صنعاء نيوز/قيس علي الإرياني -
من مستشفى العرضي إلى جريمة السبعين كان وضعها كالصاعقة على اليمنيين، ومازلنا نتألم ونتوجع إلى اليوم.. حينها جعلتنا نسافر إلى أعماق التاريخ اليمني لنبحث عن مثل ذلك السلوك المشين فلم نجد إلا تاريخا عظيما يدلل على أمة عظيمة ساهمت في بناء التاريخ الإنساني، فبرغم أن بتاريخنا صراعات متعددة ومتنوعة وفيها كل فنيات القتال.. لكن لم يكن فيها انحطاط ومسخ لإنسانية الإنسان والأحداث الوقائع والموت أيضا.. يعلم الجميع أن ذلك لا يعني وقوف الحياة، الإنسان خليفة الخالق سبحانه وتعالى على هذه الأرض، ولكن لا يملك الإنسان مهما وصل إلى العلم معرفة قيام الساعة وهنا يظل محدود المعرفة.
ظلت الحياة تمشي إلى أن بعث الله سبحانه وتعالى رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لنبدأ بحياة جديدة لحضارة جديدة ترتدي ثوب الإسلام، وكان اليمنيون هم الأقرب في الاعتقاد والأقرب في القربى والأقرب في اللغة لمحمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا تشريف رباني أن يكون القرآن الكريم بلغة أهل اليمن وهم المهاجرون والأنصار، والجميع يعرف ويوقن كل اليقين أن دولة الإسلام كبرت واتسعت وزاد رجالها ومقاتلوها بدخول اليمنيين الإسلام ببعثة معاذ، رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجند ومن الجند إلى المدينة، هذا المد الطويل أرضية استراتيجية الدولة الإسلامية الجديدة وهذه الأرض الواسعة المليئة بالرجال المؤمنين والموحدين هي الأرض التي بدأت عليها الحضارة الإسلامية الإنسانية الجديدة، واليمنيون لما يملكون من موروث حضاري استوعبوا دلالة ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" إلا أن هذا الإنسان العربي مخلق، وأخلاقياته الجديدة هي أخلاق الإسلام، إذن هي أكثر إنسانية وأكثر إدراكاً بإنسانية الإنسان.. ومنذ أن انهارت الدولة الإسلامية إلى يومنا هذا ولا تشوب أي شائبة في السلوك الإنساني لليمنيين برغم كثرة وتنوع الصراعات بالداخل اليمني، ومهما كانت تلك الصراعات التي ما من شك أننا نعيبها إلا أنها كانت ملتزمة بالأخلاقيات الإنسانية والشيم القبلية والعرفية وكانوا يعرفون العيب ويدركون صلة القرى والنسب والانتماء ويعون معاني الدين الإسلامي الحنيف، كل ذلك جعلنا اليوم أمام أي واقعة إجرامية تقع على أرضنا منا نحن وعلينا نحن.. كل منا سرعان ما يربطها تاريخيا إلى ماضينا فيعيب ويتألم ويصرخ بل تذرف عيناه الدموع ويغادر جفنيه النوم ويقول ليس من عاداتنا وليس من تاريخنا وليس من شيمنا و.. و.. و.. هذا جديد علينا نحن يمنيون مسلمون نكتفي بترديد ذلك النحيب، لم نستنهض الهمم ونوحد الجهود للبحث عن الداء لنوجد الدواء ونعالج الألم ونرتدي الواقي لنقي أنفسنا وأولادنا ونحمي سكينتنا..
الشتاء يجعلنا نرتدي المعاطف ونبحث عن سبل التدفئة لنقي أجسادنا من البرد، وهذا الوابل بل الوباء المعمور بالنجاسة المجرد من كل قيم الإنسانية الخالي من الأصالة والانتماء المعدوم والمنعدم من الأسرة والأهل، فاقد البصيرة والبصر، الغائب عن كل الشرائع السماوية وديانات الأرض والجماعات.
تعددت خلال الفترة القصيرة، من تاريخنا تلك الجرائم الإرهابية وتنوعت كمياتها وتزايدت الجروح واتسعت إلى أن وصلنا إلى جريمة الاعتداء على مستشفى الدفاع لندخل في صفة جديدة من الصفات اللا إنسانية صفة يصعب علينا وصفها ولو أنزلنا كل الأوصاف المشينة من كل لغات الأرض لن تكتفي ولن نفي وصفها.
جريمة الاعتداء على المستشفى وقتل المرضى على أسرتهم والأطباء وملائكة الرحمة الممرضات في غرف العمليات وعلى أسرة الفحص والمعاينة وفوق مناظير ومعامل التحليل والتدقيق، لا أدري ماذا أقول وأنا أكتب هذا الأحرف، أرى الواقعة أمام عيني فعجزت عن الكتابة، فعلينا أن نعترف أن هذه وصمة عار ستلصق في تاريخنا ستقرأها الأجيال القادمة ويعيبون علينا.. لن يمحوها أو يعالج جروحها غير الكشف للعالم كله عن تفاصيلها ومرتكبيها وتسليمهم إلى العدالة.. الله الحافظ والمعين.