدور الانجابي والدور المرغوب من قبل العقلية الذكورية، ومرة أخرى فإن تحكم وسيطرة المرشحين من رجال يمكنه أن يتحكم بسهولة ودون مقاومة بقرارات ووجود المرأة المرشحة كديكور فقط.
4- العنف الممارس من قبل السلطة الحاكمة لا يفرق بين رجل وامرأة بل يزداد عنفا وقسوة مستغلا البيئة العربية ويحارب النساء بعقلية مجتمعاتهن، فكما حدث مع الناشطة السياسية غادة كامل عبد الخالق وسحلها وتعريتها كان من أبشع جرائم انتهاك الحريات وحقوق المرأة وامتهان كافة القرارات الدولية في حماية النساء، فالعقلية البوليسية لم ترحم رجلا أو امرأة بل تحارب النساء بما ساهم المجتمع العربي بتعزيزه حول الجسد والعورة، وذلك امعانا في الحاق الأذى الأعنف بكل من تحاول أن تمارس حقها الطبيعي في ممارسة العمل السياسي، فالشباب الثوار قد يتعرضوا للضرب وربما القتل، لكن النساء الثائرات- بحسب عقلية الذكور- فإن محاربتهن من خلال الجسد مرة أخرى والنظرة القاصرة على المرأة كأنثى يكون الخيار الأول لمالكي السلطة، ويجد المتصفح لمواقع الانترنت ومواقع اليوتيوب والفيس بوك بالكثير من حملات التشويه المضادة للنساء اللواتي كان لهن دورا رائدا وقياديا في الثورات العربية وكافة هذه الحملات تتعلق بسلوكهن أو صور مفبركة في محاولة للنيل منهن ومن مكانتهن ودورهن الريادي في الثورات وبغض النظر عن الأطراف المستفيدة فإن إعادة قولبة النظر للمرأة والارتداد لأن المرأة ليست إلا تابعا للرجل وهو الأمر الذي جاء تراكما لثقافة الأجيال العربية ولا نتوقع أن تغييره بالأمر الممكن في هذه المرحلة.
إن صورة المرأة في الواقع الاجتماعي العربي، خضعت وتخضع لسياقات اجتماعية وتراثية تاريخية بكل ما أنتجته من أعراف وعادات وتقاليد سلبية تراكمت على مدى التاريخ القديم والحديث والمعاصر، بواسطة جملة من الأدوات التواصلية كاللغة والدين والقانون والثقافة بمختلف مكوّناتها في اطار المجتمع التابع والمتخلف... وبالتالي فان هذه الأدوات أدت وظائفها داخل هذا الاطار بالتفاعل مع واقعه الاقتصادي والاجتماعي الذي شكل أساس البناء الثقافي لهذه التركيبة/ الصورة التي لم تتطور مكوناتها بشكل جوهري أو متمايز عما كان عليه الحال قبل 50 عاماً.
المرأة العربية ضحية الثورات:
ورغم جمالية الصورة الثورية والوجود القوي وتألق المرأة العربية إلا أن الجهود والحراك الذي أعطى الكثير من المؤشرات أن بإمكان النساء أن يصنعن تغييرا وقادرات على المشاركة السياسية بكافة مستوياتها، إلا أن هذه الجهود لم ترتقى لمطالب النساء العربيات في الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية..
فقد حدثت الأمور بشكل عكسي حيث خرجت النساء بكافة شرائحهن وشاركن بكل قوة إلا أن أنه تم تجاهلهن وتهميشهن، فقد ألقى الجيش المصري القبض على العشرات من المتظاهرات تم إخضاعهن لكشوف العذرية. أما على الصعيد السياسي، فتم إقصاء المرأة من هيئات صناعة القرار الرئيسة، إذ لم يصل منهن إلى قبة البرلمان في الانتخابات البرلمانية سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليدين.
أما في مصر، ورغم الدور الكبير الذي لعبته المرأة خلال الثورة، إلا أنها كانت الخاسر الأكبر بعد نجاحها في إسقاط النظام، حيث عانت التهميش السياسي والضغط النفسي والعنف الجسدي نتيجة الانفلات الأمني، فقد فوجئت المرأة المصرية بتهميش وإقصاء لها، بدءا من التراجع في القوانين التي استمرت تناضل من أجل الحصول عليها، وصولا إلى استبعادها تماما من كل مواقع صنع القرار.
فبين إلغاء الكوتا النسائية، واستبعادها من لجنة الحكماء لتعديل الدستور، وتجاهلها في التشكيل الحكومي، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، وحملة لإلغاء المجلس القومي للمرأة، وبين استمرار القوى السياسية الدينية والمؤسسات الإسلامية والمسيحية، التي لازال يهيمن عليها الفقه التقليدي، وضع المرأة في دور هامشي في الحياة السياسية والأنشطة العامة، مع فرض أفكار فقهية تحط من دور المرأة تحت مقولات شعاراتية بأن دور المرأة في المجتمع عظيم ولكن يتمركز في تربية الأسرة فقط، لتصبح المرأة المصرية خارج المشهد السياسي، مضغوطة بالفكر الفقهي الرجعي الذي يريد تقزيم دورها فقط في خدمة الزوج داخل البيت، ووضع المرأة في اليمن وسوريا والسعودية وباقي الدول العربية، لا يقل سوءا ولا تهميشا ونكرانا للذات.
وفي تونس" أمام فوز الإسلاميين بالانتخابات، شكَّلت النساء الناشطات جبهة 24 تشرين الأول/أكتوبر للدفاع عن حقوق المرأة التي ظلت تتمتع بها بخاصة في مجال الزواج والطلاق وتنظيم النسل والحق في الإجهاض. ورغم فوز النساء في انتخابات المجلس التأسيسي بنسبة 23 في المائة من المقاعد في البرلمان، إلا أن التخوفات تساورهنّ.
فقد عبرن عن تخوفهن بعد الثورة لأن الحصاد للثورة هو حصادا رجوليا تم فيه تهميش المرأة سياسيا وإعلاميا، فلم تفز بالانتخابات التونسية سوى سيدتين فقط، وتعبر الكثيرات عن خشيتهن من تجاهل حقوق النساء المكتسبة تاريخيا، والردة إلى المكتسبات التي حصلت عليها النساء التونسيات بمجالات حقوقهن الاجتماعية والقانونية والثقافية والسياسية.
تقول الإعلامية رحمة همادي " ثمار الثورة في تونس كانت رجالية ولم تحصل المرأة في أول حكومة انتقالية بعد الثورة إلا على وزارتين وهذا يعتبر انتقاصا من حق المرأة التونسية فهناك نساء كثيرات محنكات وقادرات على الفوز بمناصب سياسية."
وفي ليبيا، ما بعد القذافي، أثار تصريح مصطفى عبد الجليل، زعيم المجلس الانتقالي الوطني الليبي، بإلغاء القوانين التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وأن تعدد الزوجات سيصبح قانونيًا، وذلك في الاحتفال الرسمي بتحرير ليبيا في تشرين الأول/أكتوبر 2011، أثار جدالا وتخوفات كبيرة وسط النساء لما قد تعرفه ليبيا من تراجع عن الحقوق التي كنّ يتمتعن بها.
أما في المغرب، فقد اعتبرت الحركة النسائية تعيين وزيرة واحدة في الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بعدما كانت المشاركة النسائية بلغت سبع وزيرات في آخر حكومة، اعتبرته تراجعًا خطيرًا يمسّ المكتسبات التي تحققت للمرأة، سواء في مدوّنة الأسرة أو في الدستور الجديد الذي ينص على مبدأ المناصفة، ومن أجل الضغط على الحكومة لتفعيل بنود الدستور الجديد، نظمت الحركة النسائية وقفات احتجاجية أمام البرلمان.
العلاقة ما بين المرأة الفلسطينية والمرأة العربية في زمن الثورات العربية:
المرأة الفلسطينية ودورها النضالي والاجتماعي ونضجها السياسي والثقافي ربما تاريخيا كان أنموذجا لحراك المرأة العربية في الثورات العربية وليس العكس، فأرى للمرة الأولى- رغم كوني أبتعد عن التنظير أسلوبا ومنهجا- أن صورة المرأة الفلسطينية الأسطورة التي احتواها الإعلام العربي منذ سنوات بعيدة وكانت الصورة غير التقليدية الوحيدة في عكس واقع المرأة في الإعلام العربي فابتعدت في صورة المرأة عن الجسد والأنثى والضحية في مقام- وبرزت دوما صورة المرأة المناضلة التي ساهمت في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وواجهت أعتى أدوات الإعلام الصهيوني لطمس الهوية الفلسطينية، وواجهت الاقتلاع والتشريد وانتهاك العام والخاص، كما ربت أجيال ما بعد النكبة ولازالت تحتفظ بحلم التحرير والنضال والمقاومة، ورغم كل المتغيرات والمؤثرات السياسية والاقتصادية والوضع الراهن للواقع الفلسطيني عامة وانعكاسه على واقع المرأة خاصة إلا أن المرأة الفلسطينية دوما شكلت حقيقة في النموذج النضالي للمرأة الثائرة المناضلة، الدور الذي حلمت وتاقت له المرأة العربية التي تربت في كنف أنظمة عربية بوليسية لا تفهم لغة الحوار ولا مفاهيم التسامح والعدالة وحقوق الإنسان.
إن مسيرة الكفاح المسلح الفلسطيني عكست بشكل مباشر أو غير مباشر مفاهيم التحرر والحرية والتمرد والنضال فشكلت تاريخا يحتذى به، واستقت المرأة العربية في مراحل الثورة وما قبلها النموذج الفلسطيني في حراكها ودفاعها وليس أدل على ذلك حضور القضية الفلسطينية الطاغي حتى في الطروحات المحلية لخطابات الثورة العربية- ورغم تحول بعضها لشعار أو إثارة حماسة.
ولازالت المرأة الفلسطينية ترفد مزيدا من النماذج النضالية وأقوى القيم الإنسانية والتي تتمثل في الأسيرة الفلسطينية هناء الشلبي التي لازالت تواصل معركة الكرامة وقد أعلنت إضرابها عن الطعام منذ تاريخ اعادة اعتقالها في 16 فبراير 2012 بعد أن حكم عليها بالاعتقال لمدة شهور إداريا وأودعت سجن الشارون ولازالت تواصل إضرابها حتى كتابة هذا المقال، وقد استطاعت بصمودها وإرادتها أن تغير معادلة قوة المرأة في المجتمع الذكوري فاحتشد لها الرجال قبل النساء في اعتصامات وخيم تضامنية ووزعت آلاف البوسترات التي حملت اسمها وصورتها وباتت فخرا لكل فلسطيني بمعركتها التي أصبحت معركة كل فلسطيني.
لقد نجحت هناء الشلبي كامرأة في مواجهة منظومة احتلال تمارس أدوات القمع والقهر يوميا بحق الفلسطينيين وتهابها دول وركعت لها دول خشية من جبروت الاحتلال الإسرائيلي، لكن هناء بإضرابها قد نالت من أسطورة دولة الاحتلال وانتصرت رغم سجن الاحتلال وقوته، إن هناء تعطي كل الأجيال الشابة الفلسطينية والعربية تصورا واقعيا لما يمكن أن تقوم به المرأة بإيمانها العادل بقضيتها، لقد فرضت كامرأة احترامها ووجودها وكيانها على كل المنظومة الثقافية المجتمعية، وأعطت بارقة أمل بإمكانية التغيير حتى في الثقافة العربية المتجذرة والتي تضطهد المرأة وتقزم دورها بالدور الإنجابي فقط.
ومن المنصف أيضا بعد هذه المرحلة التي قطعتها المرأة العربية أن نشير أن ملامح انعكاسات قد تنضج في مراحل لاحقة على المرأة الفلسطينية، ويمكن أن نوجزها بالتالي:
- لقد أعادت شرارة الثورة التونسية الحماسة والروح النضالية للشابات والشباب الفلسطيني بعد أن أتخم من تعقد مسار القضية الفلسطينية، وتأزم الوضع الفلسطيني نتيجة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وشعروا للمرة الأولى أن بإمكانهم/ن إحداث تغييرا بإرادتهم وتكاثفهم، فتابع الجميع بشغف يوميا ولحظة بلحظة الثورة التونسية والثورة المصرية، واستلهموا منها أن البقاء لرغبة الشعب مهما طالت سنوات الحكام.
- تحفزت الأجيال الشابة من النساء والشباب وخرجوا في مسيرات حاشدة في 15 آذار 2011 وكانت للشابات مشاركة متميزة وفاعلة فكانت تقود جموع الشباب وتهتف وترفع العلم الفلسطيني وكانت لها في حماسة الأجواء الثورية العربية خير نموذج، فقد كن طفلات فترة الانتفاضات الفلسطينية وربما بعضهن شاركن في ثورة الحجارة في حينها.
- لقد خرجت عدد من الشابات والشباب في تظاهرة تضامنية في بداية الثورة المصرية، في الوقت الذي لم تعبر فيه أي أطراف حكومية أو شعبية عن تأييدها أو عدم تأييدها للثورة المصرية، وتعرضن للضرب والمضايقات في قطاع غزة ومنعهن من التعبير عن تضامهن في الساحات العامة.
- لقد شاركت الكثير من المدونات الشابات من خلال صفحاتهن على الفيس بوك أو البلوجز الخاص بهن الكثير من الكتابات التضامنية والأشعار والمواد الصحفية التي تؤكد تأثرهن بالحراك الشبابي في مصر وأظهرن تعاطفا كبيرا ضد النظام السياسي هناك، كما حازت الثورة الليبية على تأييد الكثير القطاع الأكبر من الشعب الفلسطيني وتأثرت الجميع بالمجازر ضد النساء والأطفال والشيوخ وتشير الكثير من الكتابات لذلك.
نظرة للمستقبل:
لا أحد ينكر على المرأة مشاركتها وفاعليتها في ثورات الربيع العربي، ولا أحد ينكر أيضا عملية التهميش التي تعرضت لها نفس المرأة الثائرة بعد تحقيق مآرب الثورة، إن على المرأة وحدها مسؤولية الحفاظ على تاريخيها وتدوينه من خلال الوسائل المختلفة، الالكترونية والورقية كتباً، أو مدونات أو غير ذلك من طرق التدوين والحفظ، ولأجل ذلك فعلى النساء، وخصوصا المهتمات بتسجيل تاريخ المرأة، أن يباشرن بهذه العملية حتى لا تفوتهن الفرصة ويصبحن خارج لعبة التاريخ كما حدث مع النساء اللواتي شاركن في الثورات الاوروبية المختلفة.
إن انخراط النساء في الثورات وفي الحراك العام يؤكد على وجودها وكينونتها ويعبر عن الإرادة الحقيقية لدى النساء بالتغيير وخلق واقع جديد لمجتمعاتهن تحقق وتلبي طموحاتهن وآمالهن، إلا أن هذه الجهود قد لا تحفظها التاريخ، وتتساقط بفعل الزمن ولن يكتب الرجال تاريخ النساء بل سيسطرون انتصاراتهم ويتجاهلون حراك النساء وجهودهن، لذلك يجب أن تعمل النساء على تأريخ وجودهن في هذه الثورات بطريقة ممنهجة وتراكمية والإيمان قبلا بأهمية هذا التأريخ، بالإضافة لضرورة العمل على الدفع والتأهيل لوجود النساء كقوة في المجال السياسي والتنموي، فيجب أن ينخرطن أكثر بالعمل السياسي ولا يتركن الساحة السياسية العربية ليتقاسمها الرجال فقط، إن تكاثف النساء فرادى ومؤسسات وتجمعات كفيل بتنظيم قوتهن وانتزاع حقوقهن فالحقوق ليست مجتزأ وهي لا تعطي بل تنتزع.
إن التحرر الحقيقي المطلوب للمرأة في جوهره تحرر ثقافي معرفي يمكنها من رسم خارطة قواها والتخطيط لاستراتيجية عمل تجعلها قادرة على تحديد رؤيتها وأهدافها بعناية وبطريق مدروس، لأن الجهود العشوائية أثبتت أن نتائجها لا تصب في صالحها بل تكون هي الوقود وتصبح هي الضحية، لذلك فإنها تحتاج للتحرر الفكري والمرهون دوما برؤية المجتمع لها ولدورها، بالتالي تتمكن من التحرر الاقتصادي الذي سيساعدها بدوره للتحرر السياسي والاجتماعي.
إن مسؤولية تحسين أوضاع النساء في المجتمعات العربية يحتاج لتضافر كل الجهود للقضاء على القهر المجتمعي، والصورة الدونية للمرأة، وأشكال التبعية والاضطهاد والعنف، فقضية المرأة ذات ارتباط وثيق بقضايا التحرر والاستقلال، إن المرحلة القادمة من الربيع العربي ليبقى ربيعا مشرقا تحتم اقتلاع النمطية في فكر المجتمع للمرأة واحترامها بالمفهوم الكامل للمواطنة، كي يمكن أن نوثق أنه ربيعا عربيا مزهرا بالتغييرات والانجازات.
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
حول الخبر إلى وورد |
|
|
|
|