صنعاء نيوز/عبدالله السالمي -
حين يتعلق الأمر بحق الإنسان في الحياة والحرية وحقه في أنّ يُعامَل بالعدل والمساواة وحقه في أن يعيش كريماً وفاعلاً فاعلية إيجابية - وما هو مِن صميم هذه الحقوق على نحو ما نصّت عليه الكثير مِن المواثيق والأعراف الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - فإنّ تياراً ثقافياً عالمياً، عابراً للحدود الجغرافية والسياسية والثقافية، لا يتردَّد عن إدانة كلّ ما يُشكّل انتهاكاً لهذا النوع مِن الحقوق واعتداءً عليها، سواء مُورسَتْ الانتهاكات تحت مسمّى ديني أو أيديولوجي أو سياسي أو مهما كان.
وإدانة الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان هي بالضرورة إدانة للثقافة التي تُشرعن لها وتدافع عنها وتسُوْق لها المبرِّرات الأخلاقية والميتافيزيقية بهدف تزيينها وتجميلها. وهي، في الوقت نفسه، إدانة لأية ثقافة تتعايش مع وضعٍ سياسي وقانوني لا يحفظ حقوق الإنسان الأساسية.
تلعب سلطة التراث الديني، في كثير مِن امتداداته النظرية والعملية المعاصِرة، دوراً في القطيعة السياسية والقانونية التي تتسم بها العلاقة القائمة بين بعض الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، مِن جهة، وبين ما هو، مِن جهة أخرى، بمثابة القانون الدولي لحقوق الإنسان، المبثوث في ثنايا الإعلانات العالمية والمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، أو ما يندرج، بصورة أكثر تحديدا، ضِمْن ما يُسمَّى «الشِّرْعَة الدولية لحقوق الإنسان».
على أنّ ما تلعبه سلطة التراث الديني ليس الدور الحاسم وراء إمعان غالبية حكومات الدول العربية والإسلامية، سياسياً وقانونياً، في الطريق المعاكس لـ«الشِّرْعة الدولية»، فالواقع أنّ التراث الديني ملعوبٌ به، مع أدواتٍ أخرى تقليدية وغير تقليدية، لحساب لاعبٍ أكبر هو الذي يضع قواعد اللعبة السلطوية ويمسك بخيوطها، وغالباً ما يكون الحاكم الفرد أو الأسرة الحاكمة أو العائلة المالكة أو ما هو بهذا المعنى مِن تمظهرات السلطة المطلقة.
وفي المجمل فإنّ لثقافة «التسلّط» هيمنة عظمى على طيفٍ واسع مِن أنماط السلوك الفردية والجمْعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ابتداءً مِن أصغر وحدة اجتماعية وهي العائلة، مروراً بالعشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة، وكذلك الوحدات التي يتوزّع عليها أفراد المجتمع وظيفياً ومهنياً في أدائهم لأنشطتهم اليومية، وصولاً إلى التكوينات الحزبية والنقابية، وانتهاء بالدولة التي هي «الخلاصة الرسمية للمجتمع» كما يرى إنجلز.
فعلى امتداد الخط، مِن الوحدة المتناهية في الصِّغر إلى الأخرى البالغة الكبر، هناك وفرة وافرة مِن الدكتاتوريين والتسلطيين والقمعيين مِن الآباء وكبار الأخوْة والمشايخ القبليين ومشايخ الدين ومديري ومعلمي المدارس وأساتذة وعمداء الكليات ورؤساء المعاهد والجامعات وقيادات الأحزاب والنقابات والاتحادات ومديري الإدارات العامة والمحافظين والقادة العسكريين والوزراء...
على هذا النحو مِن الثقافة القمعية التسلطية، وبهذا الكمّ الهائل مِن المهووسين بمصادرة الحقوق والحريات، قطعاً لن يدوم بين مستويات السلطة السياسية والقانونية في هذه المجتمعات وبين «الشِّرْعَة الدولية لحقوق الإنسان» إلا الطلاق.
[email protected]