صنعاء نيوز/محمد حسن شعب -
محطة الـ»بي بي سي« التلفزيونية، استضافت مساء الخميس 3-1-2013م في برنامج خاص، كرس للذكرى الـ75 من تأسيس راديو الـ»بي بي سي« باللغة العربية أي منذ 3-1-1938، عندما كان الغرب يمر بفترة حرجة من الحرب العالمية الثانية، وبإجماع خبراء الاعلام العربي الذين استضافتهم قناة الـ»بي بي سي« العربية، في استديوهاتها، من لندن عبدالباري عطوان ومن نيويورك الدكتور حمزة بيت المال، ومن القاهرة د.ياسر عبدالعزيز، يتضح أن الـ»بي بي سي« بشبكتها العملاقة «ايقونة» كما وصفها أحد المشاهدين العرب لم تتكرر.
وبإجماع متابعون الـ»بي بي سي«، يتضح أنها تشكلت بتمويل بريطاني مصدره دافع الضرائب البريطاني ويشرف على محاسبتها مجلس العموم البريطاني ولكن عظمتها تكمن في حياديتها ومهنيتها واستقلال قرارها الإداري بعيداً عن تأثير سياسة الحكومة البريطانية على خط الشبكة المهني في تغطية أخبارها وتحليلاتها الصحافية.. وقد ذكر الدكتور حمزة بيت المال «استاذ الاعلام بجامعة الرياضة السعودية»، أن الاستقلالية هنا تعتبر نسبية، وليست مطلقة في كل الأحوال جراء تدفقات آلاف الأخبار من كل حدب وصوب، ولكن عظمة المحطة، تكمن في وضع مسافة متساوية بينها وبين طرفي الصراع، اللذان في العادة يشكلان مصدراً معلوماتياً للـ»بي بي سي« ومادة إخبارية وتحليلية كما جرت العادة.
أما أبرز المآخذ المطروحة من الدكتور ياسر عبدالعزيز من القاهرة ومن عبدالباري عطوان من لندن، فتكمن في إنحياز محطة الـ»بي بي سي« لبريطانيا أثناء الحرب البريطانية -الأرجتينية في عام 1981م، حول جزر الفوكلاند »جنوب المحيط الأطلسي« أيام حكومة المرأة الحديدية »مارغريت تاتشر«.. وبحسب الدكتور ياسر عبدالعزيز: »لم تحايد المحطة، - أي أنها انتصرت في تغطيتها الخبرية للمواجهات العسكرية البريطانية - الأرجنتينية، ومالت للأولى، وكنت أتمنى كعربي لو قدر لي المداخلة، أن أضيف الى ما قاله ياسر عبدالعزيز عن انحياز المحطة لبريطانيا في التغطية، كتغطيات أخرى مالت فيها المحطة لبريطانيا أثناء حرب التحرير لجنوب اليمن خلال حرب التحرير أكتوبر 1963م حتى 30 نوفمبر 1967م إذ تعاملت المحطة مع جبهة التحرير والجبهة القومية خلال مواجهتهما للاحتلال البريطاني وتواجده في عدن على أنهما جبهات تخريب، وكررت المحطة مصطلحات الاحتلال البريطاني ولم تسمي الجبهة القومية وجبهة التحرير بمسمياتهما الحقيقية«.
ومع ذلك يؤكد الاستاذ عبدالباري عطوان، وهو رجل موثوق بشهادته وصاحب مصلحة في نفس الوقت، أن كثافة التهم التي وجهت للـ»بي بي سي« في أنها لم تكن محايدة في تغطية أخبار الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وخاصة للمواجهات الفلسطينية - الإسرائيلية، دفعت مجلس العموم البريطاني الى تشكيل لجنة من ثمانية أشخاص للتحقق من تلك التهم.. بينهم أحد اللوردات البريطانيين، وكان عبدالباري عطوان أحد الأشخاص، الذين أخذ رأيهم، من خلال تقصي الحقائق، عن حقيقة إنحياز المحطة للاحتلال الاسرائيلي، مؤكداً أن تقرير اللجنة كان موضوعياً منصفاً.. وشهد للمحطة الـ»بي بي سي« أنها فعلاً استثناء من المحطات الناطقة بالعربية، التي لم تضع قائمة سوداء أمام الكتاب والصحافيين العرب وأصحاب الرأي، في أكثر الأحداث خطورة، مثل حرب أمريكا على العراق عام 1991م و2003م وأحداث 11 سبتمبر 2001م خلال ضرب أبراج مركز التجارة بنيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن، المنفذة من تنظيم القاعدة.. خاصة وأن للاستاذ عبدالباري عطوان رأي مغاير لتوجهات الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية.. وهو رأي لم تسمح بطرحه أية وسيلة اعلامية عربية سواءً مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ولكن محطة الـ»بي بي سي« سمحت له بطرح الرأي الآخر.. وهنا تكمن حقيقة وجود الرأي والرأي الآخر، وليس مجرد شعار للمزايدة، كما اعتدنا على ترديد مثل هذه الشعارات، وبمجرد اختبارها على أرض الواقع يتضح أنها شعارات للمزايدة فحسب.
والحقيقة أن الحديث يطول عن محطة الـ»بي بي سي« لاسيما قسمها العربي إذ شكلت منعطفاً تاريخياً، في حياة الاعلام العربي مهنياً وسياسياً وبقت متفردة بحياتها المهنية، وإن تكررت من خلال محطات ناطقة بالعربية أو موجهة الى منطقة الشرق الأوسط، ولكنها لم تتكرر في المنطقة العربية، لأنها تحكم في الأساس لعقليات مشيخية، في أحسن الاحوال، وعقليات طغاة، وجنرالات في أسوأها ولست بحاجة الى استعراض تفاصيل كبرهان على رأي مثل هذا.
ونذكر في هذا الصدد، بداية البث الفضائي في مطلع التسعينيات وبروز محطة »الجزيرة« الفضائية، حينها كنت أحد الذين تبادر الى ذهني، قناعة، بأن المنطقة العربية، ستودع الى الأبد الاستماع لمحطة الـ»بي بي سي«، ولإذاعتها, وكذلك ستودع الاستماع لمحطة »مونت كارلو« الدولية الفرنسية وشبكة الـ»سي ان ان«، وسواها من محطات أوروبا، لأن قناة»الجزيرة« وقنواتها المختلفة قد ملأت الفراغ، إلاّ أنني اكتشفت أن محطة »الجزيرة« وقنواتها المختلفة - ليست استثناء لبقية أجهزة ومؤسسات الاعلام العربي، بل هي امتداد لنفس العقليات القبلية العربية المتصحرة، والمهنية والحياد وحق الرأي والرأي الآخر في المنطقة العربية ليست سوى كذبة كبرى على عامة الناس.. أما خاصتهم فهم يعلمون حقيقة ما وراء الأكمة من بلاوي.
إلتباس المهام الوظيفية للإعلام العربي
لأن عقليات النخب العربية لا تفرق بين مهام أجهزة الاعلام وأجهزة الأمن العام للدولة، أو بالأصح أجهزة أمن الحاكم، لأن حكام منطقة الشرق الأوسط عامة والعرب خاصة، يعتبرون الدولة وأمنها ككل لا يتجزأ من أمن الحاكم، وانتقاد الحاكم إخلال بأمن الدولة، وبالتالي فهم يعتبرون النقد كفر صريح ومروق يحاسب ويحاكم مرتكبه ويحكم عليه بالإعدام شنقاً، وللمتتبع لأخبار الحكام العرب اليد الطولى في تصرفات الحكام العرب بحق من ينتقدهم، ومن لا يصدق عليه تتبع أخبار الشاعر القطري الذي انتقد حاكم قطر وحوكم وحكم عليه بالسجن المؤبد »هذا الحاكم هو ممول قناة الجزيرة القطرية!«.
وأعلم والكثير من زملائي الصحافيين والاعلاميين يعلمون أن قنوات السعودية وكذلك صحافتها المكتوبة، تراقب مادتها الصحافية والاعلامية مركزياً »أي من الرياض مباشرة« بحيث أن الصحف السعودية, وهي في الأساس تصدر غالباً من مدينة جدة، ترسل موادها الصحافية من جدة الى الرياض عبر الفاكس أو الاميل الى وزارة الداخلية ويؤشر على المادة بالرفض أو بالإيجاب أو الشطب على بعض فقراتها, وما عدى ذلك فيدخل في عداد المروق، والاخلال بالأمن العام، لأن أمن الحاكم جزء من أمن البلد.. وفي صنعاء يعلم زملائنا، أن أغلب مسئولي مؤسسات الاعلام الرسمية، مرئية أو مقروءة أو سواها، هم في الغالب ضباط أمن.. الى درجة أن وضع هؤلاء الوظيفي كان إشكال كبير أمام تسوية أوضاعهم خلال محاولة إزالة ما عرف بالازدواج الوظيفي من قبل وزارة الخدمة المدنية ومايزال إشكال عالق أمام أجهزة الحكومة حتى اليوم!!
النخب العربية تخلط بين المهام!!
اشكالية الحكام العرب والنخب العربية متعددة لا حصر لها مع الاعلام قد يكون القاسم المشترك بينهم الحرص المطلق في محاولة البقاء على كراسي الحكم وبأي ثمن كان ومن طرائف الحكام العرب، أتذكر في التسعينيات وأنا مثل كثيرين غيري من المواطنين العرب أستمع بشغف بل وباهتمام بالغ لمحطة الـ»بي بي سي« الإذاعية فأذكر أن المرحوم »ماجد سرحان«رحمه الله- وهو من أبرز أعلام محطة الـ»بي بي سي«الإذاعية، أجرى اتصالاً هاتفياً بجلال طالباني – أيامها كان زعيم كردي معارض لصدام حسين - واليوم رئيس الجمهورية العراقية.. وكان يقيم يومها في أربيل، التي كانت منطقة محررة من نفوذ صدام حسين بغداد - بحسب القرارات التي أستصدرتها أمريكا يومها- وناقشه بأمور متعلقة بالعراق وبصدام حسين فأثار حفيظة جلال طالباني وإذا بطالباني يصب جام غضبه على ماجد سرحان، ويصفه بالعربي المحتل!! - أي أنه لم يفرق بين مهام المؤسسة التي يعمل بها ماجد سرحان وبين شخص الاعلامي نفسه..
وتكرر نفس المشهد للشخص نفسه - أي ماجد سرحان - رحمه الله- مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، حينما أجرى اتصال هاتفي مع الشيخ الأحمر حول الحرب التي اشتعلت بصيف 1994م وعندها حاول أن يناقش الشيخ الأحمر حول علي سالم البيض والحرب التي تدور بينه وبين علي عبدالله صالح، واذا بالشيخ الأحمر يوجه الشتائم والسباب على علي سالم البيض وعلى ماجد سرحان، ويصف البيض بأنه صنيعة الاستعمار البريطاني وهيئة الاذاعة البريطانية نفسها، ويوجه السباب لماجد سرحان بقوله «صنيعتكم يا لندن».
[email protected]