صنعاء نيوز/بقلم إيفا سولمان صحيفة نيويورك تايمز -
احتشد مئات الآلاف من اليمنيين العام الماضي في ساحة التغيير بصنعاء محولينها إلى قلب رمزي للثورة المطالبة باستقالة الرئيس علي عبدالله صالح.
بعد ستة اشهر من استقالة صالح، تم إقامة جدار خشبي لفصل النساء عن الرجال. أكثر من 1000 شخص لا زالوا في الساحة منتظرين تحقيق أهداف الثورة العالقة بين نفوذ الرئيس السابق والإنقسامات الداخلية في ساحة التغيير.
في مقابلة مع عضو في التجمع اليمني للإصلاح بساحة الخيام، قال القيادي في اللجنة التنظيمية للثورة فؤاد الحميري (الثورة لم تنتهي بعد. صحيح أن صالح استقال، لكن النظام القديم لا يزال موجود في السلطة. لن نترك الساحة حت يتم عزل أقارب صالح من الجيش وإعادة توحيد القوات المسلحة).
وفقا للمبادرة الخليجية التي وقع عليها صالح في 23 نوفمبر، يجب على صالح وعائلته أن يتركوا مواقعهم القيادية في مقابل الحصانة ويسمحوا بانتقال سلمي وديمقراطي. كذلك ينبغي إعادة هيكلة وحدات الجيش التي تعرضت للانشقاق خلال احتجاجات العام الماضي ووضعت البلاد على شفا حرب أهلية.
لكن هذه العملية تواجه تحديات لم تكن متوقعة وقد خلقت توترا شديدا في صنعاء. في الشهر الماضي بدأ الرئيس عبد ربه منصور هادي عملية استبدال بعض أقارب وأنصار صالح من الجيش، لكن مع فشله، حاول صالح منع هادي في كل خطوة يخطوها.
البلاد تنتظر الخطوة القادمة لهادي. خلال زياته الشهر الماضي لليمن، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر (هناك صراع خطير بين الرئيسين السابق والجديد).
وما يزيد الوضع تعقيدا هو ثالوث الصراع القديم المتسبب في إشعال القتال في الصيف الماضي بين صالح وأسرة آل الأحمر القبلية القوية واللواء المنشق علي محسن الأحمر.
الميليشيات ونقاط التفتيش والمتارس لا تزال موجودة بكثافة في أرجاء صنعاء. وعند سماع كثافة في إطلاق النار خلال ساعات المساء نجد الناس قلقين ويستفسرون فيما إذا كانت هناك حفلات زفاف أو موجات قتال.
لا تزال صنعاء تعاني بشكل يومي من انقطاعات التيار الكهربائي بسبب أعمال تخريبية، لذا تتعالى الأصوات المزعجة الصادرة من المولدات الكهربائية في المكاتب والمحال التجارية والبيوت. في بعض الأحيان يتم تناول وجبة العشاء ومناقشة التطورات السياسية في البلاد وسط العتمة.
لقد حذرت أمريكا الأسبوع الماضي بأنها ستجمد أموال من يعيقون انتقال السلطة. تهدف أمريكا من وراء هذه الخطوة إلى تشجيع الرئيس هادي الذي ألتزم بشن حرب ضد فروع تنظيم القاعدة التي إزداد نفوذها العام الماضي في خضم الفوضى السياسية.
لكن القتال- الذي إزداد ضراوة خلال الأسابيع الماضية ضد مسلحي القاعدة- أصبح عقبة أمام الانتقال الديمقراطي في اليمن.
ففي الأسبوع الماضي زعم تنظيم القاعدة عن مسئوليته للهجوم الانتحاري الذي أودى بحياة أكثر من مائة جندي وجرح مئات آخرين في قلب صنعاء.
وفي نفس الوقت فإن تباطئ المرحلة الانتقالية افرزت انقسامات عميقة في أوساط حركة المعارضة الشبابية.
يوجد في ساحة التغيير لوحدها أكثر من 300 اتحادا مشكلة من المستقلين والمدافعين عن حقوق المرأة والإشتراكيين والمتمردين الحوثة القادمين من شمال البلاد والانفصاليين القادمين من الجنوب، إضافة إلى الحزب الإسلامي (التجمع اليمني للإصلاح) والعديد من القبائل. معظمهم أصبحوا منقسمين بحسب اتجاهاتهم السياسية والطائفية.
قال الحميري- الملقب بشاعر الثورة لكثرة قصائده وخطبه التي يلقيها في مسجد التغيير (ليس من السهل جمع وتوحيد كل هذه الجماعات المختلفة ناهيك عن حشدهم خلف منبر واحد).
وتتضح هذه الفجوة بجلاء في ساحة التغيير بين اليمنيات المستقلات والإصلاحيات المتشددات. وهذا يكشف عن المصير الذي ستؤول إليه حقوق المرأة في المستقبل وكذلك الإفرازات الديمقراطية من الثورة.
كان للمرأة اليمنية دورا مهما في بداية الثورة وأضطلعت بمكانة غير مسبوقة في التاريخ اليمني. شاركن في تقديم بطانيات ومواد غذائية وساعدن في توفير الرعاية الصحية للجرحى. ووصلت المرأة إلى الخطوط الأمامية مع الرجال ومنهن من قادت الاحتجاجات ومكثين في الساحة إضافة إلى نشاط المدونات والصحفيات.
الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان خلعت البرقع حتى تتمكن من مخاطبة الناس وصار وجهها الأكثر شهرة.
لكن اليوم يخاف الكثير من أي رد عنيف من جانب حزب الإصلاح. فقد سيطر هذا الحزب الإسلامي على قيادة الساحة، مما خلق صعوبة أمام النساء في تنسيق آرائهن.
خلال أعمال المؤتمر الأول للمرأة الذي انعتقد في شهر مارس الماضي، تراشقت بعض النساء بالأحذية بعد دخولهن في جدال سياسي.
كما يمارس الإصلاحيون ضغوطا نفسية وإجتماعية على النساء لإجبارهن على العودة إلى البيوت.
بعد إقامة الحاجز الخشبي الفاصل بين النساء والرجال تحت مبرر الحفاظ على خصوصية النساء، قل بشكل واضح عدد نساء الساحة. ما بين خمس إلى عشر نساء يلفهن السواد الكامل يتسكعين في الساحة في النهار.
هناك ألف رجل ما زالوا مخيمين في الساحة. وهناك أربع نساء باقيات في الساحة منهن فريدة اليريمي عمرها 48 عاما. فريدة صارت معروفة بلقب (أم الثورة).
داخل خيمتها الصغيرة قالت فريدة (هذه خيمتي الرابعة. الثلاث السابقات مزقها الإصلاحيون لإجباري على الخروج من الساحة).
لكن القيادي في حزب الإصلاح الشيخ حميد الأحمر قلل من المخاوف التي تبديها النساء. وأكد حميد الأحمر أن الإصلاح- الذي يمثل قوى إسلامية معتدلة ومتشددة- قد تغير وصار منفتحا.
لكن عندما سألته عما يحدث في الساحة، كان جوابه حادا للغاية، حيث قال (هناك تصرفات سيئة حولت الساحة إلى مرقص!! بعض النساء تذهب في المظاهرات وهن يمسكن أيدي أصدقائهن كأنهم عشاق. هذه التصرفات مخالفة لديننا).
الكثيرون في ساحة التغيير رفضوا هذا الوصف ويخشون من أن يؤدي صعود الإصلاحيين إلى ممارسات لاضطهاد حقوق الإنسان والمرأة خلال الحوار الوطني المتوقع إنعقاده قريبا لصياغة دستور وعقد اجتماعي جديدين.
في هذا المأزق الذي تتعرض له حركة الاحتجاج، هناك آمال بأن تلعب توكل كرمان دورا لتوحيد الحركة. لكن الناشطة- التي عادة ما يكون صوتها صاخبا- ظلت صامتة.
وفقا للناشطة السياسية إيناس العرشي فإن كرمان رفضت تلبية دعوة المناصرات لحقوق المرأة في المساعدة بتعزيز طلباتهن قبل إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني، مبررة رفضها بالمشاكل التي قد تواجهها من حزبها- الإصلاح.
|