صنعاء نيوزLبقلم/ محمد عبدالوهاب الشيباني -
على مدى أيام في الأسبوع الماضي عاشت المحافظات الجنوبية فصلاً من الغليان الشديد، شكَل ـ من وجهة نظر المتابعين للشأن الداخلي ـ تحولا نوعياً في خطاب وفعل التيار المنادي بتقرير المصير واستعادة الدولة، مستفيداً من الهبة الشعبية التي أعلنتها وحددت موعد انطلاقها يوم الجمعة الماضي العشرين من ديسمبر قبائل حضرموت على خلفية مقتل الشيخ (سعد بن حبريش العلي ) شيخ مشايخ قبائل الحموم ورئيس تحالف قبائل حضرموت على يد أفراد نقطة عسكرية على أحد مداخل مدينة سيئون في الثاني من نفس الشهر. هذه الهبة أتاحت للتيار الصاخب في الحراك استعراض قوته العنفية في معظم مراكز محافظات ومدن المحافظات الجنوبية بشكل غير مسبوق من خلال محاولات اقتحام للمقار الأمنية ومكاتب المصالح الحكومية ورفع أعلام شطرية كتعبير رمزي لاستعادة الدولة. كنت في عدن ولحج قبل أيام قليلة من الهبة وأحسست بحجم الاحتقان والتعبئة في الشارع الجنوبي وقبل يوم واحد منها تحديدا (بعد عصر الخميس19 ديسمبر) صادف أن أقام (حراكيو) عدن فعالية في ساحة تخصهم بجوار الفندق الذي أقمت فيه، ولأن احد المتحدثين من الشخصيات المعروفة عندي قررت حضور جزء من الفعالية في جو مشحون تماما ،الذي أثار انتباهي ليس اللغة الطافحة في خطاب المتحدثين وإنما تلك التبريرات التي ساقتها تلك الشخصية عن حاضن ثورة الجنوب الجديد أو كما سماها (قبيلة الثورة)، في إشارة محمودة للفعل الذي تنهض به قبائل حضرموت من أجل تحرير بلادها (من المحتل)، وكيف بإمكان مكونات الحراك في بقية المناطق الجنوبية الاستفادة من فعل مثل هذا للانتقال بالحالة الكفاحية إلى مساحة جديدة وفاعلة (حسب وصفها). أذكر أن هذه الشخصية الحراكية اعتبرت ـ في كثير من طروحاتها السابقة ـ أن الذي أصاب الوحدة في مقتل هي قبائل الشمال الغجرية بوعيها الكهفي وسلوكها المتوحش الذي برر للفيد والنهب المنظم لمقدرات الجنوب منذ العام 94،وقبيلة اليوم المنبعثة من رماد الماضي تحولت عندها إلى حاضنة للثورة!! لم أزل موقناً أن الطريق السلمي لنضال الحراك الذي عبَده الوعي المدني في المحافظات الجنوبية واستجلب تعاطف الكل ليحول القضية الجنوبية إلى رقم صعب التجاوز في المعادلة السياسية ،وان يختصر الآن في (هبة ) حددتها وقادت بوصلتها القبيلة ،أظن أنها قفزة غير محمودة العواقب في اتجاه جنوب ليس كما رسمه رعيل الحراك الناضج الذي راهن في خطابه على جنوب عصري غير عصبوي وغير(مبندق) يتمثل روح المواطنة المتساوية ودولة الحق والقانون التي عاش في كنفها الجميع لسنوات طويلة قبل الوحدة . وغير بعيد عن الأحداث الساخنة في الجنوب بل ومتصل بها ،اشعل (سياسيو الموفنبيك ) في صنعاء حريقاً جديداً في منتصف الأسبوع الماضي ،إذ تم الإعلان وبشكل رسمي مساء الاثنين عن توقيع أعضاء الفريق المصغر للقضية الجنوبية على وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية، اتضح لاحقاً أن خلافات بينية تعصف بالتوافق (الذي من المفترض أنه من حكم صياغة الوثيقة داخل اللجنة نفسها وليس مستجلباً من خارجها) ،إذ رفض التوقيع عليها ممثلا الاشتراكي وممثل الناصري وممثلا حزب المؤتمر(الذي نابهم في التوقيع كما قيل الدكتور عبد الكريم الارياني النائب الثاني لرئيس الحزب مما حدا بالمؤتمر الشعبي إلى إصدار بيان تبرأ فيه من الارياني وتوقيعه!!)،ووقع عليها الإصلاح والحوثين وممثلو الحراك. قفزة أخرى للمجهول يقوم بها (بهلويو) الموفنبيك معتقدين أن أنجع وسيلة للخروج من المأزق هو (الكلفتة) بما فيه كلفتة القضايا المصيرية التي تحدد مستقبل الوطن ،واذا استثنينا موقف الحزب الاشتراكي الناضج والعقلاني (بشأن الموضوع الذي يقض مضجع الجميع ) فإن كل ممثلي الاتجاهات في اللجنة المصغرة للقضية الجنوبية حاولوا الهروب إلى الأمام دون بصيرة ، فموقف الإصلاحيين والحوثيين الذي بدا غير مفهوم عند البعض هو في الأصل قد اختزل حالة الانسجام الطبيعي في بنية القوتين التقليديتين الذي ليس للقضية الوطنية من حضور في مشاريعها السياسية إلا في حدود مصالحها المحددة بعناية، فموافقة الطرفين الضمنية على شكل الدولة الاتحادية المؤلفة من ستة أقاليم حسبت على أساس المكاسب المستقبلية إذ سيتيح للحوثيين على سبيل المثال تسجيل حضور قوي في إقليم شمالي محكوم بقوة المذهب يمثلون فيه الآن رقماً لافتاً ،بينما سيمكن الإصلاحيين من المناورة على مزاج الخارج والتكسب من رغبته التفتيتية ـ التي بدأت تتضح معالمها ـ إذ يعتقد الإصلاح انه باستطاعته تسويق مشروعه السياسي كبديل لمشاريع العنف الجهادي والحراكي معاً في التكوين الجديد لشكل الدولة فأغلب الجغرافيا في الشمال والجنوب والتي عمل عليها بإمكانيات مالية وتنظيمية مهولة صارت ملغومة بـ (عناصره الإيديولوجيين)وبالتالي لن يكون خاسراً من تفتيت الدولة مادام مركز السيطرة المستقبلي سيكون واحداً. لهذا نعتقد أن دعم موقف الحزب الاشتراكي بشأن موضوع وثيقة ضمانات حلول القضية الجنوبية منوط بالقوى الحية في المجتمع لأن هذا الموقف يمثل حالة متقدمة من الوعي السياسي والوطني الحريص على منع الجميع من قفزة العمى إلى الجحيم، فدولة اتحادية كما طرح الحزب (مسبباً ومعللاً ومقنعاً) بالتأكيد ارحم من دولة متشظية في كل اتجاه لم يقدم المنادون بها من قوى العمى أي مشروع مقنع لشكلها وضرورة وجود.
[email protected]