صنعاء نيوز /بقلم/ محمد عبدالوهاب الشيباني -
معركة كسر العظم التي تشهد فصولها المتسارعة المدن والقرى والنجوع المصرية بين جماعة الاخوان المسلمين وقوات الجيش والشرطة ـ بعد عملية فض اعتصامي (رابعة العدوية) في القاهرة وميدان (نهضة مصر) في الجيزة ـ تختزل تنازعات السلطة بين الجماعة والعسكر، فالسلطة التي فقدها الاخوان (بعد عام واحد من تسلّمها بفوز مرشحهم محمد مرسي بفارق ضئيل عن مرشح «العسكر» أحمد شفيق في يونيو 2012) يحاول الإمساك بها العسكر مرة أخرى بعد عام من تسليمها لرئيس مدني منتخب بعد ستين سنة من حكمهم، مستفيدين من صوت قوي ومؤثر في الشارع انتجته ثورة الثلاثين من يونيو يغريهم بها، بل يترجاهم الإمساك بها «هذا الصوت خليط من قوي سياسية واجتماعية ودينية اصطفت في الطرف الآخر من الاخوان وحلفائهم.
ولأن المؤسسة العسكرية في مصر لم تزل تحظى بتقدير خاص من أغلب مكوّنات المجتمع المصري السياسية والاجتماعية، هي من وجهة نظر هؤلاء (المستنجدين) وحدها القادرة على مواجهة وتقويض الجماعة التي يرون فيها خطراً داهماً على المجتمع وتماسكه، وقد عمدت(حسب هذه الوجهة) طيلة عام حكمها إلى الاستماتة في محاولة صبغ الدولة بلونها؛ وأولى خطواتها في ذلك تمثلت في تمكين أعضائها ـ أهل الثقة ـ من الإمساك بمواقع حساسة في بُنية الدولة (العميقة التي يُخشى الاّن من تفكيكها جراء الانقسام الشديد) تمهيداً لجعل الوظيفة العامة بتراتبها الدنوي والعلوي احتكاراً حزبياً ومحطة لاستجلاب الولاءات في دولة لم تنظر طويلاً إلى الوظيفة بوصفها أداة لتعظيم الولاءات السياسية، ولهذا كان تضخم الجهاز الإداري للدولة بركامه الوظيفي من كل لون وطائفة والمتعاظم لعقود سبباً في ترهل الدولة وبيروقراطيتها المعتقة.
المؤسسة العسكرية «من وجهة النظر ذاتها» هي الوحيدة التي استعصت على الاخوان (وإلى جانبها ربما المؤسسة القضائية)وقد حاولت الجماعة طيلة عام تحييدها عن حراك الشارع؛ وفي سبيل ذلك عمدت إلى تعطيل كل دعوات الحوار التي كانت توجهها قيادة الجيش لتقريب وجهات النظر بين فرقاء العملية السياسية في الشارع المحتقن وعلى وجه الخصوص تلك التي وجّهها قائد الجيش الفريق عبدالفتاح السيسي على خلفية انقسام الشارع في قضية الاستفتاء على الدستور، ودعوته الثانية قبل مظاهرات الثلاثين من يونيو قبل مهلته التحذيرية الشهيرة في الأول من يوليو والتي أفضت إلى عملية الإزاحة للرئيس مرسي في الثالث من يوليو، بعد انقضاء الساعات الثمان والأربعين التي حدّدها لجميع الأطراف من أجل حل الأزمة، أو الذهاب إلى خارطة مستقبل، وهو الذي صار فيما بعد لتدخل مصر حالة من الانقسام المضاعف والاستقطاب الحاد والذي يمثل أحد أطرافها جماعة الاخوان بتحالفاتها الواسعة مع أحزاب وتيارات وجماعات الإسلام السياسي.
وكانت جماعة الاخوان قبل ذلك قد حاولت استرضاء المؤسسة العسكرية من خلال الإبقاء على امتيازاتها في الدستور (الإشكالي) من أجل تقوية وتعظيم هذا التحييد لاستشعارها أن الجيش لم يضعف أو يلين بعد ثورة الخامس والعشرين من ينائر على العكس من المؤسسة الأمنية والشُرطية التي استطاعت الجماعة وحلفاؤها من تصفية كشف حساب طويل معها ابتداء من يوم 28 يناير 2011م.
إذاً نحن أمام تعارضات وتقاطعات شديدة للمصالح بين أكثر جهتين تنظيماً وقوة في مصر، وممكنات العنف، في تكوينهما حاضرة، لهذا فمعركة كسر العظم التي نشهدها لابد ان تخلّف ضحايا (أكثر مما شاهدناه خلال الأيام الماضية التي أعقبت عملية فض الاعتصامات يوم الأربعاء 14 اغسطس) من حطب المعركة الحقيقيين، ونقصد أولئك التابعين الضعفاء الموعودين بجنان الدنيا والآخرة، والمنساقين خلف خطاب تعبوي فاضح، ينقاد بنبرته التحريضية أولئك الأتباع المؤمنون بأحقية كل طرف من أطراف النزاع في السلطة.
لكن لا يفوتنا القول إن كلا القوتين لهما مصالحهما الاقتصادية والسياسية على الأرض وإن تصاعدت حدة الصدام غير المسيطر عليه بينهما سيعرض هذه المصالح للخطر مستقبلاً، لهذا نتوقع أن تعمل كلاهما على تهدئة اللعبة الدموية بينهما متى وصلا إلى قناعة أكيدة أن شروط التفاوض المقبولة عند كل طرف قد تسمح بالدخول في صفقة سياسية برعاية خارجية غالباً، تشرف على خروج الطرفين من ورطة التنازع على السلطة في أكبر بلد في الشرق الأوسط وأكثره تأثيراً وعمقاً، فلا الجيش يستطيع الاستئثار الصريح بالحكم بذات الأدوات القديمة التي توكّأ عليها طيلة ستة عقود منذ انقلابه على آخر ملوك مصر فاروق ابن فؤاد الأول في يوليو 1952م، ولا الجماعة تستطيع استرداد حكماً تبكيه بمرارة الاعتباط لم تستطع الحفاظ عليه بحسن الإدارة والتدبير والشراكة مع قوى ثورة الخامس والعشرين من يناير بمكوناتها المدنية التي هي من وجهة نظري أكبر الخاسرين من معركة كسر العظم هذه أو من أية صفقة مستقبلية قد يذهب إليها الاخوان والعسكر، لتبقى البلاد تحت رحمة القوى التقليدية المحافظة التي خرج لإزاحتها شباب مصر في يناير2011م، وهذا ما سنحاول مقاربته في سياق متصل بهذا الموضوع في قادم الأيام. |