صنعاء نيوز Lكفاح محمود كريم -
ربما يرى البعض حقائق الأمور بعيدة عن إطارها الواقعي على خلفية آراء مسبقة أو مواقف محددة تبتعد عن التقييم المهني والعلمي لأي ظاهرة أو حدث كان، ويذهب هذا البعض إلى درجة تشويه تلك الحقائق أو تأويلها بعيدا عن بنيتها الأساسية أيضا على خلفية دارج شعبي جميل يقول ( اكره واحكي وحب واحكي ) ومن هنا تأتي كثير من التقييمات أو التوصيفات بعيدة عن تلك الحقائق التي لا تقبل التشكيك ولا التأويل.
أردت بهذه المقدمة أن ادخل إلى مقارنة سلسة وبسيطة تعتمد الأرقام المحايدة والمجردة والدامغة فهي الأقرب إلى العقل والقلب كما هو معلوم من أي فذلكات سياسية أو إنشائية، هنا في هذا الإقليم المثير للجدل بمنطقة الشرق الأوسط ألا وهو إقليم كوردستان العراق الذي يضم أكثر من ستة ملايين نسمة يعيشون على ما يقرب من أربعين ألف كيلومتر مربع ويتحدثون في أغلبيتهم اللغة الكوردية إلى جانب مواطنيهم ممن يتحدثون اللغات الآشورية والتركمانية والعربية في ثلاث محافظات كبرى ومناطق تضم أكثر من ربع سكان الإقليم الحالي تعرضت لتغييرات ديموغرافية حادة في كل من محافظات كركوك والموصل وديالى، وشكلت في معظمها ما سماه الدستور العراقي بالمناطق المتنازع عليها ضمن مادة دستورية حملت الرقم 140 وهي عبارة عن خارطة طريق لحل تلك الإشكاليات الديموغرافية.
تحرر هذا الإقليم بمحافظاته الثلاث ( اربيل والسليمانية ودهوك ) اثر انتفاضة عارمة بعد تحرير الكويت، وأصبح ملاذا أمنا ليس للكورد فقط بل واحة لكل المعارضة العراقية طيلة أكثر من عشر سنوات، عاش فيها السكان سنوات عجاف من البطالة والفقر المدقع والحصار المزدوج من قبل الأمم المتحدة ونظام الرئيس الأسبق صدام حسين، أوصل مستويات الفقر إلى ما يقرب 45% عشية سقوط نظام صدام حسين ونسبة مرعبة من البطالة ووضع تعليمي وصحي رث يصل في كثير من مستوياته رغم ما قدمته كثير من المنظمات العالمية من مساعدات إلى وضع كارثي، ورغم ذلك استطاع شعب كوردستان وإدارته التي انتخبت مباشرة من الشعب في أول انتخابات حرة في الإقليم عام 1992 انبثق عنها برلمان إقليمي وحكومة نالت ثقة البرلمان لكي تكون أول حكومة كوردية بعد حكومة القاضي محمد في جمهورية كوردستان التي سحقت بعد اقل من سنة من قيامها على يد شاه ايران وقبول الدكتاتور السوفييتي ستالين.
رغم كل ما حصل من مآسي خلال أكثر من عشر سنوات بعد الاستقلال الذاتي في 1991 انطلق المخلصون والفاسدون كل إلى مبتغاه، فبنى الأولون ما عجزت عن بنائه الدولة العراقية خلال ثمانين عاما لكوردستان، وفعل الفاسدون فيها ما يشبه فعل أولئك الحكام في عقود الهيمنة والاستبداد والطغيان، ولكي لا نغوص في تفصيلات أكثر، سندع بعض الأرقام تعطينا صورة أكثر إيضاحا وواقعية عما جرى خلال اقل من عشرين عاما مما لم يستطع هؤلاء المصابون بعمى البصيرة أن يروا هذا البلد كيف كان وكيف أصبح؟
كانت نسبة الفقر المدقع تقترب من نصف السكان الأربعين في محافظات الإقليم عشية الانتفاضة وازدادت إلى أكثر من نصف السكان خلال سنوات الحصار المزدوج على الإقليم، فغدت اليوم اقل من 5% حسبما ذكرته إحصائيات واستطلاعات وزارة التخطيط العراقية، وبينما كانت البطالة تعم الإقليم لغاية 2003م بنسب مخيفة أصبحت اليوم اقل نسبة على مستوى ليس العراق وإنما المنطقة برمتها.
كان في الإقليم 700 مدرسة قبل عقدين وأصبحت كوردستان اليوم تحتضن 12000 ألف مدرسة و 11000 ألف مركز صحي ومستشفى بعد أن كانوا 500 فقط مطلع تسعينات القرن الماضي.
وبعد أن كان عدد طلبة الجامعات والمعاهد لا يتجاوز عدة آلاف أصبح اليوم في كوردستان أكثر من 98000 ألف طالب و7200 أستاذ جامعي ونجح الأهالي والحكومة في فتح 20 جامعة حكومية وأهلية بعد كانت جامعة واحدة حتى آذار 1991م، وبعد أن كانت أعداد طلبة البعثات والزمالات في كوردستان حتى عشية الانتفاضة لا تتجاوز عدة عشرات، هناك اليوم أكثر من 2500 طالب دراسات عليا و ألفي طالب كوردستاني يدرسون في أرقى جامعات العالم مختلف العلوم وبمستويات الدراسة الجامعية الأولية والمعمقة.
وبفضل تطور الأداء السياسي والديمقراطي وتوفر مساحات كبيرة للتعبير عن الرأي يصدر اليوم في الإقليم 876 إصدار مطبوع من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والفصلية، إضافة إلى عشرات الفضائيات والإذاعات التي لا تمتلك في معظمها الحكومة أي منها، بل تدعمها جميعا دون تدخل في سياستها أو توجهها.
لقد ارتفعت معظم مستويات الحياة الصحية حتى أصبحت نسبة وفيات الأطفال 1% بعد أن كانت 28% إلى ما قبل عشر سنوات تقريبا، يقابل ذلك ارتفاع واضح بمستويات المعيشة بسبب تقلص مساحات البطالة وازدياد فرص العمل والاستثمار في الإقليم الذي تجاوز العشرين مليارا لعام 2012م في مختلف مناحي الحياة وبالذات في خدمات السكن والكهرباء والصحة والزراعة والطرق والجسور، حيث انتهت تقريبا معضلة الكهرباء منذ عدة سنوات في الإقليم.
[email protected]