صنعاء نيوز -
لم تسحرنا أي مباراة كرة قدم كما سحرتنا مباراة ختام كأس أمم أوروبا، ولم يقتصر السحر على المباراة، بل إن حفل الختام كان ساحراً إلى درجة أن تأكد المؤكد أنها كييف جميلة أوكرانيا تبرز جمالها وتتدلل على العالم!! عبدالرحمن بجَّاش -
لم تسحرنا أي مباراة كرة قدم كما سحرتنا مباراة ختام كأس أمم أوروبا، ولم يقتصر السحر على المباراة، بل إن حفل الختام كان ساحراً إلى درجة أن تأكد المؤكد أنها كييف جميلة أوكرانيا تبرز جمالها وتتدلل على العالم!!
حفل ختام قصير وبسيط أخذ الألباب وقدم للعالم شعباً آخر مبدعاً خرج من بين ركام التضحيات، صنع حياة أخرى سترونها مستقبلاً تستضيف كأس العالم بجدارة.
لا أحد ينسى أولمبياد بكين الذي أبهر به الصينيون الكون كله وكان إعلان خروج أمة تتخذ من الكونفوشوسية ملهماً روحياً يضع الوعي بجانب الحكمة ويقدم «صين» أخرى صنعت الثورة الثقافية إرادة إنسانها، وانظر ماذا تفعل الصين، وانظر إلى شعوب المنظومة الاشتراكية السابقة ماذا تقدم واسأل نفسك : أين نحن؟
وضعت يدي على قلبي والحكم يطلق ركلة البداية، فقد أرعبني الطليان وهم يسحقون بأقدام ذلك الأسود ماريو حصون المانشافت الألماني الذي استسلم لمقولة «إيطاليا عقدة ألمانيا»، وذهب غير مأسوف عليه!!
ظننت - وبعض الظن إثم - أن أقدام الطليان ستدوس على رقاب الإسبان وسيمضون، لذلك كنت موارباً حين سُئلت : ماذا تتوقع؟ قلت على استحياء : أنا مع إسبانيا، لكن الطليان سينتصرون، وتمر الدقائق الأولى لأرى إسبانيا ليست أخرى، بل أداء كل دقيقة يتصاعد، وتناغم بين عازفين يؤدون رقصة فلامنجو، لا أحد من الراقصين أو العازفين يصدر من آلته صوتاً نشاز، ودقيقة بعد أخرى والأداء يكتسب الروعة حتى الهدف الأول قلت : هذه إسبانيا أخرى لا علاقة لها بالمقولة الشائعة «إيطاليا - أيضاً - عُقدة إسبانيا»، ويستمر العزف على قرع الطبول وألوان حمراء في المدرجات تزيد الثور الإسباني تصميماً على بلوغ الهدف «من حقنا أن ننتصر»، وحين يقرر الإنسان أن يصل إلى هدف النصر ينتصر، كان الهدف الأول رائعاً مرسوماً بكل المقاييس، ليأتي الثاني أروع، قلت : فهمها هذا العجوز، مدرب إسبانيا، ها هو يخترق من العمق، يخلخل دفاعات الطليان ويسجل ويبدو أنه السر، اطمأنّت نفسي إلى أن إسبانيا تبدع، بل ترقص، بل تعزف أجمل ألحانها، كان شوطاً إسبانياً بكل المعاني، ليأتي الشوط الثاني والعجوز الماكر، الذي لا يبتسم إلاَّ لماما، يواصل الرقصة ويندمج فيها حتى الثمالة، فريق من حارسه حتى خط هجومه متكامل، متجانس، ينفذ خطة الانتصار، لم يهدأ، ولم يكلّ ولم يملّ مقابل منتخب أزرق بدا عليه الذهول ولم يستطع أن يجاري أو يلعب، وبدا ماريو تائهاً لا يدري ما يفعل!! فقد أحكموا محاصرته، وكلما تسلم كرة انقضّ عليه المكلفون بمراقبته وأحبطوا رِجْله القاذفة!! أخطأ الآخرون، ومنهم الألمان، حين تركوا له مساحة للحركة، ما فعله الإسبان ليلتها لا بد أن يدرس في معاهد كرة القدم، فلم يكن ذلك مباراة «طبّه»، بل حفلة موسيقية تردد صدى أنغامها وتمايل أجساد راقصيها في الكون كله، تغيير في الوقت المناسب، وانظر فالتغيير في الدقيقتين الأخيرتين أتى بهدفين لذلك الرائع رابط شعره كراقصي الفلامنجو ليسجل هدفاً ولا أروع ويصنع مسك الختام هدفاً ودّع به الطليان كل أحلامهم.
فعلا هناك منتخب أو فريق أو لاعب يثبت لك أن الكرة - أيضاً - فن إبداعي آخر، هل رأيتم حسن الانتشار، اللعب على كل الجهات، تبادل بديع للمراكز، دفاع يشارك في الهجمات ويعرف كيف يتراجع اتّقاء هجمة معاكسة، ألم أقل إنهم مبدعون.
شكراً إسبانيا، لقد استمتع العالم.