صنعاء نيوز /عبدالله محمد الدهمشي -
حركة التغيير الجذري التي اطلقتها ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في شمال الوطن واجهت, مؤامرات استهدفت وقفها كلياً, ومحاولات سعت الى تعطيلها جزئياً, وإعاقتها كثيراً ومراراً, وفي حين سقطت المؤامرة وأنجزت حركة التغيير كثيراً من أهداف الثورة والطموح الوطني إلا أن محاولات الاعاقة والتعطيل نجحت في منع وصول حركة التغيير الى المستوى المنشود لها في الشمول والتطور, وإن فشلت في وقف هذه الحركة ومنعها من التجدد والاستمرار .
لست بحاجة الى سرد الكثير من انجازات التغيير الثوري المتجسدة في الواقع المشهود والمتحركة به نحو التقدم والنماء, ولكني معني بالوقوف عند إخفاق حركة التغيير الثوري عن إنجاز المهام المحددة لها وتحقيق الأهداف المرجوة منها, وعوامل هذا الاخفاق محددة بالمعوقات المادية والإعاقة المقصودة من القوى الرافضة للتغيير والمتمسكة بالتخلف والجمود .
ويمكن إيجاز عرض إخفاقات التغيير الثوري في اليمن في صور مجسدة للتخلف المستمر في الدولة والمجتمع, وأهمها بقاء مفهوم الرعوي سائداً في العلاقة بين الدولة والشعب وهو أساس إعاقة الاندماج الوطني وغياب الدولة وسيادة القانون عن مساحة واسعة من الجغرافيا, وامتد بهذا الاساس الى تركيبة الدول ووظائفها مكرسا الاقصاء والتهميش, ومرسخاً ثلاثية الجهل والفقر والمرض, خصوصاً وأن ثنائية رعوي – شيخ التي كانت حلقة الوصل بين المواطن والامام أصبحت في ظل الجمهورية بديلاً للدولة ثم سلطه فوق الدولة, بالاستبداد الفردي وعصبياته الأسرية والعشائرية .
كما أن بقاء التمييز وامتيازاته الجهوية والفئوية والعنصرية, يمثل صورة من صور التغيير المعاق ان لجهة بقاء التمييز بين المواطنيين على اساس المهنة أو على أساس الجنس, أو على أساس الجغرافيا, وهذه الصورة تحمل معطيات دالة على استمرارية التخلف عن السمة الانسانية للفرد والمجتمع وعن المواطنة وما يترتب عليها من الحقوق والواجبات, وذلك في ظل استمرار التركيبة المجتمعية القائمة على التوريث المحدد للمقام الاجتماعي ودوره, وهذا ما تجسده حالة الاقصاء السياسي والامتهان الاجتماعي للمرأة وأصحاب المهن وفئة المهمشين بإسم " الأخدام ".
ثالث صور التغيير المعاق مركبة من قصور التحديث السياسي وفشل المشروع التنموي, والتي يتجسد فيها الجهل والفقر والمرض, وهي الثلاثية التي استهدفت ثورة سبتمبر القضاء عليها, والانتقال بالمجتمع من أسرها الى مجتمع العلم والرخاء والصحة الجسدية والنفسية, وهذا يعود الى غلبة القوى التقليدية الوارثة مصالح المجتمع الإمامي على الدولة والمشروع الوطني الحامل لأهداف التغيير الثوري والملتزم بأولوياته في كل المجالات.
هذه الصورة أيضاً, تبرز فشل حركة التغيير الثوري في مجال العملية التعليمية بإعتبارها محور حركة التحديث والتنمية, وأداة التحول الشامل وبوابة الدخول الى مستقبل جديد ومتحرر من رواسب الماضي وأغلال التخلف, ورغم التقدم الكمي والأفقي في مجال التعليم, لا تزال نسبة الأمية مرتفعة ومتجددة, خاصة بين النساء, ولا يزال التعليم غير متصل بعملية التنمية ومتطلباتها, وعاجز عن التقدم بإتجاه الابداعية والتخصصات العالية .
إن علينا بعد نصف قرن من الثورة أن نكف نهائياً عن تمجيد الواقع و المظاهر الشكلية لتغيره عن مجتمع ما قبل الثورة, خصوصاً وأننا في عصر محكوم بالمعرفة ومفتوح على محوريتها في النماء والازدهار ومالم نتمكن من التعامل وليس التفاعل مع عصر المعرفة ومجتمعها المعولم, فإن حياتنا ستبقى أسوأ, مما كانت عليه قبل الثورة اليمنية في الشمال والجنوب, لأن الفارق بين عصرنا وعصر ما قبل الثورة هائل وبما لايقاس لصالح ذلك العهد المباد, بسبب أن عهد الامامة والاستعمار كان في سياقه التاريخي جزءاً من محيطه, بينما نحن في الوقت الراهن, خارج اللحظة التاريخية المعيشة في محيطنا الجغرافي وفي عالمنا المعاصر .
*باحث وكاتب