صنعاءنيوز/ جميل مفرِّح -
كثيرة هي الألقاب التي نالتها وحازت عليها مدينة تعز، ولعل أكثر تلك الألقاب شيوعاً والتصاقاً بها وأقربها دون سواها من المصداقية لقب الحالمة، فهي مدينة طامحة وشغوفة بالمستقبل والتغيير والتجديد أكثر من سواها، لأسباب وعوامل عدة، ليس ابتداء بموقعها الجغرافي الهام الذي يتوسط جغرافية اليمن ويجعلها ملتقى استراتيجياً هاماً لمعظم وأهم مناطق ومدن اليمن، ولا انتهاء بكونها مورداً بشرياً ومنهلاً سكانياً لا يستهان به على الإطلاق من بين الحواضر اليمنية الحديثة.. ذلك من جانب يعنى بتسمية هذه المحافظة الولود والتي يقترب عدد سكانها من نسبة 25% من إجمالي السكان في الجمهورية اليمنية.. أما الجانب الآخر أو الرؤية الأخرى ففي مطابقة التسمية ونسبة وصف الحالمة إلى تعز، فيبدو أنَّه قُدِّر على تعز- المدينة أن تظل حالمةً على الدوام، مهما تحقق أو يتحقَّق لها، وأن يظل ذلك التحقُّق منقوصاً، وذلك باعتقادي قد يكون أمراً إيجابياً على عكس ما قد يظنه الظانون ويفسره المفسرون الذين يظل تفكيرهم موصوماً بالعقم ومحصوراً بين كعبي الرؤى الضيقة..
* * *
عموماً أعلم أنني لن أنصف مدينة ومحافظة بحجم ومكانة تعز في عجالة خاطفةٍ كهذه.. ولكن حسبي أن أشكو بلسان حالها ما قُدَّر لي وما أتاحت لي الاستطاعة.. وذلك عبر المطالبة بوضع حال هذه المدينة على طاولة حوار وطني عاجلٍ، ليس أكثر اختصاصاً به ولا أقدر على النظر فيه ومعالجته من الحكومة وقيادتنا السياسية الحكيمة.. فالوضع الذي تعيشه تعز المدينة اليوم لا يمكن أن يرتضيه حيٌّ يعقل ويدرك ما تعنيه المدنية والحياة العصرية من معانٍ تجاوزت آلاف الأميال إن لم يكن السنين الضوئية ما تحلم به تعز وما نحلم به نحن من أحلام بسيطة، من مثل الأمن والاستقرار وأقل قدر من الرعاية الخدمية الصحية والبيئية.. فواقعها اليوم في ما يتعلق بذلك لا شك ينذر بوابل من الأوبئة والكوارث الصحية والبيئية وقبل كل ذلك وأشد منه وقعاً كوارث الانفلات الأمني والاجتماعي.. فهناك من جعل من هذه المدينة ميداناً للمعتركات السياسية والمواجهات الاقتتالية وتصفية الحسابات السياسية والقبلية والحزبية التي كانت تعز الحالمة أبعد ما يكون عنها وأقرب إلى المستحيل منها!!
* * *
كنت وأحد الزملاء نتجوَّل فجر أحد الأيام قبل حوالي شهرين في شوارع الحالمة، والحسرات مطلقة العنان تتجوَّل في قلوبنا وضمائرنا، وكأننا شعبٌ بأسره يبكي لما آلت إليه المدينة من واقع، وكيف غدا حالها ومظهرها، بعد أن كان ينظر إلى هذه المدينة على أنها مفتاح الأحلام، والنافذة المطلة على مستقبل كامل الوطن!! وقبل بضعة أيامٍ يحكي لي أحد الأصدقاء الحالمين من أبناء تعز واليأس يكاد ينزع روحه من بين جنبيه أن الوضع الحالي أسوأ مما رأيناه يومها وأكثر بعثاً على الحزن والأسف والحسرة.. كنا دائماً نعتقد أن تعز هي المنجاة من معظم المظاهر المؤذية، بما في ذلك مظاهر حمل السلاح وقذارة الشوارع وطفح المجاري وتشويه الطرقات بالتقطعات والمظاهر القبلية و...، و...، ...إلخ، واليوم هاهي أحلامنا وأحلامها تتكسَّر أو بالأصحِّ تُكسَّر أمامنا، بدلاً من تكسير ما تبقَّى فيها من أوثان ومظاهر الرجعية والتخلُّف واللامدنية التي تزحف با تجاه مدننا وكأنها لازمٌ من لوازم التجديد لا عدوٌ من ألدِّ أعدائه!!
* * *
سمعنا مؤخَّراً عن اختيار مدينة تعز لتكون عاصمة للثقافة اليمنية لهذا العام 2013م، وباعتقادي هذا القرار في حد ذاته مدعاةٌ للتعجُّب والحيرةِ، ليس فيما يتعلَّق بمكانة تعز وأهميتها وقوة حضورها في المشهد اليمني ولا لسببٍ آخر، مما قد يبدر للبعض ممن باتت نظرة المناطقية والعنصرية تسيطر على كل معنى عندهم، ولكن باعتقادي أن تعز في الوقت الحاضر ليست بحاجة لحدث مثل هذا إطلاقاً، بقدر ما هي في أمس الحاجة إلى أولويات وأبجديات لا يمكن التغاضي عنها، أو مواراتها بمثل هذا القرار الذي استغرب له الكثير من المعنيين والمهمومين بالشأنين الثقافي والحضري.. وأكاد أجزم، وإن لم يعجب رأيي الكثيرين، أن تعز اليوم بحاجة إلى كل شيء من أولويات عودتها على الأقل كما كانت، أكثر من حاجتها إلى أن تكون حاضنةً لنشاط ثقافي.. إنها بحاجة ماسةٍ إلى الأمن والأمان والاستقرار وتنظيف شرايينها كما أسلفنا من كل مظاهر الفوضى التي افتعلتها الأزمة أو بالأصح افتعلها الكارهون لها إزاء الأزمة.. فأي ثقافة نرجو أن نجسدَّها في مدينة تطفح شوارعها بالمجاري والسلاح وتتراصُّ في أرجائها أكوام القمامة والقبيلة؟! وأي مظهر ثقافيٍّ حضاريٍّ نحلم أن تبدو عليه تعز في وضعها الحالي؟! و...، و...، واعذروني...