صنعاء نيوز -
التقاط الأنفاس أصعب عملية بيولوجية يمكن أن تتم في اليمن . ولا تكاد تلتقط نفساً -إذا تمكنت منه-إلا ويطرأ حدثٌ يسحب عليك بساط هزيع تلك الاستراحة المسروقة . بالأمس مثلاً يُقتل أربعة أشخاص ويُجرح أكثر من سبعة عشر آخرين في محافظة ذمار في قتال أجوف على قطعة حجر صخرية (تسمى مردم وتستخدم في أعمال البناء) . قبلها وبفارق ساعات وفي منطقة أخرى امرأة يقتلها قبليون لأنها حجزت قاتلاً وأصرت على تسليمه للجهات الرسمية وتم تحرير القاتل . !
< أما المسار السياسي فلا يلبث أن تخبو أعاصيره حتى تندلع من جديد , و في أحايين كثيرة لا تلحق الاستفهام عن كُنهها بسبب كهنوتها الذي يسابق الزمن في فرض ما يريد ليتلقفه الناس مطبوخاً محملاً بالبهارات اللازمة , و يصبح السؤال أو محاولة الاستفسار ضربٌ من الجنون يودي بالسائل والمستفسر عندما يقرر مخالفة تقنية السلق التي تنافس شركات آبل وسامسونج في كل جيل من أجيال تقنية الاتصالات التي تطلقها هاتان الشركتان .
< وعندما تقع الأحداث تجد لهاثاً يتنافس فيه الجهل والتجهيل .. جهل كالجهل الذي يصنعه وجود السلاح بين أيدي الناس والقتل الذي ينتجه بهمجيته , و تجهيل كالتجهيل الذي يكسو معظم الخطابات السياسية والمذهبية والطائفية والتي تلتقط أخطاء هذا الطرف أو ذاك لتصنع منه بالونة كبيرة رغم خفتها لها قوة تفجير غير اعتيادي بالتأجيج والتهييج الذي يصير قصة طويلة تستدعي السنين الماضية بقرونها وعقودها وبقرون الشيطان الكامن بداخل النفوس والعقول .
< ما لا نريد أن نستوعبه هو أننا في حاجة ماسة إلى لحظة عميقة نتناول فيها فنجان من العقل والتدبر حتى نصل إلى الحقيقة المغيبة عن أذهاننا حول أنه لا جديد تحت الشمس . تحت هذه الشمس وفي جنح الليالي لا يوجد جديد , التصارع السياسي والتباغض المذهبي والطائفي والشحن والتعبئة وأعمال فرض الغشاوات على العيون والممارسات السلبية المتسربة تحت الوعي والتي تصيبه وتخلخله ثم تسقطه ..كلها لم تبنِ الحقوق ولا الازدهار . كل ما أنتجته في حالات الهيمنة والتزوير الذي كان يتم تارةً باسم الله وتارةً باسم الشعب وتارةً باسم القومية وباسم حقوق الضعفاء .. أحقاد تخبو وتعاود الاشتعال البطيء بفعل التغيرات الجيوزمنية.
< ما لا نريد استيعابه أن ثقافتنا متسرطنة بأنواع من الخلايا المميتة منها ما هو قديم متوارث اجتماعي نفوذي ديني مذهبي ومنها ما هو جديد لا يختلف عن القديم إلاَّ في الشكل وفي استخدام أزياء الحاضر , فالسيد منظار الأحقية والمظلومية لا يزال بعيداً كل البعد عن المعايرة المبنية على أسنان المشط الواحد ولكل طرف ولكل جهة ولكل حزب مشطه الخاص الذي يعاير عليه ويبني عليه .
< ولا يختلف تضارب القوى السياسية والتقليدية التي تبتغي السياسة لكنها تتدثر برداء آخر عن الازدواج الذي يعيشه كثير من المنادين بالدولة والنظام والقانون في حين أنهم يستنكفون عن البدء بأنفسهم وبالنوء بأفعالهم عن التضارب مع أقوالهم.
< فنجان العقل الذي نحتاجه له (تحويجة) واحدة قوامها الاعتراف والصراحة .. الاعتراف بحقائق تصرفاتنا والاعتراف بأن العيش المنفرد ليس متاحاً كالعزف المنفرد وبالتالي فإعلاء قيم الحق الحصري والأفضلية المحدودة على الجزء وعلى الاتجاه المذهبي الديني أو المذهبي السياسي أو المذهبي الجهوي ليس له إلا بوابة واحدة .. بوابة الجحيم الخالد واستمرار شقاء أحلام البسطاء. |