محمد السيـد -
إنه عزيز قوم ذل ..
- كلنا يمر بمواقف ويختلط بفئات المجتمع وطبقاته المختلفة وألوانه وتشكيلاته ، ونجد في خانة التفاعلات من هم كانوا في "القمة السامقة" يملكون المال والبيوت والعمارات ثم هبطوا إلى "الهوة الساحقة" فخسروا كل شىء في غمضة عين ، فتخلى عنهم الصاحب والصديق والمتملق والوصولي وأصحاب المصالح والأقارب وكل من كان له مصلحة ومنفعة لدى هذا الشخص ، وهنا يبقى دورك أنت لتخرج هذا العزيز من كبوته وتكرمه وتقف معه حتى إن لم يقف معك ، وترحمه وتجبر كسره وتساعده إن استطعت ذلك وهو أفضل السلوكيات وأقومها في ظل عدم انتظارك لأي مقابل ، ستجد فجأة تعويضاً من الله يأتي إليك بأضعاف ما قدمته لهذا "المنكسر" صاحب المال الذي ضاع .
مذيعة الـ BBC وبائع البرتقال المتجول..
- أثناء حواري مع "الإذاعة البريطانية BBC" وهو بالمناسبة أول لقاء إذاعي لحملة مكافحة الإباحية عبر موقع "حماسنا" ، سمعت صوت بائع البرتقال الذي كانت والدتي رحمها الله تشتري منه ، وقد وقف الرجل تحت المنزل ينادي بأعلى صوته ( بلدي يا برتقاااان .. سكري يا برتقاااان) وذلك على أمل أن يخرج له أحد ليشتري وقد زاد إصراره مما جعل المذيعة تقول لي ( ألا يمكن أن يمشي هذا الرجل ) قلت لها (لن أفعل ذلك) يمكنكم أنتم حذف كلمة برتقال من الحوار .. وكانت قناعتي أن الرجل "يبيع ليشتري غداءه" وبالتالي صعب أطلب منه الرحيل لأجل حوار قد يسمعه بعض الصفوة والموظفين ، شعرت أنها لن تكمل الحوار وقلت في نفسي (مش مهم) فبائع البرتقال أقرب لي من المذيعة وأكثر إفادة ولا يجوز زجره لإرضاء الـBBC .. ولكن بالفعل بعد عدة دقائق رحل صديقنا لأكمل حواري حول "أغنية العنب" في هذا الموسم.
صديقي التركي حفيد العثمانيين..
- قال لي صديقي التركي ومرافقه (سنكرمك حينما تأتي إلى تركيا)!
قلت له "لا ننتظر مقابل أخي .. ولا نفكر في زيارتكم" ، فقال لي إذن لماذا تكلف نفسك دون سابق مصلحة بيننـا وهذا أول لقاء ومقابلة ، فقلت له "أتفتخر بجذورك العثمانية" ؟! .. قال أكيد لا شك ولا جدال في ذلك ، قلت له وأنا كنت أبحث عن شخص عثماني لأجلس معه على طاولة الغداء ليس أكثر ، وأشكرك لأنك قدمت لي هذه الخدمة ؟! .. قال (لكن سنفعل لك المثل لو قدمت لزيارتنا) قلت له (لا أظن ذلك) وهيا بنا لنذهب للزيارة التي جئتم من أجلها ، فقال لي إلى أين ؟! قلت : لزيارة قبر الإمام "حسن البنا" !
وبعد الزيارة.. قلت لأصدقائي الأتراك (إن الحب في الله نعمة .. ونحن نفخر بهذا الحب الذي هو بلا مقابل أو منفعة أو مكسب .. ونسعد دائماً بأحفاد العثمانيين وفي أي وقت وهذا واجب علينا) .
لا للمحسوبية ..
- إذا كنت مميزاً وترى في نفسك القدرة والموهبة وقد حصلت على وضعك في محيطك وزاد بريقك مما أهلك للقيام بدور "المدير أو الزعيم" ، وقد أمسكت بزمام الأمور وقد ترسم في صفحات المجد سطور ، وجاء موعد الاختبار الإنساني والإمتحان الرباني (لترتق وتنتق وتختار ولا تحتار) وظهر أمامك عنصرين لا يتوافق أحدهما مع طباعك برغم بعده في صراعك ثم اكتشفت أنه هو (المختار صاحب الأفكار) وكان الآخر صديقك الصدوق صاحب الحقوق وفي نفسك يروق ..واشتد الإمتحان وجاء البيان بأن الأول قوي عتيد والثاني ضعيف بعيد وليس أمامك سوى القرار في دقائق النهار .. ( فمن تختار) ؟!
- عليك أن تختار "الأول" .. وتضع الثاني في قائمة الانتظار وتشغله بأعمال كثيفة تكسبه خبرات القرار ، حتى إذا جاء النهار وانشغل الأول بأمور الصغار فإن الثاني هو "ابن الديار" .
-----------------------------------------------
سلوكيات منسية
الحلقة الأولى
حفظ أسرار الخصوم
- إذا آمنك أحدهم على سره أو كشف لك القدر عن أمر خفي يخصه ، أو كان بينك وبينه أمر لا يجب أن تقصه ، ثم فجأة غدر بك وخانك وهزمك ثم كسر بخاطرك وفتنك وضيق عليك وشغلك ، ولم يكن أمامك سوى سوط ( السر) لتنتقم منه وتنتصر لنفسك وتحقق هدفك فإنك هنا ستضرب نفسك وستفتح كنز وهمي "ملىء بالقاذورات" لترضي ذاتك وتفتح أبواب الضعف والوهن وقلة الحيلة وتعطيه قدرة مضاعفة على هزيمتك والتنكيل بك بفقدك المساندة الربانية وذلك حينما اعتمدت على ذاتك للإنتقام ، إن الاحتفاظ بأسرار الغير حتى ولو تحولوا إلى خصوم وأعداء لهو من كريم الأخلاق وطيب السلوك وقديماً قالوا "الكريم إذا قدر غفر وإذا عني بمساءة ستر ، واللئيم إذا ظفر عقر وإذا آمن غدر.
كن عفوياً وصريحاً .. رغم خداع الآخرين
- لقد جربت أن أكون عفوياً مع من يخدعني وأكتشفت في نهاية الأمر أننى بعفويتي " أتخطى خداع الآخر " فلا يتمكن من هزيمتي مهما كانت أدواته نظراً لتوقعاته بأن رد فعلي سيكون مساوياً لفعله ، وقد عرفت أن الصراحة هي أقصر الطرق للتعبير ، ولذلك أفضل دوماً التعامل بعفوية مع "غير الصرحاء" أو المتلونين ، وربما تكون العفوية هي الطريق غير المتوقع لهؤلاء الذئاب والعقارب فلا يتصورون أن الطرف الآخر الذي يحاولون الولوج إلى تطويعه وإضعافه بأسلوب متعرج هو في الحقيقة طرف واضح وصريح يتعامل في حدود ما يراه ويضع التوقعات نصب عينيه ويتعامل في الوقت المناسب.
لست جاهلاً لأسمعكم !!
- "هذا الشخص عنده مشاكل" ، "بلاش تتعامل معاه" ، "خلي بالك منه" ، "لا تصدقه" ، "لا تتفق معه على شىء" ، "اختصر معاه" ، كل هذه الكلمات الإستباقية قيلت لي يوماً عن أشخاص وشباب كنت ولازلت أتواصل معهم وأتصل بهم واطمئن عليهم ، فدائماً يحاول بعض "المتفيهقين" و "المحللين والمقيميين" تصوير بعض الأفراد بطريقة شخصية ، ثم يمنحوك نصائحهم المسمومة تجاه بعض الأشخاص ممن لا يروق لهم التواصل معهم ، كثيراً ما أعاند مثل هذه التقييمات لأعرف ما ورائها وما خلفيتها .. واكتشف أن 80% من هذه التقييمات غير صحيح ، وللأسف فهذه التقييمات تتحول إلى شائعات تسىء لسمعة الأشخاص وصورتهم العامة أمام الناس وكثيراً من أهل السوء يصعدون إلى المناصب والمراكز على أساس هذه التقييمات التي يصدقها غيرهم من قادة المجتمع والرموز .. إنني أرى أن هناك ضرورة لمخالطة الجميع والنظر في عيونهم وتحليل كلامهم والتعامل معهم حتى يمكننا أن نضع نحن ما نراه مع الإهتمام بما قيل في حقهم ولكن دون أن نضعه كخلفية ورؤية تدعم أي صفة أو تصرف استثنائي من قبل هؤلاء الذين أشيع عنهم السوء والكلمة غير الطيبة.
عدم تقليد الآخرين
- أصف الشخص "المقلد" لأفكار الآخرين بالأصلع الذي يضع شعراً مستعاراً ليخفي رأسه العارية كي لا يظهر كما نقول بالمصري (زلبطة) ، والمقلدون لهم تصنيفات عدة ، فمنهم من يسرق الأفكار لمجرد التقليد ، ومنهم من يقتبس ثم يبتكر في الفكرة نفسها وهذا يصعد على أكتاف الآخرين وهو فعل مذموم وتصرف لن يستمر نجاحه لأنه لا يمتلك مفتاح الفكرة أو قفلها ، والمقلد عادة ليس له شخصية واضحة المعالم ويسعى دائماً لربط نفسه بالآخرين دون استقلالية .
الاقتصاد في المدح وتحمل الذم
- إذا رأى الإنسان ما يسره من فعل أو قول فإنه يمدح ويشكر "فمن لم يشكر الناس لا يشكر الله" ، لكن تكمن المبالغة في فضول المدح الزائد والشكر الفائض فهو يقلل من قيمة الإنسان ويضعف هيبته وصورته أمام الآخرين ، وعلى الجانب الآخر فإن أهم ثمار المروءة ودلائل الوفاء تحمل الأذى والصبر على قسوة الآخرين وكظم الغيظ أمام التصرفات السلبية وهذه السلوكيات في المواقف الصعبة لتدلل على معادن الناس وتميز بين الأحمق والعاقل .
كن على طبيعتك !!
- لا يروق لي أحياناً سماع شخص يخيل للآخرين قدراته ومواهبه وعظمته ومكانته ، وأكثر ما يؤرقني أن يصدق الناس من يقوم "التكلف والتمثيل" دون أن يملك الموهبة الحقيقية ، ويتصدر الأدوار التي لا يجيد فيها الأداء ، ولكن في نفس الوقت لا أسعى لإحراج هؤلاء ولا التقليل من شأنهم أمام الناس ، وكل ما أستطيع أن أفعله أن أكون على طبيعتي أمام هؤلاء لعلهم ينتبهون ويعرفون بأن "التلقائية" هي أقصر الطرق للتعامل والمخالطة وأن أجتهد في توضيح أهمية البساطة في العمل حتى أوضح لهم بأن الإبهار يكون أحياناً وبالاً على صاحبه. |