صنعاءنيوز/حسين العواضي -
< أريدك أن تأخذني إلى هناك.. أرغب في أن أستيقظ في المدينة التي لا تنام.
< هذا مطلع أغنية شجية مقاطعها تزهو بالشوق واللهفة للمدينة التي لا تنام.. مدينة قلقة عجيبة غامضة مخيفة أقدامها في أعماق المحيط.. وضفائرها تعانق غيوم السحاب.
< المدن عالم من الإثارة.. والأسرار والفرح والحزن.. مدينة تبهرك فتسرّك.. ومدينة تخيفك وترفضك.. هذه حبيبتك.. وهذه أمك.. وتلك حماتك.. وأخرى ملعونة لا تعرفها ولا تعرفك.
< والأماكن مثل البشر.. تعيش مع أحدهم سنوات طوالاً فلا تألفه ولا يألفك.. ويمر وهج اللحظة فيقتحم آخر حواسك ويحتل ذاكرتك إلى الأبد.
< هذه المدينة الخرافية تستحق الزيارة والإعجاب والتأمل.. أول زيارة قبل أكثر من عقدين كانت مدينة مختلفة نصفها للفقر والجريمة.. ونصفها الآخر للمال والبنوك وعباقرة الاقتصاد الذين يديرون العالم.
< الآن تغير حالها بفضل رَجُل شجاع تجاوز القوانين الباهتة بقوانين أكثر صرامة.. فحول أحياء الخوف إلى شوارع ناهضة آمنة يزورها القادم بلا خوف.
< والمدن لا تقاس بعدد البنوك والأسواق مهما كثرت وتجملت.. لكنها تفاخر بالحدائق والمكتبات العامة والمسارح ومتاحف العلوم والفنون والحضارات.
< هنا في كل ركن مسرح.. وفي كل زاوية متحف.. وحدائق على امتداد البصر.. ومكتبات لا تحصى.. الأشجار أكثر من البشر الذين يتحركون كعقارب الساعة تحت الأرض وفوقها لكلٍّ عمل.. ولكلٍّ مقصد وغاية.
< شعوب ملت كوكبنا هذا لكثرة ما يحيط به من دسائس و يخيّم عليه من ظلم وظلام.. صارت تجوب الفضاء تبحث عن جديد.. طموح لا يتوقف ولا يهون.. بينما أخرى تمضغ ببلاهة ماضيها الذي كان.. لا تجرؤ على النظر نحو الشمس.. تحفر قبورها تحت أقدامها.. عناداً وعداءً وحقداً وخصاماً.
< ترى هل لنا غير الصراخ والبكاء على الأطلال من حيلة أو سبيل لننافس الآخرين في ما ينفع ويفيد؟
< ألا نملك غير الدعاء على الآخر بالهلاك دون تمييز بين نظام محابٍ وطاغٍ وبين مواطن مسالم لم يؤذنا ولم تصله دعوتنا بعد؟
< هنا مر اليمنيون المغامرون الذين انتقلوا مطلع القرن الماضي من مزارع كاليفورنيا ليستقروا في الشارع الثاني والأربعين.. يتكومون في دكاكين صغيرة.. رحلة الكفاح والمثابرة والتحدي.
< الآن انطلقوا نحو أماكن أخرى في أنحاء أميركا.. يكشفون مدناً جديدة وأعمالاً أكثر ربحاً ورقياً.. العقارات.. البنوك.. وتجارة الجملة.. وظائف الدولة ومحطات الوقود.
< وجيل واعد من الطلاب اليمنيين - الأميركيين يدرسون الطب والهندسة والمحاماة بعد أن كانت الدكاكين تغتال مواهبهم في عمر الزهور.
< في مطار مدينة نيويورك التي يسمونها التفاحة الكبيرة شاهدت أفواجاً من الأطفال المنتشين.. والمتلفهين لزيارة اليمن للمرة الأولى.
< فرسان متوهجون يحملون على ظهورهم حقائب الألعاب والهدايا.. وحكايات أسطورية عن مهد آبائهم اليمن السعيد.
< الآن تهبط بهم الطائرة في مطار صنعاء الدولي التعيس.. تقلهم الحافلة إلى الصالة البائسة.. زحمة.. وصراخ.. وانتظار بالساعات للسير اليتيم الذي ينقل حقائب المسافرين.
< بالتأكيد سوف تدهشهم اليمن.. وسيتلقون تدريبات مكثفة في الفوضى واللامبالاة والعيش في الظلام وأشياء أخرى.
< قد تعجبهم أشياء قليلة.. وتكدر زيارتهم أشياء كثيرة.. غير أنهم محظوظون لأن لهم وطناً آخر يحترم الأطفال ويرعاهم.. ولا تنطفئ فيه مصابيح القراءة.