صنعاء نيوز / نصر طه مصطفى -
ليس المؤتمر الشعبي العام فقط هو الذي يقف أمام لحظة مفصلية في تاريخه، بل إن أحزاب اللقاء المشترك التي انتقلت من المعارضة إلى المشاركة هي الأخرى تقف أمام لحظة مفصلية في تاريخها، ككيان سياسي حزبي تنسيقي جماعي استطاع أن يصمد لأكثر من عقد كامل في وجه نظام الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح وحزبه المنفرد بالحكم المؤتمر الشعبي العام... وفيما نجحت هذه الأحزاب أخيراً بنضالها الطويل وباندماجها الفعال في إطار الثورة الشعبية السلمية في استبعاد الرئيس صالح من الحكم، فإنها وجدت نفسها فجأة بلا خصم سياسي قوي حتى لو بقي حزبه شريكاً بالنصف في مقاعد الحكومة، ذلك أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن حزب المؤتمر سيضعف كثيرا بسبب تخلي صالح عن السلطة، إلا إن تمكن خلفه عبدربه منصور هادي من أمرين أولهما توليه رئاسة الحزب خلفاً لصالح وثانيهما تحقيق نجاحات حقيقية في مهامه خلال الفترة الانتقالية، ففي هذه الحالة فقط يمكن للمؤتمر أن يصمد في وجه الأداء السياسي المتوقع لأحزاب اللقاء المشترك إن لم يحافظ على تفوقه وهذا سيستلزم نجاحه في إعادة هيكلته بما يتناسب مع المتغيرات.
تؤكد كل المؤشرات السياسية خلال المرحلة التي ستلي الفترة الانتقالية الحالية أن استمرار شراكة القوى السياسية الرئيسية، ستظل ضرورة لا غنى عنها لاستقرار اليمن واستكمال برنامج نهوضه من حالة الانهيار شبه التام التي أوصله إليها نظام صالح... إذ على اليمن أن يحارب على جبهات عدة كالاستقرار السياسي والاقتصاد وتنظيم القاعدة وامتصاص حركات الغضب السياسي، كالحوثيين والحراك الجنوبي وتطوير مختلف الخدمات العامة، وهي مهام تفوق قدرات أي حزب سياسي لوحده... وإذا كانت المؤشرات تؤكد ما ذهبنا إليه فإنها من باب أولى تؤكد أن الحاجة لاستمرار (ائتلاف اللقاء المشترك) هو أمر ضروري بنفس القدر لنجاح أي شراكة سياسية مطلوبة مستقبلاً خاصة مع قيام بعض الأطراف التي لم تشعر بالارتياح مطلقاً لتجربة (اللقاء المشترك) بإثارة إشاعات في الآونة الأخيرة أن المؤتمر الشعبي وتجمع الإصلاح – أكبر أحزاب المشترك – يتهيئان لاستعادة تحالفهما الثنائي واستبعاد بقية أطراف المعادلة السياسية الحالية، ومن الواضح أنها إشاعة تستهدف زرع الشكوك في أوساط المشترك، رغم التأكيدات المستمرة لهذه الأحزاب وبالذات الأحزاب الثلاثة الأكبر في إطارها وهي الإصلاح والاشتراكي والوحدوي الناصري على اتفاقها على ضرورة استمرار هذه التجربة السياسية الفريدة – حتى على مستوى المنطقة العربية – لعشر سنوات قادمة على الأقل، ناهيك عن أنها أثبتت خلال السنوات الماضية أنها نجحت في تجاوز الكثير من خلافاتها السياسية والفكرية لصالح استمرار تحالفها.
تجاوزت أحزاب المشترك أول امتحان صعب لها عقب التوقيع على المبادرة الخليجية وهو امتحان تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتحديداً امتحان توزيع نصيبها من المقاعد والذي يبلغ النصف فيما بينها وبعض شركائها الآخرين الذين أعلنوا تأييدهم للثورة الشعبية، وبالفعل فقد نجحت في ذلك الامتحان الصعب رغم توقع العديد من خصومها أنها لن تنجح في تجاوزه... ويمكن القول أنها نجحت أيضاً في تجاوز العديد من الصعوبات التي تلت تشكيل الحكومة، كامتحان التصويت على قانون الحصانة للرئيس السابق وامتحان التحضير الناجح للانتخابات الرئاسية المبكرة وامتحان التصويت على الموازنة العامة للدولة... لكنها لم تنجح بعد في إقامة علاقة تحالفية ناجحة مع حزب المؤتمر الشريك معها في نصف الحكومة، ولا يمكن إعادة أسباب ذلك عليها وحدها أو على المؤتمر وحده... والأرجح أن مثل هذه العلاقة التحالفية القوية لن تقوم في ظل وجود الرئيس صالح على رأس المؤتمر مدعوماً بصقوره الذين لا يفتأون يثيرون المشكلات لحكومة الوفاق عبر الكتلة البرلمانية للحزب والتي تمتلك الأغلبية وإن كانت هذه الأغلبية مقيدة بنصوص الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، فرغم التهديدات التي يطلقها صالح بين الحين والآخر بدفع كتلة حزبه لسحب الثقة عن حكومة الوفاق إلا أن الجميع يعلمون أنه لا يستطيع ذلك، لأنه سيجد نفسه في مواجهة رعاة المبادرة من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي ومجلس الأمن... وبالمقابل فإن الأداء الإعلامي الحاد لأحزاب اللقاء المشترك ضد رئيس المؤتمر الشعبي العام وتصرفات صقوره وأفراد عائلته الذين لازالوا يهيمنون على أهم وحدات الجيش والأمن، يحول دون إحداث تقارب حقيقي بين الطرفين وهو الأمر الذي جعل الرئيس هادي ينتقدهما في خطابه الهام السبت الماضي... ورغم أن إعلام المؤتمر الشعبي العام لا يفتأ هو الآخر عن الإساءة لشركائه في الحكومة، إلا أن أي سياسي أو مراقب يمكنه تفهم أسباب توتر المؤتمر الذي وجد نفسه في مواجهة ثورة شعب أطاحت برئيسه وفرضت المعارضة شريكاً له في الحكم، بل وفرضت توليها رئاسة الحكومة، في حين أن المستفيد الأساسي من تهدئة التوتر هي أحزاب المشترك المعنية بتوفير الأجواء الصحية لنجاح الحكومة المحسوبة عليها شاءت أم أبت، خاصة أن المهام التي لازالت أمامها كثيرة بما يتجاوز فترة العامين المحددة لعمرها.
سيكون على أحزاب اللقاء المشترك أن تدرك تماماً متطلبات الحكم في المرحلة القادمة، فإن كانت تعتبر أن شريكها لا يأبه بضرورة نجاح حكومة الوفاق أو المبادرة الخليجية على أمل عودة صالح وعائلته للحكم مجدداً، فإنها بالمقابل يجب أن توفر كل أسباب النجاح للرئيس هادي والحكومة خلال الفترة الانتقالية، لأنها المستفيد الأساسي من المتغيرات التي أسفرت عنها الثورة الشعبية... وهي بذلك يجب أن تعمل على توفير أسباب النجاح للحوار الوطني القادم وهو ما يستلزم تنسيقاً متكاملاً مع حزب المؤتمر، ناهيك عن أنها لابد أن تحرص على استيعاب شباب الثورة في كل مكونات الحوار، باعتبارهم عمودها الفقري ومصدر قوتها، كما لابد عليها أن تستوعب بقية الأطراف السياسية التي كانت ولازالت على خلاف معها حول توجهات المستقبل حتى وإن ثبت لديها أن دولاً معادية للمبادرة الخليجية وحكومة الوفاق ترعى تلك الأطراف... لذلك يمكن القول أن على أحزاب اللقاء المشترك أن تتعامل مع الوضع الراهن من موقع الحاكم، لأن زمن المعارضة قد ولى وبلا شك، فإن فقه الحكم يختلف كثيراً عن فقه المعارضة، وهي لم تكن بعيدة عن الحكم في سنوات سابقة وهذا ما يمكن أن يعينها على تجاوز شبح صالح الذي يلوح لها بين الحين والآخر!. |