أحمد عمرو - لها أون لاين - حماسنا -
في ظل الحملات المتوالية على المسلمين في أوروبا بدءاً من منع الحجاب بحجة مخالفته لروح الدولة العلمانية، مرورًا بالترويج للرسوم الكاريكاتيرية المستفزة لمشاعر المسلمين في الدانمارك باسم حرية التعبير! إلى الاستفتاء الذي أذن بمنع المآذن في سويسرا لعدم تقبلها عند الرأي العام، وصولاً إلى استهداف المرأة التي ترتدي النقاب! ولا أحد يدري ما الجديد في جعبة القوانين الأوروبية للنيل من المسلمين والتضييق عليهم.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الحملة ضد المسلمين في أوروبا ينقشع غبار الانتخابات البريطانية الأخيرة عن وصول ثمانية نواب مسلمين إلى مجلس العموم البريطاني منهم ثلاث نساء، والمفاجأة الأعجب هو تعيين أول وزيرة مسلمة في الحكومة البريطانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو ما الهدف من تعيين مسلمين في الحكومة البريطانية، وما الهدف أن تكون وزيرة وليس وزير مسلم، خاصة في هذا الوقت الذي يمر فيه المسلمون بحالة من الضعف والتضييق؟
سعيدة وارسي من هي؟ ولماذا هي؟:
أضافت الحكومة البريطانية لقبًا جديدًا إليها؛ لتكون ليست فقط "أول" حكومة ائتلافية منذ ما يقرب من 70 عامًا، ويرأسها "أصغر" رئيس وزراء منذ نحو قرنين، بل أصبحت أيضًا تضم "أول" وزيرة مسلمة في تاريخ بريطانيا. هكذا أوردت وكالات الأنباء خبر تعيين سعيدة وارسي كأول وزيرة مسلمة في تاريخ بريطانيا.
فمن هي سعيدة وارسي؟
- من مواليد مارس العام 1971، في مدينة ديوسبري (شمال إنجلترا)، لوالدين من أصول باكستانية محامية وسياسية بريطانية، درست القانون في جامعة ليدز، وحصلت على شهادة ليسانس في الحقوق، بدأت وارسي عملها السياسي منذ أيام دراستها في كلية ديوسبري حين انتخبت نائبة لرئيس اتحاد الطلاب في الكلية، شغلت منصب وزيرة ترابط المجتمع والعمل الاجتماعي في حكومة الظل لدى المحافظين.
لماذا وارسي ..ما هي أهم إنجازاتها السياسية؟:
ـ لعبت وارسي دورًا رئيسًا في إطلاق سراح المعلمة البريطانية جيليان غيبونز، التي اعتقلتها السلطات السودانية العام 2007، على خلفية اتهامات بالإساءة إلى الدين الإسلامي، بعدما سمحت لطلبتها في إحدى المدارس بتسمية دمية على شكل دب باسم «محمد».
- تعرضت وارسي للرشق بالبيض في الأول من ديسمبر 2009 في منطقة بيري بارك ذات الأكثرية المسلمة حيث اتهمها المحتجون بأنها «مسلمة غير ملتزمة، وأنها تؤيد قتل المسلمين في أفغانستان».
- عملت على مشروع بحثي عن وزارة القانون في باكستان، وترأس حاليًا مؤسسة «سعيدة» الخيرية لتمكين المرأة، ومقرها باكستان.
- تعد من أشد المهتمين بتشريع القوانين الخاصة بقضايا الإناث مثل: الزواج القسري وختان الإناث ومضغ القات.
بقراءة سريعة يتبين لنا أوراق اعتماد البارونة وارسي في هذا المنصب الرفيع. وأنا أترك المجال للقارئ ليدرك ما هي مؤهلات وارسي التي بوأتها المنصب الرفيع.
وزيرات في الحكومات الأوروبية:
لم تكن وارسي هو أول وزيرة مسلمة في أوروبا، فقد سبقتها عددًا من الوزيرات المسلمات في بعض الحكومات الأوروبية الأخرى.
فقد سبقتها فرنسا بتعيين وزيرة العدل الفرنسية "رشيدة داتي" ـ ذات الأصول المغاربية ـ وهي امرأة عزباء تبلغ من العمر 41 عامًا لها ابنة غير شرعية، شنت عليها المواقع الإخبارية الفرنسية ـ أثناء وجودها في الوزارة ـ هجومًا عنيفًا على إثر شريط فيديو يُظهر الوزيرة وهي في حالة سكر شديدة واستعراضها لذلك أمام الكاميرات، وترى داتي أن الحجاب غير مرحب به في فرنسا، وتحارب الهجرة المسلمة لفرنسا.
وعلى خطى داتي أثارت الوزيرة الفرنسية جزائرية الأصل فاضلة عمارة ـ وزير دولة لسياسة المدينة ـ أجواء من الجدل لدى الأوساط السياسية والثقافية في فرنسا، برفضها ارتداء الحجاب والنقاب في دور التعليم الفرنسية رغم أنها تدين بالإسلام. ودعوتها إلى إدراج تدريس الكارثة النازية «الهولوكوست» في مقررات دور التعليم الفرنسية بمراحلها المختلفة، في الوقت الذي عارض فيه الرئيس الفرنسي نفسه ذلك، ولم يكن خافيًا أيضًا إعلان وقوفها إلى جانب السياسة الإسرائيلية، وإشارتها خلال زيارة قامت بها مع وفد نسائي فرنسي للدولة العبرية، أنها لم تلتمس أي تفرقة عنصرية في إسرائيل سواء بين عرب 48 واليهود، أو بين اليهود والشعب الفلسطيني، واصفة إسرائيل أنها دولة ديمقراطية من الطراز الأول، كما صبت جام غضبها على الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ورفضت الدعوات التي تنطلق الفينة تلو الأخرى من طهران ضد إسرائيل.
ثم تأتي المحامية أيغويل أوزكان العضو في الاتحاد المسيحي والتي تصف نفسها بـ"المسلمة الشيعية المؤمنة" كأول ألمانية من أصل تركي في منصب وزيرة، بعدما تسلّمت حقيبة الشؤون الاجتماعية في حكومة ولاية ساكسونيا السفلى (شمال غرب ألمانيا) لتعارض الحجاب في المدارس؛ بحجة أنه من الرموز الدينية. وعن السبب وراء انضمامها للحزب المسيحي الديمقراطي رغم كونها مسلمة قالت أوزكان (38 عامًا): "حدث ذلك لأن مبادئ الحزب المسيحي الديمقراطي هي الأقرب لي، الأسرة والتضامن وحب الآخر من القيم التي تحمل أهمية كبرى بالنسبة لي، كما أن الحزب المسيحي الديمقراطي منفتح على العالم ولا يجب أن يكون المرء مسيحيا حتى ينتمي إليه".
لماذا وزيرات ولماذا مسلمات؟
تجميل الصورة:
أرادت الحكومات الأوروبية في ظل حالة التأزم التي تعيشها على مستوى القيمي والأخلاقي في الدول التي أشبعتنا حديثًا عن الحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الأديان وحرية اللباس، ها هي تنقض عرى كل ما تشدقت به، فأرادت بتعيين مسلمين في حكوماتها الإشارة إلى أنها ما زالت تؤمن بقيمها، لكن الناظر لطبيعة الشخصيات التي تعين في تلك الحكومات يتبين لنا أنهم أكثر علمانية وبعدًا عن الإسلام من بعض الأوروبيين.
ففي حوار مع "جون ويليكس" المتحدث الرسمي بالعربية باسم الحكومة البريطانية سابقًا، قال وهو يدلل على أن مسلمي بريطانيا ليسوا مضطهدين: "إن مسلمي بريطانيا أصبحوا أكثر وعيًا ونضجًا وتقدمًا في مواجهة التحديات الداخلية وفي المجالات الاقتصادية والسياسية والخارجية، وتوقع أن تتولي الأجيال الجديدة منهم أرفع المناصب الرئيسة في بريطانيا مستقبلاً، مشيرًا لوجود أجيال جديدة مسلمة في مواقع مميزة في الخارجية البريطانية والبرلمان والمؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى، ووجود بريطانيين مسلمين في الجيش والخدمة العامة، وقال:" إنه بعد عشرة سنوات أو عشرين سنة سيصبح هؤلاء مسؤولين كبار في الحكومة وفي الجيش، وسنشاهد الجيل الجديد (من المسلمين) في مناصب كبرى".
فما عبر به "جون ويليكس" هو عين ما تريده بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية أن تدلل على أن المسلمين في الغرب غير مضطهدين، والدليل على ذلك أنهم استطاعوا أن يضمنوا لأنفسهم مقاعد في الحكومة.
إنها ورقة إعلامية كبيرة في ظل حالة الاضطهاد المستمرة للمسلمين في أوروبا، والدعوات المطالبة بطردهم وتهجيرهم ناهيك عن كافة أنواع التمييز على نحو ما ذكرنا.
تمكين المرأة:
في ظل الحملة المسعورة على المرأة المسلمة، والسعي لسن القوانين الإلزامية، وإصدار التقارير والمواثيق الدولية التي تستهدفها خاصة. على نحو ما جاء في مؤتمرات بكين المتوالية وغيرها من المؤتمرات تأتي تلك التعينات كأنها رسالة للمرأة المسلمة (ها أنت في الدول الغربية تحصلين على أعلى المراكز وتصبحين وزيرة، بينما أنت في بلادك ما زلت قابعة في بيتك)،
ورسالة ضغط للحكومات المسلمة أن عليك أن تفتحي المجال أكثر نحو تمكين المرأة.
ولكن لتعلم المرأة المسلمة أن طريق التمكين في تلك الدول لا يمر إلا عبر الزواج غير الشرعي، واحتساء الخمور والتبرج، بينما المرأة المسلمة التي تعيش في أوروبا وتتمسك بدينها وحجابها تتعرض أقسى أنواع الإهانة والإذلال.
وإن كان من أمر يجب قوله في النهاية هو أن الإسلام قادم قادم، ولولا أن المسلمين سجلوا حضورًا قويًا في أوروبا ما شهدوا كل تلك الحملات من الخديعة مرة والتضييق مرات |