صنعاء نيوز/د.عـيـدروس نـصـــر الـنـقـيـب -
لم تعد القضية الجنوبية بحاجة إلى إعادة تعريف، فقد خيض في تعريفها من المداد ما يغطي بلدا بكاملها بينما يصر المصابون بلوثة الصمم السياسي (والتعبير للزميل العزيز الدكتور محمد الظاهري) على تجاهل هذه القضية أو اعتبارها حالة من الشغب يجب قمعه حتى لا يبلغ مداه الحقيقي والمشروع.
عندما انطلق الحراك السلمي الجنوبي كان أعلام السلطة يصور نشطاء الحراك على إنهم مثيري شغب أو جماعات خارجة عن القانون، ومرات كثيرة كان رشاد العليمي ومطهر المصري يأتيان إلى قاعة البرلمان ليتحدثا عن ثلاثة تحديات أمنية: القاعدة ، والحوثيين، والخارجون على القانون، (المقصود هنا الحراك الجنوبي) الذي كان مجرد لفظ اسمه يجعل المتحدث تحت طائلة الاتهام والتخوين والانفصالية، وربما جاء استخدام تعبير "الخارجون عن القانون"، تلاؤما مع نهج الحراك باعتبار الطرفين الأولين يستخدمان السلاح، بينما كان الحراك سلميا، وهذا ينسجم مع منطق السلطة فكل من لا يحمل السلاح هو خارج عن القانون في نظرها.
ثنائية الجلاد والضحية تقوم على معادلة بسيطة ينتجها منطق الحروب، العادل منها والظالم، وحرب 1994م هي حرب ظالمة بكل المقاييس حتى وإن صوروها على إنها "حرب الدفاع عن الوحدة" أو حرب "الإسلام على الكفر"، فلما كان من مخرجات كل حرب طرفين: مهزوم ومنتصر، ولما كان المهزوم في حرب 1994م هو شعب الجنوب بتاريخه ودولته وقواه الحية وثقافته وهويته ومكونات شخصيته، فقد تحول المهزوم إلى مدان تلصق به كل التهم المشيطنة من العمالة إلى الانفصالية إلى الخيانة إلى اللاوطنية، وكان الذين يتقاضون الملايين من الخارج وينهبون الأراضي في الداخل ويعقدون الصفقات المشبوهة مع الأطراف الخارجية ويتاجرون بالممنوعات ويتهربون من دفع الضرائب وينهبون الثروات ويقتلون الشرفاء ويصادرون أملاك الدولة في الجنوب لصالحهم ولصالح أصدقائهم، كان يدعون الشرف والوطنية والنزاهة والوحدوية والثورية بينما ينسبون عكس هذه الصفات للشرفاء والنزيهين والمناضلين الحقيقيين وخريجي سجون الإمامة والاستعمار، في صورة سريالية لا تنتج إلا في اليمن دون غيرها.
هكذا تحول المهزوم إلى ضحية وتحول المنتصر إلى جلاد، ويتذكر الجميع أنه وبعد انطلاق الحراك السلمي الجنوبي كان القتلة يسرحون ويمرحون في شوارع عدن والمكلا وغيرهما من مدن الجنوب محميين بسلطة الدولة وثروات المجتمع، بينما كان الضحايا يوصفون بالخونة حتى وجثامينهم تشيع إلى المثوى الأخير.
ما يزال المنتصرون هم المسيطرون والمتعالون والمتحكمون في كل شيء في اليمن وهم من ينسبون لأنفسهم كل ما للأنبياء من فضائل رغم الموبقات التي ارتكبوها وما يزالون يواصلون ارتكابها بحق اليمن شماله وجنوبه، وما يزال المهزومون هم المقصيون والمستبعدون والمتهمون بكل ما في الشيطان من عيوب رغم إقرار القاصي والداني بمشروعية وعدالة قضيتهم وأحقيتها بالمعالجة العادلة التي تعيد الحق إلى نصابه.
ما يزال المنتصر هو الجلاد وما يزال المهزوم هو الضحية رغم كل المياه التي جرت تحت جسر الحياة السياسية في اليمن، من انطلاق الحراك السلمي وما أحدثه من تغير عاصف في العقلية السياسية والمزاج الشعبي اليمني والجنوبي منه على وجه الخصوص، ورغم انطلاق الثورة الشبابية اليمنية وما أحدثته من زلزال في البنية السياسية والثقافية والأخلاقية في البلد.
في هذا السياق يأتي استحضار الفزاعة الإيرانية من خلال إلصاق الاتهام الحراك السلمي بالتبعية لإيران، وهو ما بدأ الترويج له بقوة في وسائل الأعلام الرسمية والقريبة من الرسمية والتابعة للمنتصرين في حرب 1994م ووصل الأمر برئيس الجمهورية إلى تبني هذا الترويج بنفسه لهذه الفزاعة مصرا على مواصلة الموقف المتحامل على الجنوب وشيطنة كل مطلب من أجل استعادة الحقوق السياسية والاقتصادية لشعب الجنوب كضحية لحرب 1994م من جلاديه الذين حققوا نصرهم المظفر على التاريخ وعلى مشروع الدولة المدنية التي حلم بها كل اليمنيين، وأثبتوا فشلهم الذريع في الاستجابة لمتطلبات العملية التاريخية وصيرورتها في اليمن.
الذين يروجون للفزاعة الإيرانية يتجاهلون أن القضية الجنوبية قد بلغ عمرها عقدين من الزمن وإنها ظلت حية تخفت حينا وتتقد حينا آخر لكنها لم تمت، وهم بهذا الترويج يحاولون التهييج مرة أخرى ضد الجنوب وحقوقه، تماما كما فعلوا في 94م عندما أعلنوا الحرب على إنها دفاعا عن الوحدة ومواجهة مع الكفار.
سيكون على نشطاء الحراك ومكوناته المختلفة التصدي لهذه الأكذوبة وأول ما ينبغي عمله هو التأكيد على رفض التدخل الخارجي في شأن القضية الجنوبية، وهذا بطبيعة الحال لا يعني القطيعة مع الخارج أو معاداته بل من حق الجنوبيين أن يستدعوا مؤازرة كل أنصار الحق أينما كانوا لكن هذا لا يعني التبعية للصديق الذي ينصر القضية، أما إذا كان هناك من الحمقى من يصدق أن الزج بإيران في قضية عادلة ومشروعة سيزيد من عدالة القضية أو يرجح كفتها فإن ذلك (وهو تصرف أحمق بكل المقاييس) لا يمكن أن يعبر عن كل الطيف السياسي الجنوبي أولا وثانيا لا يمكن أن يلغي عدالة القضية الجنوبلية ومشروعيتها وأحقيتها بالنصرة والمؤازرة والانتصار وحتمية بلوغها الحل العادل الذي يعيد الحق إلى مساره الطبيعي.
لا يمكن للجلاد أن يعترف بما يفعله بالضحية بل إنه قد يتقمص دور الضحية وينسب إلى ضحاياه كل موبقاته وجرائمة مصداقا لقول العرب" رمتني بدائها وانسلت" أو للمثل الشعبي اليمني "ضربني وبكى وسبقني واشتكى" لكننا حتى اليوم لا نرى علامة من علامات الضرب على جسد الجلاد بينما ما يزال جسد الضحية مثخنا بجراح وطعنات الجلادين، المتواصلة منذ العام 1994م منذ تدمبر اللواء الثالث مدرع في عمران حتى يوم مقتل الشهيدة فيروز على يد قوات الأمن المركزي في تكثيف مركز لثنائية المنتصر ـ المهزوم، الجلاد ـ الضحية.
برقيات
* يرقد الزميل علي محمد اليزيدي وزير الإدارة المحلية في أحد المستشفيات الهندية بعد وعكة صحية ألمت به، ألف سلامة يا أبا محمد نتمنى لك الصحة والسلامة والعودة إلى أهلك وبلدك.
* بعد رحلة خمسة أشهر في الستشفيات الألمانية وإجراء عدد من العمليات الجراحية الناجحة في الجهاز الهضمي غادر الأستاذ سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة السابق المستشفيات وغرف العناية المركزة، . . .ألف حمد لله على السلامة أبا صلاح وعودة حميدة إلى الوطن والأهل والأصدقاء.
* قال الشاعر العربي الكبير محمود سامي البارودي:
قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَـــــعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْــــــهَزَلِ
يأبى لى َ الغى َّ قلب لا يمـــيلُ بهِ عَنْ شِرْعَة ٍ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُّـجـُلِ
أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِـمَة ً عنْ غرة ِ النصرِ ، لا بالبيضِ في الكللِ
لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ فِي لَذَّةِ الصّـــــــَحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ |