صنعاءنيوز/ ياسر ثامر -
صنعاءنيوز/ ياسر ثامر- كاتب وباحث سياسي
يتحدث الاخ ياسر ثامر عن سبتمبر قائلا:
مع قيام الثورة اليمنية 1962م اصبحت الثورة مجرد تاريخ وذكرى زمنية لنحتفل كل عام بالسادس والعشرين من سبتمبر، بينما ظلت فكرة الثورة واهدافها خافتة وغير واضحة؛ ويعود ذلك الى القصور الذي اعترى مفهوم الثورة، بفعل الثقافة السياسية السائدة في مجتمعنا اليمني والتي لا تزال مسيطرة حتى اليوم، ذلك ان معظم المستفيدين من النظام الجمهوري الجديد – بقيادة الرئيس عبدالله السلال – قد اختزلوا معنى الثورة في "الاطاحة بالحاكم القديم"، بينما ظل تأثرهم بذات لنموذج القديم يعيق قدراتهم على تكوين رؤى واضحة لمشروع المستقبل الذي يمكنه ترجمة أهداف الثورة على نحو سليم.
شكل الوعي المحدود بماهية الثورة ارضية خصبة لنشوب الاضطرابات والصراعات السياسية على السلطة والتي بدأت بين قوى التحديث والتغيير الجمهوري، وقوى التخلف والرجعية التي اعتقدت ان سبتمبر سيفقدها قوتها، وما ان تصالحت تلكما القوتان تحت أطار الولاء للثورة والجمهورية، حتى بدأت الصراعات تدب من جديد في صفوف النخب الحاكمة التي ما كانت تلبث ان تتماسك حتى تنقسم الى فريقين ينازع كل منهما الاخر على السلطة والنفوذ باسم أهداف الثورة والجمهورية على حد سواء، وبطبيعة الحال لم تكن تلك الصراعات بعيده عن تأثير الدور الإقليمي والدولي في تحديد لنتائج على الأرض، وهو ما اضعف فعل التغيير المنشود وحرم اليمنيين من الثمار التي وعدت بها الثورة.
اعتقد رجال حركة الخامس من نوفمبر 1967م انهم استعادوا ثورة الشعب من ايدي العسكر، وحرروها من التبعية المصرية، ووعدوا بتحقيق غايات الثورة وتطلعات الشعب على يد المثقفين والمتعلمين برئاسة القاضي عبدالرحمن الارياني، لكنهم في واقع الحال سلموا مقاليد الحكم لنفوذ القبيلة وسيطرتها لدرجة الاستبداد القبلي الذي جعل من مصالحة الخاصة اساس لتحقيق أي مصلحة يتلمسها العوام، وبالمقابل وكردة فعل مضادة جاءت حركة الثالث عشر من يونيو 1974م لتعيد هيمنة المؤسسة العسكرية من جديد، رافعة شعار تصحيح مسار الثورة، وحماية النظام الجمهوري من هيمنة القوى الرجعية، المتمثلة برجال القبيلة ورموزها، وهو ما لقى نوعا من الرضى الشعبي المتنامي تجاه الرئيس ابراهيم الحمدي الحاكم العسكري الذي حاول الاستقلال بالقرار اليمني بعيدا عن التبعية، واقامة دولة نظام وقانون يتساوى فيها المشائخ والرعية دونما تمييز، والتوجه الجاد نحو انهاء تشطير اليمن، ولهذا لم تهدأ الصراعات والاستقطابات بين المؤسستين القبلية والعسكرية في ظل هيمنة بعض الأجندات الخارجية، وهو ما زاد الوقع السياسي والاجتماعي تعقيدا وانتهى بالأحداث الغامضة والمفجعة التي اغتالت الرئيس الحمدي وخليفته الغشمي في بضعة أشهر خلال العامين 1977-1978م، وما تلتها من مواجهات مسلحة على حدود شطري اليمن آنذاك، وهو ما اوقف عجلة التغيير في اليمن واعادها الى مربع اجهاض ثورة سبتمبر من جديد.
و أن التحالف العسكري القبلي مثل في صنعاء اواخر السبعينات ومطلع الثمانينات حلا حتميا يضمن استقرار اليمن ليصبح علي عبدالله صالح رئيسا توافقيا لليمن بإجماع قادة الجيش ورموز القبيلة، حتى اصبح الجيش والقبيلة والرئاسة لحمة واحدة بعدما تقلد رجال القبيلة – حاشد خصوصا - اهم المواقع في قيادة الجيش خصوصا وفي المواقع الحكومية بشكل عام، ولا شك ان الاستقرار الذي تحقق بفعل ذلك التحالف قد مثل بيئة مناسبة – وان لم تكن مثالية - لتحقيق بعض النجاحات المحسوبة لثورة سبتمبر على صعيد انتهاج سياسة الحوار بين الأطراف السياسية، وإنشاء التعاونيات، وانتشار التعليم، ونمو الاقتصاد بفعل الاكتشافات النفطية، وتنمية البنية التحتية، وتقديم الخدمات للمواطن، والانفتاح الدبلوماسي، والتوجه الجاد نحو الوحدة والديمقراطية.. الخ، ومع ذلك بدا ان عجلة التغيير لم تكن تمضي على النحو الأمثل في تحقيق أهداف ثورة سبتمبر؛ نتيجة لاستئثار المؤسستين العسكرية والقبلية بمقاليد النفوذ والسلطة والثروة، ودأبهما نحو تعظيم وتغليب مصالحهما على حساب المصلحة العامة، ومع ذلك لا يمكن انكار ان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وإقرار التعددية السياسية في 1990م يمثلان – على الإطلاق - اهم الأهداف التي حققتها ثورة سبتمبر وأكتوبر على مدى نصف قرن من الزمان.
و كانت الآمال معقودة على ان تستكمل دولة الوحدة تحقيق غايات سبتمبر وأكتوبر، غير ان السياسة الخارجية اليمنية تجاه الأحداث الإقليمية أثرت على علاقاتنا الدولية، وكان لها تداعياتها الوخيمة على اليمن اقتصاديا وسياسيا لدرجة كادت معها الوحدة اليمنية ان تفشل أمام مشروع الانفصال الذي قضت عليه حرب صيف 1994م، ورغم ان تلك الحرب حافظت على الوحدة الجغرافية الا انها للأسف احدثت انتكاسة كبيرة في الواقع اليمني، حيث تم – بقصد أو بدون قصد - تهشيم عرى الوحدة الوطنية، وتراجعت مؤشرات التحول الديمقراطي الذي تلمسه اليمنيون في السنوات الاولى من الوحدة، حيث بدا التحالف المنتصر في الحرب ممثلا بأحزاب النخبة العسكرية والقبلية والدينية يعيد صياغة الدولة بالشكل الذي يحقق لهذا الحلف المزيد اسباب الثروة والسلطة، في ذات الوقت الذي لم تهدأ فيه الصراعات الخفية والانقسامات المتكررة بين افراد ورموز تلك النخبة، وهو ما قاد الى تهتك ذلك التحالف بشكل تدريجي على مدى ثلاثة عقود من الأخطاء المشتركة، وبرز جليا مع موجة الربيع العربي، في شكل صراع حاد على السلطة والثروة، وان كان متسترا بشعار الثورة الشعبية والدولة المدنية، مستخدما الأدوات الديمقراطية كالمظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، أو الشرعية الانتخابية والدستورية، ومستفيدا من وسائل العولمة تارة كالإعلام وتكنولوجيا الاتصالات، ومتسلحا احيانا بالإقصاء والقمع والعنف والاغتيالات، ومستندا على الجهود والوساطات الدولية والاقليمية، وهو ما يجعل الصراع على السلطة والفساد المالي والاداري من اهم سمات التحالف العسكري والقبلي، والتي لم نتمكن من تجاوزها لصالح اهداف سبتمبر على مدى نصف قرن من الزمان.