صنعاء نيوز- -
تحدثوا عما شئتم لأخراج البلاد من مشاكلها وازماتها إلا أني أرى أن تحرير السياسة من الدين وتحرير الدين من استغلال الساسة، وبناء دولة مدنية بلا احزاب دينية وبلا توظيف للدين في صراع المصالح هي البداية والمنطلق لتخليق ثورة جديدة في يمن يكاد أن تخنقه أزمات متلاحقة قاتلة، وكل أزمة قابلة للحل إلا أزمة تسييس الدين وتتدين السياسة مرض عضال فتاك يقود بقية الازمات إلى هاوية سحيقة، لأن توظيف الدين في السياسة يجعل الدين أديان ويحول المذهب إلى مذهبية سياسية وفي حمى الصراع تفرز السياسة القتل والدمار، وهذا يجعل من الهاوية جحيم قاتل لا مخرج منه، ويجعل المذهبية عنواناً قاتلاً لكل مدنية وتصبح الديمقراطية قوة تخريبية تنتج الحرب لا السلام.
دعوني أتحدث عن موضوع مقالي بشكل مباشر ودون خوف من الغضبة الإسلاموية التي لا تملك رحمة في مواجهة خصومها الباحثين عن وطن انساني ومجتمع مسلم متدين يجلله النور والحرية والعدل والاخاء والمساواة ، أقول لا مخرج لنا في اليمن من أزماتنا إلا بإلغاء الاحزاب الدينية وفي مقدمتها واجهة الاخوان المسلمين التجمع اليمني للإصلاح وحزب الحق، وكل حزب ديني في الساحة، والعمل على إعادة تأسيس أحزاب مدنية للتكوينات الاجتماعية التي تمثل تلك الأحزاب.
وبدل ان يناضل المجتمع المدني من أجل تقويم الحياة السياسية بجعل الاحزاب السياسية مدنية بحيث يتم تحريم استخدام الدين في صراع المصالح نجد أن اغلب السياسيين والمثقفين والمتنورين يطالبوا الحوثي بتكوين حزبه السياسي ويشجع البعض السلفية على تكوين حزبها دون ادرك لنتائج هذا الفعل، وان حدث ذلك فانها البداية الفعلية لتأسيس الصراع والدمار، وسيكون ذلك أشبه بطنعة قاتلة للوحدة الوطنية، واخراج للجمهورية من مسارها العصري إلى ظلام الطائفية.
وهنا لابد من الإشارة أننا لن نؤسس للوحدة الوطنية ودولتها المدنية إلا بتحرير التعليم الرسمي من ظلام الافكار بالتعليم المدني الذي يعيد صياغة المجتمع بما يجمع ولا يفرق تعليم يحمي الدين من ظلام السياسة وصراعات المذاهب، تعليم يرسخ الولاء الوطني ولا يتحيز لطرف ضد آخر، تعليم يتجه إلى المستقبل لا إلى الماضي، تعليم يخلق الفرد المسلم المعتز بوطنه ودينه، تعليم يجعل الفرد حراً معافى العقل قادراً على استيعاب العلم ومناهجة ولديه الثقة الكاملة في خوض العصر بلا عقد بل بفاعلية تجعل من مجتمعنا وديننا شريكاً فاعلاً في صناعة الحضارة الانسانية.
بلادنا مازالت خارج العصر وغير قادرة على التفاعل مع التحولات التي احدثتها الحداثة في شتى الجوانب، فلا بالدين تمسكنا لاننا خلقنا دين غير الدين التأسيسي وأصبحت المذاهب والايديولوجات الدينية والاجتهادات القروسطية هي الدين، كما أن الدين حوصر في قمقم السياسة وضاع في متاهات الغنيمة، ومن تحرر من أوهام الإصوليات مازال رابض في نفق الجماعات الدنيا يجتر الماضي ويغرق في عصبيات مدمرة، ومن يغامر لخوض عصره فإنه يتعامل مع القادم الجديد بخوف واستغلال وتوظيف الجديد بغباء وانتهازية في بنية وعينا القبلي، وليس الواقع بصراعاته وتناقضاته إلا الدليل الواضح اننا نعيد انتاج تاريخنا بصورة قذرة مشوهة بما يفكك ويشتت ويدمر.
فمن يلاحظ واقعنا اليمني في بعده السياسي سيجد اننا مازلنا في الطور الاول من الانتقال إلى مرحلة الدولة، فالدولة مازالت كياناً سلطوياً معزول تتنازع عليه النخب لتوظيفة في تقوية ادواتها في معارك الغنائم، وفي صراع السياسية ضاع المجتمع اليمني وتفكك إلى جماعات متنازعة تتزعمها نخب تبعث فيها وعي القبيلة بتجليات مناطقية ومذهبية وجغرافية وعرقية، وما يزيد البلاء أن الدين تحول إلى أداة من ادوات الوعي القبلي في صراع المصالح، والملاحظ ان أندماج وعي القبيلة بالعقيدة الدينية المنتجة في صراع المصالح والموظفة سياسيا ينتج الخراب والدمار.
الحوثية ظلامية قاتلة للزيدية ونقيض للجمهورية
لاحظوا معي لقد تجلى وعي القبيلة المحاصرة في صعدة وماجاورها بالايديولوجيا الحوثية، المرتكز كليا على العقائد الدينية، ولن نتناول هنا استغلال الخارج لها رغم أنه من فعلها وأشعل فتيلها لأهداف تخصه، كمصالح ولي الفقيه الغيبية والجيواستراتيجية المهم هنا لتستقيم فكرة المقال وظيفتها في الصراع الداخلي على الكرسي، الحوثية بشكل أو بآخر تعبير عن احتقان قبلي أنتجه ضعف الدولة والفقر والجهل، ولأن المجال القبلي بوجهه القحطاني والعدناني لم يتمكن من التعبير عن نفسه نتيجة التخلف والظلام الذي يعيش فيه فقد استعبدته الايديولوجيا الحوثية الخارجة من كهوف صعدة والمطعمة بالثورية الثيوقراطية للخميني.
وهنا لابد أن نشير إلى أن الجمهورية تركت أبن القبيلة معزولا مذبوحا في محراب النخب القبلية، وهذا سهل للايديولوجية الدينية الغاء انسانية ابن القبيلة، ليصبح أما عبدا في معركة السيد يقاتل باستماتة من أجل زعيم ذكي اقنعه ان الموت في سبيل انتصار سيده مدخله إلى الجنة، أو فكر أصولي متطرف يقاتل من أجل الماضي بإرهاب يدمر الدنيا من أجل الغيب.
تولدت مخاطر كثيرة من الحركة الحوثية تهدد السلم الإجتماعي، وما يحبطنا ونحن نتابع أن الهاشمي المتنور في ظل الهيمنة القبلية وتهميشه بعد أن كان في المقدمة وله القول الفصل يجد في الحراك الحوثي مدخلا للتعبير عن الظلم السياسي والثقافي بل ويفقد وعيه الجمهوري في لحظة نحس لينخرط بحياء على مستوى الخطاب في عنصرية الايديولوجيا الحوثية ويتعامل معها دون تصريح كمدخل للتعبير عن مصالحة. وعلى ما يبدو أن البعض لم يستوعب الحراك الذي أحدثته الثورة والوحدة في بنية المجتمع، فالتعليم والانفتاح السياسي أخرج من بين أحشائه طامحون جدد ومنافسون أقوياء للنخب السابقة على كافة المستويات وكل طامح يبحث عن نصيبه في السلطة والثروة ويخوض الجزء المدني الفاعل المجال الثقافي والفكري والعلمي بقتدار.
أما التقليدي المجمهر فهو لا يفصح عن طبيعة الصراع ومصالحه الحقيقية فهو يبحث عن السلطة لكنه يختبئ وراء الثقافي والبعد الطائفي ليخفي نزعته الحقيقية في الاستيلاء على السلطة، ويعتقد وأن لم يصرح أنه أحق فيها من القبيلي، فالعقيدة الدينية المسيسة تمنحه هذا الحق، وفوق كل ذلك يحاول أن يثبت أن القبيلي أو غير الفاطمي الا خبرة لدية ولا تجربة في الحكم!! وما يحدث في البلاد إلا تعبير عن خروج الحق من مالكه، الحركة الحوثية جعلت من الدين بصورته المذهبية مدخل للانتصار في معركة كانت مكبوتة وفجرتها حروب صعدة في الوعي، يتم التعامل بباطنية مع هذه المسألة وهذا خطر عظيم، ولا ننس أن معركة المصالح في البنية الجمهورية قد أفقد البعض مصالحهم وحتى مكانتهم الدينية، فلقد وجد الهاشمي الزيدي التقليدي والمتأثر بالإيديولوجية الحوثية منخرط في الصراع ومع مجتمع حيوي خرج من قمقم الماضي باحثا عن ذاته بعد ان تحرر من قيود الاستعباد، فيتعاطف مع الحرك الحوثي ويعتقد أن الجميع مستهدف دون إدراك للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ومن يلاحظ تركيز ملازم حسين الحوثي على فكرة أن الدين لا يمكن تفسيره إلا برجل ملهم من آل البيت وأن الأمة لا يمكنها أن تنتصر مادام الحاكم غير فاطمي، لابد أن يستنج أن هذا التأصيل المخادع الذي يجعل من السياسة عقيدة عنصرية ليس إلا تعبيراً بشكل أو بآخر عن الهزيمة والضعف والخوف وهو انتحار سياسي مقاوم للتغيير وغاضب من المساواة ومن التغيير الذي أحدثته الجمهورية في واقع المجتمع اليمني.
وما يزيد من مخاوف الهاشمي الزيدي وشعوره بالخطر أنه وجد أن الآخر المهدد لوجوده الثقافي ومصالحه ( خصوصا الأخوان) يتسلح بالمذهب الذي ينقض شرعية مذهبه السياسي والعقدي، ويخادعه بأنه يوحد ويلغي المذهبية وكلما تمكن من تحقيق ذلك زادت قوة الآخر وهيبته وفاعليته وفي المقابل يؤكد له الواقع أن الفعل الإخواني لا يوحد بل يلغي الآخر ويوظف الثقافي في السياسي ونتيجه محاصرة الزيدية وأختراق مجال حركتهه.
وبدل المقاومة الإيجابية فإن الزيدي متنورا كان أم تقليدي يغرق نفسه في التطرف المذهبي لينتحر لصالح خصمه، كان لاجدر بالمتنور والتقليدي أن يحررا المذهب الزيدي من شوائب الأمامة وعقد المذهب الماضوية ليصبح جمهوريا معاصرا لزمنه وواقعه، وأن يقاوم بلغة جديدة تؤسس للمستقبل وتتحدى إعادة انتاج الماضي، أن يدافع عن مدنية الدولة ويحمي التكوين التاريخي للمجتمع الزيدي من المذهب المقابل بعقلنة المجتمع وتحريره من أوهام الإصوليات بالفكر الأنساني الحر، ومن خلال تجديد الزيدية لا تحويلها إلى حركة أحيائية مدمرة للمذهب ومؤسسة لصراع مذهبي الخاسر فيه دعاة العنصرية أما اليمن فسيكون ضحية الجميع.
أن المتابع لابد أن يلاحظ أن الحوثية نزعة متمردة تتمظهر بإيديولوجية دينية تتناقض مع الذات اليمنية تاريخياً وراهناً، لذا فإنها وان انتعشت في الحرب إلا ان ايديولوجيتها هي السم الزعاف على ذاتها في السلم، وأن اصر المجال الزيدي في الانخراط في مقولاتها الماضوية فإن المذهب وأبنائه يفتحون على اليمن ابواب جهنم نهايتها الحتمية تصفية المذهب بجمهورية متطرفة ستلتحف بالكهنوت لتدمر عدوها اللدود المتماهي مع عقيدة سياسية مؤصلة دينياً خلقها صراع المصالح في بداية التاريخ الإسلامي.
أن الفكر الحوثي يتناقض كليا مع مبادئ الجمهورية، ولن يكون المذهب الزيدي قوة فاعلة وتكويناً قادراً على الصمود والبقاء إلا إذا جدد من نفسه وتخلى عن الامامة وفكرة البطنين وترك التشيع السياسي للكهنوت الايراني والتصق بالمصالح الوطنية، وهذا يحتاج إلى تأسيس رؤية دينية ثقافية غير موظفة في صراع المصالح، المذهب الزيدي بإمكانه الخروج من مأزق الهادوية إلى آفاق عصرية دون أن يورط الدين في صراع المصالح، وسوف يصبح أبنائه قوة فاعلة وعاملة في كافة التكوينات، منحازين للثقافة المدنية التي أسست لها الجمهورية دون أن يتخلوا عن ولائهم لمذهبهم، ليس من الضروري ان يتجسد المذهب أو من يمثله في تيار ديني سياسي، لن ذلك سيخنق المذهب في صراعات عبثية تقتل روح التجديد فيه ويلغي الفكر المدني، وتبعث في المذهب صورته البشعة كما هو الحال في الراهن، فالحوثية ليست إلا التجسيد البشع لتوظيف المذهب في صراع المصالح.
أخوان القبيلة ولعبة المصالح
لننتقل إلى تيار الاخوان المسلمين سنجد رغم تعبيراته الدينية وامتداده الجغرافي في المجال الزيدي إلا انه تيار سياسي يرتكز على المذهب السني، وتطورات الأحداث في اليمن وتحالفه مع الدولة والشيخ جعلته جزء من صراع المصالح، ومواجهة التيار للزيدية مكنت القبيلة من إبتلاعه، وهو في تجلياته قبل الانتقال للمعارضة كان الوجه الآخر لعملة الحكم، وحتى في تجليه كحركة معارضة مازال جزء من صراع النخبة الحاكمة، وهو متورط في صراع النخبة القبلية المهيمنة ورموزها السياسية والعسكرية في البنية الجمهورية في اللحظة الراهنة، وتعمل النخب الحالمة بالحكم بذكاء ودهاء في توظيف الحركة في صراع المصالح.
من ناحية واقعية لا يعبر الأخوان على مستوى السلطة والثروة عن التكوين السني، وجسدها السني الحركي والمتصوف متضخم لكنه تابع وغارق في طوباوية يأكلها حمران العيون، ورغم أن التيار الأخواني في أغلبه خارج لعبة المصالح، إلا أن الزيدية بوجهها المعتدل والمتطرف تعتقد أن الأخوان لعبوا الدور الأكبر في تهميش المذهب الزيدي ومن يمثله وتمكنوا من اختراقه وحلوا محله!!
وهنا لابد من الإشارة أن بعض الأطراف الزيديه انتقلت إلى الأخوان واستوعبت الحركة فقد وجدت ظآلتها في تيار سياسي ديني قادر على هضم الزيدية وتجاوز عقائدها السياسية بنظرة تبدو غير مذهبية وفي الوقت ذاته ضامنة لاحتوى التكوين الزيدي والشافعي، لقد تماهت بعض الاطراف الزيدية الموجودة في بنية الجمهورية بدهاء سياسي مع الاخوان ومازالت تمارس دهائها وهذا التماهي محاولة منها لتجاوز المذهب الزيدي المحتل للبنية القبلية والذي يعمل لصالح نخبة الفقهاء وحتى تتمكن من توظيف القبيلة لاحتلال الدولة بشرعية دينية مزينة بعقائد أيديولوجية تدعي أنها تلغي المذهبية وفي الوقت ذاته تضمن لها الولاء الشافعي الذي يحمل بين أحشائه لغة جديدة مهددة للقبيلة ونخبتها وللغة الماضي البالي.
السلفية كارثة جديدة على واقعنا اليمني لكنها ليست هي المشكلة التي يخافها المذهب الزيدي رغم تمكنها من أختراق حواف الزيدية دون أن تهدد وجودها، وخطرها على مصالح التكوينات المستفيدة من الأخوان أشدّ، السلفية مباشرة وواضحة في صراعها مع الزيدية ومن الممكن محاصرتها، لكن حركة الأخوان قوة مسيسة ومخادعة وتملك أيديولوجية قادرة على التمويه في مواجهة خصمها، كما أن السلفية لم تكن قوة قاهرة للمجال الزيدي كالأخوان، فالوادعي مثلا ظل دهرا في صعدة إلا ان السلفية لم تخترق صعدة، لكن الأخوان أستولوا على التعليم والمساجد والمجتمع المدني وقادوا حراك خنق الزيدية في بوتقة قاتلة.
ضرورات الصراع الراهن في المواجهة المذهبية جعل التكتيك يحكم الأطراف المذهبية، فالحاكم يريد محاصرة الاخوان وامتدادهم الموالي له في الحكم وخارجه بالسلفية، فالموالي المتدين سيقبل السلفية دون أن يُنّبه ضميره أنه خان دينة بتخليه عن الدعوة الأخوانية.
ولأن الشيخ والسياسي الأخواني يدرك مخاطر الحوثية والسلفية على مصالحه لذا وجدت الحركة الأخوانية نفسها في صف خصمها الزيدي لأنهم على قناعة أن الحوثية وامتدادها الزيدي لن ينتصر في مواجهة الدولة ولديها ادواتها الخفية في هذه المعركة، أما السلفية رغم مخاطرها إلا أنها تبرمج عقيدة السلف في العقول لينتهي جزء منهم في جسد الأخوان الذي يغزوه نور ليبرالي يفرض وجوده رغم الحصار، والزيدي المتطرف والمعتدل ركز على السلفية في صراعه حتى لا يستعدي ماردا (الأخوان وتحالفاتهم المتشعبه) إن نهض مع الحاكم لمواجهة الحوثية فأنها الطامة الكبرى على الحوثي والحاكم، وهو يقبل تحالفه مع الأخوان لأنه يدرك أن ابعاد الاخوان عن تأييد الحاكم في معركته مع الحوثية مسألة مهمة لمحاصرتهم مستقبلا، وهي مهمة لدفع الحاكم للتحالف معه مستقبلا، وليس مهما أن تكون السلفيه هي جناح الحاكم الديني الآخر، فالمهم لديه هو محاصرة الوحش الأخواني القادر على ابتلاعه بإيديولوجية ثورية أحيائية لا تعترف بالمذهب رغم مذهبيتها الواضحة.
لن افصل أكثر فلوا دخلنا إلى الصراع في بنية الحكم وتشابكاتها مع المعارضة وفضحنا توظيف الدين من اجل الكرسي لتورطنا في ما يغضب الجميع، فلم يعد الرأي في هذه اللحظة مقبولا لأن حرية الرأي أصبحت مؤلمة للجميع، ومهما يكن علينا أن نشارك في النقاش الجاري بصرف النظر عن صواب ما نقول من خطئه، المشكلة أن الرأي أصبح يخلق لك خصومات وعداوات ودعايات فجة تخلقها نميمة وهي أشد ما تكون بين المثقفين وأعوذ بالله من نميمة المثقفين وخبثها، أما أن يتحول الرأي إلى قنبلة تهدد حياتك فمشكلة، توقفت عن الكتابة الفترة الماضية خوفا ... وبعد... الكتابة رغبة جامحة تستولي على المرء أن المغامرة هويتها.
أين تكمن المشكلة؟
العقل السياسي اليمني انتهازي، وأخطر ما في الأمر ستار الدين، لأنه يبدو نقيا لكنه يحجب طبيعة الصراع على السلطة والثروة، وبكلمات الله يتقاتلون على الدنيا والضحية أبرياء، والمشكلة الثانية أن القوى المدنية ضعيفة وتابعة للأقوياء، وتدير صراعها في ملحمة القبيلة والتيارات الدينية بغباء فاضح، فالحزب الأشتراكي عافاه الله وأخرجه من محنته مع القبيلة وشيخها، يعتقد أن تحالفه سوف يسهل للوجه القبلي الديني صرع الوجه الآخر للسلطة بالإيديولوجية الاخوانية وطموحات شيخ القبيلة، ويتحالف مع الأخواني السياسي التائه في عسيب الشيخ وأحلام التنظيم الخفي في بنية المؤسسات دون إدراك أن الجميع تائهون في طموحات حمران العيون، ، والمشكلة أنه يدافع باستماته عن حركة ظلامية خارجة من الكهوف، ويسير بلا دراية وراء وعي القبيلة المحرك الفعلي للحراك الجنوبي في مواجهته للمظالم.
والمشترك بكليته ضائع في تناقضاته ومشاريع الشيخ الذي يجرجرهم من مؤتمر إلى مؤتمر ومن اجتماع إلى اجتماع، يجرجرهم باسم الوطن من أجل ان يكون هو وريث السلطة أو وجهها الآخر وحده لا غيره، المشترك ينتج الماضي البائس بخطاب جديد، تحول المشترك إلى غطاء فاضح لحجب الصراع الفعلي في الساحة، وتحول إلى أداة في صراع المصالح بين التكوينات الحاكمة والمالكة للسلطة والثروة.
والقوى المدنية في الحكم تبحث عن مخرج وهي تائهة في دولة منهكة يأكلها الفساد ليل نهار بلا حسيب أو رقيب، تبحث عن حلفاء في المعارضة فلا تجد إلا آذاناً صماء، تقاوم مثل غيرها من القوى المدنية فتجد نفسها أنها عصى ضعيفة في دولاب يتحرك ليدمر اليمن، لم يعد أمامها خيار إلا الحاكم ملاذها للحفاظ على البقية الباقية من الدولة حتى لا تنهار وتصبح غنيمة للتيار الديني القبلي، يحاول من خارج الدائرة والمرتبطون بالحاكم أن يخلقوا حراكا جديدا مغايرا بهدف تقويم الحاكم وترشيد المعارضة فيتيهون في أحلامهم النقية والصادقة في حلبة الصراع، تراهن بعض القوى المدنية في الحكم أو المؤيدة له على القوى الجديدة في بنية الحكم فتدان بالانتهازية والتوريث، تراهن على الحراك الجنوبي فيستولي عليه الانفصالي والأصولي، أنها ضائعة تنتظر وتحلم بالحسم ولا حسم، تراهن على القوى المستقلة في المعارضة فتبحث عنها فتجدها في جيب الاخوان أو تحت أبط الشيخ أو تائهة في صراعها مع الكل بلا مشروع واضح.
ما هو الحل؟
مشروع الانقاذ الأخواني هو حل المعارضة، والحوثية يؤيده وتريد إيقاف الحرب ويؤيده أخوان مصر وإيران واخوان اليمن والشيخ والمشترك بل ويطالبون مثل غيرهم بالسماح له بتكوين حزب سياسي ديني، والاصطفاف الوطني حل الحاكم لكنه اصطفاف مشروعه لا يختلف عن الانقاذ الوطني إلا في التفاصيل والشكليات والطرفان يعدان الإشكاليات ويشرحان الأزمة الوطنية بما يخدم مصالحهما، فبينما الحاكم يريد أن يهيمن فإن نخبة الحكم في المعارضة تريد أن تصل إلى نقطة وسط لإعادة تقسيم الغنائم مع الحاكم ونخبته بعد تدجين كل القوى في الساحة لصالح الاقوياء في الحكم والمعارضة، أي انتاج نظام جديد لصالح النخب بمعزل عن الشعب، وعندئذ سيتم توريث النظام بطريقة أو بأخرى والوريث لا يعني بالضرورة أن يكون واحد من أسرة الرئيس فربما يأتي من خارج الدائرة لكن المصالح هي أهم والفعل أهم من الكرسي، ومن يلاحظ قوى الحكم في المعارضة يجدها تنال نصيبها والبقية قوة تدعم المتنافسون على الغنائم، لك الله يا يمن لك الله يا شعب لك الله يافكري قاسم، اعجبني مقال في صحيفة حديث المدنية للكاتب الذكي والفصيح صلاح الدين الدكاك ومن وحيه سردت لكم هذه المقالة بتلقائية وبلا حسابات أو تحيزات لطرف ضد آخر إلا تحيزا لما أعتقد أنه الصواب لا الحقيقة فالحقائق نسبية والمقالة وان كانت في سياق مختلف عن المقالة التي الهمتني إلا انها تسير في طريق البحث عن يمن حر معاصر.
لن أجيب عن السؤال السابق، لأن البحث عن الحل مسئولية جماعية، لكن عود على بدأ أقول: أن تحرير السياسة من الدين نقطة البداية، وتكوين أحزاب مدنية مدخل لتحرير السياسة من القبيلة والأيديولوجيات الدينية، حتى تصبح السياسة فعل حر عاقل تعمل لصالح الأنسان لا قوة مخادعة لاستعباده من قبل الحاكم والمعارض، الدولة المدنية هي الحل، ولا دولة مدنية باحزاب دينية، هل يعني هذا استبعاد الدين؟ لا فالاسلام هو روح الامة وجوهر وجودها نريد مجتمع متدين متسامح قبول الآخر فلسفته مجتمع منفتح على عصره قابل للحداثة التي لا يمكن أن نتقدم بدونها، حداثة يخلقها المجتمع بتلقائية طبيعية وبلا عوائق الأصوليات المذهبية والقبلية المتعبدة في محراب الغنيمة، حداثة يخلقها المجتمع لا حداثة قسرية، ونريد سياسة مدنيه لما لا نقولها صريحة كضوء الشمس نريد مجتمعاً متديناً وسياسة علمانية ومن لم يعجبه فليذهب إلى الجحيم.
* عن التغيير