صنعاء نيوز -
{ هذه الرسالة الأُولى، وتاريخ إرسالها في 0 3 يناير 0 1 0 2م، وواقع الحال لا يزال قائماً :
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أما بعد : أنا من قُرَّاء الكتابات اليومية في صحيفة «الثورة»، بل ومن المُعجبين بمقالاتكَ ومن المُتابعين الشغوفين، أحببتُ اليوم أن أكتب لك عمَّا يجول في خاطري بعد أن قرأت لكَ قبل أيَّامٍ عن مُعاناة قريبين لكَ وكذا عن القارئ العزيز الذي كتب لكَ عن نفسه في ما يخصّ ما وصل إليه من حال، وكتبته «لِمَنْ يُريد أن يفهم» تقريباً، أو هكذا العنوان، أقولُ لكَ : شُكراً شُكراً لك، بكُلِّ صدقٍ ومحبَّةٍ وتقديرٍ من أعماق قلبي على كُلِّ حرفٍ ونُقطةٍ كتبها قلمكَ العالي والرفيع، وشُكراً على تفانيكَ وصدق حُبّكَ وشُعوركَ كأبٍ وكأحد أفراد هذا الوطن الغالي على قُلوبنا جميعاً، حفظه اللَّه من كُلِّ شرٍّ وحفظ وحدته وأمنه واستقراره من كُلّ الفتن والمُؤامرات، إنَّه سميعٌ مُجيب.
ما كتبته عن مُعاناة أقربائكَ وعن القارئ العزيز هُو مُعاناة نصف أبناء هذا الوطن الغالي، شباب اليوم، مُعاناةٌ مَنْ تعب واجتهد وسهر وتعلَّم - فقط - وأصبح اليوم ضحيَّة البطالة في الشوارع، وهي الكارثة الحقيقية والقضيَّة الأهمّ، فَمَنَ المُستفيد؟ وَمَنَ الكاسب والرابح؟ وَمَنَ المسؤول؟ وَمَنَ الذي بيده الزمام؟ وَمَنَ الذي يُفسد فينا؟ وَمَنَ المُحاسب لنا وعلينا؟
أنا لا أُوجِّه أسئلتي لكَ ولا أُريد منكَ الإجابة، نحنُ نعرف أن لا أحد يستطيع أن يُجيب على أسئلتنا وعن مُعاناة شباب اليوم!! نسمع خطابات عن أنَّ الشباب هُم عماد الأُمَّة وبُناة مجدها وحُماتها، هُم الحاضر والمُستقبل، الشباب بهم تحيا الأوطان، بهم يُعمَّر البنيان، بهم تعلو الهمم وتعلو القمم، فضيِّقوا الخناق على البطالة، ووفِّروا فُرص العمل للشباب، وادفعوا بالكوادر المُؤهَّلة، أضيفوا إلى الميدان دماءً جديدة، وجميعنا يعلم ضعف ميزانيات الدولة، لكن إذا كانت الدولة قد وفَّرت الميزانية الكافية لكُلِّ وزارةٍ ولكُلِّ مُحافظةٍ على حدة، فوزارة الخدمة المدنية لها فروعها بالمُحافظات، واعتمدت لكُلِّ مُحافظة درجاتها الوظيفية، حسب الاحتياج وحسب الحصَّة السنوية لكُلِّ مُحافظة، ورصدت لها الميزانية التشغيلية لتلك الدرجات، وأعطت الصلاحية الكاملة لمكاتبها بالمُحافظات والصلاحية الكاملة من حُكمٍ محلِّيٍّ واسع الصلاحيات بدلاً عن المركزية بالاعتماد للدرجات الوظيفية وسُرعة البتّ والإعلان عنها بالمُفاضلة بواسطة الكمبيوتر، لكن يبقى سُؤالٌ واحدٌ ونحنُ الآن في عام 0102م، وما زالت بعض مكاتب الخدمة المدنية وليس كُلّها، إلى الآن لم تُنجز وتُعلن الوظائف المُعتمدة للعام 9002م، فأيُّ اهتمامٍ وأيُّ إنجازٍ تُريده تلك المكاتب إذا كان أبناؤنا في امتحانات نصف العام الدراسي ولم يُرسل لهم المُعلِّم المُنتظر والمجهول؟
سيقولون : نقوم بتغطية العجز حتَّى يصل البديل، «المُعلِّم المُنتظر» من الخدمة!! وَمَنْ سيقوم بتدريس المُقرَّر الدراسي بالبدل أو كما يُقال بالتغطية للعجز في تخصُّصٍ ما؟ وتلك المناهج والمُقرَّرات يعجز عن تدريسها مَنْ هُو تخصُّصه!! والتربية والتعليم لا حول لها ولا قُوَّة.
أين يسيرون بنا وبشبابنا؟ أيُّ جيلٍ يبنون؟ وأيُّ علمٍ وتعليمٍ يطلبون؟ نسمعهم يخطبون وينشدون وينجزون خُطَّة «ورا» خُطَّة، «الخُطَّة الثانية»، «الخُطَّة الخمسية»، المرحلة الأُولى، والعاشرة من الخُطَّة (...) للعام (...) عام يتلوه عام!! فيا إخواني، اتَّقوا اللَّه في أنفسكم، ورفقاً بهذا البلد التعيس، كفى ويكفي ما تتحمَّله البلاد من شُرورٍ وصراعاتٍ وبطالةٍ تُحاكي الرصيف، فرّجوها عن أبنائكم الباحثين عن علمٍ وهُم يقولون : «لنتعلَّم القراءة والكتابة - فقط - ثُمَّ نرحل»، أفرجوا عمَّن حملت كشوفاتهم غُبار الإرشيف وطال انتظارهم للوظيفة حبيسة الأدراج، أغيثوا التربية والتعليم والاحتياج قائمٌ رهين مكاتب الخدمة المدنية أن تُفرجها، فأيُّ انتظارٍ بعد؟
يُمكنكَ التحقُّق من ذلك www.mocsi.gov.ye/ نتائج المُفاضلة للعام 9 0 0 2م، إن أكثر مكاتب الخدمة المدنية بالمُحافظات ما زالت في نومٍ عميق، وللعلم هُناك مزدوجون وظيفياً إلى الآن وغائبون وفرار ومتقاعدون ومُغتربون ومُنقطعون عن العمل وعن الخدمة، أين مُرتَّباتهم؟ إلى مَنْ ترحل؟ لماذا ما زالت مُرتَّباتهم جاريةً؟ أين تذهب؟ ولماذا لا يتمّ توظيف بدلاً عنهم؟ وَمَنَ المُستفيد؟
الخدمة المدنية تُكدِّس ملفات المُتقدِّمين للتوظيف والدرجات الوظيفية المُعلنة لكُلِّ عامٍ أقلّ من العام السابق، ولو تتبَّعت ذلك ستجده في أمانة العاصمة - فقط - وحدها الذين قد تمَّ الكشف عنهم مزدوجين وظيفياً أكثر من (43) ألفاً بمُرتَّبات تصل إلى المليارات من خزينة الدولة في الشهر الواحد، أليس الأجدر أن تُوظَّف بها دماءٌ جديدةٌ؟ أليس الأجدر أن تكون مصدر عيشٍ كريمٍ لأُسرٍ طال انتظارها لتوظيف عائلهم الكدحان؟ أليس الأجدر أن تكون مصدر عيشٍ كريمٍ لِمَنْ أفنى حياته وشبابه في طلب العلم لينال حصَّةً في خدمة وطنه ويستقرّ ويبني ويملك ويأكل ويشرب ويلبس مثلهم؟ أيُّ جيلٍ تنتظرون أن يأتي؟
شُكراً لك، ولكَ تحيَّاتي، اعذرني إن أطلت عليك، لأني أفرغتُ جُزءاً ممَّا في صدري.
} } } }
وداعاً ... سيف الزَّجا
{ بهُدوء، وشرف، وصمتٍ نبيلٍ وأثرةٍ بلا حُدود، وبلا مَنّ، ولا مُجرَّد حتَّى همسٍ بما قدَّمه، رَحَل واحدٌ من أُولئك الذين دافعوا عن صنعاء، عن اليمن كُلّه، في السبعين، وقبل السبعين وبعد، اسمٌ قد لا يتذكَّره كثيرون - وبالفعل لا أحد يعرفه - للأسف الذي ما بعده أسف.
سيف الزَّجا أحد أبطال القُوَّات المُسلَّحة، أحد رجال الصاعقة الذين قدَّموا كُلّ ما لديهم وبشرف، وصمت المُحاربين الشُّجعان، وهُم كُثُر، وسيف واحدٌ منهم.
كُنتُ أظلّ أتملَّى في قامته المديدة في باب اليمن حين كان رجال الصاعقة يخرجون من عرينهم إلى الشارع، لا يعرفني، أنا عرفته عن بُعد، كان يأتي مع صُويلح مع الحُزيمي، مع البتول، رجال آخرين وكبار.
وحين سُجن في الأمن الوطني، حاول أحدهم صفعه على وجهه وهُو مُقيَّد، لكنَّه مسك تلك اليد : إلاَّ الكرامة يا فندم، أطلق رصاصك على رأسي ولا تُحاول أن تلمس وجهي.
كان سيف إذا سأله أحدهم : لماذا أسموكَ سيف «الزَّجا»؟ أجاب : لأنَّه زجا.
رحم اللَّه الزَّجا، مات واقفاً مثل الرجال الكبار الذين يموتون واقفين، بل قُلْ مثل شجرة «الخصَّال» في قريته ذبحان، إذا ذاكرتي لا تزال زرقاء كصفحة السماء.
|