صنعاء نيوز /هشام المعلم -
لم يكن الاختلاف في يوم ما سمة من سمات مجتمع بعينه و لا أمة بذاتها و لا حصريا ضمن جنس بشري دون الآخر , لقد كان وسيظل صفة التخليق الملازمة للكينونة الانسانية .
فما من أمة بشرية لها حضارتها و ثقافتها وجدت على سطح هذة البسيطة إلا و تسابق أفرادها وجماعاتها لتبني أفكارهم و معتقداتهم و آرائهم التي تميزهم عن غيرهم و تخصهم بطابعهم الخاص الذي يفرق بينهم و بين مجاوريهم أو مخالطيهم أو مخالفيهم , وبتوارث العادات و المعتقدات و كذلك الآراء بين الأجيال المتعاقبة أعطى تلك الثقافات مشروعيتها وقدرتها على البقاء و المقاومة ضد عوامل التعرية والإنقراض و لتكون رديفاً للإبداع والتجديد والتخليق على ذات الأسس التي بنيت عليه من قبل فصح عليها القول ما بني على باطل فهو باطل و ما بني على قاعدة صحيحة نافعة احتفظ بقدرته على جلب النفع لأي فصيلٍ أو طائفة أو مجتمع.
و على الجهة المقابلة بالضبط وجد أن الاختلاف كان هو السبب الرئيسي لكل الصراعات التي دارت و لازالت رحاها تدور في شتى بقاع المعمورة على مدى التاريخ .
فما أن تنتصب حضارة ما على وجه الأرض معلنة عن نفسها بقوة ضمن حضارات موجودة سابقة بإتيانها بالجديد و المختلف عن غيرها إلا وواجهتها التحديات المختلفة.
و لعل أصعب التحديات على الاطلاق هو ذلك التحدي الذي يفرض نفسه بسبب الاختلاف الناشئ بين أفراد و جماعات و طوائف و مذاهب و أحزاب ذلك المجتمع , و الذي قد يصل في نهاية المطاف إلى القضاء على بنيان الأمة أو المجتمع ككل . ويجعل منه لقمة سائغة تلوكها أفواه أعدائها في الداخل والخارج.
فما الذي يجعل من قيمة حضارية مثل الاختلاف سبباً في انهيار صرح أمة أو مجتمع بعينه ؟
ربما يمكننا أن نرجع ذلك إلى الفهم القاصر لمعنى الاختلاف و محاولات الاقصاء المستمرة من طرف ضد الآخر كما أن لعدم المساواة بين الأفراد أو الجماعات المكونة للمجتمع سبباً كافياً و كافيا جداً لخلق الصراعات والنزاعات و التي قد تصل إلى العنف و الحروب الأهلية والتصفيات والممارسات القمعية المستمرة .
إن الإحساس المتعنت بامتلاك الحقيقة الكاملة لدى فصيل معين أو جماعة بعينها يجعل من تقبلها لأي اختلاف يبادر به غيرها أمراً صعباً للغاية.
مما يدعوها إلى محاربة الآخر الذي لا يتبنى ما تحمله من آراء أو معتقدات.
فتلجأ إلى محاولة إقصائه قسراً عن مواطن التحكم بمقدرات الأمة و إبعادة عن مراكز القرار ومواطن التعليم و الوصول إلى بقية المجتمع بارآئه و أفكاره و اعتقاده عبر وسائل الإعلام و الثقافة والمنتديات والمؤسسات التواصلية.
بل قد يصل بها الأمر إلى حد القمع و استخدام العنف.
والذي بالضرورة لا يقود سوى إلى عنف مضاد ومواجهات اعلامية وصراعات عنيفة .
وبما أن نظرية الاجتثاث لم يكتب لها النجاح عبر التاريخ فإن بقاء المخالف باقٍ ببقاء الانسان مدى الدهر.. ويستمر الصراع الذي تغذيه فئات نفعية سواء داخلية أو خارجية لتحقق في النهاية مصالحها المبررة أيضاً ضمن ثقافتها الخاصة .
إن عدم الإعتراف بحقوق الأقليات أو الجماعات من قبل الحكومات المتسلطة أدى في كثير من الأحيان إلى نتائج مأساوية و إلى تقسيم مجتمع ربما كان قوياً .. قبل حدوث مثل تلك الانقسامات وشواهد التاريخ القديم و الحديث و المعاصر كثيرة جداً .
فهل عميت علينا نحن كعرب أو كمسلمين مثل هذه الحقائق و نحن أكثر الأمم تضرراً منها ومعايشة لها و ما حروب العراق و نتائجها عنا ببعيدة ولا سنوات الحرب في لبنان و لا تقسيم السودان ولا صراعات اليمن بين ما كان يسمى بالشطرين عنا ببعيدة .
إن في الأخذ بالنهج الديمقراطي و قيام دولة مدنية حديثة تعنى بحقوق مواطنيها دون تمييز لعرق او جنس او لون او معتقد أو غيره تحترم تنوع الثقافات و تعطي لكل جماعة حريتها في ممارسة حرياتها الثقافية بما لا يضر بمصلحة المجتمع واطلاق الافكار و الآراء و المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافوء الفرص وإثراء التنوع بما فيه مصلحة للكل هو الحل الانسب لتجنب الكثير مما قد يصيبنا فيما لو استمررنا على حالنا.
إن تعايش الناس في مجتمع ما يفرض نفسه ضمن أعراف و تقاليد وقوانين سائدة يتقبلها الجميع فتذيب حواجز الاختلافات لتصبح شيئاً من التنوع والإثراء وليس سببا للصراع الدائم.
فمما لا شك فيه أن أقسى الصراعات على مر التاريخ كانت الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية التي يكون للمعتقد فيها الدور الرئيسي في اذكاء نار الصراع , ولعملية الاقصاء والتحجيم والابعاد والسيطرة والقمع الأثر الأكبر في شب أوار تلك الحروب في داخل اي مجتمع .
نحن لم نتعلم بعد كيف يمكننا الاستفادة من ثقافة الاختلاف , و في تكريس المنهج التربوي على مستوى الاسرة و المدرسة نحو ارساء فكرة حمل التصور الصحيح للحقيقة و أن ما يأتي به الآخر مخالفاً لنا ليس سوى ضرب من الباطل أيا كانت صوره هو ما يزرع في صدور النشء صوراً شتى من الحقد والبغض و الكراهية و إن كانت مبطنة أو متسترة فما تلبث أن تطفو على السطح الرائق لتعكره وتجعل منه وحلاً للصراعات المتعفنة. يتوجب على الجميع العمل على احياء روح الدفاع عن إنسانية البشر قبل أي شيء آخر وذلك برفع مستوى الوعي الجماعي ومقاومة الجهل المستشري و العصبية الزائفة والعوامل الاخرى التي تجعل من الاختلاف آفة بشرية تقضي بدل أن تحيي و تدمر بدل أن تعمر.