صنعاء نيوز / سام عبدالله الغُـباري -
الخروج مبكراً في صقيع "ذمار" لا يشجع الشباب على تلبية نداء (الفجر)، يغلبك أرق القات وهموم الحياة، تُـطل برأسك من نافذة منزلك النافذ على شارع المدينة النافر، وتراقب تقاطر الناس المدثرين بعباءات صوف ثقيل، يبرز شبح الشخوص من كثافة الظلام الجامح، تتبين ملامح الأول: عجوز يدندن باستغفارات الصباح، الثاني عجوز آخر!!، الثالث في أربعينيات العمر، كانوا "عشرة" تقاطروا إلى زقاق المسجد القريب.. رفع المؤذن صلاة الفجر.. دقائق أخرى.. ران صمت موحش.. عاد صوت المؤذن يتلو سورة "الفاتحة" (الله أكبر)، صليت في محراب غرفتي الضيقة.. أقلقني الصقيع، وحرمني من خروج غير دائم لصلاة الفجر.. تثاءبت كثيراً في ذلك اليوم القارس، وعدت لترقب السائرين.. ظهر أول شاب يمشي الهوينا، وآخر يدفع عربة اليد.. وثالث يفرك يديه وينفخ فيهما، أشرقت الشمس.. اتكأت لغة "ذمار" على ترانيم الصباح، وودع الإمام جُـملة مصليه.. غادر كلٌّ لتيه يومه، وقوت نهاره، تدافع البائعون لفتح محلات التجارة، صوت تلاوة المقرئ تصدح في صباحات "ذمار"، وفي الداخل حيث أحياء "المحل" و"الحوطة" و"الجراجيش" يختلف الصباح فيهن عن ترنيمة الأحياء الجديدة، هناك تجد الأزقة، والناس القدامى، ولغة ذمار الأصلية، ويتسرب الماعز والإبل، النسوة الكبار يحافظن على سلام المارة.. وحكايا الندماء والجلساء.
- "ذمار" القديمة تحمل طابعاً أنيساً، وحمائم الجامع الكبير تهدل بتناغم اللغة المعتادة، وكؤوس "البن" الصباحي بقهوة "الثمري".. دعوات الصباح مهمة للرزق الوفير، حين ينشد المخلوق بركة بارئه، وتتهادى ندائم الحديث المتفائل عن صباح بلا مضايقات، وعن يوم يكتسي رزقاً، وينغمس ببركة الله العزيز، ويصير اللجوء اليومي لرحمة الخالق جل وعلا معزوفة شوق صباحي متكرر ترسم في خلايا القلب والوجدان، حكاية مجتمع لم يزل يحافظ على طبائعه الأولى، رغم تمدد الحداثة وبروز أجيال لا تفكر كثيراً.
وإلى لقاء يتجدد.
www.facebook.com/samgh4u