صنعاءنيوز/محمد عبد الوهاب الشيباني(*) -
تعتق قيادة الاحزاب والتنظيمات السياسية على راس احزابها منذ سنوات طويلة واحدة من اخطر الامراض التي تعيق تجدد هذه الاحزاب وتحد من فعالياتها في الحياة العامة وبالتالي تؤثر سلباً في طبيعة تطور الحياة السياسية وترشيدها في البلاد.
ارتبطت بضع اسماء بهذه الأحزاب و (تاريخانياتها ) منذ اعلان حضورها في الحياة السياسية العلنية مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكأن هذه الاحزاب لم تنجب غيرها من الوجوه الاخرى(الاكثر شباباً ونظافة ) لإدارتها وتسيير نشاطها العام .
تحول ادارة الاحزاب الى مجموعة مصالح متشابكة داخلها او علاقتها بمشتبهاتها في المحيط وتغليب (شغل) العلاقات العامة على العمل السياسي والمدني فيها جعل من طريق الاتجاهات الشابة شاقا في تغيير هذه الكائنات المحنطة، التي حولت احزابها الى (دكاكين ارتزاق) او شركات مساهمة عائلية اوبين رموزها التي قد تتبادل مواقعها ، من باب التمثيل احيانا لكنها تبقي شكل الادارة وتأثير اللاعبين الرئيسيين قائما بفعل اتفاقات مضمرة في ما بينها ، فقد يترك احدهم موقع الرجل الاول الى شخص اضعف (بدراية الكل) لتتقوى ادارته الفعلية للحزب بسبب امساكه بخيوط المصالح و التشبيكات الفاضحة مع دوائر واجهزة الحكم التي طالما عززت حضوره السياسي في الحياة العامة خلال سنوات.
ولان الكثير من هذه الكائنات المحنطة تفتقر الى وازع اخلاقي، لا يهمها التحول الى ذبابة طنانة، تتنقل على كل الموائد ، ولأنها بحاجة الى تلميع نفسها تعمل على تعزيز علاقة المنفعة مع سياسيين وكتاب واعلاميين في احزابها ومن خارجها، لتستطيع الظهور معهم او استعارة السنتهم وافكارهم لتتنطع بها في المقابلات التلفزيونية والمقايل والمنتديات، التي تنفق نصف نهارها في التنقل بينها.
نظام علي عبد الله صالح(القائم حتى الان) دأب كثيراً على بقاء هذه الشخصيات على رأس هذه الاحزاب بل قواها وعزز من مصالحها ،لأنه يدري ان ترويض بدائلها من الوجوه الجديدة والطاقات الشابة قد يستغرقه ويستنزف جهود اجهزته، لهذا كثيراً ما يلوح بفتح ملفات (المعارضة) حين تشتد صداماته مع الرئيس الجديد او مع الاحزاب التي تناصبه العداء تماما كما كان يفعل في سنوات احتماء قياداتها بـ (حميد الاحمر) ولجنة حواره الورقية ،وتاليا احتمائها بالملهم (علي محسن) ولم يكونوا يستطيعون الغائه (أي علي صالح ) من الحياة السياسية حتى حين تكشف غطاء السعودية عنه ، فذهبت قيادة هذه الاحزاب صاغرة الى قانون الحصانة، الذي اقترحته (الشقيقة) لتبرير وشرعنة فظائعه عن ثلث قرن ولم يلغ هذا القانون الفاضح او يحجم من نشاطه السياسي والتخريبي الذي يمارسه حتى الان (حتي بعد جزرة وعصا قرار مجلس الامن الدولي 2140) )، ولا تستطيع المعارضة بقضها وقضيضها وضجيجها رده عن ذلك (الا كضعيف الايمان) بما فيها تلك التي تستقوي بذات القرار.
وبنفس الطريقة التي كانت تتعامل بها مع الحاكم السابق ،تحاول قيادة الاحزاب (المعتقة) الان تسويق ذاتها مع الحاكم الحالي بوصفه ولي نعمة، حتى ان احد الاحزاب العتيقة طلبت منه التدخل لحل خلافاتها الداخلية التي تفاقمت بتعيين احد قادتها وزيراً في حكومة التناصف السياسي ،واقدامها على فعل مثل هذا قد مارسته مراراً مع الرئيس السابق، الذي كان يستخدم مثل هذه السلوكيات (الخنيعة) من بعض قادة الاحزاب ،لربط مصائرها السياسية بيده ،ولهذا لم تظهر معارضة سياسية محترمة لنظام الحكم من هذه الاحزاب.
لهذا ليس بمستغرب ان لا يضع رئيس الدولة أي اعتبار لأحزاب من المفترض ان يحسب نشاطها على العمل المدني ،في أي من مشاوراته حتى وان عيَن قياداتها في دائرة المستشارين الخاصة ،وحدها الاحزاب التقليدية بأذرعها المليشاوية هي التي تحضر في مساحة مصائر المسالة الوطنية، التي يقول العقل والمنطق ان تتصدى لها الاحزاب ذات النزعة المدنية(التي تغيب حضورها مثل هذه القيادات)
في لحظة البحث (الخرافية ) عن الزعيم او القائد الضرورة ،لا تجد اسماً واحدا يستطيع ان يشغر المساحة التي كانت تُملاْ من قادة الحركة الوطنية اليمنية، في العقود الماضية ،واكثر الاسماء التي عول عليها في هذا المضمار تركت الجمل بما حمل(بلحظة اشبه بالاعتزال ) و اوكلت امر ادارة الحزب لشخصيات ورقية هشة تزيد من اضعاف الحزب ،الذي عُوِل عليه كثيراً ليكون حامل التحول الكبير.
في قياسات الرأي العام التي اجرتها بعض المراكز والمؤسسات والرصد البحثية على مدى السنوات المنفرطة ،اوضحت بمجملها عن ضعف بائن بين الاحزاب (يسارية وليبرالية) وبين الشارع الذي لم يزل اكثر التصاقاً بالأحزاب والتكوينات السياسية التقليدية المحافظة ،القادرة على تعزيز حضورها يوماً بعد اخر في حياة الناس.
فالأداء الضعيف للمعارضة السياسية (اليسارية والعلمانية) في بلدان الربيع العربي بشكل عام ، اتاح للقوى التقليدية المحافظة بتمثيلاتها الدينية والمختزلة بتيار الاسلام السياسي التحول الى اللاعب الاول على الارض على مدى عامين عاصفين بالرغم من العوامل العديدة التي اُتحت امام القوى المدنية لتحييد المشروع المحافظ الذي قاد المنطقة الى كوارث محدقة .
ليس مرد الاداء الضعيف للمعارضة السياسية، تماسها النشط بأنظمة حكم ما قبل 2011 وتحولها الى نخب متهالكة بقيادات ديناصورية تخشى على مصالحها المتراكمة بفعل الوقت. ضعفها الحقيقي نابع من حضورها الانتهازي بين حركة الشارع التي فاجأتها فحاولت اللحاق بها والتعبير عن قضاياها بقليل من الشعارات العاطفية منزوعة الفعالية والتأثير السياسي وبين قوى الحكم الجديدة التي استطاعت امتطاء ظهور الجميع لتصل الى الحكم باقل التضحيات.
ولم يقف ضعف الاداء لهذه الاحزاب في عدم قدرتها على تمثل رغبة المجتمع وتطلعه الى التغيير غير المنقوص وتاليا التعبير عن هذه الرغبات بأدوات سياسية متحققة في الحياة العامة ،ومقيمة في صلب التفاعل والفعالية ،وانما ايضا في تخلف طروحاتها النظرية المفترض ان تكون المعبر عن القضايا الاشكالية المؤثرة في حياة المجتمع ووجوده، ولنا في رؤى الاحزاب اليمنية ذات التوجهات اليسارية والقومية، التي قدمت لمؤتمر الحوار الوطني عن قضية الحقوق والحريات وبناء الدولة اسوة غير حسنة بكل تأكيد وجاءت متخلفة بخطوات كثيرة عن رؤى الشباب والنساء المستقلين التي تم التحايل عليها من ديناصورات الاحزاب في مؤتمر الحوار وافراغها من محتواها قبل تمريرها في الوثيقة النهائية.
الاستحقاقات السياسية المقبلة ستكرس هذا الضعف وتعظمه وبقوة الصندوق ايضا ـ ان وصلت البلاد الى هذه المرحلة اصلا ـ فكل المقدمات تقول ان دورة القوى التقليدية الدينية ستطول لان بيئة النشاط السياسي الساندة والداعمة للأنظمة السابقة هي ذات البيئة التي ستتوكأ عليها قوى الحكم الجديدة في المناطق الفقيرة والارياف حيث الكثافة الانتخابية والبشر المطحونين الذين لا تراهم عيون النخب في الاحزاب اليسارية والقومية ولا تقترب من معاناتهم المضاعفة التي باتت تستغلها باقتدار الاحزاب والقوى التقليدية وريثة انظمة ما قبل يناير 2011بكل تركيبتها.
(*) عضو الامانة العامة لحزب التجمع الوحدوي اليمني. |