عبد الرحمن أبو العطا* -
يافا تحبس أنفاسها منذ قرابة قرن وهي تئن بصوت منخفض تحذر أن يسمعها غاصبها فيزيد من عنائها ويشد من وثاقها .. تجتهد حتى تظل صابرة .. ويقوي من عزيمة صبرها أن ما ألمّ بها لم يصبها وحدها ؛ فحيفا وعكا وصفد والنقب والخليل وحتى القدس كرهت أنفاس الإنجليز أصحاب الصليب وتختنق اليوم مع نفخات أبواق اليهود متعددي الأجناس مختلفي الألوان والألسنة.
فما زالت عروبتها صامدة رغم محاولات التغريب الصهيونية ، تتحدى الأغراب الذين سكنوها وشوهوا معالمها عنوة ، تشمخ بعلو مآذنها التي تصدح بنداء الحق يلامس آذان المؤمنين فيقيمون صلاتهم التي تزهو بها أرجاء المكان منذ أشرق بنور الإسلام.
أقول ذلك فرحا ببشرى ساقها الأغراب أنفسهم من خلال إعلان سلطة الآثار الصهيونية العثور على عملة ذهبية تعود إلى أواسط القرن التاسع عشر، خلال أعمال حفريات في شمال مدينة يافا. وتفيد سلطة الآثار الصهيونية بأنه جرى صك العملة في عام 1856 في باريس وقيمتها 10 فرنكات وهي مصنوعة من الذهب شبه الخالص، حيث تصل نسبته إلى 93 بالمائة.
وتظهر على وجه العملة صورة نابليون الثالث الذي انتخب رئيسا للجمهورية الفرنسية الثانية في عام 1848، لكن بعد الانقلاب في 1852 عين نفسه إمبراطورا لفرنسا، كما فعل عمه نابليون بونابارت. وألقي القبض عليه في سبتمبر/أيلول 1870 في معركة سيدان خلال الحرب الفرنسية الروسية وخلع من على العرش بعدها بيومين، وتوفي في المنفى عام 1873 في انجلترا.
هل رأيتهم أيها الصهاينة أن سابقيكم من الغزاة وكانوا يحكمون إمبراطوريات لم يطل بهم زمان في هذه البلاد حتى طردوا إلى خارجها كما يلقي أحدنا النفايات خارج المنزل ؟.
وإن دولتكم القائمة على الدعم الخارجي، والمساندة الأمريكية والأوروبية وخيانات من الجيران لأصحاب الديار لن تطول إلى أمد بعيد ، فجيراننا هم أهلنا وعما قليل يعودون إلى رشدهم ويتملكون زمام أمورهم بأنفسهم.
أما أميركا وأوروبا فتعيشان أزمات مالية متلاطمة الأمواج، ومتورطتان في حروب لا أمل لهم أن ينتصروا فيها ولو استمرت حتى قيام الساعة.
ولعله جميل أن نذكر بأن هذا المكتشف الأثري يأتي في أجواء احتفال الصهاينة بذكرى إقامة دولتهم على جماجم الأبرياء وبناء منازلهم على أنقاض بيوتنا وإقامة مساكنهم في مواضع سكن أولئك المشردين خارج البلاد أو مخيمات اللجوء.
أيها الصهاينة علام تعولون إذن ؟!
إنّ مكتشفكم الأثري هذا يزيد من إحباطكم ويعمق من يأسكم ، ويؤكد لكم ولغيركم أن هذه البلاد لا يستقر فيها احتلال، ولا يطول فيها عمرُ لظالم ، وليس لكم إلا أن تفكروا بشكل جديّ كيف ستفرون من ديار أجدادنا التي اغتصبتموها حين يأتي زمان هلاككم وزوال ملككم ونهاية فسادكم في الأرض.
عليكم ألا تستشيروا الأمريكان والأوروبيين فإنهم جعلوا منكم درعا يتقون بها ضربات الأمة نحو صدورهم ، ويريدونكم أن تستمروا في الموقع الأول لتسلم لهم مواقعهم البعيدة خلف البحار فتموتون من الرعب، وتحترق عليكم بيوتهم وتقتلون ليعيش الأميركي في نيويورك آمنا مطمئناً ، وليرقد البريطاني بلندن في فراشه يحلم أحلاما وردية ، و لينام صاحب البيت الأبيض ملء الجفون بينما تستيقظون على أصوات تفجيرات الاستشهاديين ، وطلقات المجاهدين ، وصرخات المقاومين.
ومما يؤكد أنها بشرى حقيقة وأنني لا أحملها فوق ما تحتمل أن روبرت كول المختص بجمع العملات المعدنية في سلطة الآثار الإسرائيلية قال: "إنها المرة الأولى التي يعثر فيها على مثل هذه العملة في أعمال الحفريات في يافا".
ولنا أن نتوقع امتداد هذه البشرى في عام 2100م مثلا أن يتم العثور على مكتشفات أثرية هي عبارة عن قطع نقدية من فئة الشيكل والشيكلين والخمسة شواقل والعشرة شواقل مكتوب عليها بلغة منقرضة تدعى العبرية إضافة إلى العربية والإنجليزية، وكانت مستخدمة في زمن اختلف المؤرخون بشأنه حيث يذكر بعضهم أنها دولة لليهود تسمى إسرابيل ، وينفي آخرون قيام تلك الدولة أصلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في قطاع غزة
بريد إلكتروني:
[email protected]