صنعاءنيوز -
أيها الرفاق
يأتي انعقاد مؤتمرنا الاستثنائي هذا متزامناً مع الأوضاع المتردّية والخطيرة التي تعيشها بلادنا في هذه المرحلة الدقيقة والهامة من تاريخها. وهي في الواقع تمثل وضعاً شديد القتامة والتعقيد يصعب معه التنبؤ لما ستئول إليه الأحداث وأي مصير ينتظرنا في نهاية المطاف.
وما يدور في فلك الساحة اليمنية الآن لا يختلف كثيراً عن باقي الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي.
تلك الثورات التي انطلقت بشكل مفاجئ وبتوقيت واحد وبظروف واتجاهات متشابهة اقتصرت على الأنظمة الجمهورية أرست في الذهنية العربية المتعبة حالة من الاقتناع المفعم بقدر من النزعة الاستسلامية التي لا تقبل التشكيك على اعتبارها ثورات جاءت للتخلص من الأنظمة الدكتاتورية بعد عقود من الارتهان للاستبداد الداخلي والتبعية الخارجية .. وكفى .
اليوم تعيش المنطقة العربية جراء تلك الأحداث حالة ماساوية اضحت تهدد وحدة شعوبها ووحدة أراضيها . ولم تعد تلك التحالفات الوطنية التي وقفت بالأمس صفاً واحد ضد الأنظمة الاستبدادية قائمة الآن بعد أن تبعثرت جهودها وأخذت تتصارع فيما بينها غير عابئة بالأخطار المحدقة التي ستأتي بما هو أسواء عمَّا كان عليه الحال في العهد السابق.
والحال ذاته في اليمن التي تشهد حالياً تموضعات جديدة لشكل التحالفات بين كثير من أطرها السياسية والقبلية والمذهبية والمناطقية وعلى نحو لافت ومريب.
ومن هذا المنطلق فإن البحث عن ماهية الأزمة الراهنة تستوجب العودة إلى مفاصلها الأولى التي أفرزتها وقائع العهد السابق والحوارات البائسة بين قطبي المعارضة والنظام.
يقدم تاريخ الدولة منذ نشأتها في المجتمع الإنساني فكرة واضحة عن الآفات التي تصاب بها الدولة. وهذه الآفات يمكن تصنيفها في نوعين: آفات بنيوية في تكوين الدولة، وآفات طارئة تتعلق بالعلاقات الدولية فالآفات البنيوية التي تتمثل بالاستبداد الذي دمر ما كان قائما من مشاريع جنينية لبناء دولة مجتمعية ينتسب اليها الجميع وحل محلها دولة القبيلة والاسرة التي جري اختزالها لاحقا في دولة الفرد الواحد فقد كان له الأثر البالغ في تدمير الشخصية اليمنية ودفعها نحونمطين من الاغتراب , الداخلي,حيث يفقد الفرد شعوره بالانتماء المجتمعي وهي حالة تعكسها الشعور الهروبي ازاء مسؤوليته الوطنية ويستعيض عنها بالنكرانية او الالغاء التعمد للواقع برمته, وخارجي, يري فيه الملاذ النهائي لحل مشاكله المترتبة عن عجز الداخل في توفير الحد الادني من مقومات البقاء في الوطن. هذه قضية ما تزال تشكل الهاجس الرئيس في البدائل المتاحة للفرد اليمني غير ان الانكاء من كل ذلك هو الأغتراب الجواني حيث يفقد الانسان قدراته المحاكمية لواقعه المعاش بحثا عن مسوغات تفسر حالة الانتقال الاكراهي من الطور المتأنسن في الزمن المدرك الي الوضع الراهني الأقرب الى حالة الخدر الذي يعمم نفسها بتشجيع من النظام وهو ما يستوجب الوقوف الجاد امام هذه الحالة التي اذا ما سمح لها بالأستمرار سوف تنتج جيلا فاقدا لابسط مقومات الوجود الأنساني.
ثمة ادراك لخطورة هذه العوامل التي تنخر في الجسم المجتمعي وهو ما قاد الكثير من مثقفي اليمن الي ابداء الراي في معالجة هذه الأمراض على الصعد كافة النفسية والاقصادية والسياسية وبما ينسجم واعادة بناء الشخصية اليمنية وفق معايير العصر ومتطلبات التحولات المتسارعة للمجتمعات البشرية. ويمكن ايجاز هذه المعالجات بالاتي : الفصل بين السلطات والتوازن بينها، ومنع جمع السلطات كلها في يد واحدة، واحترام الدستور والقوانين والمواثيق والعهود.وعكس ذلك كان الحال في اليمن, فبدلا من أن يكون الدستور عقدا ضمنيا بين الدولة والمواطن، يقوم رجال الدولة بانتهاك هذا العقد جهاراً نهاراً، مراراً وتكراراً، عمداً وعدواناً، ويجعلون من تبني العنف شكلا من أشكال التعبير السياسي وخياراً تزداد جاذبيته مع تمركز السلطة بيد الفرد. إن السياسات التي يتبعونها كانت تجعل من العملية السياسية برمتها أمراً عبثياً لا معنى له، ومن كل حوار مهزلة وتمثيلية هزلية، عندما تستخدم لتحقيق مآرب خاصة ومصالح أسرية لا علاقة لها بالمجتمع وهمومه.
لقد عرف اليمن في عهده السابق انماطا من التقلب والغدرتركت بصماتها السيئة على العملية السياسية بما في ذلك الاتفاقات التي فشلت في اثبات صدقيتها مع قوى المعارضة..
وبدلا من تنفيذ الاتفاقات خطط النظام للذهاب إلى الانتخابات منفردا هربا من إصلاح النظام الانتخابي طبقا لآخر اتفاقاته مع المعارضة. وقد يقول قائل، إن السياسة لا تعرف صداقة دائمة، بل مصالح دائمة. ولكن ذلك يكون صحيحاً فقط عندما يكون نقض التحالفات والمواثيق ناتجاً عن دراسة عميقة وجادة تدل على المصالح الحقيقية للدولة والبلاد والعباد.
كما اتسم العهد السابق بنهج مغامر خطير تتعدد أمثلته، ولكن أخطر مغامراته على الإطلاق هو آخرها ويتعلق بملف "القاعدة في جزيرة العرب". فهو استخدمها لابتزاز أموال المساعدات والدعم السياسي الدولي ضدا على المعارضة الداخلية، ويكفي هذا المثال للدلالة على ذلك:
والحال أن كثيرا من المراقبين هنا يؤمنون أن القاعدة المحلية لم تكن إلا جهازا من أجهزة رئاسة الجمهورية تماما كجهازي الأمن القومي والأمن السياسي. وأن الحاكم يضحي بأرواح الجنود ليكسبها المصداقية. وقد صرح الكثيرون بذلك في الصحف والمواقع الالكترونية. بل إن بعضهم قال أثناء محاكمته انه درب وجرى ضمه إلى صفوف القاعدة من قبل الأمن السياسي.
المحاصصة آفة تنخر في الدولة وتخربها بالاستئثار بوظائف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، على أساس حزبي، أو جهوي، أو طائفي، الخ. ويتم تجنب ذلك عن طريق الاستقلال الكامل لأجهزة الخدمة المدنية والعسكرية، عن النفوذ السياسي للسلطة، بحيث لا يعين أحد في وظيفة إلا على أساس من معايير الكفاءة، بصرف النظر عن الانتماءات. إذ لا يمكن مع المحاصصة بناء دولة سليمة البنية.
فالحروب الأهلية نتيجة حتمية للمحاصصة أو الاستئثار في بنية الدولة. وهذه الآفات البنيوية هي نفسها صور الفساد الذي يصيب الدولة، ويترافق معها الفساد المالي والسرقات، كما هو واقع الحال في بلادنا، فيتعذر بناء الدولة الحديثة، وتتعثر التنمية، لعدم توفر التطبيق الصارم للقانون. وتسيطر البنى والعلاقات الاجتماعية المتخلفة، فيتعذر بناء المجتمع المدني الحديث.
أما الآفات الطارئة التي تصيب الدولة، والناشئة عن العلاقات الدولية، فإنها محصورة في جانبين. الجانب الأول: ينشأ عن انتهاك المعاهدات والاتفاقيات الدولية العامة أو الخاصة بحقوق المواطنين وغيرها، كما هو حاصل في بلادنا، الأمر الذي قد يعرض الدولة للحروب وللعقوبات والحصار وربما العدوان. والجانب الثاني: يتعلق بالتفريط بالحقوق الوطنية والسيادة الوطنية كما حصل عندنا في قضايا الحدود، واغتيال الأجنبي للمواطنين في الأراضي اليمنية، وهو ما يفقد السلطة شرعيتها ويقلل شأنها خارجياً، ويقود الى التمرد الداخلي، وهو ما رأيناه في بلادنا من صعدة إلى أرحب إلى مأرب إلى أبين وشبوة كنتيجة لما ذكر.
وليس من شك بأن النظام السابق تسبب بقدر كبير في استفحال هذه الاحوال المعوجة سواء ما كان في عهده أو ما يحدث الآن من خلال حرسه القديم . ودون أن نعفي المعارضة التي أسهمت بالجزء الأخر منها وهي الأهم قياسا بمدى ما يمثله التعويل الجماهيري على دور المعارضة ومسئولياتها في إحراز النتائج المرجوة. صحيح أن النظام السابق ظل على الدوام متشبثاً بنزوعه الاستعلائي والاستقوائي، ومكابراً عن الاعتراف بحقيقة الأوضاع المتردية التي أخذت تتفاقم يوما عن يوم لتغدو في الأخير أزمة مستفحلة يصعب الفكاك منها.
بيد أن المعارضة هي الأخرى معنية بشقها الأخر ويعزى السبب في ذلك الي كونها ظلت تتعامل مع النظام السابق كخصم وطرف منافس حيث اتسمت طروحاتها في كل الدورات التفاوضية مع النظام السابق بإشكاليات المنطق التساومي المتمحور حول نصيبها من السلطة ولم تول القضايا الأخرى ذات الصلة بهموم ومعاناة الناس اهتماما كافيا... كما أن مفاوضاتها مع النظام لم تنصب حول القضايا ذات المدلول الوطني وحول اشكالية النظام ذاته كما وردت في ادبياتها المعلنه بل اقتصرت كما اسلفنا على المساومة وهو الأمر الذي منح القيادة السياسية للنظام السابق الفرصة للمماطلة والتلكؤ .. والتنصل عن تنفيذ التزاماته متهما المعارضة بأنها هي من تقف وراء اصطناع الفوضى وتدبير الأزمات.
أيها الرفاق
وفي خضم هذا المعترك فإن منظمة حزب البعث العربي الاشتراكي لم تكن بمنأى عن جدلية السجال واعتمالات الشارع اليمني ولم يكن أمامها من خيار سوى الاستجابة لضرورات الحاجة النضالية وتوحيد الجهود في أطار العمل الوطني المشترك وجاء انضمامها إلى تكتل المشترك تعبيراً عن هذا التوجه.
حيث أسهمت مشاركتها بتقوية شوكة المعارضة وزيادة ثقلها وتأثيرها وهو ما دفع النظام السابق إلى تقبل الجلوس مع قيادة المشترك في المفاوضات التي بدأت رسميا في 19 مارس 2007م بوساطة سورية حيث تمخض عن ذلك اللقاء تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين تتولى مهام تنظيم وإدارة جلسات الحوار ، ثم تتالت الجلسات اللاحقة وصولاً إلى اتفاق فبراير 2009م الذي أسفر عن الموافقة على تمديد فترة مجلس النواب لسنتين أخريين لغرض إتاحة الفرصة للمعنيين باستكمال مناقشة التعديلات الدستورية والنظام الانتخابي وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات.
وما يعيب ذلك الاتفاق هو أنه لم يتناول بشكل جاد وموضوعي القضية الجنوبية وقضية صعدة والقضايا ذات المساس المباشر بهموم وتطلعات الشارع اليمني.
وفي مايو 2009م انعقد ملتقى التشاور الوطني وخرج بوثيقة الإنقاذ الوطني التي أوردت بشكل مفصل معالم الأزمة وأسبابها وكيفية المخارج والحلول.
لكن كل تلك المحاولات ظلت تراوح في مكانها ولم تجد نفعاً... وظل النظام كعادته يختلق الذرائع والمعوقات وينحو باللائمة على المعارضة في تعطيل مسارات الحوار.
والمعارضة بدورها انزلقت نحو المسالك الخطرة والمتشعبة بانسياقها نحو العنصر الأجنبي بغية تعزيز موقعها التفاوضي مع النظام ما فتح المجال للعنصر الأجنبي بالتدخل بشكل مباشر أو بغيره .
وهكذا وبعد ارتفاع وتيرة الشد والجذب بين طرفي المعارضة والنظام تداعى الطرفان إلى عقد لقاء آخر في يوليو 2009م تمخض عنه تشكيل لجنة مشتركة مكونة من 200 عضو لتقوم بمهام إطلاق آليات الحوار لتنفيذ اتفاق فبراير وكانت هذه هي المحطة الأخيرة التي تعثرت كسابقاتها ولم تر النور، وبدا معها بأن الطرفين وصلا فعلاً إلى طريق مسدود وأن الحلول والمخارج أصبحت مستحيلة وبعيدة المنال.. وكان من الطبيعي أن تعكس هذه الحالة الميئوسة أثرها البالغ على الشارع اليمني الذي فقد ثقته بالنظام والمعارضة معاً وبدأت تلوح في الأفق بوادر منذرة لحدث قادم وعاصف اسماها البعض بهبّة الشارع وكانت هي ثورة فبراير 2011م وشاءت لها الصدف أن تتفجر بذات الشهر الذي تضمن في السابق اتفاق فبراير.
ثورة فبراير والمبادرة الخليجية
انطلقت ثورة فبراير الشبابية بهمة عالية وحماس منقطع النظير أربكت أساطين النظام الذين لم يدر بخلدهم بأن ثورة بهذا الحجم من القوة والعنفوان سوف تُقبل عليهم يوما ماً .
ثورة فبراير قدمت بسخاء الدماء والأرواح وشدت إليها الأنظار والاهتمامات من كل صوب وحدب.
وبالقدر ذاته شكلت مصدر قلق للأنظمة الرجعية المجاورة التي خشيت من تمددها واتساع أثرها إلى خارج الحدود اليمنية، وهو ما يفسر الكيفية التي تعاطت بها دول الخليج لإخراج ما يسمى بالمبادرة الخليجية... وحري بنا قبل أن نتطرق إلى حيثيات هذه المبادرة فإن الضرورة الموضوعية تقتضي تسليط الأضواء للكشف عن طبيعة الإرهاصات التي تواكبت مع يوميات الثورة وعلى اعتبار أن المبادرة الخليجية ليست سوى نتاجاً سينا لتلك الإرهاصات والمتغيرات التي أفرغت الثورة من مضامينها وأصابتها في مقتل.
انطلقت ثورة فبراير عفوياً في بواكير عهدها وغلب عليها طابع الحماسة والاندفاع والإلهام المستمد من ثورات الربيع العربي وهي بواعث وإن كانت مهمة في لحظات الانطلاق لكنها ليست كافية ولا تعني شياً إذ لم تخط الثورة خطوات منهجية ومدروسة.. تصاغ وتبلور وفقا لشروط وضمانات النجاح وهو الأمر الذي لم يحدث... فالثورة لم توحد أدواتها ولم تتبن مشروعاً أو برنامجا ما يتضمن رؤيتها الموحدة والمتكاملة عن دوافع قيام الثورة وعن تصوراتها لمعالم العهد الجديد، وهو المشروع الذي كان له أن يصبح مرجعيتها ومناراً لدربها.
ونظراً لغياب هذا المشروع تاهت الثورة في غمار الفوضى والمسالك الضبابية ماحجب عنها الرؤيا للخفايا الكواليسية التي احاطت بها ولم تأبه إلى الثغرات والفراغات التي تسلل من خلالها المندسون إلى مرابع وساحات الثوار.
- جراء ذلك طراء مشكل آخر يكمن في هيمنة مراكز النفوذ على محاورها والسيطرة على مقاليد التحكم بمساراتها وفقاً لما هو مخطط ومرسوم في اجنداتها قيدت حركة الثوار وظلت ثورتهم حبيسة الساحات مما تسبب في دخول جماعاتها وتكتلاتها في احتكاكات وملاسنات يومية متصاعدة أدت إلى تنافرهم وإضعاف لحمتهم التي بدأت قوية في لحظة الانطلاق وفي أيامها الأولى .
- المشكل الثالث برز مع احتدام الصراع بين الزعامات العسكرية والحزبية والقبلية والزج بقوى الثورة في حلبة صراعاتهم ما أدى إلى شخصنة الصراعات وتجريد الثورة من قيمها النضالية وبعدها الجماهري الواسع الممتد على طول وعرض الساحة اليمنية.
ومن هنا بدأت معالم الأزمة تطغي على معالم الثورة بل وأضحى مفهوم الأزمة هو المرجّح لدى الجهات الوسيطة وهو المعتمد في الوثائق المعنية بعملية التسوية السياسية في اليمن. ناهيك عن المضاعفات التي اشتدت وتيرتها منذ التوقيع على المبادرة الخليجية كأعمال التخريب والإرهاب والانفلات الأمني والفساد والتسيب في مؤسسات الدولة... إلخ.. فأصبح الحديث عن الأزمة التي شغلت اهتمامات الأوساط والرأي العام هو السائد مقابل خفوت الحديث عن الثورة التي تبدو وكأنها أضحت أثرا بعد عين.
وما يؤسف له فعلاً هو أن الثورة امتلكت الطاقات الهائلة التي كان بوسعها أن تحقق الكثير من مآلاتها إن لم تبتلى بتلك الإصابات القاتلة.
والأمر الآخر المؤسف أيضاً يكمن في طبيعة الأداء والسلوك المتهاون الذي أبدته أطراف المشترك حيال المبادرة الخليجية وبدا الحال وكأنها أصيبت بالعمى السياسي وفي أهم اللحظات التي كان يفترض فيها امتلاك الرؤيا الصائبة لمسارات الأحداث والتعاطي معها بروح المسئولية الوطنية والأخلاقية .
لكن وبدلا من ذلك أخذ المشترك يتعاطى مع الحلول التوافقية في هذه المبادرة وكأنها حالة ملزمة يصعب تجاوزها وانصاع بمرونة حادة وبما يشبه الإذعان لتقبل تلك المخرجات الهزيلة سواء منها المكشوفة أو المبطنة في ثنايا النصوص والألفاظ .. وغابت عن مداركه الرؤيا الاستشرافية للمخاضات والأحداث التي ستنجم عن تلك المبادرة مستقبلاً .
وفي هذا السياق سنأتي على أهم العيوب التي اكتنفت مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية:
1- لم تتضمن المبادرة الخليجية أي ذكر لثورة فبراير ولم تشرك أحداً من قياداتها الشبابية في قائمة الأطرف المتفاوضة التي شاركت وأسهمت بإخراج المبادرة منذ وهلتها الأولى.
2- أما الخلل الثاني فيكمن في طبيعة المحاصصة والتقاسم الوزاري الذي منح كل طرف 50% من الحقائب الوزارية ورغم كون ذلك أمراً مستغربا لكن الأغرب منه هو أن المبادرة لم تشر إلى بقية المناصب القيادية في الهيكل الحكومي وهو ما أوقع المشترك في ورطة جعلته مقيداً واسيراً لأكثر من 80% من تلك المناصب التي ظلت تحت سيطرة وتصرف الطرف الآخر.
3- الخلل الثالث هو موضوع الحصانة فالمبادرة منحت الحصانة لقيادات النظام السابق وحرسه القديم ما يعني إعفائهم من المساءلة والمثول أمام القضاء وهو أيضاً أمر مستغرب والأغرب منه أن المبادرة لم تحدد شروطا معينة لهذا (المكرمة) أي الحصانة ولم تبين من هم المشمولين تحديداً بهذه الحصانة، مع أن قراري مجلس الأمن رقم (2014) ورقم (2051)كانا أكثر وضوحاً في هذا الموضوع حيث أشارا إلى مرتكبي الجرائم وإلى العقوبات وإن بصورة مقتضبة.
وفي هذا السياق يؤكد واقع الحال بأن المشترك كان بمقدوره وهو يتجه صوب الحلول السلمية والتوافقية أن يستفيد أكثر من فرص المد العاتي للثورة لتقوية موقعه التفاوضي ولم يكن ينقصه سوى المزيد من الثبات والتماسك بين أطرافه والضغط بتصعيد الحراك الثوري لرفع سقف المطالب.. لكن المشترك لم يشأ إلا أن يستمر بالتغطية على ضعفه وعماه وأخذ يبث للجمهور أخبار إنجازاته وانتصاراته ويطلق شحنات متتالية من التفاؤل لا تستند إلى أي أساس منطقي أو على مؤشرات ملموسة ومبشرة .
كل تلك المساوئ تستدعي بالضرورة مراجعة ناقدة لحال المشترك بعد أن عصف به الضعف وأفقده القدرة على تحمل مسئولياته التي يستمد منها المشروعية لبقائه في قيادة المعارضة... وتمثيله لجماهير الشعب اليمني.
المرحلة الانتقالية ومؤتمر الحوار الوطني
المرحلة الانتقالية كما هو معروف هي مرحلة زمنية معينة يتم العمل بها عند الانتقال السلمي من نظام إلى نظام أخر وخاصة عند الانتقال من النظام الدكتاتوري إلى النظام الديمقراطي؛ بحيث يتم هذا الانتقال بالطرق السلسة والآمنة وبما يجنب البلاد دخول الأطراف المتنازعة في حروب أهلية مدمرة، ويفضي إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني كقاعدة لابد منها للشروع في عملية التنمية وإرساء مداميك العهد الجديد.
فما هي الصورة التي اتصفت بها بلادنا خلال مرحلتها الانتقالية؟
يمكن القول ودون مغالاة أو تسويف بإن المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادنا الآن تعد واحدة من أسوأ مراحل تاريخنا المعاصر نظراً إلى كثافة الأحداث المؤلمة وطبيعة المتغيرات والإرهاصات التي عصفت بالساحة اليمنية كلها ، أخطر مظاهرها يتمثل بالانفلات الأمني المريع جراء تراجع دور المؤسسات الأمنية والدفاعية مما فاقم حدة الأزمة وأدى إلى ارتفاع وتيرة الأنشطة الإرهابية والتخريبية التي أودت بمئات الأرواح في كافة المحافظات وكلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة وزاد من تفاقهما الصراعات المسلحة ذات الطابع الحزبي والمذهبي والقبلي والمناطقي، فضلا عما شهده مؤتمر الحوار الوطني من الخلافات المتشعبة ذات المدلولات والمضامين اللاعقلانية واللاوطنية.
ومن خلال تلك الصورة المخيفة يتعزز لدينا الانطباع بأن الساحة اليمنية غدت فعلاً أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة ما لم يتم تداركها.
أيها الرفاق..
أن حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت مناصفة بين طرفي المؤتمر والمشترك وفقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية ما تزال تعاني الكثير من الارهاصات المتولده عن فلول النظام السابق والتي تسعى جاهدة لافشال المساعي الحكومية لاستتباب الامن وتوفير الحد المعقول من الخدمات الاساسية وفق الامكانات المتاحه.وهذا بطبيعة الحال لا يعفي الحكومة من تحمل قسطا من النقد الموجه الي الاداء الحكومي في النهوض بدورها المحوري سيما في هذه المرحله الهامة من تاريخ شعبنا اليمني. ومن نافل القول ان المكونات الصغرى في المشترك ما فتأت ترفع بين الحين وآلاخر وتيرة اعتراضها لجنوح المكونات الكبرى نحو الأستئثار بالجزء الأكبرمن السلطات الممنوحة للمشترك والذي يتم غالبا على حساب المصلحة الوطنية مما يعكس نفسه سلبا على الأداء الحكومي بشكل عام.
ومما تجدر الأشارة اليه هو دور بعض الأطراف الخارجية وتأثيرها على المشهد السياسي من خلال التدخل المباشر في إدارة شئون الدولة والتحكم بمسار العملية السياسية، مستغلة بذلك الحاجة الملحة لتمويل العجز المالي الذي تعاني منه الدولة في هذا الظرف الأستثنائي وغياب الحسم السياسي لقضايا الخلافات السابقة مع النظام السابق والذي ما يزال يمارس نشاطه دون مراعاة لنصوص الاتفاقات المبرمة بين الدولة والدول الراعية للمبادره،
وبالرغم من الملاحظات السالفة الذكر فأن الوضع لم يشهد متغيرات جذرية تدفع نحو الاعتقاد بأن حلولا ناجعة لاخراج اليمن من ازمتها الراهنه على وشك الحدوث مع دعمنا الصارم للجهود المبذولة من قبل الأخ رئيس الجمهورية في تبني المخرجات الحوارية والتي سوف تشكل ركيزة الدولة اليمنية الواعدة بغض النظر عن الصيغة السياسية لها....
مؤتمر الحوار الوطني:
أيها الرفاق
وكما اشرنا سابقا, نحن في حزب البعث نعتبر الحوار وسيلة حضارية وانعكاسا لمستوى الوعي المجتمعي المدرك لمخاطر العنف والحروب... بيد أن الوعي المجتمعي لا يتأتى هكذا وبشكل مفاجئ، أي أنه لا يتولد عن فعل معين وفي لحظة ما، فالوعي نتاج لعملية تراكمية تنطلق من صيرورة التطور، تتكامل وتتفاعل في بوتقته عناصر متعددة من القيم والضوابط والاعتمالات، يتشربها الأبناء جيل بعد جيل، والوعي يعكس أثره على صعيد السلوك الإنساني الميال دوماً إلى السير على مدارج الرقي والتقدم، والمتمسك بمناحي الحياة القائمة على التعايش والسلام بين أفراد المجتمع.
وعلى العكس من ذلك فإن مظاهر الجهل والقبيلة والسلاح والعصبويات والتشبث بموروثات العهود الغابرة المتناقضة مع روح العصر والحاجة إلى التجديد جميعها مظاهر غير حضارية تتناقض مع مرتكزات الدولة المدنية والديمقراطية والحداثة والانفتاح ومشاركة المرأة في بناء المجتمع .. إلخ.
ومن هذا المنطلق فإن مؤتمر الحوار الوطني كواحد من الأدوات التي تم تسويقها في أطار المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي سبق الحديث عنها افتقر إلى الدليل عن كونه حالة نموذجية ونتاجا لفعل واع تخلق من تنادي الأطراف ذاتها . فتلك الأطراف حتى وإن التقت داخل القاعة الواحدة لكنها تظل بحالة صراع خارج القاعة .
وفي كلتا الحالتين فإن عنصري الهم الوطني والوعي المجتمعي بديا مغيبين تماماً، فالكل ظل متعصباً لمواقفه ممتنعاً عن تقديم التنازلات ومغلباً مصالحه الضيقة والخاصة على المصلحة العليا للوطن.
ومما لا شك فيه أن تلك الثغرات منحت العنصر الأجنبي المزيد من فرص التدخل حتى أضحت الحاجة إلى إدارة الشئون اليمنية وتصويبها مرهونة بتدخله، وهي حالة مؤسفة لأنها تعني وكأن العنصر الخارجي غدا أكثر دراية باحتياجات ومقتضيات المصلحة الوطنية من ابن الوطن ذاته.
ومن ضمن الملاحظات الأخرى لهذا المؤتمر الذي بدأت أعماله في 18 مارس2013م وهو الآن يشارف على الانتهاء:
1- جاء انعقاد المؤتمر مترافقا مع انفلات أمني مريع راح ضحيته المئات من العسكريين والمدنيين.
2- لم يؤخذ بالحسبان أهمية التمهيد لهذا المؤتمر وذلك من خلال قيام الدولة بجملة من الإجراءات والإصلاحات المسبقة بغية تأكيد المصداقية واضفاء الأجواء المطمئنة والمريحة، فضلا عن قضايا أخرى تتعلق بالمكونات السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار، وهي قضايا كان من المفترض أن تعالج خارج إطار المؤتمر لا أن تلقي بظلها على قاعة المؤتمر بما لا يؤدي إلى تنقية النفوس وتعزيز أواصر الثقة بين المتحاورين.
3- الاختيار الغير موفق لنسبة غير هينَّة من المشاركين في مؤتمر الحوار ممن تنقصهم الخبرة والقدرة على الإسهام في إدارة شئون الحوار أو في العطاء وطرح المعالجات المقنعة لإخراج اليمن من أزماته.. وهو ما برهنت عليه الأيام اللاحقة والآثار السيئة التي أفرزتها تلك الظاهرة.
4- هناك قضايا ظلت محل خلاف ولم تحل بعد وهي القضية الجنوبية، شكل الدولة، ونوع النظام، صعدة والحوثيين، التمديد لفترة الرئيس، قانون المرحلة الانتقالية، والعزل السياسي.
وبرأينا فإن كل القضايا التي طرحت في هذا المؤتمر ، ليس من السهل أن تحل دفعة واحدة خلال فترة انعقاد المؤتمر وكان من الممكن أن تجدول تلك القضايا وفقاً لاهميتها بحيث يتم الأخذ بها بطريقة التدرج وعلى مراحل وهو الأسلوب الأمثل للنجاح. لأن النجاح في الخطوة الأولى سيوفر القدرة على إنجاح الخطوة الثانية .. وهكذا
وفي كل الأحوال فإن مؤتمر الحوار الذي وصل نهايته من خلال مخرجاته الحواريه التي نعلق عليها الكثير من الآمال في انجاحه وتوفير اللآليات الضرورية لاخراج اليمن من ازمتها الراهنه يبقى خياراً وحيداً لحل قضايا اليمنيين وبدونه سوف يتعرض اليمن لنتائج وخيمة شعباً وأرضاً.
كما يجدر التنويه الي انه في حال في التوصل إلى النتائج المرجوة فإن ذلك سيغدو أمراً بالغ الخطورة وينبغي في هذه الحالة أن تقف كل القوى الخيرة ومن مختلف التوجهات والانتماءات وقفة جادة وموحدة ازاء المخاطر المهددة لمستقبل ومصير الوطن، ويتحتم عليها في هذا الظرف الحرج أن تترفع عن الضغائن والخلافات والاهتمامات ذات الأفق الضيق، فلا شيء أكبر من مصلحة الوطن التي لا يجب التفريط بها بأي حال من الأحوال.
أيها الرفاق
كان امتناع حزبنا عن المشاركة في مؤ تمر الحوار خطأ سياسيا، فلا معنى لهذا الامتناع حيث والحزب عضوا في اللقاء المشترك وموافقا على المبادرة الخليجية وآلياتها.
وعليه فقد كان الاجدى لحزبنا المبادرة لاجراء حوار مواز للحوار الوطني الجاري على ثلاثة محاور:
المحور الاول: التواصل مع كافة الأحزاب والقوى السياسية الأخرى بما فيها القوى المستقلة في حوار بناء يستهدف صالح الوطن ويسعى لإقامة حياة سياسية صحيحة ويضع أسسا قوية للممارسة الديمقراطية، والدعوة للحوار لن تقتصر على الأحزاب والقوى السياسية بل ستمتد لتشمل منظمات المجتمع المدني. وهدف هذه الدعوة للحوار الوطني هي التمهيد لإعداد ميثاق شرف ينظم العلاقة بين الأحزاب السياسية ويحكم مبادئ وسلوكيات المنافسة وإدارة الحملات الانتخابية بما يضمن سلامة الأداء الحزبي على كل المستويات.
المحور الثاني: يدور حول تحديث البنية الثقافية، وذلك وفقا لمنظومة قيمية ترتكز علي مركزية القومية العربية، وعلي قيم الوسطية الإيجابية، التي يرى الحزب، وأثبتت الاحداث الجسيمة التي مرت وتمر بها أمتنا، انها المنقذ من اخطار التشظي والحروب الاهلية الطائفية والمناطقية. وتدور هذه المنظومة حول القيم الثقافية الدافعة إلى التقدم والنهضة، والتي تستند علي العلم والتفكير العلمي والعقلاني كمنهج للتقدم، والتعددية الإيجابية التي تشجع علي التجريب والإبداع، وتعزز الحوار والتسامح، وتنبذ الأصولية الجامدة والتعصب والانغلاق، وتشجع المواطن على المشاركة والعطاء والتطوع. وذلك فقا لرؤية الحزب التي يجب ان تقوم على الايمان بإن الإصلاح لا يتم إلا في ظل تحول ثقافي، استنادا إلى افتراض أن الاقتصار على الإصلاح السياسي في ظل مناخ ثقافي تسود فيه قيم الرجعية والأصولية والانغلاق علي الذات، وتتمتع فيه القوى الظلامية بقدرة تعبوية وتنظيمية عالية سيكون له عواقب وخيمة قد تؤدى باليمن إلي سيناريو مماثل لسيناريو الجزائر 92..
المحور الثالث: ويعنى بتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في مسيرة الإصلاح بإزالة العقبات التي تواجه نشاط منظمات المجتمع المدني لتمكينها من تعبئة المواطنين والمواطنات للمشاركة وتعميق عملية التحول الديمقراطي، وذلك عبر إعادة النظر في قوانين الأحزاب السياسية ومباشرة الحقوق السياسية، والقوانين المنظمة لعمل الجمعيات الاهلية والنقابات المهنية بغرض تحديثها ووضع حل لمشاكل الممارسة الديمقراطية. وإعادة النظر في القوانين المنظمة لعمل النقابات المهنية بغرض تحديثها وتطويرها وتشجيع الكوادر النقابية من الشباب والمرأة علي المشاركة بفاعلية في العمل النقابي ودعم البناء المؤسسي للنقابات. والتأكيد على أهمية تحديث القوانين المنظمة لعملها ولمباشرة حقوقها السياسية. بما يخلق مناخا سياسيا وتشريعيا ينشط الحياة الحزبية ويدفع الأحزاب لإعادة بنائها المؤسسي والديمقراطي.
نؤكد بهذا المناسبة بأن حزبنا سيظل متمسكاً بالثوابت الوطنية ولن يألوا جهداً في جمع الشمل ولملمة صفوف المعارضة وتوحيد الصف الوطني تجاه الأخطار المهددة لأمن وسلامة الوطن.. وثقوا بأن حزبنا لن ينجر وراء المشاريع الصغيرة والمشبوهة مهما كانت الذرائع والمسميات.
سوريا في مواجهة المؤامرات
أيها الرفاق
تعيش سوريا منذ ما يقارب الثلاث سنوات أوضاعاً مؤلمة تكبدت فيها الكثير من الخسائر والأرواح وأزهقت الموارد والقدرات الهائلة التي كان لها أن تسخر لتحقيق المزيد من لانجازات الاقتصادية والتنموية لمصلحة سوريا وشعبها.
سوريا قلعة العروبة والمقاومة ، قدرها أن تظل دوماً في مواجهة الأخطار والمؤامرات التي لم تتوقف منذ عقود خلت هذا هو حال سوريا التي تعتبر فعلاً قصة لا تنتهي
سوريا الدولة العربية الوحيدة التي عانت منذ وقت مبكر من جرائم الإرهاب التي بدأت مع منتصف سبعينات القرن الماضي وهي أيضا الدولة العربية الوحيدة التي أدرجتها الدوائر الغربية ضمن إمبراطورية الشر ثم في محور الشر ، باعتبارها كما يزعمون ويروجون دولة مارقة مهددة للسلام وداعمة للإرهاب فجاء قانون معاقبة سوريا الأمريكي ليفرض الحصار الاقتصادي والسياسي على سوريا بدوافع إضعافها وتركيعها ، تلاها التهم الملفقة حول اغتيال رفيق الحريري ثم السعي لإفشال مؤتمر القمة السورية المنعقدة في دمشق مارس 2008م.
وأخيراً المؤامرة الكبرى أو ما يطلق عليها بالمؤامرة الكونية التي قلما نشهد لها مثيلاً في التاريخ وعلى الأقل في التاريخ الحديث وهي مؤامرة ليس لها سوى هدفا واحد هو تدمير سوريا وإعادتها قروناً إلى الخلف.
فهل لنا أن نتصور مدى صلابة الإرادة السورية ومقدرتها الفائقة التي تمكنت من مجابهة كل تلك التحديات، بل وتحقيق الانتصارات الميدانية على الأرض وقلب الموازين التي راهنت عليها القوى المعادية عربيا ودوليا لضرب سوريا وجيشها ونظامها وحزبها العروبي المقاوم.
أيها الرفاق ..
هناك من الأفكار والمواقف الساذجة من تلك التي لم تزل حتى هذا اليوم تتقبل ما يبثه الإعلام المظلل الذي يصور التدخلات الخارجية بالشأن السوري أنما هو لإنقاذ الشعب السوري من المذابح ومن أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأن الأزمة ستحل بسهولة لمجرد رحيل بشار الأسد عن سدة الحكم.
وما يؤسف له هو أن الخطاب الديني الذي يفترض أن يتميز عن غيره بالمصداقية والأمانة والحفاظ على وحدة المسلمين وشحذ هممهم للوقوف بوجه الأعادي، كان هذا الخطاب هو الأكثر تفتيتاً لعضد الأمة وتدمير مقدراتها والأكثر تماهياً مع الاتجاهات الغربية ومصالحها.
أيها الرفاق.
لقد ظلت سوريا دوماً حاضنة للقضية الفلسطينية متبَّنية للقضايا العربية في كل المحافل والمناسبات ولم تتوقف مساعيها يوماً لرأب الصدع العربي وتقريب المسافات ومحاولة توحيد الإمكانات والجهود العربية تجاه إسرائيل.. وظل المناضلين العرب يجدون من سوريا ملجاءً ومنبراً وحضناً دافئاً لهم.
وعلى صعيد الداخل السوري فقد شهدت سوريا خلال الحقبة السابقة تطورات هائلة أذهلت العدو قبل أن تذهل الصديق . ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى بعضاً من الانجازات المتحققة في سوريا حتى العام 2010م.
- بلغ نمو الناتج المحلي لعامي 2009-2010م 6% وهو المعدل الأعلى بين الدول العربية والكثير من الدول النامية.
- العجز في الميزانية التجاري 0.5%
- في جانب الديون أعلنت سوريا في أبريل 2010م بأنها أغلقت بشكل كامل ملف الديون الخارجية.
- كانت سوريا من أقل الدول تضررا في العالم من الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2008م كما كانت من أقل الدول تأثراً في رصيد المعروض النقدي والانكماش النقدي.
- سعر ثابت للعملة منذ بداية الثمانينات وحتى العام 2010م
- بلغت قيمة الصادرات السورية عام 2010م 10 مليار دولار وتصدر سوريا إلى الخارج نحو 60 سلعه.
- في جانب الأمن الغذائي كانت سوريا واحدة من الدول التي تنخفض فيها معدلات نقص التغذية وهي من الدول المتقدمة في المساحات الفعلية المزروعة وفي جانب الأمن الغذائي.
- سوريا من اقل الدول النامية في معدل وفيات الرضع والأطفال.
- سوريا من الدول الرائدة في المنشآت السكنية وندرة المساكن العشوائية في المدن الرئيسية وفي مقدمتها العاصمة دمشق .
- في مجال التعليم بكافة مستوياته وتخصصاته احتلت سوريا مرتبة متقدمة تميَّز على الصعيد الإقليمي والدولي بجودته وجودة مخرجاته وهو ما يشهد له الجميع وكل من سعى إلى طلب العلم في سوريا.
- سوريا من أقل الدول العربية والنامية اعتماداً على المساعدات الخارجية وعلى الخبرات الأجنبية كما أنها دولة مصدرة للخبراء والأطباء والمدرسين .. إلخ.
- في مجال المرأة تعد سوريا من الدول المتميزة في دعم المرأة ومشاركتها في إدارة العملية التنموية وفي صياغة قرارات الدولة وأنشطة المجتمع.
- تتميز سوريا بمكافحة البطالة من خلال اهتمامها بتنمية المجالات الحرفية والمهنية التي يتميز بها الشعب السوري بمستوى عال من المهارة والشهرة.
ولكن ومع كل الانجازات التي أسلفنا ذكرها ليس بوسعنا أن ندعي بأن سوريا ليست بحاجة إلى إصلاحات وخاصة في الشق السياسي ومسألة الديمقراطية مع أن الوضع الذي عاشته سوريا في العقود الماضية كانت بفعل الضرورة التي املتها الظروف السياسية والأمنية التي أحاطت بسوريا في تلك الفترة.
وعلى الصعيد القومي فإن حزب البعث هو الأخر بحاجة إلى إصلاحات ومدخلات جديدة تتواكب مع طبيعة المتغيرات ومع ضرورة التجديد الحياتية والتي من شأنها أن تضخ نفساً جديداً من الحيوية والانتعاش لروح الحزب بعد أن توقف عن عقد مؤتمراته منذ العام 1980م متسبباً بحالة من التراخي والخمول لا سيما في الأنشطة القومية ولدى فروع الحزب خارج القطر السوري.
وفي الأخير نحن على ثقة بأن سوريا سوف تتجاوز الأزمة وتستفيد من دروس الماضي بما يعزز من مسارها الديمقراطي والتنموي ويحث الخطى نحو تحقيق المزيد من المنجزات صوب المستقبل المنشود .
منظمة حزب البعث العربي الاشتراكي - الحاضر وآفاق المستقبل.
أيها الرفاق
لقد مرت تجربتنا الحزبية في المرحلة الماضية بمنعطفات كثيرة ومتشبعة تخللها بين حين وآخر حالة من الفتور ومن السلوكيات والتصرفات المفتقرة إلى العمل الممنهج والمنضبط ... لكننا للأسف لم نتوقف عند تلك المحطات والمنعطفات لإجراء دراسة تقييميه ونقدية على واقع الحزب خلال تلك الفترات وهو الأمر الذي أسهم بالإبقاء على العيوب المتراكمة في جسد الحزب على حالها حتى يومنا هذا وهي حالة مؤسفة أفقدت الحزب لمعانة وسلبت منه الأضواء التي ولدتها إشعاعات المجد وتاريخ الحزب النضالي المشرف.
صحيح أن الحزب عانى في المراحل السابقة من قمع الأنظمة التي أعاقت من حركته وأنشطته لإحساسها بالأهمية التي يكتسبها الحزب على صعيد تجربته النضالية والتاريخية.
بيد أن الحزب كان بمقدوره أن يتلافى الكثير من تلك المعوقات وأن يعيد باستمرار بناء قدراته وتصحيح مساره اعتماداً على مشاركة واسهام أعضائه في عملية النقد والتقييم وإعادة ترتيب أوضاع الحزب بما يتلائم مع ظروف وواقع تلك المراحل.
ونذكَّر هنا بأن الحالة التنظيمية التي يعاني منها الحزب راهنا هي من أهم الدوافع التي استدعت عقد مؤتمرنا الاستثنائي هذا وهي مقدمة تمهيدية لابد منها لعقد مؤتمرنا القطري القادم.
أيها الرفاق:
إذا لم نعالج سوياً العيوب الجاثمة في جسد وحياة الحزب سريعاً فلن يكون حزبنا بمأمن عن الأضرار وربما تصل العيوب إلى مستوى الذروة لتغدو محاولات الإصلاح أكثر تعقيداً وصعوبة .. إذ لم تكن مستحيلة.
ومن هذا المنطلق فإن الحاجة إلى إصلاح وتقييم واقعنا الحزبي غدت مسألة ملحة تستوجب الوقوف عندها ملياً بعيداً عن المكابرة والإنكار وعن المزايدات الهوجاء الغير مسئولة التي لا تقودنا في الغالب إلا لما هو أسواء حيث تؤكد العديد من التجارب الحزبية المتعثرة هذه الحيثية التي أضحت مرضاً عضال في حياة الأحزاب لابد من معالجتها ويجب التركيز في هذا اللحظات على أبراز تلك العيوب التي المَّت بحياة الحزب خلال تجربتنا الماضية ومن ثم اختيار الحلول والمخارج العملية والجادة دونما تباطؤ أو تأخير.
وعليكم أيها الرفاق أن تبادروا إلى تقديم مقترحاتكم ومساهماتكم لإثراء أعمال ونقاشات المؤتمر بمزيد من الأفكار وبما يسهم في إنجاز المهام المطلوبة ويعيد للحزب ألقه ووضعه الطبيعي الذي يستحقه وقد حان الأوان للقيام بذلك.. فهل فعلتم.
عاشت الجمهورية اليمنية موحدة وأبية
عاش حزب البعث العربي الاشتراكي
النصر والخلود لرسالتنا
|