صنعاء نيوز/د.عبد الله سعيد باحاج -
أحمـــد ســــعيد باحـــــاج
عطــاءات لــم تكتمــــل
كلمــات في الذكــرى العشـــرين للرحيـــل المبكـــر
المكــلا
فــي 19 نوفمـــبر 2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد سعيد باحاج
عطاءات لم تكتمل
كلمات في الذكرى العشرين للرحيل المبكر
د.عبد الله سعيد باحاج
في التاسع عشر من نوفبمر عام 1993م ومنذ عشرين عاماً انتقل إلى جوار ربه الأستاذ احمد سعيد باحاج ، وعن عمر لم يتجاوز السابعة والأربعين عاماً اثر عملية جراحية في القلب لم يكتب لها النجاح ،وقبل حوالي ستة أشهر من مناقشة رسالة الماجستير كان قد انتهى من أعدادها لتقديمها إلى قسم الجغرافيا بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس.
وقد ولد الأستاذ احمد باحاج في عام 1946 بحافة برع السدة سابقاً والمعروفة اليوم بحي السلام بمدينة المكلا ، وهو الابن الثاني لوالديه ، ووالده هو رجل الأعمال وتاجر السيارات المعروف بالمكلا في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي المرحوم بأذنه تعالى الشيخ سعيد أحمد باحاج.
وقد تلقى الأستاذ احمد باحاج تعليمه الابتدائي في المدرسة السلطانية الغربية بالمكلا ،وأكمل دراسته المتوسطة بالمعهد الديني بمدينة غيل باوزير . وكان من زملاء هذه المرحلة الأساتذة سعيد عبد الله بكير وسعيد عوض بايمين ومحسن احمد بن شملان وغيرهم .ثم التحق بعدها بثانوية المكلا عند افتتاحها في عام 1962م وهي أول ثانوية تفتتح في المكلا وفي حضرموت عامه . ومن زملائه في ثانوية المكلا الدكتور أنيس سعيد وحدين والدكتور محمد سعيد فرحان . ولم يكمل الأستاذ احمد باحاج دراسته في ثانوية المكلا ،بل انتقل إلى الدراسة الثانوية في عدن في مدرسة (البادري) . وكذلك لم يستقر في هذة الثانوية ، فغادرها إلى السودان ، حيث درس في ثانوية كمبوني في بور سودان والخرطوم ، وحصل فيها على شهادة أكمال الدراسة الثانوية في عام 1969. وعند افتتاح كلية التربية العليا بعدن عام 1970م - والتي كانت نواة للدراسة الجامعية في اليمن الجنوبي آنذاك – التحق بها الأستاذ احمد باحاج ، ومع أول دفعة تدرس فيها . وكان معه من أبناء المكلا الأستاذ الأديب المرحوم بإذنه تعالى سعيد محمد دحي وغيره . وقد تخصص الأستاذ احمد باحاج في الجغرافيا واللغة الألمانية كمادتين أساسيتين بمستوى الدبلوم .وفي عام 1972 أنهى دراسة الدبلوم ، ثم عمل مدرساً بالمدارس الإعدادية والثانوية بعدن . وفي عام 1973م تزوج من أحدى بنات الأسر الحضرمية المعروفة في عدن، وهي طالبة بقسم اللغة العربية بكلية التربية العليا بعدن آنذاك ،وهي اليوم الأستاذة ملكي سعيد باخبيرة المدرسة والمحاضرة بقسم اللغة العربية بهذه الكلية ، والتي كانت خير سند له في حياته الأسرية وفي نشاطه العلمي . وفي عام 1979م عاد مرة أخرى إلى الدراسة بكلية التربية بعدن ،وحصل منها على شهادة البكالوريوس في عام 1981م .واستمر بعمله مدرساً في المرحلتين الاعداديه والثانوية في مدارس عدن . وفي عام 1984م التحق معيداً بهيئة التدريس بقسم الجغرافيا بكلية التربية بعدن , وذلك بعد معاناة ومشقة نظراً لعدم عضويته في الحزب الاشتراكي الحاكم أنذلك .
ورغم أخلاصه وتفانيه وانتظامه في عمله ، وحرصه على أداء محاضراته في أكمل وجه وبشهادة طلابه، إلا انه لم يوفق في الحصول على منحة حكومية للدراسة العليا بإحدى الجامعات العربية أو الأجنبية ، لأنة لم يكن مرتبطاً بالحزب الاشتراكي الحاكم والمتحكم آنذاك بأمور اليمن الديمقراطية شعباً وأرضاً ، ولم يكن للأستاذ احمد باحاج من العلاقات الخاصة مما يفتح له الأبواب المغلقة في وجه أمثاله من المستقلين والبعيدين عن الحزبية والشللية . وكان دائماً يواجه بالصد وعدم الاستجابة من قبل متنفذين في الحزب والدولة حينها لمطالبه المشروعة واسوه بغيره من أساتذة ومحاضري الكلية رغم استحقاقه لذلك ، حتى كاد أن يبلغ به اليأس حداً يجعله ينصرف تماماً عن العمل الأكاديمي والهجرة إلى السعودية والاستقرار فيها كمغترب ، وبالتالي يبتعد كلية عن طموحه العلمي،وقيض له الله فرصة طيبة ،وبمساعدة أساتذة وأخوه عرب من تونس يدركون حقاً المعنى الحقيقي للمثابرة والإصرار في طلب العلم والسعي الصادق إليه ، فتمكن الأستاذ احمد باحاج من التسجيل للدراسات العليا لمستوى الماجستير بقسم الجغرافيا بجامعة تونس ،وتحت أشراف الأستاذ الدكتور حافظ ستهم رئيس هذا القسم ،وذلك في أكتوبر من عام 1989م. وانتظم بالدراسة فيها ،ومن ثم بدأ في أعداد رسالة الماجستير ، والتي كانت بعنوان (النقل البري وتنمية الجهات الساحلية باليمن :دراسة في علاقة البيئة بالنقل). وأتم أعداد هذه الرسالة . وقبل مناقشتها بأشهر قليلة اشتدت علية الآلام التي كان يعاني منها في القلب ،وخصوصاً وانه قد سبق له أن أجرى عملية جراحية في لندن عام 1980 لزراعة صمام في قلبه. وقد كللت تلك العملية بالنجاح .واخبره طيبة حينها انه إذا مرت عشرة سنوات ولم تظهر عليه عوارض خطيرة فان وضع قلبه سيستقر ، وستزول الآلام تدريجياً. بإذنه تعالى .
وبالفعل مرت السنوات العشر بسلام.غير انه منذ صيف عام 1993م بدأت الضغوطات تزداد عليه، خصوصاً من خلال المشاكسة والمناكفة المفتعلة من قبل رؤسائه في الكلية ، وتعمدهم إرهاقه باعباء المحاضرات والتدريس رغم علمهم بالمرض الذي يعاني منه لأنه لم يكن يوافق المزاج السياسي والنفسي لهؤلاء،ولم ينخرط في أنشطة الحزب الاشتراكي بالكلية أو خارجها آنذاك . بل انه كان يواجه هؤلاء أحياناً بأخطائهم وما يفعلونه في حق أنفسهم وفي حق مجتمعهم ،خصوصاً وانه رغم استقراره في عدن ظل متمسكاً هو وعائلته وكغيره من شرفاء الحضارم وغيرهم بالخلق الإسلامي الرفيع، وبالقيم الدينية الأصيلة ،وبالالتزام بأداء الشعائر الدينية المفروضة والبعد عن كل منكر يسئ إليه وإلى أخلاقه من كذب ونفاق وممارسات لا يقره الشرع أو الخلق القويم .وكان باراً بوالديه ، وعطوفاً على إخوته ذكوراً و اناثاً ، وملبياً لحاجة من يسعى اليه بقدر ما يستطيع مادياً او معنوياً ووفق إمكاناته المتواضعة .ولم يكن يبخل في فعل الخير ما أؤتي إلى ذلك سبيلاً . وكان رحمة الله عليه غالباً ما يترك أثراً ايجابياً وطيباً فيمن يلتقي به من حسن الاستقبال وحسن الإنصات . وقد وقفت معه والى جواره زوجة خيّرة تسانده بما تستطيع ، وهي خير راعية معه لابنتيهما أسهار ونادية، وهما كل ما تركهما من الدنيا وحطامها،مع كتابين منشورين لعل فيهما ما ينفع الناس ،وقدوة صالحة وعمل خيّر، فيحسب له كل ذلك في ميزان حسناته بإذن الله تعالى عند رب العباد. وكانت هذه الزوجة الصالحة تشدّ من أزره وتقوي من عزيمته عند وقوع الأزمات والملمات في عمله وصحته وشؤونه العامة وقد شاءت أرادة المولى عز وجل أن يعوضه خيراً عما كان ينشده من تحقيق طموحه العلمي في البنت الكبرى أسهار ، فحملت مشعل العلم والمعرفة، وأكملت دراستها الجامعية بقسم الجغرافيا. بكلية الآداب بجامعة عدن ، ثم التحقت بهذا القسم معيدة ومحاضرة فيه ،ثم حصلت على الماجستير في الجغرافيا من هذا القسم , ثم حصلت على الدكتوراه من مصر ومستلهمة من نشاط والدها وإصراره على طلب العلم ما يكفيها للاستمرار في ولوج طريق العلم والمعرفة، وهي بلا شك تدرك جيداً الرسالة النبيلة التي تركها لها والدها في نشر نور المعرفة والوعي في صفوف مجتمعنا ،وضرورة التمسك بالأخلاق الحميدة التي يحثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف وسيرة سيدنا محمد صلى الله علية وسلم ،وهذا ما كان والدها يسعى إلى التأكيد عليها سلوكاً ومنهجاً ،حتى صار معروفاً بذلك في أو ساط محبيه، ومن يتصل به ،حتى مع ذلك النفر ممن كانوا يتعمدون الإساءة إليه في الكلية وخارجها حيث كان رحمة الله عليه في تعامله يتسم بمثالية واضحة، وخلق إنساني مميز ورفيع هي بلا شك من صفات المؤمن والمسلم ،ولم يرد الإساءة بالإساءة وإنما كان يرد الإساءة بالإحسان أو بالتجاوز عنها .وكان في ذلك مثار دهشة واستغراب عند بعض هؤلاء ممن تسمو أخلاقهم وقيمهم إلى هذا المستوى الرفيع في التعامل الإنساني النبيل في ابسط صورة وأرقاها.
وكانت من فضائله -رحمه الله عليه- انه كان لا يتوانى عن مساعدة من يعرف ومن لا يعرف ممن يحتاج إلى مساعدته ،وبحسب قدرته المادية أو المعنوية . والطريف في ذلك انه كثيراً ما يعير بعض الوثائق العلمية الهامة أو الخرائط أو الكتب والمطبوعات النادرة ، ثم لا يتمكن من استعادتها ، وبعض هؤلاء ممن هم من خارج الوطن مما يصعب عليه الوصول إليهم .
وقد استطاع أن يكوّن مكتبة خاصة في منزله بعدن عامرة بأصناف الخرائط وكذلك الكتب والمطبوعات ، وخاصة الجغرافية منها والمتصلة بفروع الجغرافيا الطبيعية والعلوم الطبيعية والتطبيقية ، وبلغات متعددة ، فصارت مقصداًً لطلاب العلم والباحثين ولم يكن يبخل في مساعدتهم بما لديه .
وبعد وفاته رأت عائلته في عدن أن أفضل ما يحفظ ذكرى سيرته الطيبة في أذهان الأجيال المعاصرة واللاحقة ، واستمراراً لرسالته النبيلة في نشر نور العلم والمعرفة أن تقدم مقتنيات مكتبته الخاصة إلى جامعة عدن لتلحق بإحدى المكتبات الجامعية بها ، حيث كان محاضراً وأستاذاً فيها .وقد استقبلت جامعة عدن هذا الاقتراح بترحاب طيب ،خاصة أن إدارة جامعة عدن ورئيسها آنذاك الدكتور صالح علي باصرة ومساعديه مثل الدكتور سعيد عبد الله باعنقود وغيرهما ممن يعرفون حق المعرفة نشاطه العلمي والأخلاقي المتميز في الكلية وخارجها.
وبالفعل خصصت إدارة جامعة عدن جناحاً في هذه المكتبة الجامعية باسمه ووضعت فيه ما كان بحوزته من كتب وخرائط ومطبوعات مما يفيد الباحثين ، وبعضها نادرة التداول بين الناس ،وخصوصاً غير العربية منها ، ولاشك أن موقف أسرته في ذلك مثالاً ينبغي أن يحتذي لغيره ، فلا يجوز للكتب والمطبوعات القيمة وذات الأهمية الخاصة المكدسة في المكتبات الخاصة أن تكون طعاماً للحشرات أو تتلف ولا يستفاد منها .
وفي مجال الانجاز العلمي والجغرافي بوجه خاص فقد كانت للأستاذ احمد سعيد باحاج مجموعة من الأبحاث والدراسات لم يمهله قدر الله عز وجل إلا أن ينشر منها بحثين فقط وفي كتابين مستقلين وهما : الرحلات والدراسات الجغرافية لحضرموت ، والتطور الجيولوجي لبراكين عدن وعدن الصغرى . وقد صدر الكتاب الأول عن مكتبة الجسر في جدة عام 1988م . وكنت قد تناولت مراجعة عامة لهذا الكتاب في العدد (22/23) من دورية (آفاق ) الصادرة عن فرع اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين بحضرموت في المكلا عام 2005م .وكذلك اشرنا إلى هذا الكتاب واهم ما فيه ضمن كتابنا(حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية ) الصادر في صنعاء عام 2004م ،وذكرنا أن كتاب الأستاذ احمد باحاج هذا هو في الأصل بحثاً قدمه في ندوة علمية عقدت بكلية التربية بالمكلا عام 1987م بعنوان (التركيب الجغرافي والأهمية الاقتصادية لحضرموت )وشارك فيها مجموعة من الباحثين الأكاديميين .وقد اشرنا إلى تلك الندوة وما قدم فيها من أبحاث في صفحة 163 من كتابنا المشار إليه آنفاً . ولعله من المفيد التنويه إلى انه عندما كان الأستاذ احمد باحاج يعتزم نشر بحثه هذا في كتاب أرسل إلي عندما كنت طالب دراسات عليا في تونس نسخة منه قبل طباعته وإصداره للاطلاع عليه وإبداء بعض ملاحظاتي بشأنه . وبالفعل أرسلت ملاحظاتي هذه إليه . والطريف إنني وجدت فيها ما يمكن أن يكون مفيداً لكل باحث ، فجمعتها من جديد ، وفي تبويب مناسب ،ومع بعض الإضافات والتعديلات الضرورية وجعلت منها كتيباً،وهو مؤلفي الأول ، والذي بعنوان (ملاحظات علمية في تصميم الأبحاث الأكاديمية)،ثم قدمته إلى ناشر تونسي ، وخرج النور. ولعل هذا الكتيب قد وجد بعض الاستحسان والقبول عند الذين اطلعوا عليه واستفادة منه .وهكذا يكون شقيقي احمد –رحمة الله عليه- قد مهد أمامي السبيل وبدون أن يدري-لإخراج أول مؤلفاتي إلى الناس.وقد أخبرته بذلك وشكرته عليه ،فرد علي بابتسامته المعهودة،وقلبه المتعب يغمره الفرح بأنه استطاع أن يقدم شيئاً طيباً وخيّراً ، حتى وأن كان لا يدري بذلك.بل انه أكثر من ذلك فقد سعى بكل جد وصدق وقبل عام من وفاته أي في عام 1992م إلى أن أعيد طباعة ذلك الكتيب عند ناشر في صنعاء يعرفه جيداً ، ومن أبناء عدن وهو الأستاذ نبيل عبد اللطيف عبادي ،فقدم إليه نسخة من الطبعة الأولى من هذا الكتيب وبدون علمي المسبق بذلك . وعندما حصل على موافقته بإعادة الطباعة النشر اخبرني بذلك وبالفعل صدرت الطبعة الثانية من هذا الكتيب ضمن منشورات دار الكتب العربية والتي مقرها الرئيسي في عدن وفرعها في صنعاء وبتمويل كامل من هذه الدار وقبل أن يؤسس الأستاذ نبيل عبادي مركزه المعروف اليوم في صنعاء والمسمى ( مركز عبادي للدراسات والنشر) . والمحزن أنني بعد أن تلقيت النسخ المطبوعة من هذه الطبعة الثانية من الكتيب وبأسابيع قليلة جاءني من القاهرة الخبر المفجع بوفاة صاحب الفضل في ذلك ، والفضل لله عز وجل من قبل ومن بعد . وكانت تلك هي بداية العلاقة المثمرة التي جمعتني بالأستاذ نبيل عبادي ونشر مؤلفاتي التي حظيت بالرعاية لديه.
أما الكتاب الآخر للأستاذ احمد باحاج والذي تمكن من نشره وهو-كما اشرنا سابقاً – التطور الجيولوجي براكين عدن وعدن الصغرى ،فهو ترجمة وتعريب لدراسات جيولوجية عن براكين عدن كتبت باللغة الإنجليزية ، والتي كان الأستاذ احمد باحاج يجيدها قراءه ونطقاً.وقد نشر هذا الكتاب مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء عام 1992م . وقد استلم النسخ المخصصة له قبل وفاته بحوالي سبعة أشهر .وكنا في(ملتقى حضرموت لمناقشة المؤلفات اليمنية بالمكلا) قد خصصنا فعاليته الشهرية لمناقشة هذا الكتاب وما فيه وما عليه،وذلك في 28 نوفمبر1995م بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيله.وقد حضر هذه الفعالية جمع طيب من المختصين ومن زملاء الأستاذ احمد باحاج وطلابه ومحبيه.وفيما بعد نشرت لنا دورية (الفكر)الصادرة عن جمعية المؤرخ سعيد عوض باوزير في مدينة غيل باوزير وفي عددها الأول المؤرخ في يناير من عام 1996م مراجعة شاملة لهذا الكتاب . وقد كان لكاتب هذه السطور شرف إقامة فعالية ثقافية في الذكرى الخامسة عشر لرحيل الأستاذ أحمد باحاج نظمها اتحاد الآدباء والكتاب اليمنيين بالمكلا في 19 نوفمبر 2008م . وحضرها جمع غفير من محبيه وتلامذته وطلابه .
أما الأبحاث والدراسات التي لم تنشر للأستاذ احمد باحاج فمنها بحث بعنوان (التربة وأثرها في الإنتاج الزراعي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).وقد أعده عام1980م. وقد تناولنا هذا البحث/ وما ذكره فيه بخصوص التربة في حضرموت في الصفحة 151 من كتابنا (حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية) السابق ذكره.أما آخر أبحاث الأستاذ احمد باحاج فهو –كما ذكرنا – أطروحة الماجستير التي لم تشأ إرادة الله عز وجل أن يناقشها في جامعة تونس،وهي بعنوان (النقل البري وتنمية الجهات الساحلية باليمن:دراسة في علاقة البيئة بالنقل).وقد تناولنا ما يخص حضرموت في هذه الأطروحة بصفحة 153 من كتابنا (حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية).
وكان الأستاذ احمد باحاج يعد فهرساً بيليوجرافياً لمراجع اليمن الجغرافية ولم يكتمل بعد . وهو يشتمل على العديد من المصادر و المراجع التي اطلع عليها وفيها مصادر ومراجع تخص جغرافية حضرموت .ولاشك ان مخطوطة هذا البحث محفوظة لدى أسرته في عدن،وهي بلا شك ستسعى إلى أخراجه إلى النور بعون الله تعالى .
وكان للأستاذ احمد باحاج اهتمام وعناية بالكتاب واحترام له كمعظم أبناء جيله،فهو يعرف قدر الكتاب ومدى أهميته في مجال التنمية العامة ،ومن هنا جاء حرصه على الاطلاع والقراءة لما في بطون الكتب العلمية ، ومن ذلك توّلد لديه الاهتمام باقتناء الكتب والمطبوعات فكوّن تلك المكتبة في منزله بعدن والتي اشرنا إليها سابقاً.ولذلك فعندما عرضت عليه في صيف عام 1989 مشروعاً لإقامة دار نشر في تونس أثناء أقامتي فيها آنذاك وبمسمى (دار حضرموت للنشر والتوزيع ) ، وبعد أن لمست عن قرب ومعايشة الوضع البائس الذي آل إليه حالنا في الوطن ،بادر إلى الموافقة التامة على أقامة هذا المشروع وتحمس له . وفاجأني بعد مرور بضعة أسابيع بأنه قد حصل على مساهمة في التمويل من مغترب حضرمي في السعودية يعرفه جيداً ويثق فيه ، وهو سيشاركنا في تمويل هذا المشروع وعلى النحو الذي نحدده له . وبدأنا بجدية ومثابرة في ترتيب أمورنا على إقامة دار النشر هذه في تونس والتي ستختص في نشر وتوزيع الدراسات الجغرافية والتاريخية والتنموية ، ومما قد يساعدنا على ذلك إن اسم (حضرموت) هو نفس الاسم الفينيقي لمدينة سوسة الحالية والواقعة على الساحل الشرقي للجمهورية التونسية ، وحتى يكون هذا الاسم جسراً ثقافياً ومعرفياً وحضارياً يربط بين حضرموت (الآسيوية) وحضرموت (الأفريقية). وبينما كنا منهكين في الترتيب والإعداد لإقامة هذه الدار تداعت الأخبار باتفاقية عدن (الوحدوية) في الثلاثين من نوفمبر 1989م. وسألني أخي أحمد أن كنت مازلت مبقياً على استمرار مشروع دار النشر في تونس ،فأجبته بان الوطن في لحظة تحوّل تاريخي ، وانه بلا شك في حاجة إلى كل أبنائه أن يكونوا بداخله ، ومن غير المستساغ أن نبقى نحن بخارجه , فوافقني على ذلك الرأي وهذا التوجه . وصرفنا النظر عن تنفيذ ذلك المشروع في تونس الخضراء . وقد سعدت كثيراً وحمدت الله بعد ان وجدته حقيقة ماثلة في المكلا على يد الأستاذ سالم عبد الله بن سلمان ، حيث أقام (دار حضرموت للدراسات والنشر ) في عام 1997م ومجسداً بذلك آملاً لاشك في سمو مقاصده ،وتأكيداً وتثبيتاً لأهمية قيام مثل هذه المشاريع والأنشطة الحيوية .
والى جوار ما كان يبذله الأستاذ أحمد باحاج من جهد واهتمام بمجال البحث العلمي والسعي لنشر النور والمعرفة،وبقدر ما تتيحه له ظروفه وصحته وإمكاناته المحدودة ، كانت له إسهاماته في مجال إعداد مناهج الجغرافيا للدراسة الموحدة . وكان أيضاً مثالاً طيباً للأستاذ والمحاضر الفاضل والحريص كل الحرص على أداء رسالته التربوية والعلمية كما ينبغي ، فكل الذي تلقوا العلم على يديه في مدارس عدن وكلية التربية فيها يشهدون له بذلك . وقد كان مخلصاً حقاً كمعظم أبناء جيله في أداء رسالته التربوية لا حباً في مالاً أو منصب أعلى ،وإنما أرضاء لضمير وواجب ، وهو ما كان يسعده كثيراً أكثر مما قد يحصل عليه من عائد مادي . ولعل هذا الموقف النبيل منه كان دافعاً لبعض ممن كانوا يكيدون له ويتعمدون خلق المشاكل والعثرات في طريقه حتى يتراجع عن سلوكه القويم هذا.
وكان الأستاذ احمد باحاج نشاطاً إعلامياً من خلال إذاعة المكلا في عامي 1968و1969 عندما كان مديرها الأستاذ فيصل سالم بن كوير .وقدم الأستاذ احمد باحاج فيها برنامجاً ثقافياً واجتماعياً بعنوان (أوراق طائرة) فيها بعض الملاحظات عن الواقع الثقافي والاجتماعي في الوطن .كما انه قد حرص أثناء زيارة له إلى القاهرة في عام 1966.أن يتصل بإذاعة (صوت العرب) ويتحدث منها في البرنامج الذي كانت تبثه فيها عن الجنوب الثائر المطالب بحريته واستقلاله.
ومن أنشطته الوطنية والاجتماعية الأخرى أثناء دراسته في ثانوية المكلا أنه كان مسؤولاً عن الهيئة الإدارية في (اتحاد الطلاب الحضارم )،وذلك حتى عام 1967 إلى قبل الاستقلال، وكان يشاركه في ذلك مجموعة من شباب حضرموت والمكلا ومن بينهم الأستاذ سعيد عبيد شمراخ وغيره .
وكان الأستاذ احمد باحاج رياضياً يهوى كرة القدم ،ولذلك أسس مع شقيقة الأكبر محمد نادياً رياضياً أسموه (نادي الأحرار) ، وذلك في أوائل الستينات وقبل أن يظهر إلى الساحة الرياضية و الاجتماعية (نادي الأحرار ) المعروف في المكلا والمتفرع من نادي الشباب فيها.وقد اتخذ نادي الأحرار الذي أسسه الأستاذ احمد باحاج مع شقيقه محمد مقراً له في غرفة من غرف الطابق الثاني في منزل والده المجاور لبريد المكلا . وقد شاركهما في نشاط هذا النادي بعض الشباب من أبناء حافة برع السدّة المجاورين في السكن وفيهم أولاد عبد الله محمد بن ثعلب (محمد وعبد الرؤوف) وأولاد أحمد وعمر باحشوان(علي وصالح وفؤاد) وأبوبكر الحضرمي وأولاد بارحيم وغيرهم .وبعض هؤلاء اليوم أساتذة أكاديميين وتربويين ورجال أعمال ورجال إدارة لهم قدرهم ومكانتهم في أوساط المجتمع .وبسبب ولع الأستاذ أحمد باحاج بلعبة كرة القدم أصيب وهو طالب في الثانوية المكلا بضربة أثناء أحدى المباريات في عينة مما تسبب له في حدوث انفصام بشبكية العين ظل يعاني منها حتى وفاته ،وهو الأمر الذي أرهقه كثيراً عندما بدأ يشرع في مجال الكتابة والبحث العلمي،مما جعله يخفف الساعات التي كان يقضيها في ذلك ،حتى لا يفقد البصر كلية .
وكان الأستاذ أحمد باحاج محبّاً للرحلات والتجوال ،وطاف مناطق عديدة في حضرموت بواديها وساحلها وكذلك زار دولاً عربية عديدة مثل مصر والكويت والسعودية وسوريا والسودان وتونس ، وكذلك دولاً أخرى في أوربا ، مما يجعله على معرفة جيدة بأوضاع هذه الدول جغرافياً وسكانياً . وكان أحياناً يقدم على مغامرات في تلك الرحلات فيها الكثير من المشقة والعناء ، وأحياناً باستخدام طرق للمواصلات غير مألوفة،ومن ذلك ركوبه سفينة شراعية من ميناء ينبع السعودي على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وتوجهت به إلى ميناء سفاجة المصري على الساحل الغربي من هذا البحر أي انه قطع البحر الأحمر بالعرض من الشرق إلى الغرب ، وبطول يصل إلى حوالي 300 كيلو متر. وقد أثرت هذه الرحلة كثيراً على صحته ، وتسببت له في حدوث آلام في المفاصل والنقرس في قدميه ، وكذلك أصيب خلالها بحصوة في الكلى ، وتضاعفت آلام عينه المصابة من قبل بانفصام الشبكية. وبدأ يشعر أن قلبه أخذ يغزوه المرض.
ورغم كل هذه الأمراض التي أصيب بها ،ألا أنه ظل مؤمناً بقدر الله عز وجل ، وبدوره ورسالته في الحياة .وكان الموت غير مفارق لذهنه لحظة واحدة،غير أن إيمانه القوي بأن لحظة الخروج من الدنيا هي بأمر الخالق تبارك وتعالى ،وعليه ألا يفكر في ذلك مطلقاً إلا بما يستوحيه الإيمان الصادق ، وما يمكن أن يقدم من خير لوطنه ولمحبيه ولكل من يتصل بهم من الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم .
وكان يشغله دائماً مستقبل أسرته في عدن واستقرارها . ولذلك أقدم على بيع الشقة التي كان يسكن فيها مع أسرته في اول شارع المعلا (شارع مدرم) من جهة معلا دكة ، واشترى بدلاً عنه بيتاً أوسع مؤلف من طابق واحد في منطقة حافون بالمعلا. وبعد أن تمت عملية البيع والشراء ،واستقرت نفسه و أطمأن باله على وضع أسرته ، ونظراً لما بذله من جهد في هذه العملية وكانت والدته حاضرة مع أسرته وشاهدت بنفسها ذلك المجهود , فشعر بآلام شديدة في قلبه ، فغادر على عجل مع زوجته إلى القاهرة حيث كان والده يقيم هناك،ودخل المستشفى ، وأجرى له الدكتور حمدي السيد وهو نقيب الأطباء المصريين وأفضل جراحي مصر في عمليات القلب عملية جراحية لم تكلل بالنجاح : وشاءت إرادة المولى عز وجل أن يقضي نحبه في القاهرة التي كثيراً ما أحبها وتمنى أن يعيش فيها منذ صباه ،ودفن في القاهرة في المقبرة التي أقامتها سفارة الجمهورية اليمنية لدفن مواطنيها ،ممن يتوفاهم الأجل المحتوم بأرض الكنانة . وشاءت إرادة الله عز وجل أن يدفن إلى جواره فيما بعد والده الشيخ سعيد احمد باحاج وكذلك أخته الصغرى فاطمة زوجة الدكتور مبارك قاسم البطاطي السكرتير الثقافي بالسفارة اليمنية بتونس آنذاك , وكذلك زوجه والده الثانية وأبنها أبوبكر وهو أخ غير شقيق له .
وفي المحصلة فان الأستاذ احمد سعيد باحاج رحمة الله عليه كان في سيرته الذاتية وفي عطاءاته العلمية والتربوية ،والتي لم تكتمل ،تعبيراً صادقاً ونموذجاً ايجابياً لشباب حضرموت في حقبة الستينات والسبعينات ،والساعي إلى بذل الجهد المخلص لما فيه الخير لحضرموت العزيزة ولم يسنده في ذلك وكغيره من شباب حضرموت حينها أي توجه سياسي معين أو انتماء حزبي أو طائفي أو قبلي أو عائلي ، وإنما كان اعتماده على الله عز وجل ، ثم على نيته الصادقة وعزمه الثابت الذي لا يلين ولا ينكسر في فعل الخير لهذا الوطن العزيز ، وهو في النهاية لم ينتظر أن يتلقى عما قدم من خير لشعبه ووطنه من أصحاب القرار والمقام ثناءً أو جزاءً،وبعض هؤلاء ممن يعرفه حق المعرفة ، فحسبه ذلك عند الله عز وجل ،وأن يكون في ميزان حسناته بمشيئة المولى تبارك وتعالى، وهو خير منصف وعادل.
المكلا-حي السلام
في 19 نوفبر 2013م
أحمـــد ســــعيد باحـــــاج
عطــاءات لــم تكتمــــل
كلمــات في الذكــرى العشـــرين للرحيـــل المبكـــر
د.عبد الله سعيد باحاج
المكــلا
فــي 19 نوفمـــبر 2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد سعيد باحاج
عطاءات لم تكتمل
كلمات في الذكرى العشرين للرحيل المبكر
د.عبد الله سعيد باحاج
في التاسع عشر من نوفبمر عام 1993م ومنذ عشرين عاماً انتقل إلى جوار ربه الأستاذ احمد سعيد باحاج ، وعن عمر لم يتجاوز السابعة والأربعين عاماً اثر عملية جراحية في القلب لم يكتب لها النجاح ،وقبل حوالي ستة أشهر من مناقشة رسالة الماجستير كان قد انتهى من أعدادها لتقديمها إلى قسم الجغرافيا بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس.
وقد ولد الأستاذ احمد باحاج في عام 1946 بحافة برع السدة سابقاً والمعروفة اليوم بحي السلام بمدينة المكلا ، وهو الابن الثاني لوالديه ، ووالده هو رجل الأعمال وتاجر السيارات المعروف بالمكلا في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي المرحوم بأذنه تعالى الشيخ سعيد أحمد باحاج.
وقد تلقى الأستاذ احمد باحاج تعليمه الابتدائي في المدرسة السلطانية الغربية بالمكلا ،وأكمل دراسته المتوسطة بالمعهد الديني بمدينة غيل باوزير . وكان من زملاء هذه المرحلة الأساتذة سعيد عبد الله بكير وسعيد عوض بايمين ومحسن احمد بن شملان وغيرهم .ثم التحق بعدها بثانوية المكلا عند افتتاحها في عام 1962م وهي أول ثانوية تفتتح في المكلا وفي حضرموت عامه . ومن زملائه في ثانوية المكلا الدكتور أنيس سعيد وحدين والدكتور محمد سعيد فرحان . ولم يكمل الأستاذ احمد باحاج دراسته في ثانوية المكلا ،بل انتقل إلى الدراسة الثانوية في عدن في مدرسة (البادري) . وكذلك لم يستقر في هذة الثانوية ، فغادرها إلى السودان ، حيث درس في ثانوية كمبوني في بور سودان والخرطوم ، وحصل فيها على شهادة أكمال الدراسة الثانوية في عام 1969. وعند افتتاح كلية التربية العليا بعدن عام 1970م - والتي كانت نواة للدراسة الجامعية في اليمن الجنوبي آنذاك – التحق بها الأستاذ احمد باحاج ، ومع أول دفعة تدرس فيها . وكان معه من أبناء المكلا الأستاذ الأديب المرحوم بإذنه تعالى سعيد محمد دحي وغيره . وقد تخصص الأستاذ احمد باحاج في الجغرافيا واللغة الألمانية كمادتين أساسيتين بمستوى الدبلوم .وفي عام 1972 أنهى دراسة الدبلوم ، ثم عمل مدرساً بالمدارس الإعدادية والثانوية بعدن . وفي عام 1973م تزوج من أحدى بنات الأسر الحضرمية المعروفة في عدن، وهي طالبة بقسم اللغة العربية بكلية التربية العليا بعدن آنذاك ،وهي اليوم الأستاذة ملكي سعيد باخبيرة المدرسة والمحاضرة بقسم اللغة العربية بهذه الكلية ، والتي كانت خير سند له في حياته الأسرية وفي نشاطه العلمي . وفي عام 1979م عاد مرة أخرى إلى الدراسة بكلية التربية بعدن ،وحصل منها على شهادة البكالوريوس في عام 1981م .واستمر بعمله مدرساً في المرحلتين الاعداديه والثانوية في مدارس عدن . وفي عام 1984م التحق معيداً بهيئة التدريس بقسم الجغرافيا بكلية التربية بعدن , وذلك بعد معاناة ومشقة نظراً لعدم عضويته في الحزب الاشتراكي الحاكم أنذلك .
ورغم أخلاصه وتفانيه وانتظامه في عمله ، وحرصه على أداء محاضراته في أكمل وجه وبشهادة طلابه، إلا انه لم يوفق في الحصول على منحة حكومية للدراسة العليا بإحدى الجامعات العربية أو الأجنبية ، لأنة لم يكن مرتبطاً بالحزب الاشتراكي الحاكم والمتحكم آنذاك بأمور اليمن الديمقراطية شعباً وأرضاً ، ولم يكن للأستاذ احمد باحاج من العلاقات الخاصة مما يفتح له الأبواب المغلقة في وجه أمثاله من المستقلين والبعيدين عن الحزبية والشللية . وكان دائماً يواجه بالصد وعدم الاستجابة من قبل متنفذين في الحزب والدولة حينها لمطالبه المشروعة واسوه بغيره من أساتذة ومحاضري الكلية رغم استحقاقه لذلك ، حتى كاد أن يبلغ به اليأس حداً يجعله ينصرف تماماً عن العمل الأكاديمي والهجرة إلى السعودية والاستقرار فيها كمغترب ، وبالتالي يبتعد كلية عن طموحه العلمي،وقيض له الله فرصة طيبة ،وبمساعدة أساتذة وأخوه عرب من تونس يدركون حقاً المعنى الحقيقي للمثابرة والإصرار في طلب العلم والسعي الصادق إليه ، فتمكن الأستاذ احمد باحاج من التسجيل للدراسات العليا لمستوى الماجستير بقسم الجغرافيا بجامعة تونس ،وتحت أشراف الأستاذ الدكتور حافظ ستهم رئيس هذا القسم ،وذلك في أكتوبر من عام 1989م. وانتظم بالدراسة فيها ،ومن ثم بدأ في أعداد رسالة الماجستير ، والتي كانت بعنوان (النقل البري وتنمية الجهات الساحلية باليمن :دراسة في علاقة البيئة بالنقل). وأتم أعداد هذه الرسالة . وقبل مناقشتها بأشهر قليلة اشتدت علية الآلام التي كان يعاني منها في القلب ،وخصوصاً وانه قد سبق له أن أجرى عملية جراحية في لندن عام 1980 لزراعة صمام في قلبه. وقد كللت تلك العملية بالنجاح .واخبره طيبة حينها انه إذا مرت عشرة سنوات ولم تظهر عليه عوارض خطيرة فان وضع قلبه سيستقر ، وستزول الآلام تدريجياً. بإذنه تعالى .
وبالفعل مرت السنوات العشر بسلام.غير انه منذ صيف عام 1993م بدأت الضغوطات تزداد عليه، خصوصاً من خلال المشاكسة والمناكفة المفتعلة من قبل رؤسائه في الكلية ، وتعمدهم إرهاقه باعباء المحاضرات والتدريس رغم علمهم بالمرض الذي يعاني منه لأنه لم يكن يوافق المزاج السياسي والنفسي لهؤلاء،ولم ينخرط في أنشطة الحزب الاشتراكي بالكلية أو خارجها آنذاك . بل انه كان يواجه هؤلاء أحياناً بأخطائهم وما يفعلونه في حق أنفسهم وفي حق مجتمعهم ،خصوصاً وانه رغم استقراره في عدن ظل متمسكاً هو وعائلته وكغيره من شرفاء الحضارم وغيرهم بالخلق الإسلامي الرفيع، وبالقيم الدينية الأصيلة ،وبالالتزام بأداء الشعائر الدينية المفروضة والبعد عن كل منكر يسئ إليه وإلى أخلاقه من كذب ونفاق وممارسات لا يقره الشرع أو الخلق القويم .وكان باراً بوالديه ، وعطوفاً على إخوته ذكوراً و اناثاً ، وملبياً لحاجة من يسعى اليه بقدر ما يستطيع مادياً او معنوياً ووفق إمكاناته المتواضعة .ولم يكن يبخل في فعل الخير ما أؤتي إلى ذلك سبيلاً . وكان رحمة الله عليه غالباً ما يترك أثراً ايجابياً وطيباً فيمن يلتقي به من حسن الاستقبال وحسن الإنصات . وقد وقفت معه والى جواره زوجة خيّرة تسانده بما تستطيع ، وهي خير راعية معه لابنتيهما أسهار ونادية، وهما كل ما تركهما من الدنيا وحطامها،مع كتابين منشورين لعل فيهما ما ينفع الناس ،وقدوة صالحة وعمل خيّر، فيحسب له كل ذلك في ميزان حسناته بإذن الله تعالى عند رب العباد. وكانت هذه الزوجة الصالحة تشدّ من أزره وتقوي من عزيمته عند وقوع الأزمات والملمات في عمله وصحته وشؤونه العامة وقد شاءت أرادة المولى عز وجل أن يعوضه خيراً عما كان ينشده من تحقيق طموحه العلمي في البنت الكبرى أسهار ، فحملت مشعل العلم والمعرفة، وأكملت دراستها الجامعية بقسم الجغرافيا. بكلية الآداب بجامعة عدن ، ثم التحقت بهذا القسم معيدة ومحاضرة فيه ،ثم حصلت على الماجستير في الجغرافيا من هذا القسم , ثم حصلت على الدكتوراه من مصر ومستلهمة من نشاط والدها وإصراره على طلب العلم ما يكفيها للاستمرار في ولوج طريق العلم والمعرفة، وهي بلا شك تدرك جيداً الرسالة النبيلة التي تركها لها والدها في نشر نور المعرفة والوعي في صفوف مجتمعنا ،وضرورة التمسك بالأخلاق الحميدة التي يحثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف وسيرة سيدنا محمد صلى الله علية وسلم ،وهذا ما كان والدها يسعى إلى التأكيد عليها سلوكاً ومنهجاً ،حتى صار معروفاً بذلك في أو ساط محبيه، ومن يتصل به ،حتى مع ذلك النفر ممن كانوا يتعمدون الإساءة إليه في الكلية وخارجها حيث كان رحمة الله عليه في تعامله يتسم بمثالية واضحة، وخلق إنساني مميز ورفيع هي بلا شك من صفات المؤمن والمسلم ،ولم يرد الإساءة بالإساءة وإنما كان يرد الإساءة بالإحسان أو بالتجاوز عنها .وكان في ذلك مثار دهشة واستغراب عند بعض هؤلاء ممن تسمو أخلاقهم وقيمهم إلى هذا المستوى الرفيع في التعامل الإنساني النبيل في ابسط صورة وأرقاها.
وكانت من فضائله -رحمه الله عليه- انه كان لا يتوانى عن مساعدة من يعرف ومن لا يعرف ممن يحتاج إلى مساعدته ،وبحسب قدرته المادية أو المعنوية . والطريف في ذلك انه كثيراً ما يعير بعض الوثائق العلمية الهامة أو الخرائط أو الكتب والمطبوعات النادرة ، ثم لا يتمكن من استعادتها ، وبعض هؤلاء ممن هم من خارج الوطن مما يصعب عليه الوصول إليهم .
وقد استطاع أن يكوّن مكتبة خاصة في منزله بعدن عامرة بأصناف الخرائط وكذلك الكتب والمطبوعات ، وخاصة الجغرافية منها والمتصلة بفروع الجغرافيا الطبيعية والعلوم الطبيعية والتطبيقية ، وبلغات متعددة ، فصارت مقصداًً لطلاب العلم والباحثين ولم يكن يبخل في مساعدتهم بما لديه .
وبعد وفاته رأت عائلته في عدن أن أفضل ما يحفظ ذكرى سيرته الطيبة في أذهان الأجيال المعاصرة واللاحقة ، واستمراراً لرسالته النبيلة في نشر نور العلم والمعرفة أن تقدم مقتنيات مكتبته الخاصة إلى جامعة عدن لتلحق بإحدى المكتبات الجامعية بها ، حيث كان محاضراً وأستاذاً فيها .وقد استقبلت جامعة عدن هذا الاقتراح بترحاب طيب ،خاصة أن إدارة جامعة عدن ورئيسها آنذاك الدكتور صالح علي باصرة ومساعديه مثل الدكتور سعيد عبد الله باعنقود وغيرهما ممن يعرفون حق المعرفة نشاطه العلمي والأخلاقي المتميز في الكلية وخارجها.
وبالفعل خصصت إدارة جامعة عدن جناحاً في هذه المكتبة الجامعية باسمه ووضعت فيه ما كان بحوزته من كتب وخرائط ومطبوعات مما يفيد الباحثين ، وبعضها نادرة التداول بين الناس ،وخصوصاً غير العربية منها ، ولاشك أن موقف أسرته في ذلك مثالاً ينبغي أن يحتذي لغيره ، فلا يجوز للكتب والمطبوعات القيمة وذات الأهمية الخاصة المكدسة في المكتبات الخاصة أن تكون طعاماً للحشرات أو تتلف ولا يستفاد منها .
وفي مجال الانجاز العلمي والجغرافي بوجه خاص فقد كانت للأستاذ احمد سعيد باحاج مجموعة من الأبحاث والدراسات لم يمهله قدر الله عز وجل إلا أن ينشر منها بحثين فقط وفي كتابين مستقلين وهما : الرحلات والدراسات الجغرافية لحضرموت ، والتطور الجيولوجي لبراكين عدن وعدن الصغرى . وقد صدر الكتاب الأول عن مكتبة الجسر في جدة عام 1988م . وكنت قد تناولت مراجعة عامة لهذا الكتاب في العدد (22/23) من دورية (آفاق ) الصادرة عن فرع اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين بحضرموت في المكلا عام 2005م .وكذلك اشرنا إلى هذا الكتاب واهم ما فيه ضمن كتابنا(حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية ) الصادر في صنعاء عام 2004م ،وذكرنا أن كتاب الأستاذ احمد باحاج هذا هو في الأصل بحثاً قدمه في ندوة علمية عقدت بكلية التربية بالمكلا عام 1987م بعنوان (التركيب الجغرافي والأهمية الاقتصادية لحضرموت )وشارك فيها مجموعة من الباحثين الأكاديميين .وقد اشرنا إلى تلك الندوة وما قدم فيها من أبحاث في صفحة 163 من كتابنا المشار إليه آنفاً . ولعله من المفيد التنويه إلى انه عندما كان الأستاذ احمد باحاج يعتزم نشر بحثه هذا في كتاب أرسل إلي عندما كنت طالب دراسات عليا في تونس نسخة منه قبل طباعته وإصداره للاطلاع عليه وإبداء بعض ملاحظاتي بشأنه . وبالفعل أرسلت ملاحظاتي هذه إليه . والطريف إنني وجدت فيها ما يمكن أن يكون مفيداً لكل باحث ، فجمعتها من جديد ، وفي تبويب مناسب ،ومع بعض الإضافات والتعديلات الضرورية وجعلت منها كتيباً،وهو مؤلفي الأول ، والذي بعنوان (ملاحظات علمية في تصميم الأبحاث الأكاديمية)،ثم قدمته إلى ناشر تونسي ، وخرج النور. ولعل هذا الكتيب قد وجد بعض الاستحسان والقبول عند الذين اطلعوا عليه واستفادة منه .وهكذا يكون شقيقي احمد –رحمة الله عليه- قد مهد أمامي السبيل وبدون أن يدري-لإخراج أول مؤلفاتي إلى الناس.وقد أخبرته بذلك وشكرته عليه ،فرد علي بابتسامته المعهودة،وقلبه المتعب يغمره الفرح بأنه استطاع أن يقدم شيئاً طيباً وخيّراً ، حتى وأن كان لا يدري بذلك.بل انه أكثر من ذلك فقد سعى بكل جد وصدق وقبل عام من وفاته أي في عام 1992م إلى أن أعيد طباعة ذلك الكتيب عند ناشر في صنعاء يعرفه جيداً ، ومن أبناء عدن وهو الأستاذ نبيل عبد اللطيف عبادي ،فقدم إليه نسخة من الطبعة الأولى من هذا الكتيب وبدون علمي المسبق بذلك . وعندما حصل على موافقته بإعادة الطباعة النشر اخبرني بذلك وبالفعل صدرت الطبعة الثانية من هذا الكتيب ضمن منشورات دار الكتب العربية والتي مقرها الرئيسي في عدن وفرعها في صنعاء وبتمويل كامل من هذه الدار وقبل أن يؤسس الأستاذ نبيل عبادي مركزه المعروف اليوم في صنعاء والمسمى ( مركز عبادي للدراسات والنشر) . والمحزن أنني بعد أن تلقيت النسخ المطبوعة من هذه الطبعة الثانية من الكتيب وبأسابيع قليلة جاءني من القاهرة الخبر المفجع بوفاة صاحب الفضل في ذلك ، والفضل لله عز وجل من قبل ومن بعد . وكانت تلك هي بداية العلاقة المثمرة التي جمعتني بالأستاذ نبيل عبادي ونشر مؤلفاتي التي حظيت بالرعاية لديه.
أما الكتاب الآخر للأستاذ احمد باحاج والذي تمكن من نشره وهو-كما اشرنا سابقاً – التطور الجيولوجي براكين عدن وعدن الصغرى ،فهو ترجمة وتعريب لدراسات جيولوجية عن براكين عدن كتبت باللغة الإنجليزية ، والتي كان الأستاذ احمد باحاج يجيدها قراءه ونطقاً.وقد نشر هذا الكتاب مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء عام 1992م . وقد استلم النسخ المخصصة له قبل وفاته بحوالي سبعة أشهر .وكنا في(ملتقى حضرموت لمناقشة المؤلفات اليمنية بالمكلا) قد خصصنا فعاليته الشهرية لمناقشة هذا الكتاب وما فيه وما عليه،وذلك في 28 نوفمبر1995م بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيله.وقد حضر هذه الفعالية جمع طيب من المختصين ومن زملاء الأستاذ احمد باحاج وطلابه ومحبيه.وفيما بعد نشرت لنا دورية (الفكر)الصادرة عن جمعية المؤرخ سعيد عوض باوزير في مدينة غيل باوزير وفي عددها الأول المؤرخ في يناير من عام 1996م مراجعة شاملة لهذا الكتاب . وقد كان لكاتب هذه السطور شرف إقامة فعالية ثقافية في الذكرى الخامسة عشر لرحيل الأستاذ أحمد باحاج نظمها اتحاد الآدباء والكتاب اليمنيين بالمكلا في 19 نوفمبر 2008م . وحضرها جمع غفير من محبيه وتلامذته وطلابه .
أما الأبحاث والدراسات التي لم تنشر للأستاذ احمد باحاج فمنها بحث بعنوان (التربة وأثرها في الإنتاج الزراعي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).وقد أعده عام1980م. وقد تناولنا هذا البحث/ وما ذكره فيه بخصوص التربة في حضرموت في الصفحة 151 من كتابنا (حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية) السابق ذكره.أما آخر أبحاث الأستاذ احمد باحاج فهو –كما ذكرنا – أطروحة الماجستير التي لم تشأ إرادة الله عز وجل أن يناقشها في جامعة تونس،وهي بعنوان (النقل البري وتنمية الجهات الساحلية باليمن:دراسة في علاقة البيئة بالنقل).وقد تناولنا ما يخص حضرموت في هذه الأطروحة بصفحة 153 من كتابنا (حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية).
وكان الأستاذ احمد باحاج يعد فهرساً بيليوجرافياً لمراجع اليمن الجغرافية ولم يكتمل بعد . وهو يشتمل على العديد من المصادر و المراجع التي اطلع عليها وفيها مصادر ومراجع تخص جغرافية حضرموت .ولاشك ان مخطوطة هذا البحث محفوظة لدى أسرته في عدن،وهي بلا شك ستسعى إلى أخراجه إلى النور بعون الله تعالى .
وكان للأستاذ احمد باحاج اهتمام وعناية بالكتاب واحترام له كمعظم أبناء جيله،فهو يعرف قدر الكتاب ومدى أهميته في مجال التنمية العامة ،ومن هنا جاء حرصه على الاطلاع والقراءة لما في بطون الكتب العلمية ، ومن ذلك توّلد لديه الاهتمام باقتناء الكتب والمطبوعات فكوّن تلك المكتبة في منزله بعدن والتي اشرنا إليها سابقاً.ولذلك فعندما عرضت عليه في صيف عام 1989 مشروعاً لإقامة دار نشر في تونس أثناء أقامتي فيها آنذاك وبمسمى (دار حضرموت للنشر والتوزيع ) ، وبعد أن لمست عن قرب ومعايشة الوضع البائس الذي آل إليه حالنا في الوطن ،بادر إلى الموافقة التامة على أقامة هذا المشروع وتحمس له . وفاجأني بعد مرور بضعة أسابيع بأنه قد حصل على مساهمة في التمويل من مغترب حضرمي في السعودية يعرفه جيداً ويثق فيه ، وهو سيشاركنا في تمويل هذا المشروع وعلى النحو الذي نحدده له . وبدأنا بجدية ومثابرة في ترتيب أمورنا على إقامة دار النشر هذه في تونس والتي ستختص في نشر وتوزيع الدراسات الجغرافية والتاريخية والتنموية ، ومما قد يساعدنا على ذلك إن اسم (حضرموت) هو نفس الاسم الفينيقي لمدينة سوسة الحالية والواقعة على الساحل الشرقي للجمهورية التونسية ، وحتى يكون هذا الاسم جسراً ثقافياً ومعرفياً وحضارياً يربط بين حضرموت (الآسيوية) وحضرموت (الأفريقية). وبينما كنا منهكين في الترتيب والإعداد لإقامة هذه الدار تداعت الأخبار باتفاقية عدن (الوحدوية) في الثلاثين من نوفمبر 1989م. وسألني أخي أحمد أن كنت مازلت مبقياً على استمرار مشروع دار النشر في تونس ،فأجبته بان الوطن في لحظة تحوّل تاريخي ، وانه بلا شك في حاجة إلى كل أبنائه أن يكونوا بداخله ، ومن غير المستساغ أن نبقى نحن بخارجه , فوافقني على ذلك الرأي وهذا التوجه . وصرفنا النظر عن تنفيذ ذلك المشروع في تونس الخضراء . وقد سعدت كثيراً وحمدت الله بعد ان وجدته حقيقة ماثلة في المكلا على يد الأستاذ سالم عبد الله بن سلمان ، حيث أقام (دار حضرموت للدراسات والنشر ) في عام 1997م ومجسداً بذلك آملاً لاشك في سمو مقاصده ،وتأكيداً وتثبيتاً لأهمية قيام مثل هذه المشاريع والأنشطة الحيوية .
والى جوار ما كان يبذله الأستاذ أحمد باحاج من جهد واهتمام بمجال البحث العلمي والسعي لنشر النور والمعرفة،وبقدر ما تتيحه له ظروفه وصحته وإمكاناته المحدودة ، كانت له إسهاماته في مجال إعداد مناهج الجغرافيا للدراسة الموحدة . وكان أيضاً مثالاً طيباً للأستاذ والمحاضر الفاضل والحريص كل الحرص على أداء رسالته التربوية والعلمية كما ينبغي ، فكل الذي تلقوا العلم على يديه في مدارس عدن وكلية التربية فيها يشهدون له بذلك . وقد كان مخلصاً حقاً كمعظم أبناء جيله في أداء رسالته التربوية لا حباً في مالاً أو منصب أعلى ،وإنما أرضاء لضمير وواجب ، وهو ما كان يسعده كثيراً أكثر مما قد يحصل عليه من عائد مادي . ولعل هذا الموقف النبيل منه كان دافعاً لبعض ممن كانوا يكيدون له ويتعمدون خلق المشاكل والعثرات في طريقه حتى يتراجع عن سلوكه القويم هذا.
وكان الأستاذ احمد باحاج نشاطاً إعلامياً من خلال إذاعة المكلا في عامي 1968و1969 عندما كان مديرها الأستاذ فيصل سالم بن كوير .وقدم الأستاذ احمد باحاج فيها برنامجاً ثقافياً واجتماعياً بعنوان (أوراق طائرة) فيها بعض الملاحظات عن الواقع الثقافي والاجتماعي في الوطن .كما انه قد حرص أثناء زيارة له إلى القاهرة في عام 1966.أن يتصل بإذاعة (صوت العرب) ويتحدث منها في البرنامج الذي كانت تبثه فيها عن الجنوب الثائر المطالب بحريته واستقلاله.
ومن أنشطته الوطنية والاجتماعية الأخرى أثناء دراسته في ثانوية المكلا أنه كان مسؤولاً عن الهيئة الإدارية في (اتحاد الطلاب الحضارم )،وذلك حتى عام 1967 إلى قبل الاستقلال، وكان يشاركه في ذلك مجموعة من شباب حضرموت والمكلا ومن بينهم الأستاذ سعيد عبيد شمراخ وغيره .
وكان الأستاذ احمد باحاج رياضياً يهوى كرة القدم ،ولذلك أسس مع شقيقة الأكبر محمد نادياً رياضياً أسموه (نادي الأحرار) ، وذلك في أوائل الستينات وقبل أن يظهر إلى الساحة الرياضية و الاجتماعية (نادي الأحرار ) المعروف في المكلا والمتفرع من نادي الشباب فيها.وقد اتخذ نادي الأحرار الذي أسسه الأستاذ احمد باحاج مع شقيقه محمد مقراً له في غرفة من غرف الطابق الثاني في منزل والده المجاور لبريد المكلا . وقد شاركهما في نشاط هذا النادي بعض الشباب من أبناء حافة برع السدّة المجاورين في السكن وفيهم أولاد عبد الله محمد بن ثعلب (محمد وعبد الرؤوف) وأولاد أحمد وعمر باحشوان(علي وصالح وفؤاد) وأبوبكر الحضرمي وأولاد بارحيم وغيرهم .وبعض هؤلاء اليوم أساتذة أكاديميين وتربويين ورجال أعمال ورجال إدارة لهم قدرهم ومكانتهم في أوساط المجتمع .وبسبب ولع الأستاذ أحمد باحاج بلعبة كرة القدم أصيب وهو طالب في الثانوية المكلا بضربة أثناء أحدى المباريات في عينة مما تسبب له في حدوث انفصام بشبكية العين ظل يعاني منها حتى وفاته ،وهو الأمر الذي أرهقه كثيراً عندما بدأ يشرع في مجال الكتابة والبحث العلمي،مما جعله يخفف الساعات التي كان يقضيها في ذلك ،حتى لا يفقد البصر كلية .
وكان الأستاذ أحمد باحاج محبّاً للرحلات والتجوال ،وطاف مناطق عديدة في حضرموت بواديها وساحلها وكذلك زار دولاً عربية عديدة مثل مصر والكويت والسعودية وسوريا والسودان وتونس ، وكذلك دولاً أخرى في أوربا ، مما يجعله على معرفة جيدة بأوضاع هذه الدول جغرافياً وسكانياً . وكان أحياناً يقدم على مغامرات في تلك الرحلات فيها الكثير من المشقة والعناء ، وأحياناً باستخدام طرق للمواصلات غير مألوفة،ومن ذلك ركوبه سفينة شراعية من ميناء ينبع السعودي على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وتوجهت به إلى ميناء سفاجة المصري على الساحل الغربي من هذا البحر أي انه قطع البحر الأحمر بالعرض من الشرق إلى الغرب ، وبطول يصل إلى حوالي 300 كيلو متر. وقد أثرت هذه الرحلة كثيراً على صحته ، وتسببت له في حدوث آلام في المفاصل والنقرس في قدميه ، وكذلك أصيب خلالها بحصوة في الكلى ، وتضاعفت آلام عينه المصابة من قبل بانفصام الشبكية. وبدأ يشعر أن قلبه أخذ يغزوه المرض.
ورغم كل هذه الأمراض التي أصيب بها ،ألا أنه ظل مؤمناً بقدر الله عز وجل ، وبدوره ورسالته في الحياة .وكان الموت غير مفارق لذهنه لحظة واحدة،غير أن إيمانه القوي بأن لحظة الخروج من الدنيا هي بأمر الخالق تبارك وتعالى ،وعليه ألا يفكر في ذلك مطلقاً إلا بما يستوحيه الإيمان الصادق ، وما يمكن أن يقدم من خير لوطنه ولمحبيه ولكل من يتصل بهم من الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم .
وكان يشغله دائماً مستقبل أسرته في عدن واستقرارها . ولذلك أقدم على بيع الشقة التي كان يسكن فيها مع أسرته في اول شارع المعلا (شارع مدرم) من جهة معلا دكة ، واشترى بدلاً عنه بيتاً أوسع مؤلف من طابق واحد في منطقة حافون بالمعلا. وبعد أن تمت عملية البيع والشراء ،واستقرت نفسه و أطمأن باله على وضع أسرته ، ونظراً لما بذله من جهد في هذه العملية وكانت والدته حاضرة مع أسرته وشاهدت بنفسها ذلك المجهود , فشعر بآلام شديدة في قلبه ، فغادر على عجل مع زوجته إلى القاهرة حيث كان والده يقيم هناك،ودخل المستشفى ، وأجرى له الدكتور حمدي السيد وهو نقيب الأطباء المصريين وأفضل جراحي مصر في عمليات القلب عملية جراحية لم تكلل بالنجاح : وشاءت إرادة المولى عز وجل أن يقضي نحبه في القاهرة التي كثيراً ما أحبها وتمنى أن يعيش فيها منذ صباه ،ودفن في القاهرة في المقبرة التي أقامتها سفارة الجمهورية اليمنية لدفن مواطنيها ،ممن يتوفاهم الأجل المحتوم بأرض الكنانة . وشاءت إرادة الله عز وجل أن يدفن إلى جواره فيما بعد والده الشيخ سعيد احمد باحاج وكذلك أخته الصغرى فاطمة زوجة الدكتور مبارك قاسم البطاطي السكرتير الثقافي بالسفارة اليمنية بتونس آنذاك , وكذلك زوجه والده الثانية وأبنها أبوبكر وهو أخ غير شقيق له .
وفي المحصلة فان الأستاذ احمد سعيد باحاج رحمة الله عليه كان في سيرته الذاتية وفي عطاءاته العلمية والتربوية ،والتي لم تكتمل ،تعبيراً صادقاً ونموذجاً ايجابياً لشباب حضرموت في حقبة الستينات والسبعينات ،والساعي إلى بذل الجهد المخلص لما فيه الخير لحضرموت العزيزة ولم يسنده في ذلك وكغيره من شباب حضرموت حينها أي توجه سياسي معين أو انتماء حزبي أو طائفي أو قبلي أو عائلي ، وإنما كان اعتماده على الله عز وجل ، ثم على نيته الصادقة وعزمه الثابت الذي لا يلين ولا ينكسر في فعل الخير لهذا الوطن العزيز ، وهو في النهاية لم ينتظر أن يتلقى عما قدم من خير لشعبه ووطنه من أصحاب القرار والمقام ثناءً أو جزاءً،وبعض هؤلاء ممن يعرفه حق المعرفة ، فحسبه ذلك عند الله عز وجل ،وأن يكون في ميزان حسناته بمشيئة المولى تبارك وتعالى، وهو خير منصف وعادل.
المكلا-حي السلام
في 19 نوفبر 2013م
|