صنعاء نيوزـ خاص -
لا تكتمل القراءة لملامح آفاق المسار الديموقراطي الحضاري دون أن نطل على آفاق الحياة الديموقراطية في عصور الازدهار الحضاري في التاريخ القديم والوسيط، ودون إلقاء الضوء على الخلفية التاريخية لنضال الحركة الوطنية المعاصرة من أجل الوحدة والشورى والديمقراطية، والعدل الاجتماعي.
فالديمقراطية التي يمارسها شعبنا في ظل دولة الوحدة لم تكن وليدة اللحظة التي هبت فيها رياح الديموقراطية الغربية في العقود الأخيرة على المنطقة ، بقدر ما تعبر عن تجديد الحياة الديموقراطية التي عاشها شعبنا في العصرين القديم والوسيط ، وناضل من أجل إعادتها في فترات القطيعة التاريخية نضالاً مقترناً بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وإذا كان المنتدى الدولي للديموقراطيات الناشئة الذي استضافته بلادنا خلال الفترة 28-30 يونيو /حزيران 1999م، بمشاركة 17 بلداً يمثلون قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، و أوروبا، وأكثر من 200 شخصية من زعماء وأقطاب على مستويات سياسية واقتصادية وبرلمانية، ومؤسسات المجتمع المدني. قد حمل هذا المنتدى أسم الديموقراطيات الناشئة، فإن ذلك لا يعني بكل التأكيد أنه لم تكن هناك تجارب ديموقراطية عريقة لبعض دول المنتدى، وإنما قصد بهذه الصفة الأخذ بالآليات الحديثة للديموقراطية النيابية فقد تميزت اليمن بإرث ديموقراطي قديم ووسيط.
الديمقراطية في تاريخ اليمن القديم والوسيط:
تميزت اليمن بإرث ديموقراطي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ القديم، وكان سمةً ملازمة لحضارات الدول اليمنية التي يعود بعضها إلى مطلع الألف الأول ق.م، والتي عُرفت بحضارات سبأ ومعين وحمير وقاتبان وحضرموت و أوسان.
فقد عرفت تلك الدول قيام نُظم سياسية متقاربة الأنماط، كان فيها الحكم ملكياً وراثياً، ينتقل من الأب إلى الإبن ، وفي بعض الأحيان من الأخ إلى أخيه ، غير أن الملك لم يكن له مطلق التصرف بشؤون الحكم، فقد كان عليه أن يستشير الملأ من قومه، وهم أهل الرأي والمشورة من سادات القبائل، ورؤساء المدن ، ويعرض أمور الدولة عليهم قبل اتخاذ قرارات بشأنها ، وقد كان هناك مجلسان يشاركان في اتخاذ القرارات ، وتسيير أعمال الدولة ، أحدهما ويُعرف بمجلس المسود (المجلس المنيع)، ويضم أعيان الدولة ، وكبار موظفيها ، وهو بمثابة مجلس الدولة الاستشاري ، وكان يتناوب على رئاسته أسر محددة بعينها ، أما في الأقاليم والمدن الكبيرة فهناك موظفون يلقب كل منهم بلقب (كُبر) أي الوالي، ويتولى شؤون منطقته باسم الملك ، وتتحدد مهمته في شؤون القضاء وجباية الضرائب ، وإقامة المشاريع الإقليمية ... والمجلس الآخر ويعرف بمجلس القبائل أو " مزواد" ويضم رؤساء القبائل والشعاب ، وممثلي المدن . وكانت مهامه مختصة باقتراح القوانين ، ومسودات اللوائح المتعلقة بتنظيم استثمار الأرض والعقار وتنظيم ضرائبها ، لعرضها على الملك للموافقة عليها, وتوقيعها ، وإعلانها للناس بصورة إرادة أو أمر ملكي كما كان يقوم بأعمال إدارية تنفيذية ، تعالج إدارة الأرض وتأجيرها.
أما قيادات المجتمع المحلي في المدينة ، أو القرية أو القبيلة فقد كانت تجتمع في دار الندوة للتشاور في الأمور المحلية ، وتصرف شؤون المجتمع ، والبت في الخصومات والمنازعات.
ويسجل القرآن الكريم للدولة السبئية مكانة المرأة فيها ، في قوله تعالى: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ النمل23 ويسجل خصائص حكمها القائم علي قيم الديموقراطية والعدل الاجتماعي في قوله تعالى: قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ{32} قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ، وفي قوله تعالى لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ سبأ15 .
فالملكة القائمة على سدة الحكم لم تحتكر القرار ، وإنما كانت تعود في كل أمر من أمور الدولة إلى الملأ من قومها ، وهم الذين احتلوا مواقع المشاركة في صنع القرار بإرادة شعبية اختارت من يصلح للمشاركة في إدارة الدولة ، وفي صنع القرار من أولي القوة وأولي البأس الشديد ، إذ لا يمتلك القوة والبأس إلاّ من عاش حُراً وغير مهدد بمصادرة حقوقه ، فلا رأي لضعيف ، ولا مشورة لمن هو فاقد حريته ، ولا يمتلك حريته وقوته إلاّ من امتلك أسبابهما في قيام نظام ديموقراطي واقتصادي قوي ، وقد كان ذلك متحققاً بالنسبة للدولة السبئية في أخذها بنظام المشاركة الديموقراطية ، وارتباط شعبها بالأرض الطيبة المخدومة بالسدود وقنوات الري ، والتي كان عائد خيراتها للجميع ، وتلك ما يمكن أن يطلق عليها الديموقراطية الملئية.
ويوم أن غُيبت الحكمة ، وغلب طابع الاستئثار بالحكم لقبيلة واحدة ، أدى ذلك إلى تآكل تلك الممالك من داخلها ، ومكّن العوامل الخارجية من الاستقواء عليها حتى باتت مستضعفة من قبل القبائل البدوية القادمة من الصحراء الشمالية ، ومهَّد ذلك لتعرضها للاحتلال الحبشي ، في الوقت الذي طغت فيه على المجتمع مظاهر التكوينات القبلية المُستقلة مما زاد من حدة الصراع والتفتت.
ولم يتجاوز اليمنيون ظاهرة التمزق إلاّ بعد ظهور الدعوة الإسلامية ، ودخولهم في دين الله أفواجاً ، طائعين غير مُكرهين ، فقد لبت عقيدة التوحيد مرادهم في مبدأ المساواة ، والحرية ، ومنهج العدل والشورى ، والتفاضل على أساس الأخلاق الكريمة والتقوى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات13.
وفي ظل الإسلام تعمقت الديموقراطية الأخلاقية ، والمجتمعية و الشوروية وأعطى المضمون السياسي المتمثل بوحدانية الجماعة والقيادة ، المنبثق من عقيدة التوحيد مفهوماً وحدوياً أصبح معه تعدد الزعامات و الولاءات القبلية والإقليمية نوعاً من الانحراف والارتداد الذي لابد أن يقاوم، وغدا الإسلام بالنسبة للشعب اليمني أساس تكوينه الفكري والروحي، وشكل منهم أكبر قوة بشرية جاهدت لنصرة الإسلام ، ونشر كلمة الله وأسهمت في الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية بصورة فعالة ، وقد واكب ذلك الإسهام الفعال على صعيد الدولة الإسلامية استقرار محلي ، وقوة لليمن ارتبطت بقوة الدولة الإسلامية الشوروية، وحين انحرف حكام الدولة الإسلامية عن طبيعة الحكم القائم على الشورى والعدل، واعترض مسيرة الحضارة الإسلامية عارض من الضعف والفساد الذي اتصف به العهد الأخير للدولة العباسية ، نال بقية الأقطار الإسلامية اضطرابات أدت إلى المقاومة في أرجاء الدولة ومنها اليمن.
ولم تكن هذه المرحلة كلها أيام اضطراب وحروب ، بل شهدت اليمن ازدهار دول يمنية مركزية ، وحدت اليمن في فترات متعددة من التاريخ ، كالدولة الصليحية والدولة الرسولية، كما شهدت اليمن أيضاً تقدماً ملموساً في الجوانب العلمية والسياسية. والاقتصادية والاجتماعية، وعلى وجه الخصوص في عهد الدولة الرسولية ، وحظيت المرأة بمكانة سياسية قيادية.
ومرة أخرى يقدم الشعب اليمني دليلاً عملياً على مدى اهتمامه بمكانة المرأة وأهليتها للحُكم ، فقد تولت السيدة بنت أحمد الصليحي ، المُلك في الدولة الصليحية ، وعرفت بحكمتها وشورويتها وحُسن تدبيرها لشؤون الدولة.
الديموقراطية في تاريخ اليمن الحديث
عندما انتقل مركز الدولة الإسلامية إلى الأتراك العثمانيين الذين حين اتصف حكمهم بالعسف والظُلم ، ثم الركود الاقتصادي في فترات الضعف ، عمل اليمنيون على مقاومة الوجود العثماني ، وشملت المقاومة كل أرجاء اليمن ، واشتركت فيها كل فئات المجتمع ، في الوقت الذي كانوا يواصلون فيه مقاومتهم المتجددة لظلم الأئمة ، فقد ظل العلماء ورجال الفكر ، من أمثال ابن الوزير ، و المقبلي ، وابن الأمير الصنعاني ، والجلال ، و الشوكاني ، وغيرهم من أعلام الفكر الإحيائي يقارعون الطغاة ويناهضون ظلمهم ويدعون إلى قيم العدل والشورى والمساواة ... وأضيف إلى ظلم العثمانيين ، قيام بريطانيا باحتلال عدن بالقوة في 19 يناير 1839م ، رغم المقاومة الوطنية ، ثم قامت بالاستيلاء على عدة مناطق أُطلقت عليها المحميات الغربية والشرقية بعد أن عقدت معاهدات ولاء بينها وبين سلاطين المناطق المذكورة وأمرائها ، مما ضاعف عبء المقاومة الوطنية للظلم العثماني والاحتلال البريطاني، وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى نال الشطر الشمالي من اليمن استقلاله ، بينما ظل الاستعمار البريطاني جاثماً على الشطر الجنوبي منه ، وبالنسبة للشطر الشمالي فقد كان يفترض أن يعطي هذا الاستقلال ثماره في قيام نظام حكم شوروي عادل ، لكن الذي حدث أنَّ حُكم الإمام يحيى صار حُكماً مُطلقاً غير ملتزم بالشورى ، الأمر الذي دفع بالعلماء ورجال الفكر إلى خوض معركة جديدة في نضال وطني ضد الاستبداد في الشمال ، وضد الاستعمار في الجنوب على حد سواء ، سعياً إلى بلوغ أماني الشعب في الحرية و الديموقراطية والوحدة ، والحياة الكريمة.
نضال الحركة الوطنية وتبنيها للديموقراطية المعاصرة:
أُفرِغ استقلال اليمن في ظل حكم الإمام يحيى من محتواه الشوروي ، وظلت الإجراءات الجائرة والمظالم المختلفة –التي كانت سبب الثورة ضد الأتراك –قائمة على حالها ، حيث استبدلت بعض الوسائل الجائرة بوسائل أكثر جوراً ، وبنظام فردي متخلف مستبد ، لا يشفع له ما كان عليه الإمام في شخصه من سجايا العفاف والزهد والإحاطة بعلوم الفقه ... وعقب الحرب السعودية –اليمنية عام 1934م ، نشأت حركة نقد ، اتخذت أسلوب النصح للإمام ، قام بها المستنيرون من العلماء ، وأخذت تطالبه بالحكم القائم على الشورى ، والملتزم بأحكام القرآن والسنة ، ولكن الإمام واجه النصح بالتهديد واستمر يمارس أساليب القمع والجور ضد الشعب ، فتحولت حركة النقد إلى حركة رفض ساخطة متذمرة ، شملت عناصر مستنيرة من مختلف الفئات اليمنية ، ولكنها كانت غير منظمة فواجهها الإمام بعنف ، وتطورت تلك المعارضة ، وانتقلت من العمل العفوي إلى العمل المنظم ، وبدأت حركة الأحرار تتخذ شكل التنظيم ، فتكونت جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجمعيات أدبية وثقافية في كل من صنعاء وتعز ، وإب ، غير أن الإمام ضيق الخناق على كثير من العلماء والمثقفين . وفي مناخ المعاناة من مآسي التخلف والجهل والمرض ، تطورت حركة الأحرار من صيغة جمعية تُعنى
بالأمر بالمعروف ، وبالنهي عن المنكر ، إلى حزب منظم تبلورت أهدافه في تنظيم حزب الأحرار الذي بدات حركته المنظمة في الجزء المستقل من الوطن ، وضمت المستنيرين من العلماء، والمثقفين ، والعسكريين ، ورجال القبائل ، والتجار وغيرهم... ونتيجة تهديد الإمام لهم ، لجأ عدد منهم إلى الجزء المستعمر من الوطن سنة 1943م، واتخذوا من عدن مقراً لنشاطهم ، والتعبير عن أهدافهم ، ولما كانت السلطات البريطانية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية لا تسمح بإنشاء الأحزاب السياسية ، وإنما كانت تسمح حينذاك بقيام الجمعيات ، فقد تقدم زعماء المعارضة لنظام الحكم الإمامي بطلب لإنشاء جمعية وشراء مطبعة وإصدار صحيفة ، و أشفعوا الطلب بصورة من نظام الجمعية بما لا يختلف عن نظام أية هيئة اجتماعية ليست ذات طابع سياسي ، وقد استجابت السلطات لهذا الطلب.
وفي 4 يناير 1946م ، عقد اجتماع موسع ضم الأحرار وأنصارهم ، وتقرر فيه تأسيس الجمعية اليمنية الكبرى، وإنشاء فروع لها في مختلف مهاجر اليمنيين وانتخب المناضل الشهيد/محمد محمود الزبيري رئيساً للجمعية ، والأستاذ/أحمد محمد نعمان سكرتيراً عاماً لها ، وهكذا حل تنظيم الجمعية اليمنية الكبرى محل حزب الأحرار لتكون الجمعية إطاراً يضم الأحرار من أبناء مختلف مناطق اليمن ، تعبيراً عن وحدة الشعب اليمني ، وعن إرادته في التحرر والوحدة ، وتركزت أهدافها الرئيسية في القضاء على الحكم الفردي الاستبدادي ، واستبداله بحكم دستوري يقوم على المؤسسات الدستورية ، ويفصل بين السلطات الثلاث، ويطبق الشريعة الإسلامية بمضامينها الحقة، كما كانت الحركة تهدف إلى اتخاذ الجزء المستقل –وبعد تخلصه من الاستبداد –قاعدة لتحرير الجزء المستعمر من الاحتلال البريطاني، وقد أصدرت الحركة صحيفة صوت اليمن لتعبر عن آرائها ، بالإضافة إلى الكتيبات والنشرات التي كانت تُرسل إلى الشمال لتحريض المواطنين ضد طغيان الإمام واستبداده ، حتى توج جهاد الأحرار بقيام ثورة 1948م التي قضت على الإمام يحيى، وأعلنت قيام الدولة الدستورية وحكم الشورى، بموجب الميثاق الوطني المقدس الدليل النظري والدستوري الأول المؤقت للحركة الوطنية والقوى المعارضة لحكم الإمام يحيى، وقد نص الميثاق على شوروية الحكم ، وأقر حق الانتخاب العام ، وإقامة مجلس شورى يمثل الشعب ، ويتولى كامل السلطة التشريعية، وتكون السلطة التنفيذية مسؤولة أمامه، كما نص على إقامة الحكم المحلي، وأكد على استقلال الحكم، وكفل حرية الرأي العام والكلام والكفاية والاجتماع في حدود الأمن والقوانين.
وتُمثل صياغة الميثاق الوطني المقدس مرحلة متقدمة في إطار التصورات لما هو قائم من أشكال الليبرالية العربية المتمثلة في أنظمة الملكية الدستورية في العراق ومصر آنذاك، وأوضاع اليمن الخاصة بها.
لقد تبلورت صياغة الميثاق الوطني بمختلف مواده التسع والثلاثين، وملحقاته أواخر عام 1947م ومطلع 1948م ، وذلك بتوجيه وإسهام فاعل من أحد أقطاب حركة الإخوان المسلمين بمصر المناضل الجزائري الفضيل الورتلاني، وقيادة الحركة ومشاركة بعض كبار مفكري الحركة الوطنية أمثال العلامة حسين الكبسي، والأستاذ أحمد المطاع، وغيرهما، وجرى إرسال نسخة منه من صنعاء بخط الأستاذ/أحمد الشامي إلى الزبيري و النعمان بـ عدن ليُطبع منه عدد كبير يحفظ هناك في سرية إلى الوقت المناسب لإعلان الثورة.
وبالرغم من أن الثورة قد سقطت خلال أسابيع، إلا أنها أحدثت هزة عنيفة في أعماق الشعب اليمني، ثم أصبحت بمرور الزمن قوة دفع أيقظت وعي الشعب بقضيته وحقوقه الوطنية ، ودفعته في طريق الثورة لتحقيق طموحاته في حياة أفضل، وكانت التضحيات الجسيمة التي حدثت إثر فشل الثورة، واستمرار حُكم الطغيان والاستبداد والاستعمار والتخلف مقدمة هامة للانتفاضات التي تلتها.
فقد تمكن من نجا من قادة الثورة من حزب الأحرار، من الوصول إلى
عدن، و أدرك الجميع في الشمال والجنوب أن ما يحدث في أي من الشطرين له آثاره في الشطر الآخر، وتنبه المثقفون أن الجنوب اليمني جزء لا يتجزأ من الشمال إلا أن الأمر يستوجب توحيد الجهود من أجل التخلص من الاستبداد والاستعمار على حد سواء ، وتُرجم ذلك في الشعار الذي رُفع في الخمسينيات لا استعمار ولا إمام ، وشكلت العناصر المتبقية من حزب الأحرار في عدن الاتحاد اليمني في عام 1952م ، وقد انتمى إليه عدد كبير من أبناء اليمن جنوباً وشمالاً ، وإثر قيام مجموعة من الشباب المؤمنين بوحدة اليمن الطبيعية بتشكيل الجبهة الوطنية المتحدة عام 1955م ، انضم إليها الاتحاد اليمني، وتوزع قادة الجبهة الوطنية المذكورة في مختلف المؤسسات الحكومية والشركات، لغرض تأسيس النقابات ، وأصبح أعضاء الهيئة الإدارية في الجبهة الوطنية رؤساء لنقابات العمال، وشكلوا المؤتمر العمالي في السادس من آذار 1956م، وقد وضعت الجبهة برنامجاً خاصاً بها يقضي بإفشال انتخابات المجلس التشريعي، ورفض مشروع اتحاد الجنوب العربي الذي عرضته بريطانيا، سنة 1954م، وتبني المطالب العُمالية، والعمل على تحقيقها، وطالبت بالاستقلال السياسي، وتأسيس دولة مستقلة تشمل الجنوب اليمني ومسقط و عُمان، واتحاد هذه الدول مع الشمال اليمني، وشجبت النزعة الانفصالية التي كانت تدعو إليها الجمعية العدنية.
وقد قام العديد من الجمعيات والأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية في الشطر الجنوبي المستعمر، ونشأ العديد من الأحزاب والروابط، من بينها الحزب الوطني الذي نشط في حضرموت واصطدم مع الوجود البريطاني، لكنه سرعان ما أغلق وانتهى دوره في الحياة السياسية ، وكانت قد تأسست رابطة الجنوب العربي عام 1951م ووجدت في البداية استجابة كبيرة من الفئات الوطنية والقومية ، وأيدها حزب الأحرار اليمني ، وأصبحت على رأس الحركة الوطنية في أوائل الخمسينيات، حيث استقطبت جميع الاتجاهات الوطنية المعارضة للنزعة الانفصالية التي دعت إليها الجمعية العدنية، وأصبحت الرابطة المحور الذي تجمع حوله الوطنيون ، فمعظم قادة التنظيمات السياسية والعمالية التي ظهرت في الجنوب اليمني كالمؤتمر العمالي ، وحزب الشعب الاشتراكي، والتنظيمات الشيوعية، كانوا في وقت من الأوقات أعضاء في الرابطة.
وقد تبنت الرابطة برنامجاً يحمل أفكاراً تقدمية قياساً إلى الجمعية العدنية ، لكن التأكيد على شخصية الجنوب العربي دون الإشارة إلى وحدته مع الشمال اليمني ، ونفوذ الزعماء التقليديين في قيادة الرابطة، وتشبثها بالأساليب السلمية والدستورية في ظل الاستعمار ، وتعاونها مع البريطانيين في هذا المجال، وعدم مواكبتها للتطورات والاتجاهات الجديدة للجيل الجديد ، كان بمثابة الانفصال بينها وبين الفئات الوطنية الأخرى كالجبهة الوطنية المتحدة والمؤتمر العمالي ، إذ انسحبت أعداد كبيرة من الرابطة، وأصبحت قيادة بلا قاعدة ، وتفككت هذه القيادة بعد أن نفت السلطات البريطانية رئيسها ، وأمينها العام سنة 1956م.
وفي هذه الفترة تصاعدت دعوة الأحرار في الشطر الشمالي عبر الصحف والمنشورات الوطنية والكتب والشعر الوطني منددة بالاستبداد ، و داعية إلى الديموقراطية، وساعية إلى إيقاظ الوعي الشعبي من حولها ، وقامت عدة انتفاضات وطنية ، وحركات تمرد ضد حكم الإمام ، كان أبرزها انتفاضة 1955م، التي ساقت، بما أحاط بها من عوامل وملابسات ، حركة الأحرار إلى منعطف حاسم، وإلى نقلة هائلة في التفكير، إذ جعلتهم يراجعون مواقفهم ، ويقررون تجاوز الدعوة إلى الإمامة الدستورية.
ويعلنون دعوتهم لقيام النظام الجمهوري الإسلامي الديموقراطي على أساس أن هذا النظام هو نظام الحكم الإسلامي المناسب لهذا العصر وتوالت من بعدها الانتفاضات الوطنية في صفوف الجيش ، وفي المناطق القبلية ، وفي العملية الفدائية للشهيدين/ عبد الله اللقية ، ومحمد العلفي للقضاء على الطاغية الإمام أحمد ، وفي مظاهرات طلبة مدارس صنعاء ، وتعز مصحوبة باستمرار مظاهر الكفاح ضد الاستعمار البريطاني بالمناطق المستعمرة بدءاً بظهور مقاومة قبلية مسلحة في المناطق المتاخمة للشطر المستقل ، ومقاطعة الانتخابات التشريعية الاستعمارية ، وما رافق ذلك من مظاهرات ، وإضرابات طلابية وعمالية وعامة شهدتها عدن ومناطق أخرى من البلاد ، وكانت هذه الانتخابات إرهاصات للثورة ، زادت الحركة الوطنية قوة وتنظيماً وأصبح تنظيم الضباط الأحرار من أهم التطورات في تلك الحركة ، وعاملاً من العوامل الحاسمة في تفجير ثورة 26 سبتمبر 1962م ...
ويمكن القول أن حركة الأحرار عبر مراحل نضالها المختلفة أثرت تأثيراً عميقاً في مجرى التطور العام للمجتمع المدني ، وقادت تطور الفكر الاجتماعي والسياسي ، وأغنته بمفاهيم جديدة(الدستور ، الحكم النيابي ، السيادة الشعبية) وتبلورت قيم لم تكن مألوفة كالمطالبة بالحرية ، واعتبارها حقاً طبيعياً والحرص على الوحدة الوطنية والسعي إلى سعادة الشعب... وطَرَقَ الأدبُ أبواباً جديدة كالتغني بالحرية ، واستنهاض قدرات الشعب ضد الاستبداد ، وتخليد شهداء الكفاح الشعبي . ومن جهة أخرى شكل انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م سنداً وقاعدة قوية لقيام النضال المسلح وانطلاقة ثورة 14 أكتوبر 1963م التي كانت شرارتها الأولى من جبال ردفان حتى تم جلاء آخر جندي بريطاني محتل من الأرض اليمنية في 30 نوفمبر 1967م. وقد استمر الشارع السياسي الوطني في الشطر الجنوبي يتفاعل مع القضية الوطنية عبر إنشاء العديد من الأحزاب والتنظيمات والمنظمات الشعبية والنقابية ، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره من هذه الأحزاب والروابط ، ظهر على الساحة حزب البعث العربي الاشتراكي ، وحركة القوميين العرب ، واتحاد الشعب (الحزب الشيوعي) ، وحزب الشعب الاشتراكي.... وتمخض عن هذه الأحزاب الأخيرة إيمان بالكفاح المسلح لتحرير اليمن من الاستعمار والاستبداد، والتأكيد على وحدة التراب اليمني ، وأن اليمن جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ، وسعيٌ إلى تكوين مجتمع ديموقراطي على أُسسٍ اشتراكية ، وقد تمخض عن هذه الأحزاب والقوى تكتلات جبهوية ، حيث تكونت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل في أغسطس 1963م ، باندماج عدة منظمات سرية هي حركة القوميين العرب ، والجبهة الناصرية والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل ، والجبهة الوطنية ، والتشكيل السري للضباط والجنود الأحرار ، وجبهة الإصلاح اليافعية ، وتشكيل القبائل... ورفض حزب الشعب الانضمام إليها ، ثم ما لبث أن التحقت بها منظمة الطلائع الثورية بعدن ، ومنظمة شباب المهرة ، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.
التجربة الديموقراطية في ظل ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر (مرحلة التشطير):
جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م، لتشكل قمة النضال الوطني وخلاصة مركزة ومكثفة لتطور الفكر الثوري عبر مسيرة الحركة الوطنية منذ الثلاثينيات.
وقد تمثل ذلك النضال في أهدافها الستة التي جسدت إرادة الشعب وتطلعاته وطموحاته إلى بناء دولته الحديثة و إنشاء مجتمعه الديموقراطي في ظل نظامه الجمهوري.
فقد نص الهدف الأول على: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل ، وإزالة الفروق والامتيازات بين الطبقات .
ونص الهدف الرابع على: إنشاء مجتمع ديموقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف .
ومضت مسيرة الثورة في مرحلة المعاناة التطبيقية وسط ملابسات وظروف قاسية ، وعوائق ومخلفات وسلبيات استهدفت النظام الجمهوري في صنعاء ، فكان من الطبيعي أن تعطي الأولوية لترسيخ النظام الجمهوري وحماية الثورة والدفاع عن السيادة و الكيان ، مما اضطر قيادة الثورة أن تصرف معظم الجهود في هذه الأولويات عبر حروب شرسة مع فلول النظام الإمامي البائد استمرت سبع سنوات.
وخلال هذه الفترة قامت محاولات متواضعة باتجاه بناء المجتمع الديموقراطي ، وكانت أول محاولة هي صدور أول دستور مؤقت في 8 مايو 1963م ، وقد ورد فيه : أن الحريات العامة مكفولة، إلا أنه لم تقع الإشارة إلى حرية التنظيم ، وإثر التئام مؤتمر المعارضة في عمران ، صدر دستور 1964م ، في 6 يناير ، وذلك بقرار رئاسي نص عنوانه على أنه إعلان دستوري بتنظيم سلطات الدولة العليا ، وتضمن الدستور مادة تنص على إنشاء مجلس شورى أطلق عليه مسمى المكتب السياسي ثم انعقد في صنعاء مؤتمر شعبي ، وأقر الدستور الدائم الأول الذي صدر في 27/ ابريل 1964م وقد تميز عن سابقه بتفصيل الحريات التي يكفلها ، مع التنصيص على حرية تأسيس النقابات وحرية الرأي والصحافة والنشر والتعليم ، لكنه أهمل حرية التنظيم السياسي.
وعقدت المعارضة مؤتمر خمر للسلام في 5 مايو 1965م ، ورفضت دستور إبريل 1964م ، وتبلور عن هذا المؤتمر ، الدستور الذي صدر في 8 مايو من السنة نفسها.
وقد نص لأول مرة على أن اليمن جمهورية ديموقراطية برلمانية، وأن الشعب اليمني مصدر جميع السلطات ، ويزاول سلطاته عن طريق نوابه في مجلس الشورى، واستحدث مجلساً جمهورياً ليحد كثيراً من صلاحيات رئيس الجمهورية ، وأعطى لمجلس الشورى صلاحيات سحب الثقة من الحكومة وأعضاء المجلس الجمهوري ، وقد تم تنقيح الدستور بقرار دستوري صادر عن رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس الجمهوري بتاريخ 25 سبتمبر 1986م ، حدَّ من صلاحيات مجلس الشورى لصالح المجلس الجمهوري ، واستبدال اسم مجلس الشورى بالمجلس الوطني ، والإعلان عن أعضائه البالغ عددهم (45) نائباً بالقرار الجمهوري رقم (1) لسنة 1969م وانتخب الشيخ/عبد الله بن حسين الأحمر رئيساً للمجلس، وقد كان من قرارات المجلس ، العمل على إصدار الدستور الدائم عام 1970م ، الذي نصت المادة الأولى منه على أن اليمن جمهورية شوروية مستقلة، وقد كفل الدستور الجديد جميع الحريات ، الفردية منها والعامة ، وتميز بنصه على انتخاب أعضاء مجلس الشورى الذين ينتخبون بدورهم أعضاء المجلس الجمهوري الذي يتولى رئيسه مهام رئاسة الجمهورية.
وتم بناء على ذلك إجراء انتخابات تشريعية أفرزت أول مجلس نيابي في 25 فبراير 1971م ، هو مجلس الشورى الذي بلغ عدد أعضائه (159) عضواً ، إلا أن انتخابات المجلس لم تتم في أجواء تنافسية بين القوى السياسية ، فقد نصت المادة (37) من الدستور المذكور على أن " الحزبية بجميع أشكالها محظورة" ، وقد جاء هذا الحظر عقب الصراعات الدموية التي أوشكت أن تهدد الأمن والاستقرار والنظام ، وشاعت في حينه مقولة " الحزبية تبدأ بالتأثُّر وتنتهي بالعمالة".
وعلى الرغم من قيام مجلس الشورى ، إلا أنَّ إلغاء حُرية نشاط الأحزاب السياسية، أحدث فراغاً سياسياً دفع القيادة السياسية إلى البحث عن صيغة مناسبة لملء هذا الفراغ ، فانتهت إلى إنشاء تنظيم سياسي سمي "الاتحاد اليمني" ، لكنه لم يحقق الهدف ، فقد ولد ميتاً، لأنه كان وليد السلطة أو بسبب حدوث الانشقاقات داخل القيادة السياسية ، وتشكيك بعض الشخصيات البارزة فيها بجدوى السير في طريق الوحدة مع الشطر الجنوبي طالما هو يتبنى الاشتراكية العلمية!
ومن جهة أخرى ، وحيث لم تتح الفرصة لقيام التعددية الحزبية ، فقد أدى سير الأحداث ، وتطور الأوضاع إلى تعريض العلاقة بين السلطة والقوى والأحزاب السياسية لحالة من الاضطراب ، ولجوء بعضها إلى العمل في الخفاء.
وفور استقلال الشطر الجنوبي من الوطن اليمني عام 1967م، تم إقرار أول دستور للبلاد، وبدأ العمل به في 30 نوفمبر 1970م وعلى ضوء ذلك الدستور شكل في 21 يوليو 1971م، أول برلمان عُرف باسم " مجلس الشعب الأعلى المؤقت" وجاء تشكيل المجلس بطريقة التعيين، وليس بالانتخاب.
وبعد قيام الحزب الاشتراكي اليمني في أكتوبر 1978م ، أجريت أول انتخابات عامة عن طريق الاقتراع السري وذلك في ديسمبر 1978م ، ونتج عنها تشكيل أول برلمان منتخب ، من بين اختصاصاته تشكيل هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ومجلس الوزراء. وقد تداول على رئاسة مجلس الشعب الأعلى كل من سالم ربيع علي ، وعبد الفتاح إسماعيل ، وعلي ناصر محمد ، وحيدر أبو بكر العطاس... وأدى استئثار نظام الحزب الواحد بالسلطة إلى الدخول في صراع مع بقية الأحزاب المشاركة في النضال التي اضطرت إلى العمل الحزبي السري، وظلت الواحدية الحزبية أداة السلطة الوحيدة في مجمل توجهاتها حتى قبيل قيام دولة الوحدة عام 1990م ، فقد نصت المادة الثالثة من الدستور على أن :" الحزب الاشتراكي اليمني المتسلح بنظرية الاشتراكية العلمية ، هو القائد والموجه للدولة والمجتمع".
ولعبت الأحزاب السرية في كلا الشطرين دوراً كبيراً في توتير العلاقات بينهما ، نتيجة موقف كل من النظامين تجاه الأحزاب المؤيدة للآخر ، وأجمع النظامان –على ما بينهما –من تناقض على تضييق الخناق على الحريات الحزبية في كلا الشطرين ، وأسهم ذلك في الإخلال بالأمن والاستقرار وأعاق حركة النمو والبناء والتنمية . ولم يحد حظر الأحزاب في الشطر الشمالي من استمرار الصراع السياسي ، بل زاد من سوء الأوضاع ، واستشراء الفساد المالي والإداري ، الأمر الذي نجم عنه قيام حركة 13 يونيو التصحيحية بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي ، والتي قررت أن الديموقراطية لا تنمو ، ولا تزدهر في مثل تلك الأجواء ، فكان إقدامها على تجميد مجلس الشورى وتعليق العمل بالدستور الدائم واستبداله بإعلانات دستورية ، وقد استعيض عن مجلس الشورى بأعمال خدمية وتنموية في النطاق المحلي ، وتشكل لهذا الغرض الاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير.
وللنهوض بالإدارة، وتطوير الأداء الفني، وتصحيح الأوضاع المالية والإدارية المتردية، تشكلت اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري، بفروعها التي انتشرت في عموم محافظات الجمهورية، والتي سعت القيادة السياسية إلى محاولة اتخاذها أسلوب عمل سياسي، لكنها لم تنجح في محاولتها هذه ، وإثر اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي خلفه الرئيس أحمد حسين الغشمي وفي عهده استمرت اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري تمارس مهامها دونما تحقيق أي تحسن يُذكر، وهو ما حمل القيادة السياسية على تشكيل مجلس الشعب التأسيسي بإعلان دستوري من مجلس القيادة، في 6/2/1978م تحت ضغط المطالبة من القوى السياسية الوطنية بعودة الحياة البرلمانية ، وقد تألف المجلس من (99) عضواً ، وكان قد حضر جلسته الأولى رئيس اتحاد البرلمانيين العرب دولة بهجت التلهوني.
تلازم العمل للوحدة والتعددية السياسية:
لم تفلح الأساليب التقليدية في الحيلولة دون تفاقم الأوضاع في الشطرين، وظل تغييب الحرية الحزبية عاملاً مؤثراً في تأزيم العلاقات بين النظامين في الشطرين ، وقد دخلت البلاد في حربين ، ورأى كل من النظامين أن المخرج يكمن في السعي لتحقيق الوحدة استجابة لرغبة الجماهير ، وقواها الحية وتوجهاتها الوحدوية.
وتشكلت لجان الوحدة التي أخذت تعمل بدرجة أو بأخرى تحت تأثير الظروف والمتغيرات ، وتتقدم ببطء ، فيما عدا لجنة التنظيم السياسي الموحد التي لم تجتمع لعدم قيام تنظيم سياسي في صنعاء نظيراً للحزب الاشتراكي في عدن.
وشكل تسلم الأخ الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد الحكم في 17 يوليو 1978م منعطفاً هاماً في مسيرة العمل الديموقراطي، فقد تنوعت مجالاته، وتسارعت خطاه، و اتسعت قاعدة المشاركة الشعبية والسياسية، ففي عام 1979م صدر الإعلان الدستوري الثالث القاضي بتوسيع اختصاصات مجلس الشعب التأسيسي، وزيادة عدد أعضائه من (99) عضواً إلى (159) عضواً، ومضت الانتخابات الدورية للمجلس النيابي في مواعيدها، وقد جرى انتخاب أعضاء مجلس الشورى في يوليو من عام 1988م، وسارت العملية الانتخابية بنجاح تام، شهد المراقبون العرب والدوليون بنزاهتها وسلامتها.
ومثلت انتخابات الهيئات الإدارية للمجالس المحلية للتطوير التعاوني في أكتوبر 1985م إضافة وطنية إلى رصيد العمل الديموقراطي التنموي، ولم تقتصر مهامها على الأعمال الخدمية، ومشاريع التنمية المحلية فحسب، بل أسهمت كذلك في صنع القرار المحلي وممارسة مختلف أشكال النشاط الاجتماعي، وحل القضايا المحلية، وتعزيز الجبهة الداخلية.
ومن أجل تحقيق المزيد من المشاركة السياسية لرموز الوطن والذين لديهم الخبرة العملية في الحياة السياسية صدر القرار الجمهوري عام 1989م الخاص بتشكيل المجلس الاستشاري ، ليسهم في دراسة القضايا الداخلية والخارجية ذات العلاقة بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد.
وحظيت المنظمات الشعبية والجماهيرية باهتمام من قبل القيادة السياسية، وأخذت في الاتساع الأفقي والرأسي، والكمي والنوعي، فقد قام العديد من الاتحادات والنقابات والجمعيات، وشملت مختلف القطاعات العمالية والمهنية والحرفية إلى جانب الجمعيات الزراعية والخيرية والعلمية والإسكانية.
وأحدث قيام المؤتمر الشعبي في أغسطس 1982م تحولاً إيجابياً كبيراً في نمط الحياة السياسية ، وأفسح قيامه المجال واسعاً أمام التعددية المنابرية في داخله ، وترتب على ذلك تقليص حجم العمل الحزبي في الخفاء، والحد من الصراع بين الأحزاب والنظام ، وأدى قيام المؤتمر إلى الدفع بعمل لجان الوحدة، وتشكيل لجنة التنظيم السياسي الموحد مع نظيره الحزب الاشتراكي ، وكان لقيام هذه اللجنة دور التسريع في بلورة فكرة الأخذ بنظام التعددية الحزبية على الرغم مما توحي به تسميتها من تعارض بين التنظيم الموحد والتعددية.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقيات الوحدة ومشروع دستورها لم تنص صراحة على نظام التعددية، فقد نصت اتفاقية القاهرة (28/10/1972م في المادة -3- فقرة (ب) على أن: يضمن دستور الوحدة جميع الحريات الشخصية والسياسية والعامة للجماهير كافة ، ولمختلف مؤسساتها ومنظماتها الوطنية والمهنية والنقابية ، وتتخذ جميع الوسائل الضرورية لكفالة ممارسة الحريات ونصت المادة -9- من بيان طرابلس (26/11/1972م) على أن:"ينشأ تنظيم سياسي موحد يضم جميع فئات الشعب المنتجة صاحبة المصلحة في الثورة ، للعمل ضد التخلف ومخلفات العهدين الإمامي والاستعماري، وضد الاستعمار القديم والجديد والصهيونية ، وتُشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي للتنظيم السياسي، ولوائحه ، مستهدية بالنظام الخاص بإقامة الاتحاد الاشتراكي في الجمهورية العربية الليبية ، وعلى ضوء مناقشته من قبل فئات الشعب " .
ونص بيان الكويت في مارس 1979م على :"إيجاد دستور يضمن جميع الحريات الشخصية والسياسية العامة للجماهير كافة ، ولمختلف مؤسساتها ومنظماتها الوطنية،والمهنية ،و النقابية ،واتخاذ جميع الوسائل الضرورية لكفالة ممارسة الحريات"
وتبعاً لذلك جاء مشروع دستور دولة الوحدة لينص على أن :"للمواطنين في عموم الجمهورية ، بما لا يتعارض مع نصوص الدستور ، الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً، ومهنياً ونقابياً ، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور . وتضمن الدولة هذا الحق ، كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته ،وتضمن الحريات كافة للمؤسسات والمنظمات السياسية،والنقابية ،والثقافية ،والعلمية ، والاجتماعية"
ومع تسارع إيقاعات العمل الوحدوي لم يغب عن ذهن القيادة السياسية ولجنة التنظيم السياسي دور مختلف الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في العمل الوحدوي، وليس من الوطنية تغييبها عن المشاركة والحضور الفاعل في دولة الوحدة ، فكان العمل على تهيئة واقع سياسي تعددي ديموقراطي لدولة الوحدة ، وحصلت الأحزاب على مشروعيتها وعلانيتها من اتفاق عدن في نوفمبر 1989م ، وبحثت لجنة التنظيم السياسي في الصيغة التي تلائم الجميع وطرحت أربعة بدائل لصيغة التنظيم السياسي في دولة الوحدة التي تتلخص في ما يلي:
1) دمج المؤتمر الشعبي العام ، والحزب الاشتراكي اليمني في كيان واحد.
2) استمرار المؤتمر والحزب تنظيمين مستقلين مع حق القوى الوطنية والشخصيات الاجتماعية الوطنية في ممارسة النشاط السياسي.
3) أن يعمد الحزب والمؤتمر إلى حل نفسيهما ، وتترك الحرية لقيام التنظيمات السياسية.
4) تأليف جبهة وطنية عريضة تضم المؤتمر والحزب والقوى الوطنية المؤمنة بأهداف ثورتي سبتمبر و أكتوبر في إطار تنظيم سياسي ، مع احتفاظ كل هذه القوى باستقلالها ضمنه.
وقد تغلب البديل الثاني انسجاماً مع الرغبة في تحقيق التعددية الحزبية، وتقدمت سبعة أحزاب في 19 أبريل 1990م بمطالب إلى قيادتي الشطرين ، كان أهمها الإعلان الفوري عن الحريات و الديموقراطية ، بما في ذلك التعددية الحزبية ، وإصدار قانون بذلك، وقد تم إقرار ها المطلب في إعلان قيام دولة الوحدة.
التعددية الحزبية في الجمهورية اليمنية الفترة الانتقالية:
فور إعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م ، أقدمت الأحزاب –على نحو لم يسبق له مثيل-متسابقة إلى ساحة العمل السياسي، تعلن عن تكوين نفسها أو تشهر وجودها بعد أن كانت تعمل في الخفاء قبل الوحدة ، وأخذ المؤتمر الشعبي العام ،والحزب الاشتراكي اليمني مكانهما الطبيعي في قيادة الحياة السياسية ، والاضطلاع بتحمل العبء الأكبر في استكمال بناء دولة الوحدة ، وكان لا بد لهما في خضم التعددية الحزبية أن ينظما العلاقة الائتلافية بينهما ضمن اتفاقهما على تنظيم الفترة الانتقالية ، فانطلقا مما أقرا ه في تعز في 13/5/1990م من صيغة منظمة لهذه العلاقة بما يشبه التحالفات السياسية في حدها الأدنى.
لقد أخذ عدد الأحزاب في الازدياد وبلغ عددها أكثر من أربعين حزباً قبيل صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، شملت مختلف التيارات الفكرية وألوان الطيف السياسي ، وتعود كثرتها إلى عوامل مختلفة ، فالأحزاب العريقة ولا سيما أحزاب التيار القومي أعلنت عن وجودها في تكوينات منقسمة على نفسها نتيجة للآثار السلبية للعمل الحزبي السري في ظل التشطير ، فقد انقسم كل من التنظيم الناصري وحزب البعث إلى عدة أجنحة ،وأعلنت أحزاب التيار الإسلامي عن تكويناتها مستقلة ابتداء ، بعضها عن بعض ، وتمثلت بالتجمع اليمني للإصلاح ، وحزب الحق ،واتحاد القوى الشعبية ، وأحزاب صغيرة أخرى ، مثل بعضها توابع للتجمع اليمني للإصلاح سرعان ما التأمت به ، ومثلها معظم الأحزاب ، لافتقارها إلى القدرة التنظيمية ،وعدم تبنيها برامج سياسية ، ناهيك عن كونها لا تحظى بشعبية جماهيرية.
ومهما تكن درجة قوة هذا الحزب أو ذلك ، فقد جاء العمل بالتعددية السياسية والحزبية توجهاً جاداً ،واقتناعاً وطنياً، وقراراً جماعياً ،بعيداً عن أغراض الدعاية التي تلجأ إليها بعض النظم السياسية ، حين تصل الأمور إلى حافة السقوط.
لذا كان صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية ، في 6 أكتوبر 1991م مؤكداً حق المواطنين في تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية ، وحقهم في الانتماء الطوعي إلى أي حزب أو تنظيم سياسي ،وحدد الأحكام والإجراءات المتعلقة بتكوين الأحزاب ونشاطاتها ، وركز على مجموعة من الثوابت الدينية ، المتمثلة في عدم تعارض مبادئها وأهدافها وبرامجها ،ووسائلها مع الدين الإسلامي وسيادة الوطن، واستقلاله ووحدته ،والنظام الجمهوري ،وأهداف ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، والوحدة الوطنية للمجتمع ،والحريات والحقوق الأساسية ،والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان ،والانتماء القومي العربي الإسلامي للمجتمع اليمني.
وإثر صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية تقلص عددها إلى 17 حزباً وتنظيماً سياسياً، وذهبت برامجها السياسية والانتخابية، ومواثيقها وأدبياتها تؤكد على الثوابت ، وعلى اعتبار التعددية الحزبية والسياسية أساس النظام السياسي ، وعلى أن الشرعية الانتخابية هي أساس التداول السلمي للسلطة ،وعلى أن الديموقراطية هي الضمان الأساسي لحماية الحقوق والحريات ، ولقيام علاقات سوية متطورة متداخلة ومترابطة بين هيئات سلطات الدولة والشعب ،والأحزاب والتنظيمات السياسية.
وجرت حوارات نشطة بين مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية بهدف التنسيق فيما بينها والبحث عن صيغ تحالفية ، وانعقدت اللقاءات الحوارية بصورة منتظمة بين حزبين أو أكثر ،وقد امتصت تلك اللقاءات الكثير من الاحتقانات بين الأحزاب الفرقاء إبان التشطير، وكثيراً ما التقت لتطويق خلاف ، أوحل مشكلة ، أو الحد من تفاقم أزمة ، ولكنها لم تمتلك القدرة الكافية للحيلولة دون تدهور العلاقة بين حزبي الائتلاف الحاكم ،و هذا إذا لم يكن بعضها متذمراً من بعض المواقف التنسيقية بين حزبي الائتلاف ،ويرى فيها صورة من صور الهيمنة.
وأخذت العلاقات بين حزبي الائتلاف الحاكم أطواراً مختلفة، وكذا بينها وبين الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى ، وتقلبت بين القرب والبعد، وبين الحرارة والفتور ... ومع اقتراب انتهاء الفترة الانتقالية ،اتسمت الحوارات بالتنافس والاستقطاب ، وأخذت روح الريبة السياسية تدب بين حزبي الائتلاف ، وتعمقت حتى استبدت بعلاقتهما ،وتكررت حالات الفتور بينهما بسب الاختلاف على دمج الجيش ومدة الفترة الانتقالية بين التحديد والتمديد ،وموعد الانتخابات النيابية ، وتنظيم الحالة الأمنية وضبطها ، ودخلت البلاد مرحلة من الفوضى الأمنية ، والاغتيالات السياسية ، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة ، ولكن إيمان الأخ الرئيس علي عبد الله صالح بمبدأ الحوار الوطني الذي كان رائده ، والداعي إليه والمرسخ لأسسه منذ اللحظات الأولى لتوليه قيادة الوطن قد ازداد تمسكه بهذا المبدأ كسبيل أمثل للخروج من مآزق الظروف الحرجة البالغة الخطورة، وتمثل هذا المبدأ عملياً في تشجيعه وترحيبه بمبادرة الكثير من الأحزاب، والتنظيمات السياسية والشخصيات الاجتماعية التي سعت إلى الدفع بحزبي الائتلاف لتسوية الخلافات،وتقريب وجهات النظر، والتقى الحزبان ،وبحثا مجدداً في الصيغة التي ينبغي أن تتسم بها العلاقة فيما بينهما ، وطرحت ثلاث بدائل ( الدمج ، التحالف ، التنسيق) وتوصلا إلى صيغة تنسيقية لما تبقى من الفترة الانتقالية التي تم تمديدها والتوقيع على ميثاق العمل السياسي الذي تم التوصل إلى صيغته في وقت سابق ، ودعيا الأحزاب والتنظيمات السياسية للتوقيع عليه ، إلا أنها كان لها موقف منه بعد أن خشيت حدوث ردة عن التعددية السياسية، وما أن تجدد الخلاف بين حزبي الائتلاف حتى تداعت الأحزاب والمنظمات الجماهيرية، والنقابات إلى عقد اجتماع موسع في 28/5/1992م والتهيئة لعقد مؤتمر وطني شاركت فيه الأحزاب من خارج السلطة، وبلغ عددها (14) حزباً، وقد تم انعقاد المؤتمر في سبتمبر 1992م ، دون مشاركة حزبي الائتلاف الحاكم ، وصدر عنه أربع وثائق رئيسية أهمها ميثاق العمل السياسي، وبرنامج عمل لتهيئة اليمن للمرحلة الدستورية القادمة، وتم تشكيل هيئة للمتابعة والتنسيق.
وقد اعتبر عقد هذا المؤتمر محاولة على طريق العمل الحزبي الجماعي ، وإن كانت نتائجه ذات مردود سياسي محدود ، ودون ما كان يطمح إليه دُعاته وفي ظل التعددية الحزبية والسياسية عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات للمنظمات الشعبية والجماهيرية ، والتكوينات التقليدية ، ومنها مؤتمر التلاحم الوطني و " مؤتمر الوحدة والسلام".
تمديد الفترة الانتقالية (نوفمبر 1992م –إبريل 1993م):
لم يكن البحث في تمديد الفترة الانتقالية مما يسهل الخوض فيه ، وعلى الرغم من موقفي حزبي الائتلاف المتباينين بين التحديد والتمديد ، فقد ظلت معظم الأحزاب متمسكة بالفترة المحددة ، واعتبرت أي تمديد محاولة التفاف من حزبي الائتلاف على البقاء لفترة أطول في الحكم ، غير أن صدور قانون الانتخابات العامة في 8 يوينو 1992، المتضمن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من عدد لا يقل عن خمسة، ولا يزيد عن سبعة أعضاء جعل العديد من الأحزاب في ظل الأجواء السياسية المشحونة بالخلافات ، تحتج على محدودية العدد ، وأنه غير كاف لتمثل أكبر عدد ممكن من الأحزاب .
وقد استجيب لطلب الأحزاب بزيادة العدد إلى 17 عضواً ، مثلوا سبعة أحزاب من بينها المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني ، ولدى مباشرة اللجنة العليا مهامها، واجهتها صعوبات استدعت المزيد من الوقت ، وتقدمت إلى القيادة السياسية بطلب التمديد، وبناء عليه قامت القيادة السياسية بإجراء مشاورات موسعة لمدة يومين شاركت فيها القيادة التشريعية والتنفيذية والمجلس الاستشاري وقيادات الأحزاب المتمثلة في اللجنة العليا وهيئة رئاسة المحكمة العليا، وتم الاتفاق على تحديد يوم 27 نيسان / إبريل 1993م ، موعداً للانتخابات ، وأن تستمر الهيئات الإدارية في أعمالها بعد 22نوفمبر 1992م ، وحتى إجراء الانتخابات النيابية، وقد صدر بذلك بيان سياسي وإعلان دستوري ، وقد أعطى التمديد فرصة كافية للأحزاب جميعها لترتب أوضاعها ، وخوض أول معركة برلمانية في دولة الوحدة ، ولأول مرة تخوضها ببرامج انتخابية عكست في مجملها اهتماماً مشتركاً من الجميع بالقضايا الرئيسية ، وتأكيداً على الثوابت الأساسية ، ولم يخل أي منها من تبني قضايا الإصلاح المالي والإداري والاقتصادي وقضايا التعليم والقضاء ، والحكم المحلي، والمرأة ، والأمن والدفاع، وشارك في الانتخابات (22) حزباً وتنظيماً سياسياً، وبلغ عدد المرشحين (3181) مرشحاً من بينهم (1213) مرشحاً من الأحزاب ، والتنظيمات السياسية .
وقد تم خوض الانتخابات النيابية الأولى في 27نيسان/أبريل 1993م وأعلنت النتائج في اليوم الأول من مايو 1993 والتي فازت فيها الأحزاب التي كان لها حضور جماهيري في هذه الدورة وهي الأحزاب الثلاثة الكبيرة( المؤتمر الشعبي العام، الحزب الاشتراكي، التجمع اليمني للإصلاح)، فقد حصلت على أكثر الأصوات، وقد ترتب على هذا الفوز قيام ائتلاف ثلاثي، وحدوث نوع من التوازن .
وتبين أن أكثر الأصوات كان قد حصل عليها كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، تركزت جغرافياً في المحافظات التي كان يحكمها كل منهما قبل الوحدة، وقد دل ذلك على أن الفترة الانتقالية بملابساتها حدت من انتشارهما في تلك المحافظات، وشكلت قلقاً لدى الجميع، حفز على إحياء فكرة الدمج بين الحزبين .
وتبين أن الأعداد الكبيرة من المستقلين كانت في حقيقتها منتمية إلى الحزبين الحاكمين وعلى الأخص الحزب الاشتراكي الذي كان معظم مرشحيه المستقلين من أفراد القوات المسلحة ، والذين سرعان ما انضموا إلى الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي .
أما الأحزاب التي كان لها حضور جماهيري نسبي في هذه الدورة ، فهي الأحزاب التي حصلت على مقاعد نيابية محدودة وهي أحزاب البعث ، والحق ، والأحزاب الناصرية ، وقد أعطت الأحزاب – التي تقدمت بعدد كبير من المرشحين ولم تحصل على مقاعد نيابية –مؤشراً على أنها ما زالت أحزاباً ذات حضور جماهيري ضعيف .
التعديدية الحزبية في فترة الائتلاف الثلاثي ( مايو 1993- يوليو1994) :
أسفرت نتائج انتخابات 1993م عن تشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الثلاثة الأولى (المؤتمر الشعبي العام – الحزب الاشتراكي اليمني – التجمع اليمني للإصلاح ) .
وقد كان يعتقد بشيء من التفاؤل بأن هذا الائتلاف سيحقق توازناً سياسياً يثري التجربة الديموقراطي ة ، ويضع حداً لتناقضات الفترة الانتقالية خاصة أن مشاركة التجمع اليمني للإصلاح وضعت المؤتمر الشعبي العام وسطاً بينه وبين الحزب الاشتراكي اليمني، ولكن الأمور سارت في اتجاه التعقيد ، إذ لم يكن الائتلاف السابق مبنياً في أساسه على الثقة ، فقد ظلت عقلية الفترة الانتقالية ، وأوهامها تسقط مفاهيمها وممارساتها الخاطئة على المرحلة الجديدة في تقاسم السيطرة ، والأموال والموارد ، يسند فوضاها بقاء القوات المسلحة ، والأجهزة الأمنية معلقة دون دمج ، واستنفدت فترة الائتلاف الثلاثي بالخلافات والشقاقات واشتغال الأحزاب المشاركة وغير المشاركة بحوار المقاربة والمصارحة والمصالحة ، وحفلت هذه الفترة بأدبيات الأزمة دون أن تتمكن من تقديم الصورة المأمولة للتعددية الحزبية، إلا أن ما يعتد به ، ويسجل بالفخر أن مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية ، حاكمة وخارج الحكم، موالية ومعارضة لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء تفاقم الأزمة ، فقد كانت حريصة على احتوائها وتنادت لتوسيع قاعدة الحوار الوطني لمناقشة مطالب أحزاب الائتلاف الحاكم ، والخروج بصيغة مقبولة، وتشكلت لجنة وطنية شملت في عضويتها مختلف التنظيمات والشخصيات الاجتماعية والسياسية، واستمرت تعقد اجتماعاتها في صنعاء وعدن دون كلل أو ملل ، وفرغت من إعداد صيغة مقبولة بعد ثلاثة أشهر من الجهود المتواصلة متغلبة على كل المفاجآت والصعوبات التي اعترضت أعمالها، وصارت الوثيقة جاهزة للتوقيع من قبل فخامة الأخ الرئيس ونائبه ، واختلف على المكان الذي يتم فيه التوقيع على الوثيقة ، حيث اشترط الحزب الاشتراكي اليمني أن يتم خارج اليمن ، في الجامعة العربية أو دولة عربية ، أو في هيئة الأمم المتحدة ، وأن يحضر مراسيم التوقيع زعماء الدول العربية أو من ينوب عنهم ، واستقر الرأي من جميع الأطراف على أن يعقد اللقاء في عمَّان بحضور جلالة الملك حسين وفخامة الرئيس ياسر عرفات ، والهيئات الدبلوماسية في المملكة الأردنية الهاشمية ، ولجنة الحوار اليمنية ، وذلك تقديراً من الجميع لجهود الوساطة الأردنية الهاشمية ، ولجنة الحوار اليمنية ، وذلك تقديراً من الجميع لجهود الوساطة الأردنية التي استمرت دون انقطاع لمدة شهرين ، تردد فيها الأمير زيد بن شاكر بين صنعاء وعدن ،وجرى التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في اللقاء التاريخي في 10 رمضان 1414هـ ، الموافق 20 فبراير 1994م.
وعلى الرغم من التوقيع على الوثيقة فإن الأزمة كانت قد بلغت مرحلة
اللا انفراج ، وانتهت فترة الائتلاف الثلاثي بتفجير الحرب في 4 مايو 1994م ، وإعلان الانفصال في 21 مايو 1994م الذي سُرعان ما دحره شعبنا وقواتنا المسلحة الباسلة بزعامة فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح ، والذي تجلت حكمته وحنكته القيادية في حصر مسؤولية أحداث الانفصال ببعض قيادات في الحزب الاشتراكي وحزب الرابطة ، وتأكيداً على ذلك فقد ظل الحزب الاشتراكي بعناصره الوحدوية يمارس نشاطه من خلال المعارضة السلمية بعد أن أصبح الائتلاف الثلاثي في حكم المنتهي.
التعددية الحزبية في فترة الائتلاف الثنائي (يوليو 1994م-ابريل 1997م :
دخلت التعددية الحزبية طوراً جديداً إثر معركة الوحدة و الشرعية ، أضحى فيه الائتلاف ثُنائياً بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح ، بعد فشل الائتلاف الثلاثي ، الذي برر لفشله ازدواجية القرار ، وسيادة لغة التقاسم ، وقد رؤى ، تجنباً لأي إشكال مشابه ، وتلافياً لعيوب الفترة الانتقالية وأخطائها .. التوقيع على وثيقة ائتلاف ثنائي بين المؤتمر والتجمع،ينظم العلاقات بينه من جهة،وبينهما وبين الأحزاب من خارج السلطة من جهة أخرى،وكان العمل الأهم والأكبر هو معالجة آثار الحرب وتعزيز الوحدة الوطنية،وقد اقتضى ذلك الالتفات إلى إدخال تعديلات على الدستور كإلغاء مجلس الرئاسة ، والنص على وحدة رئاسة الدولة... وضمن إطار تعديلات الدستور أمكن للأحزاب السياسية،حاكمة أو معارضة،أن تُثبت مبدأ التعددية السياسية والحزبية،والتداول السلمي للسلطة،والنص عليه صراحة في المادة الخامسة من الدستور الجديد الصادر في 29/9/1994م،و التي جاء فيها:"يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية ، وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً،وينظم القانون الأحكام،والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية،وممارسة النشاط السياسي،ولا يجوز تسخير الوظيفة العامة،أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين".
كما جرت مراجعة لقانون الانتخابات العامة السابق،شاركت فيها الأحزاب السياسية ضمن لجنة من الائتلاف الحاكم،وصدر في ضوئها القانون رقم(27) لعام 1996م،وقد سبق صدور هذا القانون استعداد مبكر لخوض معركة الانتخابات النيابية لعام 1997م قطعاً لدابر الشائعات المشككة بالالتزام بموعدها المحدد.
وأبدت أحزاب المعارضة تخوفها من إدارة العملية الانتخابية، فتقدمت
أحزاب مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة بورقة الضمانات السياسية والقانونية لإجراء الانتخابات البرلمانية بصورة ديموقراطية ونزيهة،ولم يثـنها عن مطالبها أنها لم تحظ باهتمام السلطة،إذ ما لبثت أن أجرت حواراً مع التجمع اليمني للإصلاح اتفقت في ختامه على إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات،وأن تمثل فيها الأحزاب،وتلغي مرحلة القيد والتسجيل في حينها ويتفق على برنامج تنفيذي.
وقد أخذ التنافس منحى مختلفاً عما كان عليه في الدورة الانتخابية السابقة،فالحزب الاشتراكي الذي كان يمثل عنصر التناقض غاب هذه المرة عن الساحة،وقد أعلن مقاطعته للانتخابات،مع ثلاثة أحزاب صغيرة،فيما قرر المؤتمر الشعبي العام،الحصول على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة والحفاظ على التوازن السياسي دون حدوث اختلافات،واشتد التنافس بين حزبي الائتلاف الحاكم،وشكك التجمع اليمني للإصلاح بنزاهة القيد والتسجيل،ونسق مع أحزاب المعارضة،ثم حاول كل من المؤتمر والإصلاح الاتفاق على التنسيق فيما بينهما في عدد من الدوائر الانتخابية التي يتركها كل منهما للآخر دون أن يرشح لها أحداً من حزبه،إلا أن ذلك أربك قواعدهما،ومن ثم لم يتم العمل به.
وقد تقدمت الأحزاب المتنافسة ببرامجها الانتخابية،حيث شارك في هذه الدورة (12)حزباً وتنظيماً سياسياً، وبلغ عدد المرشحين(2311) مرشحاً منهم(754)مرشحاً حزبياً و(1557) مرشحاً مستقلاً،وأعلنت نتائج الاقتراع،وفاز من بين الأحزاب المتنافسة أربعة أحزاب هي: المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والبعث العربي الاشتراكي والمستقلون.
و حاز المؤتمر الشعبي العام على الأغلبية المريحة التي خطط لتحقيقها وأمكن له في ضوئها أن يشكل حكومة الأغلبية.
لقد انتظمت الدورات الانتخابية البرلمانية،وانعقدت في مواعيدها المحددة بالقانون..ومثَّل انعقاد الانتخابات النيابية للدورة الثالثة في ابريل 27 إبريل 2003م، خير مثال على رسوخ الحياة الديموقراطية، وتشبث المجتمع السياسي بها،على الرغم مما راود البعض من اعتقاد بصعوبة انعقادها جراء الظروف الصعبة والأجواء الخانقة،والأحداث الجسام التي تعرضت لها المنطقة بعامة، والعراق بخاصة.
وقد تقدمت الأحزاب المتنافسة ببرامجها السياسية،وشارك في هذه الدورة (1396) مرشحاً ومرشحة،منهم(991) مرشحاً ومرشحة من الأحزاب والتنظيمات السياسية،و(405) مرشحاً ومرشحة من المستقلين.
وفي هذه الدورة شارك الحزب الاشتراكي في الانتخابات،وأعلنت نتائج الاقتراع،وفاز من بين الأحزاب المتنافسة خمسة أحزاب وهي: -المؤتمر الشعبي العام و التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والبعث العربي الاشتراكي وعدد من المستقلين.
ومرة أخرى يحوز المؤتمر الشعبي العام على الأغلبية المريحة التي خطط لها، وشكل في ضوئها حكومة الأغلبية.
مؤسسات المجتمع المدني في ظل دولة الوحدة:
مما يبعث على الفخر حقاً والتفاؤل بمستقبل ديموقراطي واعد،تنامي مؤسسات المجتمع المدني بصورة متسارعة كماً ونوعاً في ظل دولة الوحدة، وهو ما ينم عن وعي عميق بحق المشاركة الشعبية والسياسية لمختلف قطاعات الشعب وشرائحه الاجتماعية،ويقرر حقيقة التلازم بين قيام النظام الديموقراطي ووجود مؤسسات المجتمع المدني ..
و قيام دولة الوحدة المتلازم مع ديموقراطية التعددية السياسية هو الذي وفر المناخ الملائم لانبعاث مؤسسات المجتمع المدني وقد تجاوز عددها الأربعة آلاف منظمة وجمعية، انتشرت في عموم محافظات الجمهورية.
لقد أخذت مؤسسات المجتمع المدني تعمل مجتمعة في تجذير مفهوم المشاركة الشعبية وفي البناء والتنمية وتحديث المجتمع وتفعيل دوره بمختلف شرائحه وفئاته في مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية، والعمل على تأهيل المواطن لممارسة حقوقه الديموقراطية وإكسابه ثقافة العمل الطوعي وتنمية حس المبادرات الفردية والجماعية الداعمة للتضامن والتكافل والتعاون، ورفع مستوى قدرات الأفراد في مختلف حقول الإنتاج العلمي والمهني والثقافي.
ومما يزيد في نشاط وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني ما يزخر به شعبنا من تاريخ حافل بالإرث الحضاري النابض بمؤسسات المجتمع الأهلي المترعة بتراث ديني وأخلاقي وفلسفي، وما يمتلكه من تصميم على أن يعيش روح العصر بنسقه الديموقراطي العالمي.
الانتخابات الرئاسية:
يمثل انتقال السلطة العليا على المستوى الرئاسي في الدولة أي تغير الحكم في ذروة الهرم السياسي، إشكالية تُعاني منها أغلب النظم السياسية العالمية في الحاضر كما في الماضي .
وقد طرحت هذه الإشكالية نفسها في أكثر من شكل سواء في تحديد الشخص الذي ينبغي له أن يلبي السلطة أو في الأسلوب الذي تتم به ولاية هذا الشخص أو الآثار الناجمة عن تغيير الحكام.
وقد تعرضت اليمن ردحاً من الزمن لنظام حكم إمامي وراثيٍ مستبد في الشمال اعتبر الإمامة منطقة محظورة على أبناء الشعب، وتعرضت في الجنوب لاستعمار سلبها حق السيادة والرئاسة.. وبعد قيام ثورة 26سبتمبر 1962، ثم استقلال الشطر الجنوبي 1967 تعرض انتقال السلطة في الشطرين لبعض المخاطر التي أودت صراعاتها واحترابها بإزهاق الكثير من الأرواح وهز الأمن والاستقرار.
فقد أجبر ثلاثة رؤساء على التنحي عن السلطة وهم المشير عبدالله السلال والقاضي عبد الرحمن الإرياني، وعلي ناصر محمد (مع اختلاف في عملية تنحية الأخير) إثر صراع دموي في أحداث 13يناير 1986م .
وأودع أحدهم السجن حتى وافته منيته وهو الرئيس قحطان الشعبي، ولقي أربعة رؤساء مصرعهم في قمة السلطة وهم إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي وسالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل.. وأضحى كرسي الرئاسة نتيجة تلك العواقب الدامية أشبه بكرسي الموت، حتى جاء عهد الأخ الرئيس علي عبد الله صالح فصحح بنهجه الديموقراطي مسار السلطة العليا وجنبها المخاطر ، وقدم للشعب من الإنجازات الكبرى ما أكسبه ثقة الجماهير، وتمسكها به.
وتعتبر رئاسة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح حالة استثنائية متميزة بين كل الرئاسات اليمنية السابقة، وتحل في 17 يوليو 2008م الذكرى الثلاثون لتسلمه مقاليد الأمور في اليمن.
وقد واكب فترة حكمه انفتاح سياسي كبير ، وانتخابات تعاونية وبرلمانية ورئاسية ومجالس محلية ومؤخراً انتخابات المحافظين وهو الذي قاد مسيرة العمل الوحدوي بإصرار شديد تجاوز فيه المحن حتى تحققت الوحدة وظل الرائد والمحقق لجماهير الشعب في الحفاظ على الوحدة وصون مكاسبها و ودحر المحاولة الانفصالية،وما زالت صرخته المدوية الوحدة أو الموت حامية للوحدة ، وهو الرائد في ملء الفراغ السياسي والمدبر الحكيم لقيام المؤتمر الشعبي العام واستمرارية حيازته على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية في دوراتها الثلاث ،وأكسب اليمن المكانة اللائقة بين دول العالم ، واستطاع إتقان اللعبة السياسية مع جميع القوى المؤثرة والفاعلة في البلاد، وأجاد فن التوازنات بين هذه القوى ، فكسب ودها جميعاً . وعلى الصعيد الخارجي ظل يتعامل مع الشرق بالمستوى نفسه الذي كان يتعامل به مع الغرب في ظل النظام الدولي الثنائي القطبية فكان يستورد من الشرق معظم أسلحة بلاده ،كما أسند إلى الغرب مهمة استخراج النفط اليمني وبتواصل نجاحاته السياسية استطاع أن يحقق العديد من الإنجازات التنموية في المجالات الإنتاجية والخدمية وإنشاء العديد من البُنى التحتية في مختلف محافظات الجمهورية ، والتي لا تخفى على ذي عينين.
ومن موقعه الرئاسي وإحساساً بأمانة المسؤولية التاريخية،وبحكمة القائد الذي فَقِه الحكم ،وخبر أمور السلطة رأى أخيراً –وبعد أن جربت اليمن أشكال الرئاسة المختلفة بدءاً برئاسة الجمهورية إلى المجلس الجمهوري فمجلس القيادة، وهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ورئاسة الأمين العام للحزب، إلى مجلس الرئاسة في الدولة الوحدة ، وبعد ما واكب تلك التجارب المريرة من تضحيات جسيمة جسيمة –أن ينتقل بنظام الرئاسة إلى الانتخابات التي تأخذ طابع التنافس السلمي، وفق القواعد الدستورية، والأخذ بمبدأ المدة المحددة أو النهاية المعلومة لمدة الحكم ، وتجنيب الشعب ونظامه وكرسي رئاسته من الوقوع في أخطاء وأخطار الارتجال والانقلابية العنيفة والصراعات الدموية.
فكان إقراره لتعديل دستور الجمهورية في عام 1994م، باتجاه إجراء
انتخابات مباشرة لرئيس الدولة من جانب الشعب مع اشتراط وجود منافس أخر له، وتحديد مدة سلطته بفترتين رئاسيتين فقط، وعليه كانت معالجة انتقال السلطة بشكل واضح ومحدد في دستور الجمهورية اليمنية في 26/4/1415هـ، الموافق 1/10/1994م.
فقد نصت المادة(106) على الشروط التي يجب أن تتوافر في من يمكن أن يرشح لمنصب رئيس الجمهورية:
أ. أن لا يقل سنه عن أربعين سنة.
ب. أن يكون من والدين يمنيين.
ج. أن يكون متمتعاً بالحقوق السياسية والمدنية.
د. أن يكون مستقيم الأخلاق والسلوك، محافظا على الشعائر الإسلامية، وأن لا يكون قد صدر ضده حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره .
ه. أن لا يكون متزوجا من أجنبية ، وألا يتزوج أثناء مدة ولايته من أجنبية .
وأوضحت المادة (107) عملية الترشيح والانتخاب لرئيس الجمهورية على النحو التالي:
أ. يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية .
ب. تقدم الترشيحات إلى رئيس مجلس النواب .
ج. يتم فحص الترشيحات للتأكد من انطباق الشروط الدستورية على المرشحين من قبل هيئة رئاسة مجلس النواب .
د. تعرض أسماء المرشحين الذين تتوفر فيهم الشروط على أعضاء مجلس النواب للتزكية.
ه. يعتبر مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية من يحصل على تزكية نسبة (10%) من عدد أعضاء مجلس النواب.
و. يكون مجلس النواب ملزماً أن يزكي لمنصب رئيس الجمهورية شخصين على الأقل ، تمهيدا لعرض المرشحين على الشعب في انتخابات تنافسية .
ز. يعتبر رئيساً للجمهورية من يحصل على الأغلبية المطلقة للذين شاركوا في الانتخابات و إذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه الأغلبية أعيد الانتخاب بالإجراءات السابقة بنفسها للمرشحين اللذين حصلا على أكثر عدد من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم .
وحددت المادة(111) مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أداء اليمين الدستورية، ونصت على أنه لا يجوز لأي شخص تولي منصب الرئيس لأكثر من دورتين، مدة كل دورة خمس سنوات فقط
ولقد توصلت حركة التطور التشريعي في مجال القواعد المنظمة للحياة السياسية بإصدار القانون رقم (4) لسنة 2000م ، بشان السلطة المحلية ، وإقرار مجلس النواب للصيغة النهائية لمشروع التعديلات الدستورية بتاريخ 20/11/2000م ووفقاً لتعديلات عام 2001م ، فقد أضفي على القواعد الدستورية سمة الثبات والاستقرار ، ومزايا الدستورية المرنة التي تجعل التشريع الدستوري ملائما لتطورات بيئتي النظام السياسي الداخلية والخارجية ، فبينما أبقى المشرع اليمني على قيد الاستفتاء الشعبي العام شرطاً لإحداث تعديل على المواد الدستورية المحددة للمرتكزات والقواعد الأساسية للنظام السياسي ، ألغى شرط الاستفتاء عن تعديل المواد الإجرائية والتنظيمية ليجعل المشروع أكثر قدرة على تعديلها بواسطة السلطة التشريعية دون العودة إلى اخذ موافقة الشعب .
وترتب على التعديلات الدستورية لعام 2001م ، ما يلي:
1) تحويل المجلس الاستشاري من هيئة ذات صفة استشارية تابعة للسلطة التنفيذية إلى مجلس الشورى ، والذي يُعد خطوة نحو تمثّل الأنظمة السياسية التي تتسم تركيبة سلطتها التشريعية بثنائية الهيئة النيابية (نظام المجلسين) ، حيث يمتلك مجلس الشورى صلاحيات الاشتراك مع السلطة التشريعية (مجلس النواب )بتزكية المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية ، والتصديق على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعاهدات والاتفاقات المتعلقة بالدفاع والتحالف والصلح والسلم والحدود ، والتشاور في ما يرى رئيس الجمهورية عرضه من القضايا على الاجتماع المشترك ، ومن صلاحياته كذلك رعاية ودعم منظمات المجتمع المدني ، وتجربة السلطة المحلية .
2) تمديد الولاية النيابية لمجلس النواب من أربع سنوات شمسية ، وتسري مدة السنتين المضافة إلى مدة المجلس القائم من وقت إقرار التعديل الدستوري .
3) تمديد ولاية رئيس الجمهورية، من خمس سنوات إلى سبع سنوات شمسية وفقاً لنص المادة (111) من الدستور المعدل سنة2001م ويسري تطبيقها ابتداء من الدورة الأولى الحالية لمدة رئيس الجمهورية .
4) تخفيض النسبة المطلوبة لتزكية طالبي الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من(10%) من إجمالي أعضاء مجلس النواب البالغ (301)إلى (5%) من إجمالي حضور الاجتماع المشترك لكل من أعضاء مجلسي النواب والشورى البالغ قوامهما الكلي(412) عضواً ، بعد أن رأى مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة أن هذا الشرط وقف عائقاً أمام وصول مرشحهم للمنافسة في الانتخابات الرئاسية .
وفي ضوء هذه التعديلات أعيد انتخاب الأخ / علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية بصورة مباشرة من قبل الشعب للفترة الرئاسية الثانية (2006-2012) ، وتم انتخاب المجالس المحلية في دورتها الثانية .
ويجري و لأول مرة على مستوى المنطقة العربية انتخابات محافظي محافظات الجمهورية في الشهر الجاري من هذا العام 2008م .
الخُـلاصة .. وبعض الرؤى المستقبلية:
لقد أضحت شرعية النظام السياسي قائمة على التعديلات السياسية و الحزبية ، وتم تثبيت ذلك في نصوص الدستور ، وقانون الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات ، وتجسد ذلك عملياً في إدارة الفترة الانتقالية بائتلاف ثنائي حاكم ، ومشاركة نشطة للأحزاب القائمة من خارج الائتلاف .
وقد تمكنت الأحزاب موالية ومعارضة من ترسيخ مبدأ الحوار، واحترام الرأي والرأي الآخر ، والتداول السلمي للسلطة عبر برامجها السياسية والانتخابية ، وخاض الجميع انتخابات 1993م وأعقبها ائتلاف ثلاثي حاكم ، ثم تشَكَّل ائتلاف ثنائي بعد حرب صيف عام 1994م ، وأعقبه خوض انتخابات 1997 م في موعدها ،ثم انتخابات المجالس المحلية في دورتها الأولى والثانية ، وانتخابات المحافظين لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية ...هذا فضلا عن تنافسية الانتخابات الرئاسية بصورة مباشرة من قبل الشعب.
إن ما تحقق من إنجازات التعددية الحزبية والسياسية في السنوات الماضية ، لا ينفي وجود سلبيات ، وأخطاء ، ولا ينقص التعرض لذكرها من عظمة الإنجازات، وشموخ المرحلة، بقدر ما تشكل الملاحظات إزاءها تأصيلاً للتجربة ، وقد تناولت حوارات الأحزاب العديد منها ، ومن ذلك ما يلي:
انصراف الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى الاشتغال بالآليات الديموقراطية ،دون النفاذ إلى جوهر الديموقراطية وإن كان هذا الاشتغال أمراً تقتضيه المرحلة التأسيسية التي لابد أن ينجز فيها ، ما تم إنجازه فعلا: الدستور وقانون الأحزاب والانتخابات ، وقيام مجلس النواب المنتخب في ثلاث دورات ، وتشكيل حكومات الائتلاف ثم حكومة الأغلبية ، إلا أن الاشتغال بالآليات على أهميتها ، استنفد الجهود الحزبية وطاقاتها عند هذا الحد ، دون أن تتقدم كما يتوقع منها نحو جوهر الديموقراطية، والهدف الذي من أجله كانت الآليات ، ومن ثم يتوجب على الأحزاب أن تُعنى – قبل غيرها – بالثقافة المدنية وتعمل على غرس قيمها بصورة صحيحة داخل تكويناتها ، وبين الجماهير ، وتعويد الجميع على قيم المساواة ، والعدل، والإنصاف،والاستعداد للمشاركة ، وتقويم المؤسسات الاجتماعية التقليدية ابتداء بالأسرة، فالحي والمدرسة وانتهاء بالأطر الحزبية.
وعلى الرغم من إيمان الجميع بالحوار ، وممارسته فعلاً ، واستنقاذ التجربة به من أزماتها ، إلا أن الحاجة مازالت قائمة إلى سيادة روح التسامح الديموقراطي ،والتزام آداب الاختلاف ، والتحرر من الذاتية والشخصانية ، فالتعددية الحزبية تسامح ، وعدم إسراف في الاتهامية كتلك التي تظهر عند إعلان النتائج الانتخابية التي تقتضي التسليم وفق المعالجات القانونية ، والعبرة في إعمال الدساتير والقوانين من خلال الممارسة الحية للأخلاق الديموقراطية ، ويتأكد ذلك حين يسود الأطر التنظيمية للأحزاب، ديموقراطية العلاقات الداخلية ، وتشكل القيادات بالانتخاب الديموقراطي ، وحين تسود الديموقراطية علاقات الأحزاب بعضها ببعض ، وتفعيل مواثيق الشرف واستحضار المسؤولية الوطنية ومطالب الوطن وهموم الشعب المقدمة على ما سواها.
ومما يدعو إلى تقدم المسيرة الديموقراطية تبني جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية (موالية، ومعارضة) في برامجها السياسية قضية الإصلاح السياسي والاقتصادي، وهو أمر بالغ الأهمية لبناء مؤسسات الدولة وتطويرها ، وتعزيز ثقة المواطن بها ، ولكن ما ينقص هذا التبني هو تكتيل جميع الجهود السياسية والحزبية والشعبية في مختلف مواقع المسؤولية في المؤسسات السياسية والاجتماعية لتنفيذ برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي، وإحداث تطور ملموس في أساسيات البناء والتنمية الشاملة ، وترسيخ النظام المؤسسي والإدارة الحديثة، وسيادة القانون، وكل ما يتصل بهموم المواطنين.
وإذا كان قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية قد حدد مصدر تمويلها، وتشمل الاشتراكات والتبرعات من أعضائها القادرين، والهبات المشروعة ،واستثمارات الأحزاب والتنظيمات السياسية أن وجدت، وعائدات الصحف والمجلات، إلا أن الدعم المخصص من خزينة الدولة ما زال أهم مصدر للتمويل ويتجاوز مفهوم الدعم، و يشكل رقماً مهماً في موازنة الدولة، وقد يكون من المناسب، بعد مُضي ثماني عشر سنةً من ممارسة التعددية الحزبية و السياسية، أن تبحث الأحزاب والتنظيمات السياسية خططا داخلية للاعتماد المتدرج على التمويل الذاتي، والتخفيف ما أمكن من الدعم المخصص لها من خزينة الدولة .
وثمة أمر يتعلق بالأحزاب التي تعاني من التعددية الانقسامية في إطار الحزب الواحد ، فمضي ثماني عشرة سنةً على ممارسة التعددية الحزبية ، والعلانية والشفافية تُعد كفيلة بإنهاء تلك التعددية الانقسامية لو أن حواراً جاداً جرى بين فصائل الحزب الواحد ، إذ ليس هناك ما تختلف عليه بقدر ما يشكل توحدها مطلباً ملحاً من قواعدها ، وقوة للبناء الحزبي التعددي السليم ، فمتى تُبادر هذه الأحزاب إلى حوار فصائلها ؟
وعلى الرغم مما تتحمله الأحزاب والتنظيمات السياسية من أسماء توحي بوجود التيارات المتباينة (الإسلامية، والقومية، واليسارية، والوطنية، والليبرالية ..) فإنها في واقع الأمر أقرب إلى أن تكون أحزاباً ذات برامج إصلاحية، أخذت تسير في اتجاه الواقعية الوسطية ...ومن يلقي نظرة على برامجها السياسية يجدها تجتمع على ثوابت مشتركة ، وتستند إلى فكر الأمة وعقيدتها ، ويربط بينها الكثير من القواسم المشتركة ، وتلتقي على المفاهيم والقيم الجوهرية التي استقر عليها الفكر العالمي كالعدالة والحرية والمساواة ، وجميعها من صميم تراثنا العربي الحضاري ، ولم يعد للأفكار الطوباوية والمفاصلات الإيديولوجية نصيب يذكر في ظل التعددية الحزبية والسياسية ، و يفترض هذا أن يجعل من قيام معارضة قوية حافزاً وسانداً غير مباشر لحكم الأغلبية باعتبارهما وجهين متلازمين للنظام السياسي التعددي.
إن مصدر التفاؤل باستمرار التعددية الحزبية يأتي من واقع نجاحاتها المتحققة في أحلك الظروف التي مرت بها في السنوات الماضية ، ومن انتمائها إلى عمق نضالي حديث ، وجذور تاريخية متأصلة في الفكر السياسي العربي فضلاً عن كونها تأتي ضمن توجه العصر وأبرز سماته التي يصعب تجاهلها والعصف بها .
وتأسيساً على ما تقدم ، وبصفة إجمالية، يمكن القول أن التجربة الديموقراطية في اليمن غنية بالتنوع، وتمتلك رصيداً ديمقراطياً ضخماً يعد من بين أغنى الأرصدة الديموقراطية في المنطقة، فقد تسني للشعب عبر تاريخه القديم والوسيط والحديث، أن يمارس الديموقراطية بمختلف أشكالها وصيغها:
• فقد مارس الشعب الديموقراطية الملئية في العهد السبئي ، القائمة على مشاركة جميع القبائل في صنع القرار من خلال مجلس (المسود ) و(المزواد).
• ومارس الديموقراطية الشوروية المجتمعية المفعمة بالأخلاق الديموقراطية في عصور الفتح الإسلامي ، وبعض الدول اليمنية المستقلة .
• ومارس ديموقراطية الرفض ،والمعارضة النضالية، المقاومة لنظام الاستبداد والاستعمار في العصر الحديث، ولم ينخدع بالمشورة المعلمة التي قليلاً ما كان يعود إليها نظام الحكم الإمامي الفردي المستبد في شمال الوطن، كما لم ينجر الشعب وراء الديموقراطية الصورية تحت المظلة الاستعمارية في جنوب الوطن، حيث لا ديموقراطية بدون حرية، ولا حرية بدون ديمقراطية .
• وجرب الشعب التحالفات الجبهوية المناهضة للاستعمار والاستبداد، والتي أفضت إلى القضاء على الإمامة المستبدة في الشمال، والتخلص من الاستعمار في الجنوب.
• وفي ظل الاستقلال وقبل إعلان قيام دولة الوحدة :
- مارس كل من النظامين في الشطرين أكثر من تجربة ديموقراطية كان أخرها في الشطر الجنوبي تجربة الديموقراطية الشعبية المتمثلة بطلائعية الحزب الاشتراكي اليمني .
- وكان آخرها في الشطر الشمالي تجربة المؤتمر الشعبي العام أسلوب العمل السياسي الجامع لكل فئات الشعب وقواه السياسية التي أقرت الميثاق الوطني، الدليل النظري للمؤتمر.
- ومارس الشعب العديد من تجارب المشاركة الشعبية، وأنشأ العديد من مؤسسات المجتمع المدني، وشكل العديد من الاتحادات والنقابات والجمعيات والهيئات والمنظمات الشعبية والجماهيرية.
- ومارس حق الاقتراع السري المباشر في صناديق الاقتراع، على مستوى المجالس المحلية، والهيئات الإدارية للتعاونيات، وعلى مستوى الانتخابات البرلمانية، وعلى مستوى الانتخابات الرئاسية وأخيراً انتخابات المحافظين.
●● وانتقلت أنظمة الحكم الوطني من الشرعية الثورية إلى الشرعية الديموقراطية ، والشعب في كل ممارساته الديموقراطية ينطلق من تطور كبير في الجانب التشريعي ، استوعبت فيه الحركة التشريعية الأصالة والمعاصرة ، وأمكن لها إصدار العديد من التشريعات المنظمة للحياة العامة ، ومنها تشريعا ت السلطات العامة والتشريعات السيادية ، وتشريعات الحقوق السياسية والحريات العامة .
وقد تكللت جهود الحركة التشريعية بإعادة تحقيق وحدة الشعب اليمني أرضاً وإنساناً في 22 مايو 1990 م، وبالتشريع لديمقراطية التعددية السياسية .
وعلى أساس من هذه التشريعات جرت الانتخابات العامة التي عملت على ترسيخ الشرعية الدستورية، وتوسيع وتعزيز المشاركة الشعبية.
إذ لا حرية بلا ديموقراطية، ولا ديموقراطية بلا حماية، ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون.
وقد أضحى الشعب ـ أكثر من أي وقت مضى ـ يمارس حقه الديموقراطي ، ويؤكد مشاركته في صنع القرار بدرجة أو بأخرى ، وبغض النظر عن جوانب القصور و الأخطاء ، التي تصاحب التجربة الديموقراطية ، فمن التجربة والخطأ يتعلم الشعب ويكتسب الخبرة ، ويصحح مسار حياته الديموقراطية .
ولا ينكر أحد وجود العديد من المعوقات التي تحد من سرعة الحركة نحو الوصول إلى قمة الاكتمال الديموقراطي.
ويأتي في مقدمة هذه المعوقات الموروثات الاجتماعية التقليدية والولاءات الضيقة والأمية، والفقر، ولكنها عوامل متحركة غير ثابتة، وهي مما يمكن معالجتها، وقد أمكن التخفيف من حدتها، بانتشار التعليم، وتنامي حركة الوعي الديموقراطي، والثقافة المدنية. والمزيد من الممارسات الديموقراطية، وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والتفاعل المتصاعد مع الهدف الثالث من أهداف الثورة في"رفع مستوى الشعب اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً وثقافياً " سيتم تجاوز الكثير من هذه المعوقات.
وحتى لا يدركنا يأسٌ جراء اتساع الفجوة بين ديموقراطية العالم النامي وديموقراطية عالم الغرب والشمال، فإن ثمة تحدياً أكبر مازال يشكل قاسماً مشتركاً أعظم بين مختلف ديموقراطيات الشرق والغرب على حد سواء، وهو تحدي الوصول إلى جوهر الديموقراطية، وعنوانه تحقيق مقتضى الإيمان بالإنسان العادي، و تحسيسه حقاًّ بكرامته..وحسب اليمن بزعامة قائد المسيرة الديموقراطية الرئيس علي عبد الله صالح، أنها وضعت قدميها على أول الطريق الصحيح.
المراجع:
1. دستور الجمهورية اليمنية .
2. الميثاق الوطني – المؤتمر الشعبي العام - صنعاء .
3. قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية - صنعاء .
4. قانون الانتخابات العامة والاستفتاء - صنعاء .
5. محمد عبد المعز نصر : في النظريات والنظم السياسية ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت .
6. سفيان البرطي : نصوص يمانية ، بغداد .
7. إلهام محمد مانع : الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن 1948-1992م ، كتاب الثوابت (1994م) .
8. نبيل السمالوطي : بناء القوة والتنمية السياسية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الأولى 1978م ، الإسكندرية .
9. خالد الحمادي : صحيفة القدس العربي – لندن .
10. أحمد محمد الأصبحي : التعددية الحزبية ، مجلة الثوابت العدد 13يوليو- سبتمبر 1998م .
11. المؤتمر الشعبي العام في مرحلة التأسيس : إصدارات الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام ، 2006م صنعاء .
12. أحمد محمد الأصبحي : علي عبدالله صالح 25 عاماً من سيرة زعيم وقائد مسيرة شعب 1978-2003م .