صنعاء نيوز/ عبدالباري عطوان -
عندما تساوي المملكة العربية السعودية بين حركة الاخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة”، وتضعهما جنبا الى جنب في قائمة “الارهاب” التي تضم ست جماعات اخرى، فان هذا لا يعني، ومنذ الوهلة الاولى، انها قررت اعلان الحرب عليها، اي حركة الاخوان، وكل الدول الداعمة لها (تركيا وقطر)، وكل من يعتنق فكرها داخل المملكة وخارجها.
هذا القرار السعودي غير المسبوق صدر عن وزارة الداخلية السعودية ظهر الجمعة، وجاء بعد بضعة اسابيع من زيارة الامير محمد بن نايف وزير الداخلية الى واشنطن، ولقائه مع اركان الادارة الامريكية، وقادة اجهزتها الامنية على وجه الخصوص.
الامير محمد بن نايف الذي حل محل ابن عمه الامير بندر بن سلطان في الاشراف على الملف الامني السعودي بكل جوانبه الداخلية والخارجية، اراد ان يحكم قبضته على الداخل السعودي، ويقتلع جذور “الاسلام السياسي” الذي يشكل الخطر الاكبر على حكم آل سعود من وجهة نظره، بسبب تغلغه في المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تستطيع السلطات الامنية حجبها او السيطرة عليها بشكل كامل.
وصم حركة الاخوان المسلمين بالارهاب يعني تجريم معظم الدعاة السعوديين الكبار والصغار، وتشريع اعتقالهم، وتطبيق احكام القوانين الجديدة عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاث وعشرين عاما.
ومن ابرز هؤلاء الشيوخ محمد العريفي، سلمان العودة، ناصر العمر، محسن العواجي، عايض القرني، عبد الله المحيسني والقائمة طويلة.
وربما يجادل بعض هؤلاء بانهم ليسوا اعضاء في تنظيم الاخوان المسلمين، وهذا صحيح، فالتنظيم لا يصدر بطاقات عضوية فعلا وقد صرح رضا فهمي عضو مجلس شورى الاخوان ان الجماعة ليس لها اي تنظيم في السعودية، ولمنه اعترف “ان هناك من يؤمن بافكار الجماعة المعتدلة شأن الكثيرين في الدول العربية”، ولكن القانون نص صراحة على الصاق تهمة الارهاب بكل “من يقوم بتأييد التنظيمات او الجماعات او التيارات، او التجمعات، او الاحزاب او اظهار التعاطف معها، او الترويج لها، او عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة او خارجها”.
***
ولعل الفقرة الاخطر في البيان السعودي تلك التي تقول “يشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الاعلام المسموعة، او المقروءة، او المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى انواعها، المسموعة او المقروءة، او المرئية، ومواقع الانترنت، او تداول مضامينها بأي صورة كانت، او استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، او اي رموز تدل على تأييدها او التعاطف معها”، وهي فقرة اغلقت كل الثقوب والثغرات في وجه اي محاولة للتعبير خارج اطار وسائل الاعلام الرسمية!
بمعنى آخر ان مشاركة دعاة سعوديين في اجتماعات ولقاءات هيئة كبار العلماء المسلمين الذي يتزعمه الشيخ يوسف القرضاوي تضعهم تحت طائلة قانون الارهاب، والشيء نفسه ينطبق على كل من يظهر على قناة “الجزيرة” او يضع شعار ميدان رابعة العدوية الاصفر بالاصابع الاربعة، وهناك عشرات الآلاف من السعوديين يضعون هذه الشعار على صدر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي مثل “التويتر” و”الفيسبوك” وغيرها، ومن بين هؤلاء دعاة كبار وصغار وطلاب علم.
السلطات السعودية تشعر فيما يبدو ان الخطر بدا يطرق ابواب بيتها الداخلي بقوة، وان اعمال التمرد والعنف قد تتصاعد داخل العمق السعودي، بعد ان طال امد الازمة السورية، ودخول الحرب فيها عامها الرابع، وتقدم اولوية مكافحة الارهاب على الارض السورية على اولوية اطاحة النظام التي كانت تتقدم على ما عداها في بداية الازمة.
المملكة العربية السعودية ونظام الرئيس بشار الاسد اصبحا في خندق واحد في مواجهة “الارهاب”، والقوانين الجديدة تؤكد هذه الحقيقة الصادمة بشكل او بآخر، بما في ذلك تجريم مشاركة المواطنين السعوديين في القتال على الارض السورية، واعطائهم مهلة اسبوعين للعودة فورا والا واجهوا عقوبات بالسجن تصل الى عشرين عاما.
من الواضح ان الامير محمد بن نايف الذي يقف خلف هذه القوانين ومراسيمها قرر التخلص بصورة نهائية من ارث ابن عمه بند بن سلطان، وان واعادة النظر في مفهوم التدخل السعودي العسكري تدريجيا في سورية، وان يزيل عن بلده اي شبه بدعم الارهاب لما يمكن ان تنطوي عليه هذه التهمة من عواقب قانونية دولية مستقبلا.
مسؤول امارتي قال لي قبل عشر سنوات، ان بلاده خسرت اكثر من 15 مليار دولار لتنفي عن نفسها هذه التهمة بسب مشاركة مواطن يحمل جنسيتها في هجمات الحادي العشر من سبتمبر (مروان الشحي)، فترى كم خسرت المملكة التي شارك 17 من حملة جنسيتها في هذه الهجمات؟
وما دمنا نتحدث عن الازمة السورية، فان السؤال الذي يطرح نفسه سيكون عن موقف المملكة من الائتلاف الوطني السوري الخيمة التي تنضوي تحتها معظم فصائل المعارضة السورية، ومن بينها حركة الاخوان المسلمين السورية، فهل ستسحب اعترافها بهذا الائتلاف، ام انها ستشترط استمرار اعترافها بطرد جميع الاعضاء المنتمين لهذه الحركة في هيئة قيادة المعارضة؟ سننتظر لنرى!
وومن غير المعتقد ان التجريم بتهمة الارهاب لن ينطبق حتما على الافراد والجماعات فقط، وانما على الدول ايضا، والمقصود هنا دولة قطر التي تقدم الدعم المالي والاعلامي والسياسي لحركة الاخوان المسلمين وتعترف بذلك علنا وترفض كل الضغوط لتغيير موقفها هذا، مثلما تقدم المأوى والحماية لقياداتها التي لجأت اليها، فاذا كانت جريمة الفرد الذي يجمع المال لحركة الاخوان السجن عشرين عاما فما هي عقوبة الدول التي تقدم لهم المليارات؟
لا نستغرب، بل لا نستبعد، اذا ما قامت القوات السعودية باقتحام الحدود القطرية “يوما ما” بسبب دعم دولة قطر لحركة “ارهابية” تهدد امن واستقرار المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر ومصر ايضا، سواء كانت هذه الحركة هي الاخوان المسلمين او حركة “الحوثيين” في شمال اليمن التي وضعت على قائمة الارهاب السعودية ايضا، وقال الامير سعود الفيصل في اجتماع وزراء الخارجية لدول الخليج الاخير في الرياض ان بلاده تملك وثائق رسمية بدعم قطر لهذه الحركة بالمال والسلاح.
***
محطة “الجزيرة” القطرية ربما تكون اول محطة ستوضع على قائمة المحطات “الارهابية”، لانها تستضيف يوميا قيادات في حركة الاخوان المسلمين وتغطي احتجاجاتها المناهضة للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر، ولن يكون مفاجئا بالنسبة الينا اذا ما تعرضت مكاتبها للاغلاق اليوم قبل غدا، او حتى تعرضت مقراتها للقصف، الم يفكر الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش بقصفها، وتشاور مع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا جديا حول هذا الامر، حسب ما جاء في وثائق ويكيليكس؟ الم يطالب ملك عربي الرئيس بوش نفسه بتوجيه واحد من الصواريخ الذاهبة الى العراق لقصف مقر “الجزيرة” في الدوحة؟
نشم رائحة حرب في منطقة الخليج، حرب اعلامية وربما تتبعها حرب عسكرية، فالتوتر في ذروته، ووساطات “بوس اللحى” السابقة لم تعد تجدي نفعا، فقد اتسع الخرق على الراقع.
السلطات السعودية تقدم على مغامرات خطيرة جدا وتستعد للمواجهة على اكثر من جبهة، وتلجأ وبصورة اكثر قوة للقبضة الحديدية، لتكتيم الاصوات، وتقييد الحريات، في وقت تثور فيه الشعوب من اجلها، ولا بد ان هناك اسباب لا نعرفها تدفعها للذهاب الى هذه الدرجة من التشدد في هذا المضمار.
منطقة الخليج تقف حاليا على حافة تطورات غير مسبوقة لا يستطيع احد التنبؤ بنتائجها مهما اوتى من علم وبعد بصيره، فيبدو ان سياسة محاربة الثورات المطالبة بالديمقراطية في نهدها كأسلوب وقابة قد فشلت ولا بد من سياسة جديدة بديلة لتحصين الداخل من خلال القبضة الحديدية، السياسة التي اتبعها النظام السوري، ولكن باساليب غير دموية، وهذا لا يعني انها قد لا تتطور الى الحلول الامنية العسكرية لاحقا.
السعودية التي كنا نعرفها طوال الثمانين عاما الماضية تقف على ابواب مرحلة جديدة من التغيير، سنترك الحكم للمستقبل عما اذا كان هذا التغيير للافضل او الاسوأ.