shopify site analytics
بيان صادر عن القيادات القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بشأن سوريا - ‏كيف يقدّم الحوثيون طوق نجاة أخلاقي لإسرائيل؟ - خروج مليوني بالعاصمة صنعاء في مسيرة "ثابتون مع غزة العزة - جامعة ذمار تنظم وقفة احتجاجية تنديداً بالجرائم الصهيونية - مسيرة طلابية لطلاب كلية الطب بجامعة ذمار - نزلاء الإصلاحية الاحتياطية بمحافظة صعدة ينفذون وقفة تضامنية مع غزة - تفقد وكيل مصلحة الجمارك سير العمل بمكتب ذمار - اليمنية تؤكد استمرار رحلاتها عبر مطار صنعاء - وزير النقل والأشغال بصنعاء: سيتم استئناف العمل بمطار صنعاء وميناء الحديدة اليوم - 7 شهدا حصيلة العدوان الصهيوني على اليمن -
ابحث عن:



الإثنين, 29-يوليو-2013
صنعاء نيوز - 
تعرف الوطنية والقومية في التاريخ الحديث باعتبارها تيارا سياسيا يرى في دولة الوطن أو الأمة العامل الأعظم والاهم لتحقيق طموحات الشعب الاجتماعية والثقافية والسياسية صنعاء نيوز / أحمد صالح الفقيه -

تعرف الوطنية والقومية في التاريخ الحديث باعتبارها تيارا سياسيا يرى في دولة الوطن أو الأمة العامل الأعظم والاهم لتحقيق طموحات الشعب الاجتماعية والثقافية والسياسية . وقد كانت الدول في أوروبا ما قبل القرن السابع عشر، قبل ظهور الحركة الوطنية والقومية كتيار سياسي متميز، قائمة على أساس من الدين أو الرابطة الملكية للأسر الحاكمة. وكان الناس يمحضون ولاءهم للكنيسة أو العائلة المالكة، ويركزون جل مشاعر الانتماء على العشيرة والقرية والمقاطعة وهو ما يتوافق مع نظام الدولة الإقطاعية المقسمة إلى مقاطعات ومناطق. فكانت انتماءات الناس مناطقية ضيقة ونادرا ما كانت لهم اهتمامات أو هموم تشمل الوطن كله.
وقد نشأت الوطنية والقومية وترعرت في أوروبا بفعل التقدم في المجالات التقنية والسياسية والاقتصادية، وهو تقدم ادخل الإنسان العادي إلى قلب الحراك الثقافي والسياسي، وهو التطور الذي اصطلح على تسميته بالتنوير ثم بالثورة الصناعية. فقد كان الشعب قبل ذلك خارج عملية الحراك السياسي والثقافي، ولم يكن إلا وسيلة وأداة للطبقة الإقطاعية والاكليروس الديني والأسر الملكية الحاكمة. وكانت هذه الفئات الثلاث مرتبطة بديانة موحدة وهي الكاثوليكية الرومانية، وبلغة مشتركة للثقافة لا تعرفها شعوبهم هي اللغة اللاتينية ، التي كانت لغة العلوم والفنون والدين. فكانت هذه الفئات منفصلة عن الشعوب وكانت تعاملها على أنها داخلة ضمن ممتلكاتها المادية.
لقد أدي تطور وسائل المواصلات إلى توسيع معرفة الناس بالآخرين المقيمين خارج قراهم ومقاطعاتهم. وأدى انتشار التعليم والطباعة باللغة الوطنية والشعبية، بين أكثرية السكان في إقليم كل شعب، إلى خلق شعور لديهم بالاشتراك في موروث ثقافي مشترك. ومن خلال التعليم، تمكن الناس من التعرف على تاريخهم المشترك وعاداتهم وتقاليدهم، واخذوا بالإحساس بهوية متميزة مشتركة مبنية على الاستمرارية التاريخية المشتركة. وهو ما قاد إلى الإصلاح الديني بدءا بمارتن لوثر ثم الإصلاح السياسي بدءا بالثورة الفرنسية.
وأدي النمو الصناعي والاقتصادي إلى ظهور وحدات اقتصادية يمتد نشاطها إلى خارج البلدة والمقاطعة، وهو ما أدي كله بالناس إلى وعي مصيرهم المشترك كأمة واحدة والى شعورهم بالمسؤولية تجاه مستقبل الأمة .
ولتفصيل المجمل، يقول الدكتور توماس كايزر بروفيسور التاريخ بجامعة آركنساس: بان اللغة الفرنسية المعروفة اليوم لم تتشكل نهائيا إلا في القرن التاسع عشر، وكان ربع السكان آنذاك لا يتكلمون اللغة الفرنسية الشائعة اليوم. وحتى المذهب الكاثوليكي الذي يدين به الفرنسيون لم ينتشر إلا بصورة تدريجية وبطيئة.
ويقول كثير من المؤرخين أن الفرنسيين لم يتقبلوا هذه الديانة بشكلها الارثوذوكسي كليا إلا في القرن الثامن عشر. وقد عاش الفرنسيون حتى العام 1789م تحت حوالي أربعمائة نظام قانوني مختلف تبعا للإقطاعيات. ولم يكن من الممكن وصفهم بأنهم منتمون إلى أمة بل مجرد رعية ملك.
و لم يتكون لفرنسا اقتصاد وطني موحد بدلا من اقتصاديات المقاطعات المتعددة إلا في القرن الثامن عشر. ولم يكن لفرنسا تاريخ خاص ذو هوية محددة يمتد بعيدا في الماضي، بل كان تاريخا مشوشا يفتقر إلى الوحدة كتاريخ لوطن أو شعب محدد الهوية حتى القرن السابع عشر.
وقد خضع تاريخهم لعمليات تطور متعددة حولت الناس في تلك الرقعة المسماة اليوم بفرنسا إلى فرنسيين خلال القرون القليلة الماضية، ونتيجة للصدف السياسية على الأغلب، لا عن تصميم وتخطيط مسبق .
وبالمثل كانت ألمانيا حتى القرن التاسع عشر مقسمة إلى تسعة وثلاثين دويلة وأربعة مدن حرة، ولم تظهر كدولة موحدة إلا على يد رئيس وزراء بروسيا الأمير اوتو فون بسمارك الذي وحدها بالقوة. فلم يكن من الغريب ، والحال هذه، إلا يعي العرب المسألة القومية كأمر يعنيهم إلا في فترة متأخرة من القرن التاسع عشر.
إشكالية الدولة الحديثة في العالم العربي:
تمثل إشكالية الدولة الحديثة والوحدة الوطنية إشكالية ذات ملامح متشابهة في العالمين العربي والإسلامي، وتتمثل في البنية القبلية والدولة الريعية القبلية. وتبيان هذا القول يحتاج إلى تفصيل.
لقد أوجد الإقطاع في الغرب نوعا من جنين المفهوم الوطني للولاء، حيث أصبح المالك الإقطاعي محوره، وهو الذي يمتلك الأرض وما عليها بدلا من العشيرة والقبيلة التي تلاشت بتلاشي ملكيتها للأرض. وقد نشأت الإقطاعيات المتعددة في أنحاء أوروبا داخل الإمبراطوريات القديمة التي تفسخت إلى ممالك إقطاعية، ثم تحولت فيما بعد إلى دول قومية، نتيجة للتقدم التقني والسياسي و الاقتصادي كما أسلفنا.
أما في العالم الإسلامي، فإن قرار الخليفة الراشد عمر بين الخطاب رضي الله عنه، بإبقاء الأراضي الزراعية التي استولى عليها المسلمون من الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية ملكاً للدولة، قد أدى إلى منع نشوء الملكيات الإقطاعية الواسعة.
ومن جهة أخرى أدى الموقع المتميز للعالم الإسلامي كعقدة للمواصلات العالمية بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب، إلى إيجاد مصادر كبيرة للدخل من الضرائب والمكوس، وجعل التجارة العربية تنطبع بطابع الوساطة التجارية التي لا تزال إلى اليوم سمة للرأسمالية العربية، مقابل النشاط وروح المغامرة التي اتصف بها تجار الغرب. وقد كان لهذين العاملين نتائج بعيدة المدى على مستويات عدة:
فعلى المستوى الاجتماعي ظل الطابع القبلي لبنية المجتمعات الإسلامية ثابتاً على حاله دون تغيير . وقد استشعر القادة المسلمون قديما خطورة الانقسام القبلي في الجيش فعمدوا إلى استبدال الوحدات العسكرية القبلية بالمماليك من العبيد البيض والسود الذين يشتريهم بيت المال والسلاطين بغرض تحويلهم إلى جنود. وهم العبيد الذين أصبحوا حكام العالم الإسلامي في ظاهرة فريدة لم يعرف التاريخ الإنساني مثيلا لها. وقد أدى استمرار البنية القبلية إلى التأثير حتى على جيوشنا الحديثة في الوقت الحاضر.
وعلى المستوى السيكولوجي، أدى ذلك كله إلى حالة أصبح فيها للإنسان العربي والمسلم مستويان من الوعي: وعي أممي إسلامي لا يعترف بالدول القطرية والحدود القائمة فيما بينها، ووعي مغرق في محليته إلى درجة إعلاء الرابطة القبلية أو الطائفية على الرابطة الوطنية.
ومن الناحيتين الاقتصادية والعمرانية أدى ذلك إلى خلق الدولة الريعية التي تعتمد على خراج الأراضي والضرائب والمكوس (تعتمد الآن على النفط)، مما أدى إلى تمركز الثروة في حاضرة الخلافة أو المملكة أو السلطنة أينما كانت، ولما كانت هذه الحاضرة كثيرة التنقل بتغير الحاكمين، فقد أدى ذلك إلى ما يمكن تسميته بالنمو الاقتصادي اللامتساوي في العالم الإسلامي، حيث تتدهور الحاضرة بمجرد انتقال المركز إلى غيرها، وهو ما أخذ يتغير نتيجة لنشوء الدولة القطرية التي أدت إلى تقليص النمو اللامتساوي بين أقطار العالم الإسلامي من جهة، وبين الأرياف والمدن في كل قطر من جهة أخرى.
وقد أدت العوامل المذكورة إلى حدوث تشوه في المجتمع الإسلامي، يتمثل في أن السلطة السياسية أصبحت مصدر الثروة على عكس ما حدث في المجتمعات الغربية..
وقد استمر هذا التشوه حتى يومنا هذا، وهو ما جعل الأنظمة السياسية في مجتمعاتنا تعتمد على الجباية المتعسفة من المواطنين، وسرقة المال العام، لتحقيق الثروة لأعضاء الإدارة الحاكمة. الأمر الذي جعل الفساد المالي والإداري مؤسسة تاريخية. ولكن الثروات المتكونة من الفساد لم تتصف بالثبات، وقد أعاق ذلك نمو الرأسمال لدى هذه الشريحة، نظراً لأن الثروات كانت تصادر مع تغير الحكام.
ومن الناحية الثقافية والعلمية، أدى إلى جعل دور المثقفين والعلماء مقصوراً على تولي بعض الوظائف الحكومية وتزيين مجالس الأمراء فيما يشبه الدور الترفيهي، فالدولة الريعية لم تكن معنية بزيادة الإنتاج أو ما نسميه اليوم بالعلم التطبيقي.
ولم تنشأ الدولة الحديثة مبكرا هنا لأن الاستعمار حال دون ولوج العالم الإسلامي إلى عصر الحداثة الصناعية مبكرا، ولكن إنشاءها تم في بعض أقطاره بعد الاستقلال وتعثر في البعض الآخر.
فالفارق الحاسم لنشأة الدولة الحديثة هو كونها دولة مؤسسات قادرة على فرض سيادة قوانين الدولة على جميع مواطنيها، وبحيث يتم التعامل مباشرة بين أجهزة الدولة وبين المواطن الفرد أو الشخصية القانونية الاعتبارية دون وسيط من شيخ قبلي أو متنفذ محلي.
وبدون توفر هذا الشرط الحاسم لا يمكن أن تكون الدولة دولة حديثة مهما قالت الدساتير أو روجت أجهزة الإعلام. كما انه بدون توفر هذا الشرط بكل مضامينه لا يمكن أن يكف المجتمع عن كونه مجتمعاً اقطاعيا أو قبلياً وأن يتحول إلى مجتمع مدني. ويتوقف نجاح التنميتين الاقتصادية والاجتماعية على شرط وجود الدولة الحديثة.
أما الديمقراطية فهي شأن آخر. فقد ظهر أول أشكالها في المجتمعات العشائرية ودول المدن على السواء. وبالتالي فإنها ليست غربية عن الدولة القبلية. ولكنها ديمقراطية لا تشبه ديمقراطية الدولة الحديثة. بل إنها تكتسب طابعاً يناسب الدولة القبلية التي تحتويها وذلك هو حالها في منطقتنا، فضلاً عن أن الديمقراطية ليست شرطاً حاسماً لوجود الدولة الحديثة.
فالدولة الحديثة يمكن أن تكون شمولية ولكن يسود القانون فيها الجميع على السواء، والأمثلة على ذلك كثيرة من سنغافورة إلى الصين وغيرها.

العروبة كهوية ثقافية وكفكرة عنصرية:
ميزت القبائل العربية نفسها منذ القدم، وقالت بعروبتها مقابل الآخر الأعجمي. وقد ظهر هذا التمايز بصورة جلية في التاريخ، في موقعة ذي قار، التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن يوم ذي قار هو اليوم الذي انتصفت فيه العرب من العجم) أو كما قال.
سأقتصر هنا على ما اعتقد أنه المحطات الرئيسية لنشوء الفكر القومي مع تجنب التفاصيل وأبدأ بالتمييز الضروري بين العروبة كهوية ينتمي إليها العرب وين الحركات القومية العربية التي أدلجت هذا الانتماء، فأصبح أيديولوجية اسمها القومية العربية.
هذا التمييز الضروري سيجنبنا الكثير من الخلط الذي يقع فيه الكثيرون كلما تناولوا هذا الموضوع أو موضوعات مشابهة.. وهناك الكثير من الأمثلة:
فالإسلام على سبيل المثال دين، ولكن الإصرار على فهم معين محدد للإسلام يصبح أيديولوجية، ولذلك فإن التعصب المذهبي تعصب أيديولوجي، وحتى أولئك الذين يدَّعون نبذ المذاهب والعودة إلى سبيل السلف، كالإخوان المسلمين والسلفيين القدامى والجدد، هم أيديولوجيون أيضاً. وقل الأمر ذاته عمن شئت من حملة الأيديولوجيات ضمن الأديان أو الفلسفات المختلفة.
وتقترن الايديولوجيا دائماً بالدوغما، والتي تعني الإيمان باحتكار الحقيقة، والتي تقوم إلى التقسيم الرأسي الذي لا يقبل التعايش مع الآخر بصورة طبيعية وعن قناعة، بل يكون التعايش الذي يضطر إليه حملة الأيديولوجيا مع الآخر متسماً بالرفض المسبق والتربص الدائم.
وقد ثبت الإسلام هذه الهوية، فالرسول عربي، والقرآن نزل بلسان العرب. وقد كان الرسول واضحاً في تحديده لطبيعة العروبة فنفى عنها العنصرية والعرقية، وعرضها في عبارة جميلة جامعة بأنها ثقافة، عندما قال: "أيها الناس، ليست العربية لكم بأب ولا أم ولكنها اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي". وانطلاقاً من هذا التعريف للهوية العربية، قال الرسول "ص" أيضاً، (سلمان منا آل البيت).
ولكن الطبيعة القبلية للمجتمع العربي أو للعرب بالأصح، جعلت الانتماء للعروبة حكراً على من ينتمي إلى قبيلة عربية، فعلى الرغم من رفض الإسلام للتمييز العنصري، ودعوته إلى أخوة أوسع قائمة على العقيدة، فقد فرض الواقع القبلي التمييز بين المسلمين العرب والمسلمين الآخرين الذين أسموا الموالي. ومع ذلك فقد كان وضع الموالى يعني انتماء غير العربي إلى قبيلة عربية بالولاء طريقاً إلى الانتماء إلى قبيلة عربية ومن ثم طريقاً إلى الانتماء للعروبة.
جذر العروبة كفكرة عنصرية:
على الرغم من أن جذور الفكر العنصري العربي موجودة بالضرورة ضمن ذلك التمييز القديم بين العرب والعجم، إلا أن هذا الفكر العنصري الذي قمعه الإسلام، وجد بداياته الفكرية وشرعيته في العصر العباس الأول. فمع تراجع النفوذ العربي في الدولة الإسلامية بعد سقوط الدولة العباسية، قامت حركة ثقافية عروبية عنصرية الطابع كان أبرز الناطقين باسمها الجاحظ الذي صك مصطلح الشعوبية.
وما أن انتصف العمر بالعصر العباسي الثاني حتى تلاشى النفوذ العربي في الدولة الإسلامية – أو كاد – إلا من جزر صغيرة هنا وهناك كالإمارة الحمدانية في حلب، ومؤسسة الخلافة التي تم إضعافها رويداً رويداً حتى تلاشى طابعها العربي رسمياً وبصورة نهائية في الدولة العثمانية حيث لم يعد الخليفة قرشياً أو عربياً. فقبل قيام الخلافة العثمانية كان الطابع العروبي للدولة الإسلامية قائماً رغم تلاشي دور العنصر العربي في قيادة الدولة، حتى نهاية عصر المماليك الذين حافظوا على الهوية الثقافية العربية للدولة الإسلامية إلى نهاية عصرهم على يد الدولة العثمانية.

الحركة العروبية في العصر الحديث:
مع صعود الحضارة الغربية الحديثة بطابعها الاستعماري التوسعي في القرن 18، أخذت الدولة العثمانية تضيق ذرعاً برعاياها من المسيحيين بالذات، وأخذت سياساتها المتسامحة إزاء الطوائف تتلاشى ليحل التمييز المتزايد ضد الطوائف المسيحية بمن فيهم المسيحيون العرب. وفي داخل هذه الطوائف المسيحية في الشام أخذت الفكرة القومية العربية تنبثق رويداً رويدا، وتزداد قوة مع تمكن حزب الاتحاد، الترقي، القومي التركي، من السلطة في الدولة العثمانية، وبروز الفكر القومي الطوراني وسياسة التتريك العنصرية.
وأصبح الكفاح ضد الدولة العثمانية يتخذ طابعاً عروبياً وإسلامياً ممتزجاً، يتضح في العلاقات بين عروبيين كالريحاني وشكيب أرسلان مع ملوك العرب. وما أن اندلعت الحرب العالمية الأولى وبدت بوادر هزيمة المحور الألماني العثماني فيها حتى سارع العروبيون من مختلف الأقطار العربية إلى الكفاح تحت لواء حركة الشريف حسين في الحجاز، والذي تبلور لديه مشروع عروبي يهدف إلى قيام دولة عربية واحدة، وهو الأمل الذي غذته مراسلات الشريف حسين مع البريطاني "ماكما هون" الذي قطع الوعود باسم الحكومة البريطانية بتأييد مشروع الشريف حسين وإقامة الدولة العربية.
لكن الأوروبيين كان لهم مشروعهم الذي تجلى في اتفاقية "سايكس بيكو" لتقسيم الأجزاء العربية من الإمبراطورية العثمانية. فتم التقسيم، وحل الانتداب محل الاستعمار.
وكانت الأحداث التي جرت في المنطقة العربية خلال الحرب العالمية الأولى نتيجة لتلك الحرب واستراتيجيات الدول المتحاربة التي وجدت في شعوب المنطقة أرضاً خصبة لتنفيذ خططها واستراتيجياتها. يقول المؤرخ الأمريكي "إدوارد جي" في دراسة له بعنوان (الآثار الكونية للحرب العالمية الأولى Global Consequences of worlds war )
يقول: "خارج ميادين القتال، استخدمت الأمم المتحاربة وسائل متعددة لإضعاف أعدائها، وعلى سبيل المثال فقد مارست تلك الأمم تشجيع الحركات الوطنية والقومية على التمرد في مسعى حثيث لإثارة التمرد وعدم الاستقرار في أراضي الأعداء. وكان الهدف من هذه الإستراتيجية إضعاف قوة الأعداء عن طريق إجبارهم على تخصيص قوات عسكرية، وموارد اقتصادية هامة، لقمع الاضطرابات المدنية والعسكرية التي تمت إثارتها، وخاصة في غرب آسيا. ولعل الحالة الأكثر شهرة لهذا النوع من النشاط هو ذلك الذي حدث في شبه الجزيرة العربية، عندما قام العميل البريطاني "تي.إي.لورانس" بتحريك العرب في ثورة شد الإمبراطورية العثمانية. وقد كانت المشاعر القومية العربية الصاعدة تقابل بالموافقة والتشجيع من قبل الحكومة البريطانية التي وعدت العرب بالاستقلال، ولكنها لم تف بوعدها فقد كانت بريطانيا تقف أيضاً خلف الحركة الصهيونية مع ما تحمله من إمكانيات التأثير في غرب آسيا".
حركات دينية عروبية:
لقد كانت حركة الشريف حسين حركة عروبية ذات طابع إسلامي، وكذلك حركة الأمير عبد القادر في الجزائر، أما ثورة الأئمة في اليمن وحركة عبد العزيز آل سعود في الجزيرة فقد كانتا حركتين مذهبيتين دينيتين لهما بعد عروبي.
وقد أدى تقسيم العالم العربي إلى أقطار تحت الانتداب أو الحماية الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا، إلى تمايزالعروبيين إلى فريقين: الفريق الأول هم الحكام الذين أصبحت الأولوية لديهم المحافظة على كراسيهم وعروشهم، والفريق الثاني ثوري متمرد أبداً هو الذي سيكون نواة الحركة القومية العربية بطابعها الأيديولوجي.
ولم يتخل الفريق الأول وهم الحكام عن مبادئ الحركة العربية المتطلعة للوحدة ولكن تحت قيادة كل منهم، فكان طبيعيا ان تذر الخلافات والمطامع قرنها بينهم.
ومع ذلك كله فقد تم تأسيس الجامعة العربية في القاهرة في العام 1945 على يد كل من مصر والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وسوريا وإمارة شرق الأردن التي ستصبح المملكة الأردنية عام 1949، واليمن. وكانت الحكومة المصرية قد اقترحت إنشاء الجامعة العربية عام 1943، وكان أهم أهداف ميثاق الجامعة العربية: تعميق التعاون العربي، وتحرير الأقطار العربية من الحكم الأجنبي، ومنع الحركة الصهيونية من إنشاء دولة لليهود في فلسطين التي كانت لاتزال تحت الانتداب البريطاني. وقد شكلت الدول الأعضاء في الجامعة آنذاك مجلساً للدفاع المشترك، وقيادة عسكرية مشتركة دائمة ومجلساً اقتصادياً.
مشروعات الحكام العرب:
كان ابن سعود يواصل مشروعه التوسعي في الجزيرة العربية والخليج ولكنه كان من الحصافة بحيث لمس أهمية القوة الأمريكية الصاعدة فمنحها امتيازات النفط في بلاده. وستكون آخر مشروعاته التوسعية المباشرة حربه في اليمن عام 1934، التي كللت بانتصار مكنه من الاستيلاء على منطقة عسير بكاملها.
ومن جهة أخرى كان الملك عبد الله – ملك الأردن – يلاحق حلمه في إنشاء سورية الكبرى بلا هوادة، ففي يناير من العام 1947 دعا الملك عبد الله أمام حشد من الصحفيين في أنقره أثناء زيارته لها، إلى نهضة الشرق المسلم قائلاً: "إن إيران وتركيا والأقطار العربية المشرقية وشمال افريقية وأفغانستان وحتى باكستان تشكل أسرة واحدة". ومع ذلك كانت هناك مشاكل سياسية قائمة آنذاك بين الأردن وسوريا بسبب مشروع الملك الأردني حول سوريا الكبرى،والتي كان يريد أن تضم الأردن وسوريا ولبنان وشريطاً ضيقاً من فلسطين على الضفة الشرقية من نهر الأردن يضم القدس. ولعل هذا التصور لدى الملك هو ما حدا به إلى الاكتفاء خلال حرب 1948 باحتلال الضفة الشرقية من نهر الأردن على الرغم من قدرة جيشه آنذاك كما يقول المؤرخون على دفع اليهود بعيداً عن الوسط والشمال الفلسطيني.
وفي مصر كانت القاهرة ملاذ المناضلين العرب ضد الاستعمار، ففي مارس من العام 1947 عقد المؤتمر الأول لوحدة المغاربة العرب، وقد تضمن برنامجه إلغاء معاهدات الحماية المفروضة على المغرب وتونس، وسحب الاعتراف بالحقوق الفرنسية المزعومة في الجزائر.
وكان السكرتير العام لهذه المجموعة هو عبد الكريم غالب (الخطابي) زعيم ثورة الريف ضد الفرنسيين في المغرب، وفضلاً عن اتصاله النشط بالجامعة العربية، كان يوجه من القاهرة نشاط المندوبين المغاربة في الأمم المتحدة الوليدة، ويطلب منهم الضغط على المنظمة الدولية للتدخل في الوضع المحتقن في المغرب. وكان حزب الاستقلال القومي الإسلامي في المغرب يقوم بدور فاعل ضد الوجود الفرنسي في المغرب.
لقد رتب الاستعماران، البريطاني والفرنسي، الأوضاع في العالم العربي بحيث تنشأ أنظمة حكم ذات طابع ديمقراطي تمثيلي في الأقطار العربية التي تتعدد فيها الأديان والاثنيات، وأنظمة حكم مطلقة في المجتمعات العشائرية الأحادية القومية، كما في الخليج. وقد تم هذا الترتيب بالتدريج وعبر عقود بين الحرب الأولى والثانية، ثم في فترة ما بعد الحربين، والتي شهدت تجذر الحركات القومية العربية الأيديولوجية الطابع.
3- نشأة الأحزاب القومية العربية
حركة رد الفعل:
سأرجع بالقارئ الكريم قليلاً إلى الوراء لعرض الظروف التي أدت إلى نشوء الأحزاب القومية. فقد كانت مشاعر الاستياء والغضب التي أثارتها السياسة التركية الجائرة في الشام قبل الحرب العالمية الأولى من الضرائب الباهظة إلى التجنيد الإجباري في حروب تركيا الخاسرة، والتي توجت بمجازر مشانق الوالي التركي أحد قادة حزب الاتحاد والتركي التركي جمال باشا الملقب بالسفاح، كانت هذه المشاعر قد دفعت السوريين إلى تأييد حركة الشريف حسين المناهضة للأتراك والتي قادها ابن الشريف الأمير فيصل، والذي تم تنصيبه ملكاً على سوريا عقب دخول قواته إلى دمشق مع الجيش البريطاني.
ولكن الأحداث التي تلت، بانسحاب البريطانيين وتسليمهم المنطقة للفرنسيين حسب اتفاقية سايكس بيكو، حولت مشاعر الغضب والعداء عن تركيا لتنصب على الغرب وخاصة فرنسا التي هزمت قوات الأمير فيصل في معركة ميسلون، واحتلت سوريا ولبنان. وقد خلقت هذه الأعمال وما تلاها من تصرفات، سلسلة من ردود الأفعال تمثلت في تصاعد المشاعر القومية العربية. وقام عدد من المفكرين العرب المسلمين والمسيحيين، وكان أبرزهم ساطع الحصري، بما يعتبر محاولة إحياء للثقافة العربية والروح العربية، في مؤازرة متأخرة لحركة الإحياء الإسلامي التي قادها الأفغاني ومحمد عبده. وعلى صعيد آخر بدأ عدد من الشباب بالتفكير في إنشاء حركة إحياء عربية وقد أثمرت جهودهم ما عرف فيما بعد بحزب البعث العربي الاشتراكي.
كانت حركات رد الفعل العربية على غدر الحلفاء الغربيين للعرب، قد عمت سوريا، والعراق، وفلسطين، ومصر، على شكل انتفاضات بقيادة التيارات التقليدية.
ففي مصر كانت ثورة 1919، التي قادها الوفد برئاسة سعد زغلول، قد استمرت حتى العام 1922، حين أعلنت بريطانيا مصر ملكية مستقلة، تحت حكم فؤاد الأول، وفي العام التالي صدرت مسودة دستور وافق عليه الزعماء بجعل مصر ملكية دستورية، ثم ليفوز الوفد في انتخابات ويشكل حكومته.
وقد كان الفكر الوفدي عروبياً ليبراليا، وإن كان لم يقطع علاقته بحركة الإحياء الإسلامي التي ذكرناها آنفاً ختى ظهر الاخوان المسلمون برعاية بريطانية معادين للوفد ومدغدغين أحلام الجماهير المسلمة باستعادة الخلافة التي كانت لا تزال تراود الكثيرين هناك.
أما في العراق فما أن أعلنت دول الحلفاء في مؤتمر "سان ريمو" في إبريل 1920، إيكال الانتداب على العراق إلى بريطانيا، حتى هب العراقيون في يوليو من العام ذاته في ثورة عارمة على قوات الاحتلال البريطاني، أدت إلى إعلان البريطانيين عن إقامة حكومة إقليمية ملكية في العراق، ورشحوا الأمير فيصل ابن الشريف حسين ليكون ملكاً عليها، على أن يتم إقامة حكومة عراقية تكون تحت إشراف المندوب السامي البريطاني. وقد أجريت انتخابات لاختيار الملك، وفاز فيها فيصل بنسبة 96% من الأصوات (عادة تعلمها العرب من البريطانيين فيما يبدو) ولم ينل العراق استقلاله الكامل إلا عام 1933م.
وفي فلسطين قامت بريطانيا بفتح أبواب البلاد لهجرة اليهود إليها، وكانت نسبتهم إلى العرب عام 1922 لا تزيد عن 11%، فبلغت هذه النسبة 29% عام 1936م. وأمام هذا الخطر اندلعت الثورة الكبرى في إبريل 1936، لتعم كل فلسطين، وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت عام 1937 على توصية اللجنة الملكية البريطانية، بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، مع إبقاء منطقة من فلسطين تحت الحماية البريطانية, ووعدت الحكومة البرلمان البريطاني بتقديم خطة مفصلة بعد إجراء استقصاء كاف.
وقد أجج هذا الموقف البريطاني الثورة، وما أن جاء العام 1938 حتى كان عرب فلسطين، بأجمعهم، قد انضموا إلى الثورة التي كانت تقودها الهيئة العربية العليا لفلسطين برئاسة المفتي الحاج أمين الحسين، والذي كان يوجهها من مقره في لبنان. وكانت معظم المدن الفلسطينية، ومعظم المناطق الجبلية، ومختصر القول، أن معظم فلسطين قد أصبحت تحت إدارة الحكومة الثورة التي حلت محل الإدارة البريطانية فيها.
ولم تهدأ الثورة إلى في عام 1939 بعد أن أصدرت بريطانيا، في خدعة جديدة، الكتاب الأبيض، الذي أعلنت فيه أنها قد قررت الحد من هجرة اليهود إلى فلسطين ووعدت بقيام دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات.
أما في سوريا فقد حدثت ثورة في العام 1925 ثم في العام 1927 واستمر الوضع مضطرباً حتى العام 1938 عندما عقدت فرنسا اتفاقية مع القادة السوريين تمنح من خلالها الاستقلال التام لسوريا، ولكن البرلمان الفرنسي رفض التصديق عليها، وفي العام التالي قامت فرنسا باقتطاع السنجق أو لواء الاسكندرونه وألحقته بتركيا.
وقد زادت هذه الأحداث من العداء الشعبي لفرنسا، غير أن كثيراً من القادة السوريين عشية الحرب العالمية الثانية أعلنوا ولاءهم لفرنسا والحلفاء، الأمر الذي أوجد نوعاً من القطيعة بين القادة التقليديين والناشطين الشباب الذين خابت آمالهم ولم تنل سوريا استقلالها إلاعام 1945. ولعل ما عرضناه يظهر أن القيادات التقليدية كانت لها محاولاتها المتعددة للتحرير والوحدة.
نشأة حزب البعث العربي الاشتراكي:
كان التفكير في إنشاء حركة البعث نتيجة الشعور بالحاجة إلى إيجاد وسائل لإحياء الروح والإرادة العربية في وجه السيطرة الأجنبية. فقد كان هناك شعور حاد مسيطر بعجز القيادات التقليدية عن تحقيق الأهداف المنشودة في الاستقلال والنهوض بالمجتمعات العربية، عجزاً نتج عنه ترد وتدهور معنوي وثقافي أضعف العرب وأعجزهم عن مواجهة التفوق الغربي المسيطر على المنطقة العربية.
وكان هناك شعور بأن العرب بحاجة إلى إعادة إحياء أو توليد التراث المشترك للجماهير العربية المتجاوز للتباينات الدينية والمذهبية للتخلص من النفوذ الأجنبي.
كان المنظرون والمؤسسون الثلاثة الكبار لحركة البعث معلمين من الطبقة الوسطى وهم زكي الأرسوزي وصلاح الدين البيطار وميشيل عفلق، وكانوا متأثرين بالثقافة الغربية التي انعكست على الصيغة التي وضعوها لحركة البعث، وهي صيغة حزب قومي عربي علماني. وكان المؤسسون الثلاثة يفضون برؤاهم هذه خلال الثلاثينات من القرن المنصرم إلى مجموعات صغيرة من المثقفين في سوريا.
وفي أوائل الأربعينيات أخذ كل من عفلق والبيطار على عاتقيهما توسيع نشاط الحركة في دمشق عن طريق تنظيم تظاهرات دعماً لحكومة رشيد عالي الكيلاني في العراق الذي كان يخوض صراعاً ضد البريطانيين هناك. وما أن حل العام 1945 حتى أصبح اسم البعث علماً على حزب سياسي بدلاً من حركة.
ويمكن إرجاع التاريخ الرسمي لنشأة الحزب إلى موعد انعقاد مؤتمره الأول في دمشق في السابع من إبريل عام 1947 حيث تمت المصادقة على دستور الحزب وانتخاب لجنة تنفيذية له.
أيديولوجية الحزب وممارساته:
فرضت ظروف نشأة الحزب جانباً من أيديولوجيته، فقد جعلته شعاراته العلمانية جذاباً لدى المجموعات المسيحية، وجعلته شعاراته الاشتراكية جذاباً لدى المجموعات المهمشة كالعلويين في سوريا.
وكانت أيديولوجية الحزب مصاغة حول شعارات ثلاثة هي: الوحدة والحرية والاشتراكية، وقد أولى منظرو الحزب هذا الترتيب لشعارات الحزب أهمية قصوى وسال حبر كثير حولها.
وقد أصر قادة الحزب ومنظروه على أن الوحدة تعني بالأساس وحدة الأداة الثورية وهي حزب البعث تحديداً، والتي ستحقق الوحدة العربية ومن ثم الحرية والاشتراكية. ويحمل هذا التصور في داخله بذور رفض الآخر غير البعثي، الذي طبع الحزب بطابعه طيلة تاريخه. وكان هذا الرفض للآخر يستدعي وصول البعث إلى السلطة في الوطن العربي في كل قطر على حده بالوسيلة الانقلابية المتاحة وهي الجيش أو بالأحرى القوات المسلحة.
ولذلك فقد أولى الحزب الانتشار في صفوف القوات المسلحة أهمية كبرى، فلم يكن هناك سبيل آخر للتفرد بالسلطة في نظر حزب يرى نفسه الأداة الوحيدة لتحقيق بعث الأمة وإحيائها. خاصة وأنه لا يثق بصندوق الاقتراع.
ولم تحو أدبيات الحزب أية دراسات معمقة للمجتمعات العربية ومستوى تطورها والعلاقات الاجتماعية فيها ومستوى تطورها الاقتصادي، ولعل ذلك راجع إلى رفض الحزب لكل ما هو قائم ولكل القوى القائمة بحيث وضع نصب عينه الوصول إلى السلطة وبعدها يكون لكل حادث حديث.
واعتقد أن قطيعته مع التيارين الإسلامي والماركسي لم يكن سببها الاختلاف الفكري بقدر ما كان إصراراً على وحدة أداة التغيير كشرط لتحقيق الوحدة العربية.
وحول هذا الرفض والإصرار المسبق جرت مساجلات صحفية وإعلامية كثيرة مدارها التبرير والتفسير وتلطيخ الآخر. وكان رفض الحزب لكل ما هو قائم في الواقع انسحب حتى على دراسة الواقع والتأمل في مضامينه.
وقد جاءت الأحداث والانكسارات اللاحقة لتؤكد للبعثيين صحة مواقفهم وتصوراتهم. فقد كان دعم الاتحاد السوفيتي لقرار تقسيم فلسطين بمثابة تأكيد على استحالة التعاون مع الحركة الشيوعية العربية التي سايرت المركز في قرار تأييد تقسيم فلسطين بحجج واهية عن وحدة الطبقة العاملة. وجاء اندحار الجيوش العربية في العام 1948 ليثبت للحزب عقم القيادات الدينية والتقليدية واعتبرها جزءاً من أسباب الضعف والوهن الذي ينبغي تطهير المجتمع منه كعقبة في سبيل بعث الأمة العربية وإحيائها.
ولم يحدث التوسع الأهم للحزب خارج سوريا إلا عقب الهزيمة العربية أمام إسرائيل في العام 1948، عندما تجذرت في وعي العرب فكرة أن سبب الهزيمة هو خيانة القيادات من الحكام التقليديين وتفرق العرب. ففي العام 1952 تم الاندماج بين حزب البعث العربي وبين الحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني ليتشكل منهما حزب البعث العربي الاشتراكي. وفي العام 1954 تم تأسيس فرع الحزب في العراق. وفي سنوات لاحقة تم تأسيس خلايا سرية للحزب في عدد من الأقطار العربية.
شارك حزب البعث بفعالية في الجهود الرامية إلى تحقيق الوحدة بين مصر وسوريا، وقبل بحل نفسه تحقيقاً لشرط الرئيس جمال عبد الناصر. ويقول كثير من الناقمين إن حزب البعث فقد مبرر وجوده عندما شارك عدد من عسكرييه وسياسييه في الانقلاب الذي قاد عملية انفصال سوريا عن دولة الوحدة. وقد أدى ذلك إلى خيبة أمل لدى الجماهير من الحزب، فحدث انقلاب أبيض بقيادة أمين الحافظ في 8 مارس 1963 ليأتي بقيادة بعثية خالصة اتهمت القيادة السابقة بالانفصالية وتبرأت من الانفصال.
وقد شهد الحزب بعد ذلك صراعاً حاداً بين القيادات العسكرية والمدنية القديمة والعسكريين والمدنيين الشباب في قيادة الحزب، فحدث انقلاب يساري من الحزب في فبراير 1966 بقيادة نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وحافظ الأسد تمكنوا بموجبه من استلام السلطة، وتم الزج بالقيادات القديمة التي اتهمت باليمينية في السجون. وفي هذا العهد حدثت هزيمة العرب أمام إسرائيل في حرب عام 1967م. واصبحت الخلافات بين جديد والأسد كبيرة خصوصا في حرب 1967 وبعدها في احداث ايلول الاسود عام 1970، مما تسبب باقالة الاسد مع رئيس الاركان مصطفى طلاس من منصبيهما، لكن حافظ الاسد وطلاس قاما بمساعدة القطع الموالية لهما في الجيش بالانقلاب على صلاح جديد ورئيس الجمهورية انذاك نور الدين الاتاسي وسجنهما وذلك في ما عرف بالحركة التصحيحية في نوفمبر 1970، وأصبح حافظ الأسد رئيساً لسوريا في مارس 1971. وقد تمكن حافظ الأسد من إعادة بناء الجيش السوري والاقتصاد السوري وشارك بفعالية في حرب الثأر عام 1973 ضد إسرائيل، وهو ثأر شخصي أيضاً إذ أن حافظ الأسد كان قائد القوات الجوية أثناء هزيمة 1967م. وقد جمع حافظ الأسد حوله حلقة من الضباط العلويين وبعض السنة والمسيحيين الذين سيطروا على الجيش والمخابرات مستبعدا الاسلام السياسي تماما، وهو ما أثار ردود فعل حادة من الإخوان المسلمين المدعومين من النظام البعثي في العراق، فقام حافظ الأسد بحصار معقلهم في مدينة حماة وتم تدميره.
وكان النظام السوري قد تدخل في لبنان بموافقة الغرب في منتصف السبعينات لمنع انتصار تحالف القوى اليسارية ومنظمة التحرير الفلسطينية على القوى المارونية في حرب الجبل وهو ما أدى إلى إطالة أمد الحرب الأهلية في لبنان خمسة عشرعاماً لاحقة تقريباً.
وفي العراق شارك حزب البعث في انقلاب 8 فبراير 1963م ضد الرئيس عبد الكريم قاسم وقام بتصفيات دموية ضد الشيوعيين الداعمين لحكم قاسم، وهو ما أساء إلى سمعة الحزب فأطيح به على يد شركائه الناصريين وأبعد عن السلطة. وقد تمكن الحزب من العودة للحكم في يوليو 1968 في انقلاب أبيض ضد الرئيس عبد الرحمن عارف، أعقبته تصفيات متعددة لشركائه العسكريين في الحكومة، وتولية أحمد حسن البكر القيادة وكان صدام حسين نائباً له.
وقد تميز هذا العهد بإعلان الحكم الذاتي للأكراد ثم الانقلاب عليهم، وبالتحالف مع الشيوعيين ثم الانقلاب عليهم، وشيئاً فشيئاً أخذ الحكم يتبلور إلى حكم عصبوي أصبح فيه لأبناء مدينة تكريت من عشيرة البكر وصدام حسين السيطرة الكاملة على مفاصل القوة والثروة في البلاد. ولم يلبث النظام أن تورط في الهجوم على إيران التي قادته إلى حرب مميتة دامت عقداً كاملاً ذهب ضحيتها مليون أو أكثر من الطرفين. ثم ارتكب مغامرته القاتلة بغزوه للكويت في العام 1990 وهو ما أدى إلى القضاء عليه في آخرالمطاف.


تقويم تجارب الحزب في الحكم:
ولاشك أن تقويم تجربة الحزب في البلدين تتطلب أبحاثاً مليئة بالتفاصيل في مختلف المجالات. إلا أن المقارنة السريعة بين أحوال القطرين العراقي والسوري والأقطار العربية ذات أنظمة الحكم المختلفة، والتي تشبههما من حيث الظروف الاقتصادية والمصادر المتاحة، بل والأقل منهما تطوراً في بداياتهما، من حيث التنمية البشرية، والعلاقات الاجتماعية كالسعودية وتونس توضح بجلاء وتسمح بالقول بأن تجربتي البعث السورية والعراقية، كانتا في محصلتيهما النهائيتين فشلاً ذريعاً على مختلف الأصعدة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية وإدارية مقارنة بما تم إنجازه في الأقطار الأخرى. فقد وقع العراق تحت نير الاحتلال العسكري المباشر من جديد منذ العام 2003 لم يكد الآن يتخلص منه ودمرت بنيته التحتية ووقع جيل كامل من ابنائه في مهاوي الامية والجهل، وتتعرض سوريا اليوم الى هجمة كونية شرسة بقطعان من المرتزقة الارهابيين شردت الشعب وعملت تدميرا في كل المكاسب.
وصحيح أن جزءاً كبيراً من ذلك الفشل الضخم، يرجع إلى ما واجهه البلدان من ضغوط غربية وأمريكية، وحصار اقتصادي، وعدوان عسكري، دمر بنيتي القطرين التحتية وانهك اقتصادهما واضاع جهود عقود في مضماري التنمية الاقتصادية والبشرية، إلا أنه يمكن القول بالقدر ذاته من الصحة أن ما تعرض له القطران وما حل بهما، كان نتيجة مباشرة لطبيعة الحزب الشمولية في المقام الاول، ثم للخفة والسطحية التي اتسمت بها معالجات الحزب ومقارباته للقضايا والمهام التي طرحتها عليه مسؤولياته في قيادة الدولتين في المقام الثاني، وهما خفة وسطحية ناتجان عن الشمولية التي تستبعد اهل الخبرة وتعتمد على اهل الثقة الذين غالبا ما يكونون دون المستوى المطلوب.
ولعل أهم الأخطاء كان ذلك الرفض للآخر المتجذر في شعارات الحزب كما أسلفنا، وهو رفض أخذ طابعاً دموياً، مبرراً بشعارات سطحية، فالحزب في العراق برر مجازره ضد الشيعة والأكراد بشعارات تعود إلى العصر العباسي الأول، كمصطلح الشعوبية. وفي الوقت ذاته حافظ الحزب على نبرة خطابية وشعاراتية عالية ضد الغرب مع الرفض الكامل للديمقراطية، في الوقت الذي كان الحزب في القطرين يعقد الاتفاقات السرية مع هذا الغرب لتمرير ممارسات تخدم مصلحة الحزب وتخدم مصالح الطرف الآخر كالتدخل الأول في لبنان، والهجوم على إيران.
لقد حكم الحزب الذي اصبح شموليا تماما بالقبضة الحديدية للأجهزة المخابراتية والعسكرية التي تحولت إلى امتداد للحزب الذي ابتلع الدولة، والزعيم الذي ابتلع الحزب. وكان الفساد والتحلل من حكم القانون قد وجد في هذه الأجواء مجالاً واسعاً طال كل نواحي الحياة، إلى حد اختصاص بعض القادة من الأسرة الحاكمة في سوريا ، رفعت الاسد وانجاله، بمرافئ غير شرعية تمارس عبرها تجارة تهريب واسعة، كما ذكرت التقارير الإخبارية، وتحول لبنان إلى ساحة لممارسة الفساد.
ومن سخرية الأقدار أن يكون حزب البعث في العراق مسؤولاً أمام التاريخ عن ضرب الحد الأدنى القائم للتضامن الإسلامي ضربة قاتلة بالهجوم على إيران، ومسؤولاً عن ضرب التضامن العربي في حده الأدنى بضربة مميتة أخرى هي غزوه للكويت، فكان أداة لإضعاف التضامن هنا، كما تورط بعض قياداته في القضاء على أول وحدة عربية في سوريا، إضافة إلى الصراع العدائي المرير بين قيادتي الحزب في سوريا والعراق، وفي تناقض كامل مع كل شعاراته ومبررات وجوده، وما كان مصدراً لشرعيته.
ومع ذلك كله فقد ظل الحزب وفيا لشعاراته القومية واحتضن العرب الوافدين الى قطريه كما بقي التزامه بالقضية الفلسطينية راسخا لا يتزعزع، كما بقي معاديا للهيمنة الغربية
حركة القوميين العرب:
إحدى حركات رد الفعل على هزيمة العام 1948 أمام إسرائيل. وقد أسسها الدكتور جورج حبش عام 1951 غداة تخرجه طبيباً من الجامعة في بيروت. والدكتور حبش مسيحي من اللّد في فلسطين ومن المهجرين عام 1948م.
وعندما قامت الثورة في مصر 23 يوليو 1952 وظهرت توجهاتها العروبية، أصبح جورج حبش وحركته مؤيدين متحمسين لها ولقائدها الرئيس جمال عبد الناصر.
وقد تمكنت الحركة منذ الخمسينات من الانتشار في أوساط الطلاب والمثقفين العرب الموجودين في بيروت، وعن طريقهم تم إنشاء فروع للحركة في سوريا والأردن والكويت والسعودية واليمن إضافة إلى لبنان.
وبمضي الأعوام أخذ حبش يأخذ منحى أقرب إلى الماركسية حتى تخلى في آخر المطاف عن التوجه القومي. وبعد حرب عام 1967 أسس الحركة الشعبية لتحرير فلسطين على أنقاض حركة القوميين العرب التي خرج منها نايف حواتمه ورفاقه ليؤسسوا جبهتهم الخاصة. وقد كان أكبر نجاح للحركة وصول الجبهة القومية التي تصدرها قياديو حركة القوميين العرب اليمنيون إلى السلطة في جنوب اليمن، ولكن هذه القيادات أو معظمها غادرت مواقعها الفكرية القومية منذ العام 1963 انسجاماً مع التطورات الجارية في الحركة الأم ثم تحولت إلى الماركسية فيما بعد. لتنتهج بعد وصولها إلى السلطة أسلوباً إستالينياً في الحكم يشبه الأسلوب الذي انتهجه حزب البعث في كل من سوريا والعراق.
لقد أصيبت الحركة بنفس الأعراض التي أصابت حزب البعث الناتجة عن الطبيعة الشمولية والحركية السرية المنغلقة للتنظيم، وفقدان الإيمان بالديمقراطية والدوجما الإيديولوجية، وهي حالة تؤدي دائماً إلى نشوء العصبوية، والانحيازات المناطقية والطائفية، في الحركات السياسية. وقد كانت التجربة السياسية المريرة للسلطة الحاكمة في الجنوب اليمني وما رافق مسيرتها من صراعات دموية على السلطة، ومن انقسامات جهوية وحتى قبلية، دليلاً أكيداً على ما يؤدي إليه غياب الفكر والممارسة الديمقراطية من تدمير في بنية الأحزاب والحركات السياسية، وهو ما ينعكس على الدولة عندما تصل هذه الأحزاب إلى السلطة.
الناصرية
تم تكوين تنظيم الضباط الأحرار الذي نفذ حركة الجيش المصري الانقلابية التي عرفت فيما بعد بثورة 23 يوليو 1952م، كرد فعل من الضباط الذين شاركوا في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م والتي هزمت فيها الجيوش العربية هزيمة أدت إلى استيلاء إسرائيل الوليدة على مساحة أكبر من تلك التي خصصت للدولة اليهودية في قرار التقسيم. وقد أرجعت تقارير صحفية مصرية هزيمة الجيش المصري إلى فساد الإدارة المصرية التي زودت جيشها، كما قيل، بذخائر فاسدة.
الإدارة المصرية قبل الثورة:
كانت مصر ملكية دستورية طبقاً للدستور الذي أُعلن غداة استقلالها عام 1923م. وكانت لمصر بنية دولة حديثة يرجع الفضل في إرساء أسسها إلى القنصل البريطاني العام، السير إيفيلين بارنج، الذي اشتهرت باسم اللورد كرومر. ومن المفارقات أن وصول ذلك اللورد إلى مصر، كان نتيجة لثورة قام بها الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي باشا في عام 1882م تذمراً من الإشراف الأوروبي على مالية مصر التي كان قد تم إعلان إفلاسها لعجزها عن سداد الديون الباهظة، التي أغرقها فيها خديوي مصر المسرف إسماعيل باشا؛ فتدخل الجيش البريطاني وهزم الجيش المصري في معركة التل الكبير واحتل مصر. وعندما تسلم اللورد كرومر وظيفته عام 1892م، بعد عقد من الركود والتدهور الاقتصادي، قام بتحديث الإدارة المصرية، وأصلح نظام الري، وضبط الشؤون المالية والاقتصادية بنجاح كبير أعاد الثقة العالمية بالاقتصاد المصري، وهيأ لانطلاقة اقتصادية في العقود التالية، حتى الاستقلال وما بعده.
وقد جاءت حركة الجيش عام 1952 في وقت كانت البلاد تعيش فيه إحدى أكبر أزماتها السياسية بسبب إقالة الملك فاروق – الذي كان يسيء استخدام صلاحياته – لحكومة حزب الوفد، أكبر الأحزاب المصرية، متهما قيادة الحزب بالفساد. وقد اغتيل رئيس الوزراء الذي عينه الملك خلفاً للنحاس باشا رئيس حزب الوفد ، ثم حدثت اضطرابات في مدينة القاهرة التي تم إشعال النار في عدد من أحيائها فيما سمي بحريق القاهرة.
وكانت أخطر مظاهر رعونة الملك فاروق وطيشه قيامه بتكوين منظمة سرية من ضباط الجيش المصري سماها الحرس الحديدي، وكانت مهمتها اغتيال من يراهم الملك خصوماً له، وهو تجاوز خطير للقانون أفقد النظام السياسي في البلاد هيبته ونشر فيه الفوضى وحكم الغاب. ومع ذلك فقد كانت مصر تتمتع عشية الثورة أو حركة الجيش المباركة كما سميت أول الأمر، بنظام سياسي ديمقراطي وبيروقراطية فاعلة وقضاء نزيه، كما تعيش نهضة اقتصادية وثقافية، مقارنة بالأقطار العربية الأخرى بطبيعة الحال.
ومن جهة أخرى كانت البلاد تعاني من خلل كبير في توزيع الثروة، حيث كان مئات من الإقطاعيين الكبار يمتلكون معظم المساحة الزراعية ويفرضون حياة من البؤس على ملايين الفلاحين والموزعين على أربعة آلاف قرية على جانبي النهر في دلتا نهر النيل.
ومع أن حزب الوفد حاول إصلاح هذا الخلل عبر قوانين تحد من الملكيات الواسعة للأرض، إلا أن الملك كان يقوم بحل حكومات الوفد المنتخبة المتعاقبة، ثم يعين بدلاً منها حكومات غير منتخبة تجهض الإصلاحات الاجتماعية، وتفسد الحياة السياسية، وهو ما أفشل جهود حزب الوفد.
عهد الثورة:
كان قائد الثورة جمال عبد الناصر رجلاً يتمتع بمزايا شخصية ضخمة ومتانة أخلاقية عالية وكبرياء شخصية شامخة، وإلى ذلك كان رجلاً يحمل فلسفة؛ فهو يعرف بالضبط ما يريد. ولا شك أن السنوات التي قضاها في مجال التعليم العسكري العالي في كلية أركان حرب قد أتاحت له إطلاعاً واسعاً ومفصلاً على سير رجال عظام معدودين على أصابع اليد الواحدة عبر التاريخ من نابليون بونابرت إلى هتلر وقبلهما الاسكندر المقدوني، وقد كان لكل منهم إنجازاته العسكرية الباهرة ومساهماته الاجتماعية المشهورة.
وكان التاريخ العسكري المصري الذي يدرس في الأكاديميات العسكرية ينبه إلى كون صحراء سيناء معبراً للأعداء عبر التاريخ، وأن الشام مهم جداً لأمن مصر. وإلى ذلك فقد كانت إنجازات مصر العسكرية من رمسيس إلى صلاح الدين والمظفر قطز وزميله بيبرس ماثلة في هذه المناهج. وكانت الدوائر التي تصورها عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" باعتبارها مهمة لأمن مصر تدل على فهم للتاريخ ورؤية ثاقبة لتحديات الحاضر ومن هذه الدراسة للتاريخ برزت فكرة البطل والإقليم القاعدة.
وأرجح أن الإنجازات الاقتصادية لألمانيا الهتلرية كانت ذات أثر عظيم على تفكير عبد الناصر، خاصة بسبب العلاقة الروحية الحميمة بالعسكري المصري المنشق اللواء عزيز المصري، الذي تبرع لمساندة المجهود الحرب الألماني ضد الإنجليز في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية، فانعكس ذلك على موقفه المعادي للأحزاب السياسية.
وبحكم نشأته في أسرة متواضعة كان عبد الناصر منحازاً إلى البسطاء والفقراء والطبقة الوسطى التي انضم إلى أعلى مراتبها فيما بعد كضابط ذي رتبة سامية في الجيش المصري. وإلى ذلك كان جمال عبد الناصر متشبعاً بثقافة عربية إسلامية متفتحة، وإصلاحية، ويحمل إيماناً عميقاً بالأمة التي تحمل كل مقومات العظمة الكافية.
وقد اهتم عبد الناصر وتابع عن كثب أحوال الأحزاب السياسية المصرية، من مصر الفتاة بتنظيمها ذي القمصان البنية على الطريقة النازية، إلى الإخوان المسلمين وطقوسهم التي ترجع إلى الجمعيات السرية بمظاهرها المضحكة والخطيرة في آن معاً حيث يقسم العضو، على مصحف ومسدس، على الطاعة التامة، إلى المكائد السياسية الصغيرة لبورجوازيي وإقطاعيي الأحزاب الليبرالية المتناحرة...، ويبدو أنه قد اقتنع بأنها عقبة في وجه أي عمل جاد ومشروع كبير كالذي كان يحمله.
كانت أولويات عبد الناصر بسيطة وواضحة: تمصير المؤسسات الاقتصادية التي يمتلكها الأجانب، وتخليص الفلاحين من سيطرة الإقطاع عن طريق إصلاح وتطوير زراعي واسع، وبناء جيش مصري قوي، وإقامة صناعة مصرية قوية وواسعة، وإتاحة الفرص أمام جميع أطفال مصر للتعليم من الابتدائية إلى الجامعة، وقبل ذلك كله التخلص من آخر أثر للوجود البريطاني في بالتفاوض على جلاء نهائي لتلك القوات التي كانت تعسكر حول قناة السويس، ومن ثم العمل على تعميق التعاون العربي وتحقيق الوحدة العربية لمواجهة تحديات الأعداء وخاصة إسرائيل.
وقد أملت هذه الأجندة أو جدول الأعمال البسيط الواضح مسار مصر اللاحق؛ فبعد أن تمكن عبد الناصر من الإمساك بمقاليد الأمور في مصر في العام 1954 وتخلص من محمد نجيب، ومنافسيه الآخرين، أخرج الأحزاب السياسية المصرية من الساحة، وشرع في تحقيق وتطبيق جدول الأعمال، وتمكن من تحقيق جلاء القوات البريطانية من مصر، ثم أصدر قانون الإصلاح الزراعي الذي جعل الحد الأعلى لملكية الأراضي الزراعية مائة فدان.
وعندما أراد عبد الناصر تسليح الجيش المصري لم يلب الغرب طلبه، فاتجه إلى الاتحاد السوفييتي وعقد صفقة أسلحة بقيمة 450 مليون دولار.
وكان اهتمام عبد الناصر بالحفاظ على استقلال مصر وخلوها من أي وجود لقوات أجنبية قد دفعه إلى محاربة مشروع حلف بغداد الذي تم التوقيع عليه في نوفمبر 1955م.
وقد وجد عبد الناصر أن الطريقة الوحدة لتطوير القطاع الزراعي المصري تكمن في بناء سد أسوان العالي لزيادة الرقعة الزراعية 4 ملايين فدان إضافية. ولكن ممانعته لمشروع الأحلاف العسكرية المضادة للاتحاد السوفييتي لحرصه على الاستقلال، جعل الولايات المتحدة، وبريطانيا، والبنك الدولي، تسحب عروضها للمساعدة على تمويل مشروع السد العالي؛ فاضطر إلى تأميم قناة السويس التي كان موعد عودتها إلى السيادة المصرية على وشك الحلول بعد سنوات قلائل على أي حال..
وعندما قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بعدوانها الثلاثي على مصر عام 1956م، والتفت الجماهير العربية حول مصر، بتفجير أنابيب النفط ومقاطعة السفن، ثم معسكرات التطوع...، أخذ عبد الناصر يزداد إيماناً بمكونات فلسفته التي دفعته قبل ذلك إلى مناصرة ومد الثورات التحررية العربية والإفريقية بالسلاح والمساعدات والدعم الديبلوماسي.
وعقب الحرب العدوانية عام 1956 واندحار المعتدين، قام عبد الناصر بتنفيذ الخطوة التالية في جدول أعماله، فقام بتأميم جميع مصالح الأعمال الأوروبية في مصر، وشرع في تنفيذ برنامج اقتصادي طموح للتنمية. وما أن حل العام 1960 حتى كان معدل النمو السنوي للإنتاج الصناعي قد بلغ أكثر من 17% وبلغت قيمة الإنتاج الصناعي في ذلك العام ضعف قيمة الإنتاج الزراعي للبلاد وضعف قيمة الإنتاج الصناعي في العام 1952 عندما قامت الثورة.
الوحدة:
كانت الوحدة السورية المصرية في الأول من فبراير 1958 قد أدت إلى تكوين الجمهورية العربية المتحدة، وغيرت موازين القوى في المنطقة، وأدت إلى إثارة العديد من القضايا داخل وخارج الجمهورية الوليدة وهي قضايا كان نجاح واستمرار الوحدة معتمداً عليها إلى حد كبير.
وقد كانت البنية السياسية الموحدة لإقليمين منفصلين جغرافياً قد وضعت ضغوطاً على العلاقات بين الإقليمين اللذين يمتلك كل منهما تاريخاً طويلاً ممتداً وراءه. وكان هذا الاتحاد قد قوبل بكثير من الشك والريبة في المنطقة وخارجها باعتباره عاملاً جديداً في السياسة الدولية، خاصة بسبب موقف مصر من الاستقطاب الدولي في صراع المعسكرين.
ومن أجل حل المعضلات الماثلة وضع عبد الناصر لنفسه ثلاث أولويات: كبح المعارضة الداخلية والتركيز على التقدم الاقتصادي، وفي المجال العربي متابعة تنسيق المواقف حول القضايا الكبرى، وعلى صعيد العلاقات مع القوى الكبرى تأمين تدفق الدعم السوفييتي الاقتصادي والعسكري مع الحفاظ على العلاقات مع الغرب والحصول على ما يمكن من المعونات.
وقد تم اعتقال الشيوعيين في إقليمي الجمهورية العربية المتحدة عام 1959 بسبب المعارضة التي أبداها الشيوعيون للوحدة، والموقف العدائي المنافس الذي كان يقفه حملة الايديولوجيا.
وكان الجفاف الذي ضرب الزراعة السورية ثلاث سنوات، قد أدى إلى عجز في الميزان التجاري السوري، 57-59، وهو عجز كان يغطى من تجارتي الترانزيت الأردنية واللبنانية عبر سوريا، وعائدات خط التلابلاين النفطي. وكان الإصلاح الزراعي الذي طبق في سوريا على غرار مصر لم يراع اختلاف الأوضاع بين البلدين، وقد أثار مع الجفاف استياءً واسعاً في سوريا. وعلى خلفية الأوضاع الاقتصادية السيئة هناك، والتوتر على حدود سوريا مع كل من العراق وتركيا وإسرائيل، قام عبد الناصر بتعيين نائبه المشير عبد الحكيم عامر حاكماً لسوريا، فيما يعتبر أحد أكبر أخطاء عبد الناصر؛ فقد كان المشير هو البطن الرخوة للنظام، والذي كان بعجزه وفشله السبب في كل الأذى الذي لحق بتجربة عبد الناصر، بدءاً من سوريا، مروراً باليمن، وانتهاءً بالهزيمة المرة في العام 1967 أمام إسرائيل.
الثورة الثانية:
كان التمدد في المجالات التي يعمل بها القطاع الخاص سمة للخطة الخمسية 1960-1965 التي يمكن تسميتها بثورة عبد الناصر الثانية. وقد تضمنت الخطة برنامجاً طموحاً للتوسع الصناعي بإنشاء سبعمائة مصنع ومشروع صناعي جديد. وكان جزء كبير من الرأسمال المطلوب لهذا الغرض يتم توفيره من قبل مؤسسات وحكومات أجنبية، على رأسها جمهورية ألمانيا الاتحادية، والباقي من الكتلة السوفييتية. وكان الاتحاد السوفييتي قد منح مصر حتى العام 1960 قروضاً بشروط تفضيلية لمائة مشروع صناعي وزراعي.
وتمهيداً لتنفيذ الخطة الخمسية تمت متابعة البرنامج الاشتراكي بمد سيطرة الدولة في كل قطاعات الاقتصاد الخاصة. فتم تأميم جميع المصارف، ومصانع القطن، وبورصة القطن، إضافة إلى 150 مؤسسة في مجالات الأخشاب، وصناعات المعادن والاسمنت والكيماويات والأسمدة والنقل.
وتم فرض ضريبة تصاعدية تصل إلى 90% من الأرباح إذا بلغت عشرة آلاف جنيه وذلك في إقليم مصر، مع توزيع 25% من الأرباح على العاملين في المشروعات الخاصة. كما تم تخفيض الحد الأعلى للملكية إلى خمسين فداناً مع تخفيض الأقساط والفوائد على المستفيدين من الإحلال الزراعي وقد أصر عبد الناصر على أن اشتراكية الدولة في الجمهورية العربية المتحدة ليست لها علاقة بالإيديولوجية الشيوعية، فهي تقبل الملكية الخاصة، وترفض الاستغلال، وتعتبر الفرد أساس المجتمع، وليس مجرد ترس في آلة ضخمة. ولكن الطبيعة البوليسية للإدارة جعلت ذلك مسألة نظرية.
العمل السياسي الجماهيري:
شهد عهد عبد الناصر إنشاء تنظيمين سياسيين على شاكلة أحزاب السلطة التي تشهدها هذه الأيام، وكان الأول الاتحاد القومي بشعاره تقليل الفوارق بين الطبقات، ثم الاتحاد الاشتراكي العربي بشعار تذوب الفوارق بين الطبقات وتحالف قوى الشعب العامل. وكأي تنظيم سلطوي يتسابق إلى عضويته الوصوليون والانتهازيون، تبخر الاتحاد الاشتراكي بوفاة جمال عبد الناصر وقيام خلفه السادات بالانقلاب على التوجهات الناصرية. ولذلك فإن التنظيم فيما أرى لا يستحق الحديث عنه أكثر.
كانت كاريزمية عبد الناصر قد ألهبت مشاعر الجماهير العربية، وتجسد فيه البطل المنتصر الذي يعيد للأمة كرامتها ومجدها. وكان لظهوره في مصر، أكبر الدول العربية وأكثرها رقياً آنذاك، دور كبير في امتداد تأثيره ونفوذه.
المخابرات:
على الرغم من أن قبضة أجهزة الأمن السرية والعلنية كانت شديدة، إلا أنها لم تكن منفلتة تفعل ما يحلو لها، فقد أوجد عبد الناصر أجهزة متعددة تراقب أداء الأجهزة الحكومية، وكان يولي أهمية كبرى لمحاربة الفساد واستغلال النفوذ في الأجهزة الحكومية وكذلك محاربة لغش والاستغلال التجاري والصناعي الذي تميل إليه البورجوازية كلما أتيح لها ذلك. فكانت أجهزة الرقابة السرية والعلنية تحكم الرقابة على الأجهزة الحكومية بينما كانت مباحث التموين تحكم الرقابة على المنتجات التجارية والصناعية، وكانت هناك أجهزة قضائية متخصصة كالنيابة الإدارية ونيابة التموين إضافة إلى المدعي الاشتراكي، تفرض نظاماً صارماً من النزاهة الإدارية والأمانة التجارية في البلاد.
كان نظام عبد الناصر حساساً جداً إزاء حملة الإيديولوجيا المرتبطين بقوى دولية، ويعتبر ذلك خيانة. ومن جهة أخرى كان جمال عبد الناصر يمقت الاستغلال الايديولوجي للدين وامتطائه لتحقيق أغراض سياسية، وكان يعتبر الدين خطأ أحمر لا يجب اللعب به، وهي سياسة حكيمة في بلد ثنائي الدين، قد يؤدي استغلال الدين فيه إلى فتن طائفية، وهو ما ثبت عندما عمد السادات إلى اللعب بهذا الموضوع بعد توليه السلطة فحدثت الأحداث الطائفية العنيفة ثم تطور الصراع إلى قيام الإسلاميين باغتياله في آخر المطاف وشنوا حملة إرهابية بشعة في مصر أضرت بالبلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
وصحيح أنه كانت هناك تجاوزات من قبل الأجهزة الأمنية وصلت حد التعذيب في كثير من الحالات وهو ما زود القوى المعادية للناصرية بذخيرة دعائية، تم استغلالها بشكل منظم وكثيف، بهدف الإساءة إلى التجربة الناصرية وتلطيخها، إلا أن هذه الممارسات الأمنية، والتجاوزات، لم تحدث قطيعة نهائية مع الاتجاهات السياسية المناوئة، فقد كان النظام يفسح لها المجال إذا ما أعلنت عن رغبتها الانسجام مع الخط العام للنظام وهو ما حدث مع الشيوعيين والبعثيين.
تقويم التجربة الناصرية:
كانت التجربة الناصرية غنية بإنجازاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية، وكانت أخطاؤها قليلة ولكنها قاتلة.
لقد توفر لمصر في شخص الرئيس جمال عبد الناصر زعيم تاريخي، ورجل دولة عظيم، وشخصية استثنائية بكل المقاييس توفرت، فيها كل المزايا التي يتمناها أي شعب في قائده. وكان تأثير عبد الناصر وإلهامه يتجاوز مصر والعالم العربي ممتداً في العالم من آسيا وإفريقيا إلى أمريكا اللاتينية. وكانت صلابته أمام صلف القوى الاستعمارية وإيمانه بالشعب وقدرته على تغيير الأوضاع والتغلب على المعوقات، زاداً لكل قادة قوى التحرر الوطني في العالم آنذاك.
ومن المفارقات أن تأتي الدول الرأسمالية الكبرى في اجتماعات الدورة الستين للأمم المتحدة لتفرض قرارات تطالب الدول بمكافحة الفقر وتوفير التعليم والرعاية الصحية لشعوبها، أي أن تقوم بنفس ما جعل عبد الناصر الدولة المصرية تقوم به منذ أكثر من خمسين عاماً.
أما عن الأخطاء القاتلة التي أتصور أنها رافقت تجربة جمال عبد الناصر فإنها تتلخص في أربع نقاط:
1- إصرار عبد الناصر على إبقاء مقاليد الأمور في القوات المسلحة بيد صديقه عبد الحكيم عامر على الرغم من فشله الظاهر في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956م. وقد كان المشير عامر يدير القوات المسلحة بأسلوب أبوي شللي، كان مدمراً لاحترافية القوات المسلحة، الأداة الأساسية للدفاع عن الوطن ومنجزاته ومقدراته. ومن المفارقات أن القيادة السياسية والإدارية القوية لجمال عبد الناصر، رافقتها القيادة الضعيفة في المجال العسكري، وهي قيادة كارثية أودت بالوحدة المصرية السورية، حيث تمكن حفنة من الضباط السوريين من الاستيلاء على السلطة في سوريا من يد حاكمها العام المشير عامر. ومع ذلك بقي عامر في منصبه ليكون السبب الرئيسي في الهزيمة المنكرة التي أضاعت ما بقي من فلسطين ومعها أراضي مصرية وسورية وأردنية في العام 1967م. وهي هزيمة غير مبررة ولا تفسير لها إلا العجز الفاضح والتقصير المخزي للقيادة العسكرية المصرية. وربما لو كان على رأس القوات المسلحة عسكري محترف كالفريق فوزي لأمكن تجنبها.
2- كان هناك قدر كبير من المغامرة في مسيرة عبد الناصر السياسية، فقد كانت مواقفه السياسية التي سبقت العدوان الثلاثي تقود إلى مواجهة حتمية مع القوى العاتية في العالم الغربي. فبين العامين 1955 و1956 وحدهما عمل بكل قوة على إجهاض وتقويض إستراتيجية الأحلاف التي كانت ركناً أساسياً في السياسة الغربية إزاء المعسكر السوفييتي، فكافح ضد حلف بغداد بقوة حتى قوضه، وفي الوقت ذاته اعترف بالصين الشعبية وأقام علاقات مع فيتنام الشمالية، اللذين كانا يخوضان صراعات استراتيجية ضد الولايات المتحدة ضمن الحرب الباردة. وشارك في إقامة منظمة عدم الانحياز مع كل من زعيمي الهند ويوغوسلافيا جواهرلال نهرو وجوزيفابرو زيتتو. ومع هذا كله كان تأميمه لقناة السويس مغامرة كبرى أوشكت على تكرار ما حدث لعرابي باشا وإعادة مصر تحت الاحتلال أو الوصاية لولا توافق الموقفين الأمريكي والسوفييتي على رفض العدوان وضرورة إيقافه وإفشاله.
3- إن خطوات عبد الناصر الآنفة في المجال السياسي ضد إستراتيجية الأحلاف كانت قد أدت إلى إعلان تطبيق المعاهدة الثلاثية الأمريكية البريطانية الفرنسية وإعلان الدول الثلاث عزمها في يناير 1956م على المحافظة على النظام في الشرق الأوسط بواسطة الأمم المتحدة أو بدونها، وقد سعى عبد الناصر على إثر ذلك إلى إدخال المعسكر السوفييتي طرفاً في القضية، فأعلن السوفييت في فبراير 1956م عن ارتباط الموضوع بالمصالح الشرعية السوفييتية في المنطقة، وهو ما قبلته الدول الثلاث، وقد كانت من قبل ترفض الاعتراف بأي وجود لمصالح سوفييتية في الشرق الأوسط وبذلك تم تدويل الصراع العربي الإسرائيلي ليصبح جزءاً من الحرب الباردة، وأدى إلى زيادة الاستقطاب بين المعسكرين، وهو ما كانت إسرائيل تسعى إليه بكل قوة إلى درجة قيام مخابراتها بتفجير مصالح غربية في مصر بغرض إفساد العلاقات بين الغرب ومصر فيما عرف بفضيحة لافون.
وقد أدى تدويل القضية إلى تعملق إسرائيل عسكرياً وسياسياً بدعم غربي وأمريكي واسعين ضمن إستراتيجية الصراع بين المعسكرين. وهو ما أصبح نظام عبد الناصر أول ضحاياه بعد أعوام قليلة إثر هزيمته العسكرية المذلة في العام 1967.
4- في العام 1963، بعد انفصال سوريا عام 1961 وانتهاء الوحدة، حدث انقلابان بعثيان متزامنان تقريباً في العراق وسوريا، وقد ذهب وفد من الدولتين إلى عبد الناصر يطلب إعلان وحدة اندماجية فورية ثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، ولكن عبد الناصر أحجم عنها، مع أنه كان يمتلك خبرات من تجربة الوحدة السابقة كان يجب أن تكون كفيلة بحماية الوحدة الجديدة لو تمت. ولو أن عبد الناصر انتهز الفرصة آنذاك لربما تغير وجه التاريخ بقيام دولة واحدة تضم العراق وسوريا ومصر واليمن وستنضم إليهم كل من السودان وليبيا فيما بعد.
وقد قيل إن عبد الناصر اشترط حل حزب البعث، فلم يوافق الضباط العراقيون والسوريون، فلم تتم الوحدة، وهي مواقف تثير علامات استفهام كبيرة محيرة.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)