محمد رشاد عبيد -
لا أحد يصدق أن دولة نامية مثل اليمن، التي تستورد كل شيء من الخارج ومن الغرب، وجمهورية الصين الشعبية على رأسها، فمنتجاتها تملأ الأسواق اليمنية، من الملابس والأحذية ومستلزمات البناء، وتتكاثر على أرصفة الشوارع اليمنية مثل الفئران؛ على الرغم من عدم جودتها، إلا أن لها رواجاً كبيراً لدى المستهلك والمواطن اليمني الفقير والمسحوق، لرخص ثمنها مقارنة بصناعة اي بلدٍ أوروبي أو آسيوي آخر. لكن أن يصل سقف ذلك الاستيراد وفتح الأسواق اليمنية، بكل المقاييس، حتى إلى استيراد الزبيب أو العنب المجفف، وكذلك الجنبية اليمنية من دولة الصين، فهذا يجعلنا كيمنيين نضع أيدينا على قلوبنا، رغم جودة الزبيب اليمني، ولا مجال أمام الصيني لمنافسته،
وكذلك الجنبية المصنوعة قرنها أو رأس نصلها اليماني، من قرون الحيوانات وحيوان وحيد القرن على وجه الخصوص، وسميت جنبية قديماً لأن من يلبسها من الرجال والصغار من الذكور في اليمن، يضعونها على جنبهم، أسعار الثمينة منها أو ما يطلق عليها بـ الصيفاني تتجاوز المليوني ريال يمني، أي ما يعادل 10 الآلاف دولار، ثم إن اليمني الخبير بصناعة الجنابي في اليمن وفي العاصمة صنعاء، التي اشتهرت منذ القدم بصناعتها، يستطيع التفريق بين الجنبية اليمنية ونظريتها الصينية، بأن الصينية تخترق قرنها أو رأسها أشعة الشمس، وعلى العكس مع اليمنية. على الرغم من دهاء العقلية الصينية الصناعية، والآتها الصناعية، التي لم تصنع لنا كعرب وخاصة لدول الشام والخليج، 'الأرجيلة' أو كما تسمى في بعض الدول العربية الشيشة وأنابيبها المستخدمة في تدخين التمباك وخلطات المعسلات، المختلفة النكهة، وحبات أو خرز الذِّكرِ البلاستيكية، التي يستخدمها المسلمون للتسبيح والذكر، المكتوب عليها ألفاظ إسلامية كـ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، ولفظ الجلالة الله، فقط بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، استطاعت تقليد الجنبية أو الخنجر اليمني الأصيل، بكل المقاييس الفنية والحرفية، حتى بالجنيهات الذهبية، التي تتقاسم رأسها. ولكننا لا ندري أي غباء يمني هذا ؟! ولماذا تسمح وزارتي -الصناعة والتجارة- والزراعة اليمنيتان، بدخول أسواقها سلع تنافس منتجات يمنية زراعية وصناعية تراثية، مثل العنب المجفف (الزَبيب)، والجنابي بموادٍ وأياد وماكينات صينية؟ ثم إن كل دول العالم تحافظ وتدعم سلعها ومنتجاتها الزراعية الوطنية، والصناعية التراثية على وجه الخصوص، ولا تسمح باستيراد مثيلاتها من الخارج، لأنها تعبر عن أصالة البلد؛ إلا حكومتنا اليمنية والبعض من نظيراتها العربية، التي أصبحت تلهث وراء المزيد من حزم المساعدات الغربية، والصينية الاقتصادية، فالصين تقدم لليمن ربع مليار دولار سنوياً، كمساعدات اقتصادية، والأخيرة أي حكومتنا اليمنية الرشيدة لا تريد إغضاب الشريك الاقتصادي الصيني، الذي يريد أن نصبح كيمنيين مستهلكين فقط وغير منتجين لأي شيء كان،سواء كان زراعيا أو صناعيا أو تقليديا حرفيا مثل المسابح (جمع مِسبَحة) حبات الخرز المصنوعة لذكر الله، والخناجر أو الجنابي، التي هي تراث أجدادنا وآبائنا اليمنيين منذ قرون. في سورية يؤكد السيد المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء السوري، في 5 نيسان /أبريل الجاري، في اختتام الندوة الدولية حول انحسار المناطق الخضراء، وسبل زيادتها في دمشق وريفها، على ضرورة أن تصبح المناطق الخضراء متوازية مع الزيادة السكانية في سورية، بينما خرج علينا وزير الزراعة اليمني الدكتور منصور الحوشبي مؤخراً، بحسب الصحافي اليمني أحمد غراب، في عموده في صحيفة 'السياسية' اليومية الرسمية، الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية سبأ، وتحت عنوان' قات صيني'، يوم الأحد 4 نيسان/ أبريل الجاري، العدد(20909)، بخبر مفاد ه أن اليمن شاء أم أبى سيجد نفسه مضطراً إلى استيراد نبتة القات المخدرة، التي اعتبرت أمريكياً المخدر رقم 7، واشترطت السفارة الأمريكية في صنعاء منذ آذار/مارس عام 2008 على المتقدمين للحصول على تأشيرات (فيزات) الهجرة إلى الأراضي الأمريكية، مضي 3 سنوات على إقلاعهم عن تعاطي تلك النبتة أو مضغها وأجرت فحوص طبية للتأكد من ذلك. كما تمنى الزميل غراب على الوزير اليمني منصور الحوشبي، أن يكون ذلك القات المستورد صــينـيا، حتى تكون التخديرة لتلك النبتة ذات أثر من وجهة نظره،مما أصابني بالذهول وخيبة الأمل، وكأن القات اليمني، لا يملأ اليمن والتراب اليمني أصلاً!! وتسبب في اقتلاع منتجاتٍ زراعية ونقدية، كانت اليمن في قائمة الدول الأولى المصدرة لها عالمياً، وعلى سبيل المثال لا الحصر البن اليمني؛ نتيجة للربح السريع العائد من زراعة وبيع نبتة القات المخدرة في اليمن. نعود لنقول إن خبر استيراد القات من الخارج كنا قد قرأناه في صحف معارضة يمنية، إلا أننا لم نصدقه، وقلنا أنه ربما يكون اجتهادات صحافية، أو مزايدات حزبية من قبل أحزاب المعارضة اليمنية، لكن أن ينشر في مقال تحليلي ساخر في صحيفة رسمية يمنية مثل 'السياسية'، فهذا يعني أن ذلك الخبر صحيح، وهذا باعتقادنا قمة الغباء. فبدلاً من أن تشجع المزارعين اليمنيين على زراعة منتجات زراعية بديلة عن القات وتخدم اقتصاد اليمن السعيد، كأنها تقول لزارعي نبتة القات المخدرة، وما أكثرهم في اليمن، اخلصوا وتفانوا في زراعة أشجار قاتٍ أكثر تخديراً.
-القدس العربي