صنعاء نيوز /بقلم/ د.عادل الشجاع -
اليوم عن جماعة تصف نفسها بالإسلامية وبأنها إصلاحية طبقاً لمواثيقها فإنها تهدف إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل. هذا القول- في اعتقادي- لايخلو من التجهيل والتسطيح لأن أحداً لايستطيع الادعاء بأن هناك نظرية حكم إسلامية ناضجة ومتماسكة, فالتاريخ يعلمنا أن المسلمين بُعيد وفاة الرسول (ص) اختلفوا فيما بينهم حول مسائل كثيرة, مثل: هوية الخليفة, وكيفية تنصيبه, وحدود صلاحياته, وكيفية محاسبته, وهو ما فجر صراعاً وعمق الخلاف بين أخوة العقيدة. إذاً عن أي نموذج إسلامي نتحدث؟ ومن قال إن الإسلام كل لا يتجزأ؟ فالإسلام متعدد المشارب ومتنوع المذاهب, وتلك صفة حسنة وليست سيئة, هناك الإسلام السني والإسلامي الشيعي, والإسلام الصوفي, والإسلام الخوارجي, وبداخل كل منها مسالك متشعبة, تلتقي قليلاً وتتفارق كثيراً. فداخل السنة, السلفية والأشاعرة وهناك المعتزلة والصوفية. دعمت هذه الحركة ما سمي بالحركات الجهادية التي اعتبرتها حركات مقاومة في الوطن العربي والعالم الإسلامي, تسعى الحركة إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم ثم الحكومة الإسلامية, فالدولة, فأستاذية العالم وفق منظور هذه الجماعة.
شعار الجماعة “الله غايتنا, والرسول قدوتنا, والقرآن دستورنا, والجهاد سبيلنا, والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”. وقد ذكر مؤسس الجماعة حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس “أن الإسلام عقيدة وعبادة, ووطن وجنسية, وروحانية وعمل, ومصحف وسيف” وذكر أيضاً “أن فكرة الإخوان المسلمين نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام, قد شملت كل نواحي الإصلاح في الأمة, فهي دعوة سلفية, وطريقة سنية, وحقيقة صوفية, وهيئة سياسية, وجماعة رياضية, ورابطة علمية ثقافية, وشركة اقتصادية, وفكرة اجتماعية”. حينما تدار الدول باسم الدين تكون الكوارث سواءً كان هذا الدين اليهودية أو المسيحية أو الإسلام. فمن يقرأ الأسفار التوراتية عند اليهود, مع التسليم بما لحقها من تزييف وتزوير, فإن نفسه تشمئز وبدنه يقشعر من غزارة الدماء التي سالت من تحت سيوف جيش الحرب والمجازر الوحشية التي طالت البشر والشجر والحجر. وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحية وجميعنا قد قرأ وسمع عن فظاعات البرابرة الصليبيين.
وتاريخ جماعة الإخوان مليء بالشواهد كيف زجت بالمقدس في معارك المدنس وكيف وظفت الدين في تقديس العنف وتسويغه. لذلك حينما تحكم هذه الجماعة يكون مصير الأوطان الانفصال, كما حدث في السودان وإراقة الدماء كما حدث في أفغانستان وغزة وانهيار الاقتصاد كما حدث خلال عام واحد في مصر. فقد انحدر الاقتصاد المصري إلى الهاوية وارتفعت نسبة البطالة والفقر والشقاء للمواطن المصري وانهارت رؤوس أموال الشركات العاملة في هذا البلد بسبب الفوضى والاضطراب. يرجع السبب في ذلك إلى الدمج بين الحاكم والفقيه وبين السياسية والدين وعدم الفصل بينهما. وعلى هذا الأساس تنطلق جماعة الإخوان المسلمين من أن الإسلام دين للدولة. لذلك فإن أي تشريع أو سلطة زمنية متعلقة بأي مجال من مجالات الحياة لايدخل في نطاق المقدس الشرعي ولايخضع لقواعد الشريعة, يعتبر معصية أو خيانة عظمى للإسلام. ومن هذا المنطلق تنطلق الجماعة وبناتها المتفرعة منها في خوض صراع ضد من يحاول الفصل بين ما هو ديني, وما هو دنيوي. ونتيجة لذلك أعيقت الدولة المدنية في الوطن العربي بسبب رجال الدين الذين يعطون مشروعية للحاكم المدني. وبسبب من ذلك غاب التسامح والقبول بالآخر وأصبح المسرح مضطرباً ودامياً. ولم نجد من يخرج من داخل هذه الجماعة ليجاهد ضد أخطائها. وقد شاهدنا وتابعنا ما جرى في مصر مؤخراً حيث أضحى الخير العام عذراً للطغيان والاضطهاد. ووقف محمد مرسي ليكرر ما قاله عثمان بن عفان «ما كنت لأخلع جلباباً ألبسني إياه الله». فالحكم باسم الله وليس باسم الشعب. ولاتريد هذه الجماعة أن تعترف بأن الدولة وجدت أصلاً للمحافظة على القيم المادية: الحياة, الحرية, الصحة, الملكية, ولا شأن للحاكم بالعناية بالأرواح, لأن الأرواح ليست من شأن الحاكم, فالقوة لاتستطيع إخضاع عقول الناس فالدين هو اعتقاد من قبل صاحبه بأنه بهذه العبادة أو تلك يرضي الله ويحقق له نجاته.
ولست بحاجة للقول إن جماعة الإخوان أو أي جماعة دينية أخرى تلجأ إلى السلطة تحت عباءة الدين إنما تكشف عن أطماعها في السيطرة الدنيوية. وهي بذلك تعظم نوازع الطغيان عن الحاكم. لذلك حينما غاب التسامح وجدت الفتنة والاختلاف بسبب الاضطهاد ومتى مازال الاضطهاد واستقر التسامح, زالت أسباب الفتنة والعصيان, فهل تستفيد الجماعة اليوم وتعترف بأنها أخطأت وتميز بين حقل العلاقة بين المعتقد الديني والموقف السياسي؟ إذا فعلت ذلك فإنها تستطيع العودة إلى الحياة السياسية خلال الانتخابات القادمة. وإذا لم تفعل فإنها لن تستطيع العودة ولا بعد نصف قرن من الزمن.
على الجماعة أن تنأى بنفسها عن التذرع بالإسلام تحت أي شكل من أشكال العمل الساسي والخروج من ثنائية الإيمان والكفر, والحلال والحرام. لابد من تحديد الحد الفاصل بين الدين والسياسة للخروج من أساليب الاستقواء بالدين وخوض صراعات السياسة به. لابد من الاعتراف من أن العلمانية ليست ضد الدين وإنما ضد من يستهتر بالدين في السياسة أي ضد المستقوين بالدين في المجتمع السياسي.