صنعاء نيوز /د.عبدالعزيز المقالح -
زرت منذ أيام واحداً من المتاجر الراقية التي تسمى بـ"السوبر ماركت" وهي ليست المرة الأولى التي أزور فيها مثل هذه المتاجر التي لا حصر لما تقدمه لزبائنها من فائض الخدمة غير المطلوبة سوى للأقلية المقتدرة. وترددي على هذا النوع من المتاجر بين حين وآخر لا لكي أشتري شيئاً من معروضاتها وإنما لكي أشهد التوسع في استهلاك ما لا نريده وما ليست الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب بحاجة إليه فضلاً عن أن وجود مثل هذه المتاجر، وأسلوب عرضها يضاعف من شهوة الاستهلاك لدى المواطنين وكأنها تحرّضهم على شراء كثير من السلع الكمالية التي ليسوا بحاجة إليها، ولا يشكل الاستغناء عنها أي شعور بالحرمان. وسبق لي أن كتبت في هذا المكان إلى أن 90 % من المنتجات التي تباع في هذه المتاجر كمالية، وكل أبناء هذا البلد باستثناء شرائح معدودة يعجزون عن التعامل معها وإن كان وجودها يصدم مشاعرهم ويفتح شهيتهم ويجعلهم يحلمون في أن يكونوا من روادها ذات يوم .
ويعود افتتاح هذا النوع من المتاجر الباذخة التي تكاثرت في الآونة الأخيرة ولا حصر لمعروضاتها إلى ثمانينيات القرن المنصرم استجابة لرغبة الأغنياء الذين يبحثون عن الكماليات التي إن لم يجدوها في بلادهم لن يترددوا عن استيرادها من بلدان أخرى، والمشكلة التي تمثلها هذه المتاجر لا تعني هؤلاء القادرين وإنما باتت تهدد متوسطي الحال وأنصاف الفقراء وما تحفر في نفوسهم من أحلام في اقتناء بعض ما تعرضه من منتجات غالية الثمن، ربما لأنهم يشعرون في قرارة نفوسهم بالرغبة في منافسة فاشلة للأغنياء من جهة، وعلى اقتناء بعض الكماليات المحظورة على أمثالهم من جهة ثانية. واللافت للاهتمام، بل والباعث على القلق أيضاً أن هؤلاء الذين يوصفون بأنصاف الفقراء يضطرون إلى الاستدانة أو إلى القيام ببعض الأعمال غير اللائقة ليتمكنوا من أن يكونوا من زبائن هذه "السوبر ماركات" القادرة على الإغواء والإغراء، والتي تتفوق فيما تعرضه على أمثالها في الشعوب الأكثر غنى وإمكانات.
وقد أصغيت ذات يوم إلى بعض الأصدقاء الذين يعيشون في بعض العواصم العربية والأجنبية وهم يؤكدون أن ما تعرضه هذه المتاجر الفخمة في بلادنا يزيد كثيراً عما تعرضه أمثالها في الدول التي يقيمون بها، وأنها تثبت أن الانفتاح على استيراد ما لا أهمية له في هذه البلاد قد وصل في بلادنا ذروته، يضاف إلى ذلك غياب أي نوع من الرقابة الاقتصادية وما يرافق هذا الغياب من عشوائية الاستيراد، فضلاً عن القصور الواضح في "هيئة المواصفات والمقاييس"، واقتصار "جمعية حماية المستهلك" على توفير الحد الأدنى من الجودة في المواد الغذائية الضرورية، وتقصيرها في تبني موقف شعبي يسعى إلى الحد من استيراد هذه الكماليات التي تكلف ميزانية الدولة وميزانية الأفراد ما لا طاقة لهما تحت ذرائع ما يسمى بالحرية الاقتصادية، وما أكثر الجرائم التي يتم ارتكابها باسم الحرية وهي منها براء.
وقبل زمن ليس ببعيد كان هناك قانون أو مجموعة قوانين صارمة لمنع الكماليات التي تستنـزف اقتصاد البلاد في ما لا قيمة ولا أهمية له. وقد كان المهربون كدأبهم يعملون على إيصال بعض تلك الكماليات بالطرق غير المشروعة ولكنها كانت تبقى محدودة ولا يرغب في شرائها سوى تلك الشريحة من الأغنياء تشاركهم في الإقبال عليها بعض السفارات والعائلات الميسورة الحال، لكن الأمر اختلف الآن فقد اختفت قوانين الحظر حتى على تلك المواد المدمرة للبيئة ولصحة الإنسان وسلامة الأرض المزروعة. وقد قيل أن هذا الانفتاح الشامل وإلغاء الرقابة على الاستيراد المفتوح تم بعد مشاركة عدد من كبار المسؤولين في الصفقات التجارية، وبعد أن نالوا نصيبهم من هذا التوسع الاستهلاكي الضار وأثره المدمر على الاقتصاد الوطني الذي يعاني من الضعف والهزال، ولولا المسكنات الخارجية لكان قد قضى نحبه منذ سنوات.
الأستاذ طارق محسن العيني في الطبعة الثانية من كتابه (اليمن والثورات العربية):
أحتفظ عادة ببعض الكتب المهداة أو المشتراة لتكون زادي في هذا الشهر الكريم الذي يتسع فيه وقت القراءة أكثر من أي شهر آخر. وقد كان كتاب (اليمن والثورات العربية) للأستاذ طارق محسن العيني في مقدمة هذه الكتب التي احتجزتها للقراءة في هذه الأيام، وهو كتاب بديع يتميز بأسلوبه الطريف ودقة معلوماته وطريقة عرضه للأحداث والوقائع التي مرت وتمر بها بلادنا وبقية أقطار الوطن العربي. العنوان الكامل للكتاب هو (حكم جديد، اليمن والثورات العربية) ويقع في 403 صفحات من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
هذا زمن للتصدير وللاستيراد
تصدير الألفةِ
واستيراد الخوف
وما ينتجه عصر الخناس الوسواسْ.
أعرف أن الناس سواسيةٌ
في الموت،
سواسيةٌ في التحديق إلى ضوء الشمس
وفي التحديق إلى البحر
وفي استحلاب النكسة والإفلاسْ.