صنعاء نيوز/محمد عبد الوهاب الشيباني -
تسارع وتيرة الاحداث في المناطق التي تحوط العاصمة صنعاء، وعلى وجه الخصوص الاحداث التي شهدتها منطقة همدان وادت في ايام قلائل من الاسبوع الماضي الى سيطرة المقاتلين الحوثيين على معظم مناطق المديرية (الشمالية الغربية) المحاذية لمحافظتي عمران و المحويت ، بعد معارك (غير ضارية) مع مقاتلين قبليين من المنطقة نفسها محسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح ، هذه التسارعات تجعلنا امام صورة مجهرية بالغة التعقيد والخطورة لما قد نشهده خلال الفترة القليلة القادمة على نحو انتقال المعارك بين الطرفين الى مدينة صنعاء نفسها .
فوقوف السلطة(الجيش) من معارك كسر العظم بين مليشيا قوى الكهف (الاصلاحوثية) ابتداء من منطقة دماج بصعدة مروراً بحاشد وصولاً الى ارحب والجوف وقبلها في كتاف والملاحيظ (حيث حقق المقاتلون الحوثيون مكاسب مهمة على الارض) ، موقف المتفرج لأسباب غير واضحة تماماً وغير مقنعة بالأساس بما فيها تلك التي ترى في ذلك حكمة يمارسها رئيس الجمهورية الذي يكتفي في كل مرة بأرسال لجان رئاسية للوساطة (من قيادات عسكرية وامنية ورموز قبلية) لحل التنازعات المتفجرة هنا وهناك .فهو حسب هؤلاء لا يريد توريط الجيش في مستنقع الحروب كما فعل سلفه الرئيس السابق علي عبد الله صالح في حروب صعدة الستة ،ولان تصارع قوى الكهف الدموي وطول امدها واتساع رقعها في معظم محافظات الاقليم الزيدي(صعدة /عمران/ صنعاء) المقترح في الدولة الاتحادية المقبلة سيخفف من حمولة الضغوط التي تفرضها عليه مراكز النفوذ القبلية والعسكرية المحشورة في هذه الرقعة. تبرير مثل هذا يصطف خلفه صوت قوي حتى من المثقفين انفسهم، وهذا الصوت في سياق نفسي محدد يمكن التعاطي معه من زاوية رغبة الجميع التخلص من القوى التقليدية المحافظة بتركيبتها (الديقبلية) ،حتى تستطيع القوى المدنية النهوض من سباتها لتتحول الى حامل حقيقي للتغيير والتحول. هذا الطرح (بجاذبيته) يسقط امام قراءة الاحتمالات التي ستترتب على انتقال المعركة الى العاصمة اذا لن تبقي ولن تذر اقلها ان القوى المعول عليها قيادة التحول وتقف موقف المتفرج الان هي اول من سيدفع الثمن الباهض لهذا الجنون الذي سيغدو حاضنه ومشغله مذهبي ومناطقي ،اقله ان عاصمة اليمنيين جميعاً (صنعاء) ستتحول الى مربعات طائفية حقيرة اسواء من بيروت الثمانينات، كون الفرز في عديد احياء في العاصمة يتم الان على هذا الأساس. وان الجيش الذي يقف ذات الموقف المتفرج سيدفع هو الاخر اكلافه الباهظة اقلها تفككه و تشظيه وتوزع قواته على قوى التطاحن، كلا حسب هويته وانتمائه الجغرافي والمذهبي بسبب التدمير الوطني لعقيدته العسكرية على مدى سنوات.
وما لا يمكن اغفاله في مقاربة الحالة و(مجهرتها ) ان حزب التجمع اليمني للإصلاح بمليشياته واذرعه العسكرية التي شكلت عند الجميع رهبة طيلة سنوات، تحولت الى نمور ورقية في مناطق عمقها القبلي تماماً مثل حال مقاتلي اولاد الاحمر في مناطق نفوذهم في حاشد امام مقاتلي الحوثي الاكثر شباباً وجرأة والسبب في ذلك ان الاصلاح منذ حضوره في الحياة العامة وهو جزء مفصلي من السلطة بتطيفها الغاشم ، وترس عظيم في دولاب الفساد الذي حركها في الماضي ويحركها الان ، واكتسب (وهم) قوته في هذه المناطق من هذا التلازم ومسنوداته المالية واللوجستية المهولة التي فرضت حضوره خلال العقود الماضية وليس من شعبيته وصلابة فكره في اوساط المواطنين، وان اطمئنانه الزمني الطويل على (تفسيل) الانموذج الوهابي المتشدد في المناطق الزيدية الفقيرة والمتخلفة ، ارتدت وبالاً على حضوره السياسي والاجتماعي في هذه المناطق التي كان لمغنطة المذهب وهويته القوة الاقدر على جذب الجميع الى عربة السيد التي يظنون بقدرتها على دهس الجميع في طريقها لاستعادة سطوة المذهب وسلطته, من الدخلاء على هذه الجغرافيا .
بالمقابل على الحوثيين ان ينجزوا مراجعات مهمة وعلى رأسها علاقتهم بالمجتمع كله ،و لا تأخذهم زهوة الانتصارات وبهارجها الوقتية على خصومهم المذهبيين والقبليين ، الى مساحة التجبر مستندين على قدرتهم المهولة في التجييش والتنظيم والتجذيب المذهبي،مستغلين (هوان وهزال) خصومهم الغارقين في وهم السلطة واستغراقها (البشع) لمقدراتهم السياسية .
ان الممارسة البشعة في تدمير المساكن والمنشآت تعيد ترتيب صورة الحوثيين في الاذهان بطريقة اقرب الى البربرية بعيداً عن صورة المظلومين والمستضعفين التي تشكلت عند مناصريهم من قوى الحداثة والمدنية في سنوات حرب السلطة عليهم بين(2004 و2009)، فالقبول بتدمير مساكن اولاد الشيخ في الخمري ووادي دنان عند الكثيرين كان من باب تعظيم صورة الترميز الذي يحمله معنى التلازم بين السلطة والثروة التي رسمها الشيخ الاحمر وابنائه على مدى العقود الخمسة الماضية في المناطق القبلية الزيدية الفقيرة التي اُجبرت على الحياة تحت رحمة الشيخ وفي طاعته ، بدون ان تمسسها تحولات العصر ووسائله في التنمية والتعليم .
لكن ان يتحول نهج التفخيخ للمنشآت والدور (التي كان باستطاعة الحوثيين تحويلها الى اماكن منفعة للمجتمع ) الى لحظة لاستعراض القوة والزهو ، يعيد للأذهان اساليب السلطة الغاشمة التي استخدمت ذات الطرائق للتنكيل بالخصوم من خلال تدمير مساكنهم في المناطق الوسطى ومناطق الصراع الاخرى طيلة سنوات اواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي.
باختصار وحدها القوى المدنية هي من سيدفع الثمن الاخطر للتناحر (الاهوج ) بين مليشيات الاصلاح والحوثيين وتحالفاتها القبلية والعسكرية، لهذا يتوجب على هذه القوى بكل اطيافها خلق قاعدة مجتمعية واسعة ،لإسكات صوت الكهف الذي لن يأكل بعضه وانما سيفتح فمه الخرافي لابتلاع البقية الباقية من روح المجتمع الراغب في انتاج لحظته بعيداً عن هذا الجنون.
ايها (الاصلاحوثيون) عودوا بميلشياتكم الدموية الى الكهف واتركونا نحلم بسلام. |