صنعاء نيوز/ عبدالله عمر باوزير* -
كنت قد انتهت في مقالي "الأزمة وطنية.. لا سياسية "المنشور الأسبوع الماضي ..والذي اختتمته الي اننا في ازمة وطنية مركبه وحلها في مغادرة كل طروحاتنا ومزايداتنا وايضاً اطماعنا الي دولة مركبة-اتحادية، وقلت: ما علي سياسيينا الرافضين لفكرة الفدرالية من عدة اقاليم وأولئك المطالبين بالتشطير الانفصالي والفدرالية الشطرية إلا ان يدركوا ان الأزمة لم تعد شطرية وإنما وطنية!!
كنت وانا اكتب ذلك المقال قد توقعت ردود افعال .. انفعاليه واخري اجابيه ولكنني لم اتوقع وصولها الي درجة التخوين والعمل ضد حضرموت والقضية الجنوبية ، اكان ذلك من خلال التعقيبات الانفعالية على بعض المواقع او الاتصالات الهاتفية !! الأمر الذي اكد لي صحة ما ذهبت إليه وهو اننا لم نعد نعيش ازمة سياسية بقدر كوننا في ازمة وطنية وحلها يتطلب الكثير من الشجاعة السياسية لمواجهة حقيقة الأزمة اليمنية في مؤتمر الحوار الوطني وان يغادر الجميع الذهنية السياسية المساومة علي القضايا الجهوية والفئوية او الطائفية – بل و المناطقية والعشائرية لتحقيق مكاسب سياسية من خلال التمتروس خلف ما اطلق علية قضية الجنوب وقضية الحوثيين الأمر الذي يراهن عليه البعض لإفشال مؤتمر الحوار الوطني بهدف إفشال مبادرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. مما سيوفر فرص اوسع لتدخلات اقليمية خارج المحيط الاقليمي – العربي؟! بل و ربما أدى فشل الحوار الوطني الي تفكك الإجماع الدولي علي أهمية "وحدة وامن واستقرار اليمن" وحول الموقف الدولي من التوافق علي حل الأزمة اليمنية الي اخضاعها للمساومات وتقاسم النفوذ علي مستوي المنطقة العربية من الشرق الأوسط.
لقد كشفت الأزمة الراهنة مدى هشاشة اطراف العمل السياسي المشاركة في حكومة الوفاق- السياسي .. مما ادي الي الدفع بكل الأزمات والصراعات السياسية والاجتماعية التي ادت الي تجزئة اليمن وتشطيره - الي هذه الأزمة ليتفاعل الموروث مع تداعياتها ويحولها الي أزمة وطنية وهي الأخطر و في ظل مواجهات اقليمية ودولية تتعرض لها المنطقة العربية عموما والجزيرة العربية ومنطقة الخليج علي وجه الخصوص بكل ما تمثله من اهمية للمصالح الدولية واستراتيجياتها المتناطحة عموما والولايات المتحدة في المقام الأول بحسب قول: مارك اندك .. منطقة الخليج هي الأهم في استراتيجياتنا من عهد الرئيس ترومن وحتي اليوم.
لذا وعندما اقول ان الأزمة لم تعد سياسية كما يحلوا للبعض !! لا اقول ذلك من باب المزايدة علي المطالبين بحلول لقضايا جهويه.. جنوبية او حوثية – شمالية ، وهي قضايا لا انكرها وانما اطالب بتفكيكها وتحليلها للوصول الي حقيقة اسبابها و دينمياتها المولدة لكل ازماتنا وهي هشاشة بنية الدولة اليمنية ووحدتها الاجتماعية لا نظامها السياسي-الراهن.
لقد تمت الوحدة بين دولتين تحمل كل منهما موروث من التجزئة السياسية والصراعات الاجتماعية – العشائرية و المناطقية بل والاقتصادية وجميعنا او افترض ان جميع الفرقاء السياسيون يعلمون الموروث الذي حملته الدولة اليمنية-المعاصرة عن ما كان يطلق عليه شمال الوطن من قبل وبعد ثورة 26سبتمبر1962وما اضافته حرب السنوات الخمس الجمهورية-الملكية من تشققات علي النسيج الاجتماعي والسياسي بالإضافة الي ما تلاها من صراعات سياسية وطنية وقومية وأيديولوجية لأسباب اجتماعية في المقام الأول وجميعها لا تختلف من حيث المضامين الاجتماعية عن ما حمله ما كان يعرف بجنوب الوطن الذي لم يكن موحدا قبل 30نوفمبر1967 وتشكل من 21 مشيخة وامارة وسلطنة البعض منها اخذت مظاهر الدولة الحديثة من حيث البناء المؤسسي التنفيذي والتشريعي بما في ذلك اصدار الجوازات وطوابع البريد والجمارك الي جانب المؤسسات العسكرية والأمنية مثل سلطنات حضرموت التي لم تدخل اتحاد الجنوب العربي الذي اقامته بريطانيا لمشيخات المحميات الغربية ..في الجنوب ولم تكن أي منها قد اخذت مظاهر الدولة الحديثة عدى سلطنة لحج والمستعمرة عدن التي انضمت الي الإتحاد عشية ثورة سبتمبر في عام1962
كل تلك الموروثات القاءت بنفسها علي هذه الأزمة وتسببت في الدفع بها القوي السياسية والاجتماعية المتبنية لثورة الشباب.. والمراهنة عليها للوصول الي السلطة وهو ما تحقق لها من خلال توقيعها للمبادرة الخليجية ومشاركتها في حكومة الوفاق .. الأمر الذي ادى الي استبعاد قوي سياسية – معارضة في الداخل والخارج اكثر تأثيرا خارج حكومة الوفاق في الوقت الذي شاركت فيها احزاب لا يتجاوز تأثيرها مقراتها !! هذا ان وجدت لها مقرات ، مما افقد حكومة الوفاق صفة الوفاق الوطني .. لتصبح الأزمة وطنية !! مما ساعد على المساومات السياسية وطرح الشروط المعيقة للحوار الوطني منذ الحظة الأولي لا علان انتخاب الرئيس: عبد ربه منصور هادي.. في نوفمبر الماضي .
اليوم ونحن نتوجه الي مؤتمر الحوار الوطني .. نسمع الكثير من الطروحات والعناوين المحددة للقضايا التي ستطرح في الحوار الوطني ومنها ما يتناقض بل ويتقاطع مع دعوات رئيس الجمهورية الداعية الي حوار وطني شامل تشارك فيه جميع القوي السياسية والاجتماعية لبناء الدولة اليمنية الحديثة أو المدنية كما يحلو للبعض .. ودون شروط مسبقة او سقف محدد ، تلك الدعوات المتكررة في اكثر من مناسبة وليس اخرها ما تضمنه خطابيه بمناسبتي ثورتي 26سبتمبر و14 اكتوبر والذي شدد فيهما علي ان الطريق الي اليمن الجديد هو الحوار الوطني .. والسؤال كيف سنذهب اليه ؟ وما ذا سنناقش فيه ؟!
اسئلة وتساؤلات تفرض نفسها؟!ونحن نطالع ما تعلنه اللجنة الفنية من اجراءات تكاد تحدد موضوعات وقضايا الحوار وليس فقط الاتفاق علي تمثيل الجنوب والنساء برئاسة فرق العمل التسعة – أخر ما توصلت اليه اللجنة التي يفترض ان لا تتجاوز عملها الفني، وكان القضية قضية تمثيل فئوي وجهولي لا قضية وحدة سياسية واجتماعية تتوالي تداعياتها في الواقع الوطني المتأزم ؟! الذي انتجته سياسات الترضيات والحلول الوقتية المرحلة للازمات مما ادي الي الإطاحة بالدولة لا بسبب التدخلات الخارجية فحسب بل وللأسباب التي ذكرت انفا وفي مقدمتها عدم اخذ موروثات التجزئة والتشطير بالدرجة المماثلة للنظام السياسي الديمقراطي القائم علي التعددية السياسية ومما زاد الطين بله فشل او افشال الانتقال الي نظام الحكم المحلي وهو ما عملت عليه قوي سياسية واجتماعية اصبحت اليوم جزء من السلطة وتمارس ضغوطاتها كمعارضة خارجها الي حد تحديد اوراق وقضايا الحوار الوطني بعد ان ساعدت علي شق مؤسسات الدولة وركائزها الأساسية وعملت علي توظيفها في خدمة اهدافها الايدولوجية والاجتماعية مما ساعد علي انهيار المجتمع وتمزيق وحدته ونسيجه الوطني .. كل ذلك يجب ان يكون امام الحوار الوطني وقبل ذلك وبعدة بناء الدولة اليمنية القادمة – القادرة علي الاستمرار وتحقيق الوحدة والأمن والاستقرار لليمن والمنطقة .
الدولة اليمنية في مازق حقيقي والقضية ليست قضية جنوب ولا شمال كما يبدو في المشهد السياسي اليمني ولا حوثين ولا حراك كما يصوره البعض !! القضية دولة تحمل ازماتها في بنائها وهذا البناء المتصدع لم يعد قادرا علي تحمل المزيد من الأزمات الأمر الذي يفرض علي الجميع هدمة و التأسيس عليه لبناء جديد قادر علي استيعاب موروثات التجزئة والتشطير وهذا لن يتأتى من خلال مشاريع الفدرالية من شطرين ولا من خلال ما يقترحه بعض المناطقيون من مشاريع لدولة مركبة من عدة اقاليم لم تأخذ الجوانب الجغرافية والاجتماعية والتاريخية للأقاليم بعين الاعتبار بقدر تغليبها لرغبويتها وتطلعاتها المناطقية السياسية والاجتماعية وهي تقدم لنا تلك الخرائط لمكونات الدولة القادمة من عدة اقاليم متجاهلة الموروثات التاريخية لمراحل التجزئة وعقود التشطير .. نعم الحل اعادة بناء الدولة علي اسس اتحادية واندماجية من عدة اقاليم تحددها مقوماتها الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية بعيدا عن الرغبويات الجهوية والحزبية .. ما لم يتم ذلك لن نستطيع الحفاظ علي الوحدة ولن نحقق الأمن والاستقرار المطلوب .. بل وسنفتح الباب علي مصرعيه امام التدخلات الخارجية وسيصبح امن المنطقة ..يمنيا وعندها لن يكن امامنا إلا التقسيم لا التشطير ؟
□□ و لنا عوده في الموضوع في المقال الماضي .. الفدرالية هي الحل .
*ناشط و كاتب سياسي عضو المجلس المحلي محافظة حضرموت