صنعاء نيوز/د.طارق عبدالله ثابت الحروي -
حول طبيعة وجذور السيناريو (القديم/ الجديد) المرسوم تكشف لنا ماهية الجهات المتورطة فيها حتى النخاع !!!!!
صنعاء نيوز/د.طارق عبدالله ثابت الحروي
[email protected]
من نافلة القول أنه قد يتبادر لأذهان الكثيرين من القراء الأعزاء عن وجه المقارنة بين السيناريو ألأممي الخاص بتصفية النظام الوطني فكرا ومشروعا وأفرادا الذي دارت رحاه في الفترة (1977-1979م)، والذي قد مضي عليه أكثر من ثلاثة عقود وقامت بإعداد أدق تفاصيله وأشرفت عليه قيادات منتمية للدولتين العظميتين وحلفائهم الإقليمين ونفذته العناصر والقوى المحلية المنتمية للتيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه كما تناولت بعض أهم مؤشراته في مقالنا المنشور من على صدر الصحافة المحلية الالكترونية بعنوان(سيناريو تصفية زعماء اليمن 1977-1978م: رؤية في إرهاصات المخطط ألأممي الأمريكي- السوفيتي وحلفائه الإقليميين والمحليين)، وبين العملية الإرهابية الإجرامية التي استهدفت رئيس الدولة على الصالح (حفظه الله ورعاه وأدام الله في عمره كي يرى طموحه بدولة مدنية بحرية حديثة قد أكتمل وأصبح حقيقة على أيادي الرجال المخلصين من أبناء اليمن من الشباب) ومعظم رجال دولته في جامع دار الرئاسة عام 2011م ؟ وما وجه الربط بينهما ضمن إطار ذلك السيناريو القديم/ الجديد ؟ وأخيرا ماذا تعنى جريمة اغتيال الشهيد الحي على الصالح ورفاقه - وفقا- لكل ذلك من دلالات ومعاني لها شانها ؟
- وهل الجهة المتورطة في هذه العملية التي كادت ترمي باليمن دولة وشعبا في غمضة عين إلى الهاوية بدون أن تهتز رموش أعين القائمين عليها؛ هي نفس الجهة التي وقفت وراء كل أو معظم جرائم اغتيال قيادات الدولة اليمنية منذ بدء عمليات تصفية الرئيسين ألحمدي والغشمي والعديد من رفاقهما والألوف من قيادات وعناصر التيار الوطني المعتدل الحاكم في حرب الحدود عام1979م، وصولا إلى محاولة تصفية الرئيس الصالح التي تبنتها في العلن الحركة الناصرية بجناحها المعتدل عام 1978م، وتتابعت بوتائر متسارعة في السنوات الأولى من حكمه إلى أن بلغت بحسب بعض المصادر قرابة 22 محاولة اغتيال وانقلاب ضده، ومرورا بكافة عمليات الاغتيالات والتصفيات الجسدية والمطاردات والإزاحة النهائية للجزء الأكبر والمهم من على سدة السلطة، التي طالت (بعض/ معظم) قيادات وعناصر النظام الشمالي والحركة الناصرية (1978-1979م) والنظام الجنوبي والحزب الاشتراكي (1990- 1994م)؟ وهنا يكمن بيت القصيد من تناول موضوعنا هذا تحت هذا العنوان تحديدا.
- مما تجدر الإشارة بهذا الشأن أن إرهاصات هذا السيناريو المشار إليه آنفا كان يستهدف بالدرجة الأساس احتواء وتقويض وحرف أية إمكانية تتيح لعناصر التيار التحديثي وحركة التغيير الوطني أن تخطو أية خطوة حقيقية باتجاه إقامة مشروعها المدني النهضوي المنشود، ومن ثم إيقاف وتجميد وصولا إلى إسقاط مسيرة وعناصر حركة التغيير الوطني، وهذا ما أل إليه الأمر برمته في نهاية المطاف بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، فهو إلى جانب أنه قد حقق نجاحا كبيرا في تصفية الجزء الأكبر من مرتكزات النظام الوطني ورموزه الوطنية فإنه قد نجح أيضا في حرف وتجميد (تشويه) جزء مهم وكبير من مسيرة حركة التغيير الوطني التي بالرغم من أنها استعادت توازنها النسبي مع مرور الوقت بفعل الدور المحوري الذي لعبته القوة الإقليمية العراقية قائدة ورمز التيار التحديثي التحرري الإقليمي، وحالت دون وجود أية إمكانية ليفرض التيار التقليدي نفسه بقوة على أرض الواقع، حيث كان هنالك توازن شبه نسبي بينهما بالرغم من أنه كفة ميزان المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد كانت تميل إلى حد كبير لصالح التيار التقليدي الذي تهيمن عناصره على معظم مقاليد السلطة بنسبة (1:3).
- وهذا ما تتضح بعض أهم معالمه الرئيسة في وجود ملامح دولة مدنية تسير وتتداخل إلى حد التشابك المعقد شكلا ومضمونا مع أعراف وتقاليد نظم قبلية تقليدية تهيمن على معظم مقاليد السلطة فيها رموز قبلية تقليدية مناهضة لمشروع الدولة المدنية الحديثة شكلا ومضمونا، لدرجة يصعب على المرء أن يجزم أنه يقف أمام نظام سياسي عصري بل أنه يقف أمام نظام قبلي مسيس تهيمن عليه تقاليد وأعراف قبلية إلى حد كبير، وعندما قرر شريكي الوحدة المضي قدما نحو إقامة مداميك الدولة المدنية الحديثة في ضوء خارطة الطريق الجديدة التي مثلتها اتفاقية عدن الموقعة بينهما عام 1989م، وصولا إلى وثيقة العهد والاتفاق عام 1994م، أقامت القوى الانقلابية من عناصر التيار التقليدي المحافظ والمتطرف (حزب التجمع اليمني للإصلاح) وشركائه الدنيا ولم تقعدها للحيلولة دون ذلك، من خلال دفع شريكي الوحدة إلى اختراق اتفاق عدن وتوحيد البلاد اندماجيا واختراق ومن ثم شق صفوف التيار الوحدوي عموديا وأفقيا تحت كل المسميات ومنها المعالجات والأساليب العشوائية المقصودة المتبعة في عملية الدمج للمؤسسات الرسمية والممارسات الخاطئة في إدارة مرافق الدولة وصولا إلى تقنية التصفيات الجسدية لقيادات وعناصر شريكي الوحدة، ثم الدور المحوري الذي لعبته عناصر التيار التقليدي المحلي والإقليمي في اختراق صفوف الحزب الاشتراكي وحرف مساره بظهور جناحه المتطرف الذي تقف على رأسه معظم قيادات الحزب الاشتراكي....الخ، متوجة ذلك بإزاحة الحزب الاشتراكي ورموزه الوطنية من المعادلة الداخلية بصورة نهائية على الرغم من أنها خططت لاجتثاثه من جذوره فكرا ومشروعا وأفرادا كما خططت لذلك مع الحركة الناصرية.
- لكنها لم تستطيع استكمال حلقاته الرئيسة، بفضل الدور المحوري الذي لعبه التيار التحديثي التحرري ورمزه الوطني الرئيس على الصالح في كلا المرحلتين، كي تستطيع أن تفرض نفسها بقوة على واقع المعادلة الداخلية بدون منافس (1978-1989م) و(1994-2012م)، وهو الأمر الذي ينطبق قلبا وقالبا على ما تشهده اليمن دولة وشعبا في وقتنا الحالي في ضوء ما بذلته من جهود حثيثة ومضنية بدأت منذ العام 2004م على أقل تقدير وتوجت في الفترة ( 2011-2012م) في اتجاه إيقاف ومن ثم تصفية مرتكزات مشروع الدولة المدنية الحديثة والإطاحة بقياداته ورموزه الوطنية من عناصر التيار التحديثي الذين يقف على رأسهم الرئيس على الصالح وبعض أهم رجال دولته الذي توج بإرهاصات جريمة جامع النهدين عام 2011م، بعد ان نجحت في حرف كلا من التنظيم الوحدوي الناصري والحزب الاشتراكي وعناصرهما عن مبادئهم ومسارهم وإسقاطهم لقمة سايغة بين أنيابه بعد تنويمهم مغناطيسيا تحت شتى المسميات والمبررات في واحدة من أكثر المشاهد جدلا وإثارة، من خلال محاولاته المستميتة لإسقاط المؤتمر الشعبي العام وإخراجه من المعادلة الداخلية بصورة نهائية- هذا إن لم نقل اجتثاثه من جذوره فكرا ومشروعا وأفرادا.
- فالقوى الانقلابية بكل مكوناتها في هذه المرحلة إن كانت قد كشفت عن كل أوراقها وكشرت عن أنيابها وأطماعها النتنة ومخططاتها الخبيثة التي ما انزل الله بها من سلطان، فإنها قد نجحت أن تتستر إلى حد كبير وراء ما استطاعت أجهزة الإعلام أن تغرسه من مفردات عقيمة فضفاضة بهذا الشأن، في ضوء ما أفرزته الظروف الاستثنائية التي تعيشها المنطقة العربية واليمن من تداعيات وآثار سلبية منظوره وغير منظوره يطلق عليه البعض (الفوضى الخلاقة) والبعض الأخر(ثورة الربيع العربي، ثورات التغيير، الثورة الشعبية...الخ).
- فهي إن كانت حتى هذا اليوم قد نجحت بمكوناتها الستة في أن تفرض نفسها بقوة على مسار حركة الأحداث الرئيسة في الجانب غير الرسمي بين بعض فئات الشعب عندما نزلت إلى الشارع بحديدها وقضيضها بغية احتوائها وإعادة توجيهها- تبعا- لمسار مصالحها وتوجهاتها الرئيسة، فإنها مازالت حتى هذه اللحظة تمسك بزمام معظم مقاليد السلطة، لأن التيار التحديثي لم يستطع حتى الآن بالرغم من كل ما يبذله من جهود حثيثة ومضنية من أن يعكس الواقع الجديد الذي فرضه المتغير الشعبي الكاسح إلى جانبه منذ 25/3/2011م وحالة التوافق الاستثنائية النادرة جدا في حقل العلاقات الدولية بين الإرادة الوطنية والإرادة الإقليمية والدولية، على واقع المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد من خلال قرارات سياسية وتنموية مصيرية وضخمة تنقل اليمن دولة وشعبا ومصالحها العليا إلى قلب هذه المعادلة بتوازناتها الجديدة التي تصب قلبا وقالبا في صميم المصلحة الوطنية العليا، ومن خلال الانتقال الفوري لليمن دولة وشعبا إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة بدون تردد ولا خوف.
- وكي أدخل في صلب الموضوع، سوف أقوم بالرجوع خطوة واسعة إلى الخلف كي أتمكن من استعادة جزء من تلك اللحظات الرهيبة والفارقة التي عاشتها اليمن في عقد السبعينيات وغيرت مجرى الحياة فيها إلى غير رجعة، فالرئيس المنتخب على الصالح من قبل كل أعضاء المجلس الرئاسي ثم من قبل ثلثي ممثلي الأمة (المجلس الوطني) بتاريخ 17/7/1978م، لم يكن هو الخيار المرغوب والمطروح بين بعض عناصر التيار التحديثي التحرري في الدولة والحركة الناصرية منها- بوجه خاص- وعناصر التيار التقليدي المحافظ والمتطرف، أما لماذا ؟
- نرد بالقول على ذلك لان كلا واحد منهما كان لديه مرشحه الأبرز وترتيباته الخاصة به إلى حد كبير، فظهور الرئيس الصالح كان مجرد عنوان رئيسي لمرحلة مؤقتة جدا توقفت عندها رحى الصراع الحاد المحتدم على أشده بينهما (يرجح الكاتب أنها لم تكن تتعدي سوى أشهر معدودة)، فرضتها بعض أهم المعطيات الظرفية البارزة آنذاك في البيئة الخارجية أكثر منها الداخلية، على إثر الضربة الموجعة التي تعرض لها التيار التحديثي في عقر داره بعد أقل من تسعة أشهر من اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي، جراء اغتيال رئيس الدولة الشهيد أحمد الغشمي رحمة الله عليهم وعلى رفاقهم، منتظرة إلى ما سوف تسفر إليه الأمور في ضوء استمرار تنامي حالات الهيجان الحادة التي سادت المشهد اليمني، وتؤشر إلى حد كبير عن احتمالية حدوث انفلات حاد لزمام الأمور قد تدخل البلاد مرحلة الحرب الأهلية بلا عودة، وهو الأمر الذي يتناقض مع توجهات ومصالح القوى الدولية.
- وهو ما تثبته الدلائل التاريخية المتلاحقة، فالانقلاب الأسود الذي تبنته في العلن الحركة الناصرية بجناحها المعتدل الذي تمثله( القيادة التاريخية للمرحوم عيسي محمد سيف) بتاريخ 15/10/1978م تحت مبررات شتى إثر توريطها حتى النخاع من قبل عناصر الجناح المتطرف في الحركة الناصرية بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع التيار التقليدي المحلي بأبعاده الإقليمية والدولية، كان من المفروض- وفقا- لمسارات المخطط الانقلابي الذي تقف وراءه في الأساس العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي أن يفضي إلى إزاحة (تصفية) الرئيس على الصالح واستبداله بمرشحها الأبرز (علي محسن الأحمر)، كدليل ومؤشرا مهم على انتقال (معظم/ كل) مقاليد السلطة من قبائل بكيل (ومذحج) التي تمثل رمز للتيار التحديثي التحرري في اليمن إلى قبائل حاشد رمز التيار التقليدي المحافظ والمتطرف- هذا أولا- ثم تصفية مرتكزات النظام الوطني وحركة التغيير الوطني فكرا ومشروعا وأفرادا على حد سواء، وصولا إلى الحركة الناصرية والقيادة التاريخية منها- بوجه خاص- لان بقائها هو نوع من المجازفة ويعني إمكانية عودة الحركة الناصرية إلى الساحة في أقل وقت ممكن- ثانيا.
- إلا ان بروز متغير جديد (وصغير) لم يكن متوقعا من لدنا قادة المخطط الانقلابي؛ ممثلا بتبني بإصرار قيادة الانقلاب الأسود من عناصر الحركة الناصرية بتيارها المعتدل على تبني مرشح رئاسي لها هو (المقدم نصار الجرباني) من قبائل بكيل، دفع بالقوى الانقلابية من عناصر التيار التقليدي إلى التراجع بقوة عن هدفها الرئيسي غير المعلن في تصفية الرئيس علي الصالح ليس هذا فحسب، لا بل والسعي بكل ثقلها وراء ضمان حمايته قبل أن تنفلت الأمور كلها من أياديها، أما عن السبب الجوهري في ذلك فيمكن القول باعتباره كان أقرب خيار متاح أمامها لتجاوز هذا المتغير، على يتم تصفيته أو إزاحته لاحقا ضمن ترتيبات خاصة، سيما في ضوء ما أدركته من رجحان كبير لكفة مرشح الحركة الناصرية على مرشحها، بحكم أن الناصريون كانوا مازالوا يهيمنون على معظم مقاليد السلطة تقريبا ومنها قوة الشارع، حيث ان يد الغدر والخيانة حتى ذلك الوقت لم تكن قد طالت سوى مجموعة معدودة من عناصرهم.
- ولكن بعدما بلغ المخطط الانقلابي غايته المنشودة بعد حرب الحدود المفتعلة بين نظامي اليمن عام 1979م التي اهتمت بتصفية (عشرات الألوف) من قيادات وعناصر التيار التحديثي الوطني المعتدل في البلدين ومن قبلها عمليات المحاكمات الصورية والملاحقات والتنقلات للعشرات من القيادات السياسية والعسكرية....الخ التي عمل الرئيس الصالح على إيقافها قدر ما استطاع إلى ذلك سبيلا، كان من المفروض أن يتم إزاحة الرئيس علي الصالح والتيار التحديثي بكل مكوناته الذي يحيط به فكرا ومشروعا وأفرادا، وفرض المرشح الأبرز للتيار التقليدي على محسن الأحمر، إلا التوازنات الجديدة التي برزت بقوة على أرض الواقع بعيدا عن المعادلة الداخلية التي كانت تميل لصالح التيار التقليدي بنسبة (1:3) حالت دون ذلك.
- جراء سلسلة الترتيبات السريعة والمدروسة بدقة متناهية التي اتخذها عناصر التيار التحديثي التحرري بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع التيار التحديثي التحرري الإقليمي الذي يمثله العراق، بصورة دفعت القوى الدولية والإقليمية المعنية التي لم يكن همها سوى مراعاة مصالحها الحيوية التي تفرض عليها الحرص على استقرار البلاد خوفا من الأسوأ القادم، ومن ثم الأطراف المحلية التي يمثلها التيار التقليدي وشركائه الجدد إلى التكيف مع هذا الواقع على مضض منتظرين الفرصة السانحة للوثوب على كرسي السلطة بدون منازع ( وهذا ما تكشفه عدد محاولات الاغتيال والانقلاب (22) التي تعرض لها الرئيس الصالح في سنواته الأولى).
- على خلفية أن الرئيس الصالح كان يتمتع بالعديد من القدرات الذاتية والمزايا الموضوعية التي يفتقدها إلى حد كبير المرشح (على محسن الأحمر) على كافة المستويات منها (القدرات الذاتية، المزايا السياسية والحزبية من واقع انضواء التيارات والحركات الوطنية والقومية ضمن التيار التحديثي الذي يمثله ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي - بوجه خاص- في ضوء ما يمثله العراق من قوة صاعدة لها شانها على الصعيد الإقليمي والدولي والذي مثل بدوره الوعاء الحاضن للتيار التحديثي وللرئيس على الصالح، وهذا هو ما دفع على محسن الأحمر إلى أحضان تيار الأخوان المسلمين المناهض شكلا ومضمونا للتيار القومي، المزايا الإدارية والاجتماعية والشعبية بحكم أنه كان امتدادا لفترة الرئيس ألحمدي وحظي بثقته وثقة رجاله ورجال ثورة سبتمبر الذين التفوا حوله (وهذا ما كان يفتقده (على الأحمر) الذي لم يكن نجمه ساطعا إلا في نطاق محدود في شمال الشمال بحكم ان القوى والعناصر ومن التوجهات التقليدية قد تعرضت إلى ضربات موجعة متتالية من قبل نظام الرئيس ألحمدي ولم تكن قد استعادت توازنها على أرض الواقع، المزايا المالية كان مكتفيا بحكم أنه حظي بدعم ضخم من لدنا العراق ضمن التزامات العراق إزاء دول المواجهة مع العدو الإسرائيلي التي أقرها مؤتمر بغداد عام 1979م (قدرته بعض المصادر بأكثر من 300 مليون $) (وهذا ما أفتقده المرشح علي الأحمر إلى حد كبير، والمزايا العسكرية جراء أن قيادات وعناصر نظام الرئيس ألحمدي والتيارات الوطنية القومية كانت تغطي الجزء الأكبر والمهم من وحدات الجيش)،....الخ، وهذا ما سوف نتطرق إليه لاحقا في مقالات أخرى.
- فاللحظات الفارقة التي كانت حياة الرئيس علي الصالح ومن ورائه عناصر حركة التغيير الوطني لأول مرة على المحك بين أيادي وأنياب قادة التيار التقليدي في أعقاب العملية الانقلابية الفاشلة التي تبنتها الحركة الناصرية في العام 1978م (حيث تشير المصادر أن علي محسن الأحمر هو من ينسب إليه الفضل الأول في الإبقاء على الرئيس علي الصالح حيا ضمن التكتيك الجديد الذي فرضته المرحلة كما أشرنا إليه آنفا)، وصولا إلى تلك اللحظات التي استعد فيها التيار التقليدي لفرض نفسه على مسار الأحداث الرئيسة من خلال فرض مرشحه (علي محسن الأحمر) والتخلص من الرئيس علي الصالح في العام 1979م، هي اللحظة بعينها التي يجب أن نعيد التركيز عليها كثيرا في موضوع مقالنا هذا الذي أستحق أن يأخذ هذا العنوان بالتحديد.
- ففي الوقت الذي كان فيه المرشح (علي محسن الأحمر) ومن ورائه القوى الانقلابية يعد الأيام والساعات والثواني التي تفصله عن لحظات الجلوس على كرسي السلطة كما كان مخطط له، كانت المعطيات الظرفية في البيئتين الداخلية والخارجية قد تغيرت بالفعل لصالح بقاء المقدم علي الصالح رئيسا للبلاد، سيما بعدما دخل العراق في إرهاصات الساحة اليمنية كقوة لها وزنها الإقليمي والدولي (حتى لو كان ذلك مجرد واجه للنظام في الظاهر في ضوء ميل كفة المعادلة الداخلية لصالح دوائر النظام الثلاثة الأخرى (علي محسن الأحمر، عبدالله بن حسين الأحمر، عبد المجيد الزنداني) التي تهيمن على معظم مقاليد السلطة في البلاد كما ذكرناه آنفا، حيث انه لم يكن يحكم أو يسيطر بل يدير.
- وضمن هذا السياق فقد كانت هذه هي اللحظة الوحيدة بعينها التي استعادت نفسها في تطور مخيف ومفاجي في حادثة دار الرئاسة في العام 2011م المشهورة بكل ما تعنيه هذه العبارة من دلالات ومعاني لها شأنها، والتي تكشف عن ماهية الجهات التي تقف ورائها شكلا ومضمونا، سيما ان اللواء علي محسن الأحمر قد قضى حياته كلها منذ نهاية عقد السبعينيات في محاولة ملء تلك الفراغات الشاسعة في شخصيته وحياته وطموحاته السياسية غير المشروعة (بالمقارنة بالرئيس علي الصالح التي كان يحوز عليها بجدارة وفي فترة استثنائية)، التي حالت دون توليه لمقاليد السلطة قبل 33 عاما وراضيا صاغرا على مضض بأن يكون الشخص الثاني في تسلسل المسئولية بعد الرئيس.
- على الرغم من أنه بمرور الوقت كان استحوذ على معظم مصادر القرار داخل الدولة بشقها المدني والعسكري، وأصبح له تيار ينتمي له (الأخوان المسلمين) ثم حزبا (حزب الإصلاح اليمني)؛ ضمنت له وجود أنصار وتابعين على امتداد البلاد، ثم أصبح له نفوذ اجتماعي شبه واسع من واقع إشرافه على ملف القبائل قبل وبعد الوحدة، ونفوذ مالي هائل من واقع ما يهيمن عليه تياره ابتداء من مصادر القوة والثروة في البلاد ومرورا بما أصبح يحوز عليه من صلاحيات واسعة النطاق تفوق صلاحيات الرئيس نفسه إلى حد كبير ....الخ، وانتهاء بما يجود عليه عناصر التيار التقليدي الإقليمي من أموال وامتيازات هائلة ليس لها حدود......الخ.
- على خلفية أنه كان ينتظر اللحظة التي يخلف فيها الرئيس الصالح على أحر من الجمر بعد ان أصبح جاهزا لذلك في العقد الأول إلى حد ما وبلغ حد الذروة في العقدين الآخرين، فحادثة دار الرئاسة المشهورة عام 2011م بكل ما تحمله من دلالات ومعاني بهذا الشأن، بالرغم من أنها حلقة من حلقات السيناريو التآمري الذي بدأت إرهاصاته منذ العام 1977م، إلا أنها في نفس الوقت لم تكن سوى عودة سريعة وفجائية في غمضة عين إلى تلك اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ اليمن دولة وشعبا التي كانت حياة الرئيس ورموز النظام الوطني من رجال الرئيس ألحمدي وعناصر التيار التحديثي التحرري (حركة التغيير الوطني) تحت مقاصل الموت المحتم وبين أيادي جلاديهم وأعدائهم من قيادات وعناصر التيار التقليدي وشركائهم في العام 1978م المتعطش للدماء الزكية وإزهاق الأرواح البريئة والمستعد قلبا وقالبا لأن يضحي بالبلاد كلها من أجل مصالحه ومصالح بعض عناصره النتنة وغير المشروعة في السلطة، وحالت الأقدار دون النيل منهم فاستعادت تلك اللحظة بأدق تفاصيلها المادية والمعنوية قبل 33 عاما بان أنفذت حكمها عليهم في بيت الله تعالى.