صنعاءنيوز -
حين ترسل كرة مفخخة بالمرح الطفولي عبر الأسلاك الشائكة، فترد عليك الحدود بكرات من اللهب والغازات المسيلة للحزن، ولا يلتفت إليك من ذوي القربى أحد، وتضطر إلى مغادرة أرض الملعب كسير الفؤاد محزونا دون أن تسجل أي هدف، لا يتبقى أمامك إلا الحاسوب لتفجر فيه طاقاتك الطفولية المهدرة.
في ثورة يأس على التاريخ والجغرافيا، وجه الطفل الفلسطيني معروف عيد عبر موقعه على الفيس بوك رسالة حانقة إلى من يهمه الأمر من أصحاب السيادة والسعادة والفخامة في الأمم المتحدة، يشكو أسلاكا نصبها العجز العربي فوق خاصرة قريته واحتلالا جثم كطائر رخ فوق بيوض أحلامه الصغيرة، فحرمه ورفاقه شهوة اللعب فوق أرض لم تعد آمنة، ولم يعد يأتيها رزقها رغدا من أي مكان.
لم يطالب معروف بعقد اجتماع أممي طارئ، ولم يطمع في عقد قمة عاجلة لمجلس الأمن، ولم يناشد الأمم المتحدة بإزالة أكياس الرمل من خط الوسط في ملعب قريته الوحيد. فقط أراد طابته، لأنها لم توقع على اتفاقيات عجز ولا تعرف معنى الأسلاك الشائكة بعد تنكيس الأعلام، فكان أن حلقت كطائر أعمى فوق خوذات المحتلين لتسخر من سواتر الصهاينة وبزاتهم العسكرية وعيونهم المتربصة. لم يكن معروف ورفاقه يطمعون في تسجيل أي هدف في مرمى الاحتلال، لكنهم حين اقتربوا من الخنادق المفخخة بالجند، أمطرتهم سلطات الاحتلال بوابل غير صيب من القنابل والرصاص، فاضطروا إلى تنكيس أحلامهم والعودة إلى منازلهم دون أن يتمكنوا من حمل أمتعة الفرح من أرض الحصار.
لكن مناشدات الصبي لم تذهب كمناشدات سياسيينا سدى، ولحسن حظ صبية القهر، وقعت الرسالة عرضا في يد صحفية أسبانية تدعى آنا ألبا تعمل في صحيفة "بيريوديكو" الكتالونية، فما كان من المرأة إلا أن أوصلت الرسالة إلى جهة الاختصاص. ذهبت آنا وفي يدها نسخة من صرخة طفل بائس إلى قلوب المسئولين في نادي برشلونة، فما كان منهم إلا أن استجابوا لبث أطفال طولكرم وحزنهم.
وبعد أيام من نشر مقالها، توجهت آنا إلى طولكرم وفي جعبتها عشر كرات ممهورة بتوقيع أشهر لاعبي البارسا، وبالقرب من الأعين المتربصة، وقفت المناضلة آنا لتلتقط الصور التذكارية مع أطفال أضاعوا طابة فعوضهم الله بعشر أمثالها، وفقدوا أهلا، فأبدلهم الله خيرا منهم.
يستطيع أطفال كفر صور أن يعودوا اليوم إلى ملعبهم المسيج باحتياطي هائل من الكرات العابرة للعجز ليمارسوا لهوهم البريء في ساحاتهم المحتلة، يستطيع معروف ورفاقه اليوم أن يركلوا الكرة بعزم أشد وحرص أقل، وثقة أكبر بقدرتهم على هزيمة البنادق المصوبة وكرات اللهب.
شكرا لآنا لأنها أعادت البسمة لوجوه أطفالنا العابسة وردت الكرة إلى نصف الملعب المحاصر، وشكرا لآنا لأنها أعادت إلينا الثقة بالقلم واليقين بالنصر، وردت أفئدتنا المخلوعة إلى صدورنا اللاعجة. شكرا لآنا لأنها أثبتت من كتالونيا أن الصحافة مهنة شريفة وأنها ليست محظية في قصور الأمراء ودواوين الحكومات.
وشكرا لإدارة برشلونة ولاعبيها، الذين لم تلههم مبارياتهم المصيرية عن قراءة الاستغاثات العابرة للحدود والتجاوب مع صرخات أطفال لا يملكون من حطام وطن إلا نصف ملعب محاصر لا يستطيعون فيه ركل طاباتهم خوفا من الفقد. لن تضيع طابة وراءها مطالب أيها الباحثون في رماد التاريخ عن ذكرى كرامة، ولن توقفكم حدود التاريخ الشائكة من ممارسة ضحكاتكم البريئة في مناخ لم يعد بريئا أبدا.
ولا عزاء لمن شغلتهم حروبهم السياسية القذرة وتحيزاتهم المخجلة عن قول كلمة حق عند جار جائر .. لا عزاء لإدارات نواد شغلتها هزائمها المتتابعة وخيباتها المتلاحقة عن إرسال عشر كرات إلى أطفال الحصار، ولا عزاء لمن شغلتهم عقود التجديد وعقود الاحتراف عن التوقيع وإن بأحرف أولى على كرات من خجل تواري سوأة عجزنا السياسي المهين. ولا عزاء للشعوب التي تحولت إلى ألتراس كبير لا يجيد إلا الرقص في الملاعب والعبث بالمولوتوف. شكرا لك آنا وشكرا برشلونة.
عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]