صنعاء نيوز/محمد عبد الوهاب الشيباني -
ماذا باستطاعة اكثر المتفائلين الذين (اتحفونا ) طوال العام 2013 ـ الذي سينقضي بعد ايام ـ بكتاباتهم وتنظيراتهم التي تقول بان الامور تسير نحو لحظة تاريخية سيتجاوز فيها اليمنيون كل احباطهم ،وان البلاد تسير نحو لحظة ولادة جديدة بدون منغصات قوى الحكم السابقة، اقول ماذا باستطاعتهم ان يقولوا بعد كل الذي جرى وسيجري وهل حان وقت وضع ايديهم على قلوبهم على مصير البلاد بذات الكيفية التي وضع فيها (غير المتفائلين) ايديهم على مدى عامين كاملين؟!
اثبتت الايام ان التطمينات الاعلامية التي يسوقها الاعلام الرسمي بشأن الخروج الكبير من عنق الزجاجة ،ليست اكثر من وهم يتفنن مروجو التسويق في غرزه كمخدر موضعي لبسطاء الناس، الباحثين عن قشة امل تباعد بينهم وبين الجحيم .
فلم يتجرأ مثل هؤلاء المتفائلين ويقولوا ان البلاد مخطوفة في ايدي نفس القوى التي خرج الشارع ذات يوم من ايام فبراير العام 2011لاسقاطها، الصوت المتعقلن في تيار التسوية هو الذى بدأ يحس ان التسوية تحولت الى لحظة اختلال واضحة اثرت في انتاج المسار الطبيعي لبناء الدولة بل عملت هذه التسوية على تكريس حضور القوى السابقة كمتحكم فعلي بمصائر الكل والمؤثرة بقوة بلعبة التحول، غير ان هذا الصوت لم يستطع الفكاك من تكبيلات الشراكة المختلة . فالقوى المشيخية التي قدمت نفسها كوريث وحيد للزيدية الدينية الحاكمة قبل اكثر من نصف قرن لم تزل قوة ضاربة داخل لحظة صنع القرار. وغير بعيدة عن قوى التحالف العسكري الديني الي افرزتها التسوية الملكية الجمهورية مطلع سبعينيات القرن الماضي التي لم تزل تبلي بلاً حسناً على جبهة العمالة السافرة للشقيقة (عرابة التسويات) تحت مضلة اللجنة الخاصة ،وتعمل بكل طاقاتها وامكانياتها المهولة لبقاء الوضع العام في درك التخلف والموات الابدي.
تركيبة البنيتين هاتين هما اللتان تأسس عليهما تحالف صيف اربعة وتسعين، مضافا اليه القوى التي استبعدها منطق المنتصر في يناير 86 19في الجنوب، واستيعاب العائدين من افغانستان كضباط وجنود في جهازي الامن والجيش في ذروة الاستقطاب للحرب الملعونة تلك هذا التحالف لم يزل يراهن على استمرار الدولة بوظيفتها التقليدية، حتى وهو يسوق لأقلمة الجغرافيا شمالاً وجنوباً ،لان المصالح التى راكمها على مدى يقترب من ربع القرن تجعله يرحل جملة تعارضاته البنيوية الى مساحات مقبلة في الوقت.
بحساب بسيط تعمل هذه القوى على اعادة ترتيب اوراقها في مساحات غير كاملة الاختراق من اطراف غير بعيدة من لعبة التوازنات وحتى التحالفات شديدة التماسك التي تجعل من التصارعات الظاهرية بين الاطراف لا تقترب من المصالح التي يتمترس خلفها الاخر. ففي احداث2011لم يسجل أي مساس اقتصادي بمصالح الاطراف المتحاربة في صنعاء وبقيت صنعاء المنقسمة شمالاً وجنوباً وفية للود القائم بين الطرفين الذين اختاروا التحارب بقوة ومصالح غيرهم.
بعد عامين من التسوية السياسية التي انتجتها عرابة التسويات التاريخية في اليمن (الشقيقة الكبرى) ،لم تتشكل الكتلة التاريخية التي ستقود عملية التغيير التي تمناها الشارع بل تهلهلت بفعل تحالفاتها السياسية مع اطراف فاعلة من مكون (فيد) صيف اربعة وتسعين الذي يزداد سعاراً لإعادة تطويع الدولة ووراثتها كبنية ووظيفة.
بعد عامين لم يحدث انتقالاً للسلطة والذي حدث ان وظيفة عامة، يتم الانقضاض عليها بنهم الجائع، لان انتقال السلطة بمفهومها التغييري ليس من مصلحة مراكز القوى التقليدية التي هي في عمق صناعة القرار، وتلعب الدور المزدوج (كسلطة ومعارضة)،وان حضر التغيير في خطابها فهو يعني تمكين اعضائها من الوظيفة العامة والمواقع القيادية ،كما هو حاصل في محافظة تعز اذ نقل احد اطراف التسوية من الاحزاب الكبيرة كامل معركته اليها تحت شعار التغيير للمواقع وهو في الاساس يبحث عن تمكين عناصره من المواقع المهمة التي يحددها بعناية.
وعلى المستوى المركزي تجاهد مكونات اطراف الازمة الخوض في معركة كسر العظم بوصول البارود الى محيط مكاتب الحكم في رسائل متبادلة قوية، اقلها ان الاقبية التي ربت فيها الاطراف دموييها من الجهاديين (سواء في الامن السياسي او القومي) قادرة على تسويق قواعدها الصلبة بذرائع دينية ووطنية ، والمستهدف من هذا كله الرئيس الذي بلا قاعدة حسب طرح الزميل منصور هائل الذي رأى ان:
(الرئيس عبدربه ليس له ذراع في تنظيم القاعدة يناوش به او يناور ويلعب ويقاتل ويستثمر فيه بصفقات وفديات ،ويبتز الداخل والخارج من خلاله كغيره من اركان نظام الحكم المتصدع في صنعاء ولذلك كان ومازال مستهدفاً بمحاولات الاغتيال والتصفية المنسوبة الى تنظيم القاعدة)
قاعدة الرئيس لم تزل تلك الشرعية المؤقتة التي منحه اياه صندوق فبراير 2012 بوصفه رئيساً توافقياً تكبله اذرع القوة التي يمتلكها خصومه. وكان باستطاعته اللجوء الى هذه الشرعية في اللحظات الحاسمة (على نحو حادثة الخامس من ديسمبر في مجمع وزارة الدفاع )غير انه اُثر مثل كل مرة الاحتكام لمنطق التسوية التي لم تزل ملاذاً يمكن الهروب اليه وترحيل مشاكل البلاد الى مربعات الانفجارات القادمة، التي تكمن لنا في كل منعطف. |