صنعاء نيوز /علي ربيع -
{.. صدور قرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة الاتصال يعني بدء عملية المخاض الفعلي من أجل أن يشهد اليمنيون ومعهم العالم ميلاد مؤتمر الحوار الوطني، هذه اللجنة المشكلة من شخصيات معروفة ومألوفة راعى قرار تشكيلها توازنات الجغرافيا والسياسة، وخصص ربعها للمرأة، وأوكل إليها اختيار رئيسها من بين أعضائها.
< مهمة اللجنة الاتصال والتشاور وصولاً إلى تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر المرتقب، لكن يبدو أن طريق اللجنة معبدة بالعقبات الكثيرة كما هي مؤشرات بيانات ردود الأفعال المتهيبة والمشترطة وحتى الرافضة، فضلاً عن تعقيدات المشهد السياسي في اليمن وتداعياته وحجم الملفات المختلفة والمتناقضة التي تنتظر حجز التذكرة الرابحة لدخول مؤتمر الحوار، لكن في عموم القول لا تخلو الرؤية من مبشرات ظاهرة ومنفرات مقلقة وصادمة.
< المبشر في الأمر أن كل الأطراف المعنية والقوى المؤثرة مهما بلغ شططها تعترف صراحة أو ضمناً أن الحوار الوطني الشامل والمسؤول هو وحده الكفيل بطيّ صفحة الماضي ووضع أسس مستقبل الدولة في اليمن ورسم ملامحها الوطنية الجديدة، وأعتقد أن هذا الاعتراف، هو المدخل الطبيعي الذي ستبدأ منه لجنة الاتصال لتقريب المتباعد وترويض المستعصي.
< أما عن المنفّرات فأخطرها روح الأنانية وضبابية الرؤية وغياب المسؤولية الوطنية في شموليتها وصدقها، وكلها فرضيات محتملة يمكن أن يقع في شراكها أي طرف، وإن حدث مثل ذلك فبالتأكيد سيمثل عقبة قد تؤخر مسار المشروع الوطني لليمن الجديد أو تلحّ في إرباكه ليخرج بمشروع هزليّ يعيد إنتاج المشاريع نصف الميتة.
< لقد صدرت بيانات عدة عن قوى سياسية بعضها يتموضع خارج اتفاق التسوية السياسية وبعضها كان واحداً من أطرافها، فربما يظن البعض أنه قد بدأت لحظة الصيد، وإلقاء سنارة هنا أو طعم هناك يمكن أن يؤثر على حركة المد والجزر المضطربة ويعيد توجيهها بما يضمن تحقيق أكبر قدر من المكاسب.
< وأظن أن مثل هذه البيانات بما حملته من شروط بعضها موضوعي في غير سياقه وبعضها تعجيزي فرْص، هي في الأول والأخير رسائل محملة بمثيرات نفسية تستهدف الأطراف اللاعبة، إما لكبح جماحها وإما من باب (نحن هنا)، أما إذا كان مضمون تلك الرسائل نهائياً وغير قابل للتأويل، فأظن أن عشر سنوات لا تكفي لتلبية شروط التهيئة للحوار كما تراها تلك الرسائل، مما يعني دخول العملية السياسية الوطنية في مأزق حقيقي قد يستدعي الخروج منه ضريبة باهظة ليس في وسع اليمنيين احتمالها.
< فهل تدرك نخب السياسة والأحزاب والقوى المختلفة أن استهداف الأجواء الممهدة لمؤتمر الحوار بعواصف اشتراطية سامة وغير منطقية لا يعني سوى تأجيج نار الأزمة، والسماح بانتشارها إلى مربعات أخرى على رقعة الخريطة الوطنية؟! خاصة في ما يتعلق بتمادي الصراعات العنيفة المقامرة بالدم اليمني لتحقيق فضاءات مغلقة تنذر سحائبها بتشكيل واقع جديد يسبح في عين الفوضى ولا تربطه أي علاقة بالمستقبل المنشود.
< إن ملفات الماضي كثيرة ودامية ومتراكمة ومعقدة، وإثارتها والتمترس خلفها في اللحظة الراهنة بغية تسجيل نقاط استقوائية أو بغية فرض نتائج مسبقة على طاولة الحوار لا يعني سوى الاستغلال الفج للوظيفة الوطنية الملقاة على عاتق القوى السياسية والحزبية، وعدم شعورها بالمسؤولية التاريخية تجاه اليمن الجديد.
< لهذ أعتقد أن المؤتمر الوطني للحوار لا ينبغي له أن يكون كعكةً مشاعةً لسكاكين الهويات الواهمة، ولا كرنفالاً لانتكاسات الجغرافيا وتشظيها، ولا سوقاً لاستقبال الشعارات اللاوطنية والمزايدات السياسية، ولكنه لحظة تاريخية مواتية لتشكيل عقل الدولة الوطنية في اليمن وإقرار بنيتها المستقبلية، وتحديد العلاقات بين مكوناتها بشكل يحقق المقصديات المثلى من وجودها