صنعاء نيوز- Marc Lynch - Foreign Policy - إن الفجوة العميقة بين نطاق المصالح الأميركية والموارد اللازمة لإحداث فرق حقيقي هي أكبر اتساعاً في اليمن مما هي عليه في أفغانستان، كما أن حصول تدخل عسكري أميركي جديد في العالم العربي سيقضي على استراتيجية أوباما الواسعة التي ترتكز على التواصل مع الجميع.
أدت ادعاءات صاحب السروال المفخخ (وهي برأيي ادعاءات محتملة) بارتباطه بتنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية إلى انتشار دعوات بضرورة «التصرف» حيال اليمن، إذ يقول الرئيس أوباما إن الشراكة مع الحكومة اليمنية هي من أولوياته، وفي المقابل، يدعو رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون إلى عقد قمة عالمية بشأن اليمن، ويحذّر جو ليبرمان من أن اليمن سيشهد الحرب التالية. في الواقع، أصبحت هذه المخاطر حالة مألوفة من المبالغة الهائلة في ردود الفعل التي تصبّ في مصلحة الجماعة الإرهابية. اليوم، تجازف إدارة أوباما، التي كانت تعمل على الملف اليمني طوال السنة، بالوقوع في الشرك التقليدي الذي طبع حقبة بوش من الأخطاء النظرية والعملية، كونها تتخبط في محاولة لتقديم رد محدد، ولفهم وضع اليمن بالشكل الصحيح، لابد من فهم طبيعة الخلفية السياسية المعقدة في اليمن والخليج، لا الاكتفاء بالسعي إلى تنفيذ نوع من التدخل العسكري أو تدفق المساعدات الأجنبية لمجرد «التصرف» حيال الوضع القائم، ولا التقليل من هذه التدخلات لمصلحة تنظيم «القاعدة» أي الوقوع في مشكلة الحسابات الاستراتيجية.
من الواضح أنّ الإقدام على تدخل عسكري أميركي مباشر في اليمن هو فكرة سخيفة إلى حدٍّ لا يجب ذكرها، فحتى المحافظون الأكثر تأييداً للتدخل العسكري اعتبروا في افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» أنه «لا حاجة إلى دخول أي قوات أميركية على الأرض حتى الآن». في الواقع، لا حاجة لذلك أبداً، فالولايات المتحدة تواجه أصلاً مشكلة في تزويد بعثتها في أفغانستان بالموارد والمعدات اللازمة، وقد اعتُبرت هذه الخطوة- سواء كان ذلك صحيحاً أم خاطئاً- جوهرية بالنسبة إلى الأمن الأميركي والمصالح الأميركية، وببساطة، لا تملك الولايات المتحدة الموارد الكافية لإطلاق مهمة عسكرية جديدة في اليمن.
إذا كنتم تعتبرون أفغانستان دوامة لا تنتهي، فلا شك أنكم ستحبون اليمن، فالفجوة العميقة بين نطاق المصالح الأميركية والموارد اللازمة لإحداث فرق حقيقي هي أكبر اتساعاً في اليمن مما هي عليه في أفغانستان، كما أن حصول تدخل عسكري أميركي جديد في العالم العربي- في عهد أوباما نفسه- سيقضي على استراتيجية أوباما الواسعة التي ترتكز على التواصل مع الجميع. (من الناحية الإيجابية، أقلّه سيكون الالتزام بإرسال عدد قليل من القوات الأميركية إلى اليمن بمنزلة ضربة عسكرية ضد إيران مع أنه أمر مستبعد).
لكن سبق وحُدّد الإطار الفكري للقيام بالتزام مماثل في اليمن، ووفقاً للمبدأ العام المتعلق بطريقة التفكير الأميركية العالمية الجديدة على مستوى الحسابات الاستراتيجية، توفر المساحات الخارجة عن السيطرة والدول الفاشلة ملجأً آمناً للإرهابيين، ولابد من السيطرة عليها عبر إقامة حكومة شرعية تترافق مع تدخل عسكري يدعمه الشعب ويكافح حركة التمرد، فإذا ما طُبق الأمر بالإكراه في اليمن، فإن ذلك سيعني تشجيع الحكومة اليمنية على فرض سلطتها بالقوة في المساحات الخارجة عن السيطرة في ذلك البلد الشاسع، وسيكون الأمر كارثياً بالفعل، إذ ستستفزّ هذه الخطوة عدداً أكبر من المتمردين الحوثيين وستزعزع الوضع الكارثي أصلاً بشكل جذري، أما إذا طُبقت هذه الخطوة بحذر، فستؤدي إلى الالتزام بقيام حكومة شاملة أوصى بها أندرو اكزوم وريتشارد فونتين في تقريرهما الأخير الصادر عن مركز الأمن الأميركي الجديد.
لكن من الضروري أن نفكر بتأنٍ في طبيعة المصالح الأميركية هناك، ونوعية الموارد الضرورية للتأثير فعلياً على البنى الدينامية التي تهمّ الولايات المتحدة، والطريقة التي تجعل الخطوات المعتمدة في اليمن تتناسب مع الاهتمامات الاستراتيجية على نطاق أوسع، فلطالما ظننتُ أن مفهوم الحسابات الاستراتيجية العالمية هو وصفة للتوسع والانهيار، إذ تشهد الحدود انحساراً مستمراً وتتبدد الموارد الأميركية في محاولة فاشلة لفرض النظام في الأجزاء التي تفتقر إلى النظام في العالم. حتى لو اعتبرنا أن إخفاقات دولة اليمن تولّد ظروفاً تمهّد لحدوث أمور خطيرة، فلا يعني ذلك بالضرورة وجوب القيام بخطوات جبارة، فالعالم يعج بظروف أقل من المستوى المطلوب لكن إمكاناتنا لا تسمح لنا بمعالجتها، ولا يجب اتخاذ قرارات لتصعيد الوضع أو إطلاق التزامات في اليمن بطريقة مسيّسة ومتسرعة، وبغض النظر عن الخطوات التي ستُعتمد، فإن من الأفضل أخذ المشاكل السياسية الجوهرية في الخليج واليمن على محمل الجد، علماً أن «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية تشكل مجرد جزء بسيط من بيئة على درجة عالية من التعقيد.
تجسد العجلة في إقامة شراكة مع الحكومة اليمنية لـ»مواجهة التطرف»، كما قال غوردون براون، الحاجة إلى مقاربة الأبعاد السياسية بحذر، وتشكّل حكومة علي عبدالله صالح إلى حد كبير المشكلة لا الحل، فمنذ أن تراجع صالح عن وعده بعدم الترشح لولاية ثانية وعمد إلى تزوير النتائج لتحقيق الفوز في الانتخابات على حساب فيصل بن شملان (الذي مات هذا الأسبوع)، بدأ النظام السياسي اليمني يتراجع نحو الأسوأ. فقد ارتفعت مستويات الفساد التي لطالما طبعت البلاد، كما تزايدت انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي، بما في ذلك موجة واسعة من الاعتداءات على حرية الإعلام. لقد كان للأجهزة الأمنية النافذة تأثير كبير على نشوء حركة تمرد الحوثيين واستمرارها. في هذا السياق، يذكر جوست هيلترمان: «وصفت قيادة الحوثيين موقفها بموقف دفاعي بحت ضد أعمال القمع التي تمارسها الدولة واعتداءات الجيش اليمني». باختصار، قد تبدو الشراكة مع الحكومة اليمنية بهدف إضفاء بُعد صادق وشرعي على الحكومة خطوة جيدة، لكن احتمال نجاحها ضئيل. إذا كنتم تحبون التعامل مع حميد كرزاي، فلا شك في أنكم ستحبون علي عبدالله صالح.
من الواضح أن حكومة صالح منشغلة اليوم بحركة تمرد الحوثيين القائمة منذ عام 2004 أكثر من انشغالها بتنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، حتى لو كنا نحن أكثر اهتماماً بـ»القاعدة». تشعر الحكومة اليمنية بالقلق أيضاً من حركة العصيان في الجنوب، وكل ما يهمها هو إبقاء صالح في الحكم بأي ثمن، وتشكّل محاربة «التطرف» صيغة مبهمة لا تأخذ بالاعتبار التعقيدات التي تشوب حركات التمرد المتعددة ولا التحديات السياسية القائمة، ولا شك أن الحكومة اليمنية ستكون سعيدة جداً بالحصول على أموال ودعم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتوجيه ضربة إلى أعدائها، لكن لا تتوقعوا منها تنفيذ أيٍّ من الأمور التي نريد أن تفعلها.
اعتبر أشخاص أذكياء- وهم على حق- أن الحلول العسكرية لن تجدي نفعاً، وأن أفضل رد سيكون في زيادة المساعدات التنموية التي تشكل خطوة جيدة، وأنا أؤيد بشكل عام هذا النوع من المساعدات والالتزامات مع الحكومة ككل، لكن يعتبر اليمن من أكثر الأماكن المتخلفة في العالم، إذ تتسع مساحة البلاد، وتُعرف الأراضي فيها بالوعورة، ويصعب اختراق الدولة فيها، كما أنها على درجة عالية من الفساد. ستتحول المساعدات التنموية التي ستُرسَل إلى الحكومة اليمنية على الأرجح إلى مشروع شبيه بالمشاريع القائمة راهناً والتي تحصل على تمويل جيد، أو أنها ستذهب هدراً كالماء في المحيط.
ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذن؟ يجب أن تطبّق ببساطة ما تقوم به إدارة أوباما التي كانت تفكر جدياً بوضع اليمن طوال السنة وكانت تعمل هناك وراء الكواليس بطرق عدة، بعضها كان بناءً وبعضها الآخر لم يكن كذلك. لن تكون هذه المقاربة مرضية أبداً بقدر الدعوة الصريحة إلى قيام معركة، لكن يجب ألا تبالغ الإدارة في ردود فعلها وألا تقلل منها أيضاً. يجب أن تتحلى بالصبر وأن تبني قاعدة استخبارات قوية، وأن تضرب أهداف «القاعدة» الواضحة حين تتوافر الفرصة، شرط عدم تعريض حياة المدنيين للخطر قدر الإمكان وكسب أقصى درجات المكاسب، والبحث عن شركاء محليين... أي القيام بالأمور الاعتيادية، لكن يجب ألا تقع الإدارة الأميركية في فخ التفكير بضرورة «الإقدام على شيء ما»، مثلما كان يفعل اليمين الأميركي عندما يصاب بتشويش سياسي، ليصل بها الأمر في نهاية المطاف إلى الالتزام بأمور تفوق طاقتها... أو اتخاذ خطوات تنتهي بزيادة الوضع سوءاً.
* صنعاء نيوز- الجريدة |