صنعاء نيوز - متورطة في علاقة غير شرعية مع الكتابة.. وواقعي يبادلني الغربة "
الكاتبة والروائية السعودية زينب حفني:مســئولية الأديب الحقيقية اقتحام المناطق المحرمة
امرأة من زمن السرد , وحكاية مع الحرف متنوعة الفنون الكتابية والإبداعية ابتدأت معها مبكرة منذُ الثانية عشرة من عمرها كما تقول عن نفسها , وساعدها ترعرعها في آسرة ليبرالية تحترم عقل المرأة وحرية الفكر في توجها إلى الانفتاح والتحليق في فضاء أوسع مقتحمة بالرواية " التابو" الاجتماعي في مجتمع بدوي متصلب لتصبح أول امرأة تميط اللثام عن المسكوت عنه في مجتمعها .
عندما تبدأ كتاباتها تصافح عيون من كتبت لهم دون استثناء لا سيما الروائية منها تبدأ ضجة كبيرة بالثوران آخذة تلاوين متباينة .
تحس وأنت تسايرها في مقابلة صحفية أعددت لها الوفير من الجهد والمعرفة كمن يخبط رأسه في جدار , وتشعر وأنت تكتب عنها انك لم تضف شيء إلى تاريخ هذه المرأة بقدر ما اخترت لنفسك قارباً يناسب حجمك للإبحار في يم الكاتبة والروائية السعودية زينب حفني .
* كيف تعرف زينب حفني نفسها بعيدا عن نمط السيرة الذاتية؟
- استيقظتُ ذات يوم في مخدعي فوجدتني متورطة في علاقة غير مشروعة مع شيء اسمه عالم الكتابة، مثل العاشق الذي يجد نفسه غارقا بكامل جسده في بحيرة العشق. مع هذا أنا إنسانة بسيطة، تُطربني أغنية حالمة، تُضحكني نكتة ساذجة، أسير منتشية في الطرقات حين تُداعبني زخّات المطر، حريصة على أن لا أهدر طفولتي الرابضة بأعماقي في دوّامة الحياة، حتّى لا أفقد لذة الاندهاش التي تُحفزني على سكبها على الورق في هيئة صور متباينة الألوان والأشكال.
* حكايتك مع الحرف تنوعت فيها أجناس الكتابة من العمل الصحفي إلى المقالة إلى الشعر إالى القصة القصيرة فإلى الرواية ، ما سر هذا التنوع ؟
- ألم يُفاجئك الرحمن يوما بعطيّة لم تكن تحلم بها!! لقد كان الله سخيّا معي. وهبني ملكة الكتابة في نواحي عديدة. المقالة هي نوع من التواصل الأسبوعي مع قرّائي، أطرح من خلاله قضايا العالم الساخنة. وعندما أسنُّ قلمي لا أفكر سوى في التحرّش بقوة في الهم العربي وما أغزره في تربة أوطاننا!!
أما الشعر، فما زال حالة خاصة، لا ألجأ إليه إلا حين تمر غمامة حزن في فؤادي، تتعرّض بسببها أرضية مشاعري لهزّات قوية ، لحظتها أفتح باب مغارتي وأفجّر فيها انفعالاتي على شكل حروف ناريّة الطابع.
أما القصة القصيرة فقد توقفتُ عن كتابتها منذ عدة سنوات مع خروج مجموعتي القصصية "هناك أشياء تغيب" إلى النور. قد أعود إلى عالمها يوما ما فقد علمتني الأيام بأنها كثيرا ما تأخذ هذه المهمة عنّا بالتنقيب في أعماقنا عمّا نجهله نحن عن أنفسنا!!
أما الرواية، فهي عشقي الكبير. بها أجد ذاتي، وأتحرر من كل قيودي، وأغسل أخطائي في آبار سطورها. أنا مدينة لعالم الرواية بالكثير، فلولا الرواية لتقوقعتُ على نفسي، ولأصابتني عقد نفسية كثيرة، وهجرتُ واقعي الذي يُبادلني مشاعر الغربة!! لكن أعترف أيضا بأن عالم الرواية خلق لي حصيلة أعداء من الجنسين، فليس سهلا أن تكون نجما ساطعا وسط دنيا من أنصاف الموهوبين، يحسدونك على نجاحك ويتهمونك بأنك نلت ما نلته بضربة حظ وأساليب ملتوية، وليس بعد كد وتعب ودروب تتخللها الدموع والإصرار على بلوغ الهدف!!
* للرواية طابعها الخاص في الكتابة غير السهلة. فكيف استطاعت زينب حفني أن تكون روائية بهذا الحجم الكبير؟
- أشكرك على هذا الوصف الكبير. لكنني ما زلتُ أتطلّع للمزيد. أن تكون المرأة روائيّة في مجتمعاتنا العربية، فهذه جسارة كبرى منها!! فالمرأة محسوبة عليها خطواتها وسكناتها، فكيف إذا قررت أن تكون مخلوقا استثنائيّا وتحيد عن قافلة النساء!! أن تُصبح المرأة روائيّة ناجحة، فهذا يعني أنها يجب أن تعلن الحرب علانية على تعاليم وعادات القبيلة، وان تخرج أمام الملأ حاسرة الرأس، وتمشي حافية القدمين في البراري، لا تخاف من مخاطر الطريق، ولا تهاب الوحوش الكاسرة!!
* مجموعتك القصصية " نساء عند خط الاستواء " تباينت ردة الفعل إزاءها بين غضب الداخل المحلي ورضي وإعجاب الخارج الأجنبي؟ لماذا ؟
- لم أعد أكترث بهذا الماضي!! لقد ولّى إلى غير رجعة بكل ما لحق بي من آلام بسببه!! ليس سهلا أن تقف وحدك أمام مجتمع اعتاد أن يلتحف بالعباءة السوداء، ويُداري وجهه بالخمار، بأن تصرخ فجأة في وجهه وتواجهه بحقيقته، وتقول له كم أنتَ منافق، مُخادع، كونك تُداري تحت هذه الأستار أجساد مشوهة بحاجة إلى جراحات تجميليّة عاجلة تُعيد لها حيويتها ونضارتها. كان يجب عليَّ وقتها أن أتوقّع الكثير خاصة وأن هذه المجموعة مضى على صدورها أكثر من 15 عاما، ولم يكن المجتمع السعودي حينها مؤهلا لاستقبال هذه الجرعة العنيفة المضمون.
* " لم أعد أبكي " رواية يرى فيها البعض تجسيد لذاتك مع تجربتك الصحفية , وإهمال للواقع المجتمعي الذي عادة ما تهتم الرواية به ما أسباب ذلك ؟
- تركيبة "غادة" ، الشخصية الرئيسية في رواية "لم أعد أبكي" ، قريبة من شخصيتي في الواقع. وهذا يعود إلى أنني سخّرت تجربتي القصيرة في عالم الصحافة بخلق جو العمل الذي كانت تعمل فيه "غادة". لكنني مندهشة من هذا الاتهام الذي طال روايتي!! فهذه الرواية صوّرت أيضا وبدقة المناخ الاجتماعي في تلك الحقبة من خلال الأحداث التي عاصرتها "غادة".
* أيهما يستأثر بكتابتك أكثر الهم النسائي أم الإنساني ؟
- لم أفصل يوما في كتاباتي بين الهم النسائي والهم الإنساني. فالمرأة هي نصف المجتمع وصلاح أوضاع المرأة هو الطريق الصحيح لصلاح المجتمع بأسره. لا تعتقد بأن أي مجتمع من الممكن أن يُصبح نقي السريرة، خاليا من العقد، بدون أن يرفع قبعته احتراما للمرأة ويُؤمن بحقوقها ويحترم مطالبها. مجتمع بدون نساء مستقلات واعيات، مجتمع ناقص الأهلية!!
* لمن تكتب زينب حفني عندما تبدأ أناملها بالجريان على الورق أو على لوحة مفاتيح الكمبيوتر ؟
- أكتب للمرأة والرجل والأجيال الشابة دون تحيّز!! أناملي لا تُعير اهتماما لجغرافيّة الحدود، وهذا من أسباب نجاحي في دنيا الكتابة. منذ بداياتي ألغيت كافة الحواجز والمتاريس من كتاباتي. حررت أبجديات حروفي من قيود الرق والعبودية، ورميتُ بأقفالها في قيعان البحار. الحرية الداخلية التي أتمتّع بها في دواخلي هي التي تجعلني أكتب للجميع دون أن أنساق خلف شعارات تفرقة أو تمييز عنصري أو مذهبي!!
* الجرأة في اقتحام التابو (المحرم اجتماعيا والمسكوت عنه) في مجتمع متصلب . هل هي إفرازات ناجمة عن زينب المرأة النفطية المعاصرة المحتاجة إلى التنفيس الروحي والنفسي ؟ أم جزء من النضال للتحرر ؟ أم الأمر متعلق بطبيعة السرد نفسه ؟ أم ماذا؟
- لم انفر في حياتي من شيء قدر الارتباط بلقب امرأة نفطية!! في بداياتي وقبل أن تعرفني الساحة الثقافية العربية كان الجميع ينظر إليّ على أنني قادمة من عالم متخم بالثراء، لا يفهم في حل رموز الكلمات، ولا يدري عمّا يدور في الطوابق السفلية!! لكنني كنتُ واثقة بأن الزمن سيبدد هذه النظرة المجحفة في حق الأديبة الخليجية. أنا أؤمن بأن مسئولية الأديب الحقيقية هي في اقتحام المناطق المحرمة وانتزاع الأشواك من الطرقات الخلفية، كونها الطريق الأمثل لتوعية المجتمعات العربية. المعاناة الإنسانية لها جوانب عديدة، صحيح أن الفقر لعنة، والحاجة مذلة، لكن نعمة الحرية من وجهة نظري هي الأخرى مطلب سامٍ. لا يمكن أن يحس المرء بطعم الخبز وحلاوة المعيشة وهو يرى آدميته تُسحق بلا رحمة باسم العادات والتقاليد وباسم تعاليم الدين!!
* كيف تقيمين عملية النقد لإنتاجك الأدبي حتى الآن؟
- لستُ راضية!! إذا كنتَ تتحدث عن نقّاد الداخل للأسف أغلبهم يعيشون في أبراج عاجيّة ويترفعون عن متابعة ما يصدر في الداخل، وإن فعلوا يقومون بالتطبيل لبعض هذه الأعمال، حيثُ تُسيطر عليهم ميولهم الشخصية، دون تفنيد المضمون بأسلوب نقدي مُحايد!! إضافة إلى أن ما ينشر في الصحف ما هو إلا نقد صحفي سطحي يقوم على المجاملات وعلى فكرة امتصاص غضب المجتمع،. لكنني أشيد بما كتبه النقاد العرب تجاه أعمالي سواء كان سلبا أم إيجابا حيث أنه كُتب بموضوعية شديدة، وهو ما يجعلني حريصة على قراءة ما يكتبون عنها.
* من خلال اطلاعك على المشهد الأدبي اليمني وقربك منه-كيف تقيمين نتاج السرد اليمني ؟ وما مستقبل الرواية في اليمن؟
- الرواية اليمنية متقدمة كثيرا وأعتقد بأنه سيكون لها شأن كبير في المستقبل القريب. قرأتُ أعمال أدبية يمنية كثيرة، لكنني أعيب على المؤسسات الثقافية في اليمن عدم إيصال الإبداع اليمني إلى بقية الدول العربية. حقيقة أجد صعوبة كبيرة في الحصول على ما يكتبه الروائيون اليمنيون، وأتمنى بالفعل أن تجد هذه الأعمال مكانا لها على رفوف المكتبات العربية ففيها فكر راق وتوثيق أدبي للحياة الاجتماعية في الداخل وهو ما يستحق أن يطلّع عليه الجميع.
* سبق لك زيارتك لليمن في مواسم ومناسبات أدبية ماذا أضافت لك تلك الزيارات؟
- أهمية الزيارات الثقافية والأدبية تكمن في أنها تبني جسر من التواصل المعرفي بين المثقفين من مختلف الدول. ويكفي بأنني في زيارتي الأخيرة لليمن تقريبا في أواخر عام 2008م التقيتُ بروائيين وقاصيين وشعراء يمنيين قدّموا إبداعا مميّزا وقد أهداني البعض منهم أعماله. استوقفني الفن التشكيلي بمختلف مدارسه، وقد زرت عدداً من هذه البيوت ودخلت بيت الفن الكائن عند باب صنعاء القديمة، واعتليت درجاته، وتأملتُ من سطحه بيوت صنعاء القديمة وجمالها العتيق. لستُ أدري!! ربما يوما أكتب رواية عن صنعاء، فأحيانا كثيرة الطرقات الضيقة التي تفوح من جدرانها عبق التاريخ، وتحكي مبانيها تاريخ الأمس، ومعاناة الناس المرسومة على وجوههم، تُحفّز على كتابة نص خارج عن المألوف.
* لو طلبت منك أن تسألي نفسك سؤالا لم يخطر عليّ ، و تشعرين أنت بأهميته فماذا تسألين نفسك ؟ وبماذا تجيبين؟
- كنتُ أريدك أن تسألني.. ما أمنيتك المستقبلية؟! لقلتُ لك.. أتمنى أن أكتب رواية يُخلّدها التاريخ، فليس هناك أجمل من أن تترك شجرة سامقة يستظل بها الناس في الحر القائض،، ويلجأون إليها حين يُسيطر عليهم الضجر. |